الدول الفقيرة تفقد ثلث مغذياتها المهمة بسبب التغير المناخي
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
قد يظن المواطن العادي أن التغير المناخي لا يعني إلا أن ترتفع درجات الحرارة كل صيف بمعدل درجة ونصف أو درجتين، وهو رقم ليس كبيرا بالنسبة له، لكن هذا الفهم خاطئ ببساطة، لأن التغير المناخي يغير كل شيء.
ونحن لا نتحدث فقط عن الموجات الحارة أو ازدياد معدلات الأعاصير وقوتها والعواصف الترابية والرملية، ولكن يصل الأمر إلى مستوى ما نأكله بشكل يومي.
جاء ذلك في دراسة نشرها الفريق في دورية "نيتشر كلايمت تشينج"، أوضحوا فيها أن المأكولات البحرية عادة ما تعد عنصرا أساسيا في الأنظمة الغذائية للدول منخفضة الدخل، وبالتالي فإنها تمثل جدارا حاجزا أمام سوء التغذية بالنسبة لتلك الدول.
وقد استهدفت الدراسة 4 عناصر غذائية أساسية لصحة الإنسان ومتوفرة في المأكولات البحرية وهي الكالسيوم والحديد والبروتين وأحماض أوميغا 3، وعلى هذا الأساس قاموا بدراسة نسب توافر الأسماك التاريخية، وقواعد البيانات المتعلقة بتكيف أشكال الحياة البحرية، ودمجوا ذلك بنماذج تنبؤية لمنظومة المناخ المستقبلية.
وبحسب الدراسة، فقد بلغ تركيز هذه العناصر الغذائية ذروته في التسعينيات، ثم ظل راكدا حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ووجدت النماذج المناخية التنبؤية أنه من المتوقع أن يكون هناك انخفاض كبير في أعداد الأسماك المتاحة للصيد بسبب التغير المناخي. وبحساب نسب العناصر الغذائية تبين أن الكالسيوم مثلا سيكون الأكثر تضررا، حيث يتوقع أن يحدث انخفاض في نسبته ما بين 15 و40% بحلول عام 2100 في النظم الغذائية لسكان تلك الدول، كما تشهد أوميغا 3 انخفاضا بنسبة تتراوح بين 5 و15% تقريبا.
وتشير الدراسة كذلك إلى أنه حتى مع محاولات الدول تعويض ذلك النقص عبر مزارع الأسماك، فإن التغير المناخي سيحد من فاعلية تلك الطريقة، لأنه يجعل البيئة بشكل عام غير مناسبة لمزارع الأسماك، فتصبح نسب الأمراض فيها أعلى، وتنخفض معدلات خصوبتها.
وفي هذا السياق، فإن الأمر نفسه سيصل إلى كل دول العالم، حيث يتوقع الباحثون أن ينخفض توافر المغذيات من مصادر المأكولات البحرية بنسبة تعادل ما بين 4 و7% مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة. لكن سبب انخفاض النسب في الدول الغنية هو أن هناك مصادر أخرى لتلك المغذيات.
ولنأخذ مثلا الكالسيوم على سبيل المثال، ففي الدول منخفضة الدخل التي تعتمد على الموارد الغذائية البحرية، فإن اللبن والجبن هي سلع نادرة، ويحصل المواطنون على حاجاتهم من الكالسيوم من الأسماك فقط، لكن في حالة الدول الغنية، فإن اللبن ومشتقاته متوفرة بكثرة.
وبحسب بيان صحفي رسمي صادر من جامعة "بريتش كولومبيا"، فإنه من الممكن خفض هذه النسب المعلنة في الدراسة إلى 10% تقريبا في الدول منخفضة الدخل إذا تمكن العالم من تحقيق أهداف اتفاق باريس المتمثلة في الحد من الاحتباس الحراري العالمي بما لا يتجاوز الدرجة والنصف إلى درجتين.
ولكن للأسف، فقد أظهرت التقارير البحثية الصادرة مؤخرا إلى أن البشرية ليست على المسار الصحيح لتحقيق تلك النسب. وفي ظل عدم وجود اتفاق دولي على الأمر واضطرابات سياسية عميقة نشأت في مناطق متفرقة حول العالم، مثل الصين والولايات المتحدة على سبيل المثال، والحرب في أوكرانيا، أو ما يحصل من حرب إسرائيلية على غزة مدعومة بشكل كامل من الولايات المتحدة، فإن ذلك يوحي بأننا لسنا حتى قريبين من تحقيق تلك الأهداف.
ويعد النشاط الإنساني سببا رئيسيا في الاحترار العالمي بحسب أكثر من 90% من الأعمال البحثية في هذا النطاق، إذ يستخدم البشر الوقود الأحفوري في مصانع ومحطات الطاقة والسيارات والطائرات وغيرها، مما يتسبب في أن تتخطى نسبة ثاني أكسيد الكربون حاجز 400 جزء من المليون، أي أكثر من ثلث ما كان موجودا قبل الثورة الصناعية.
وللأسف، فإن أقسى تأثيرات التغير المناخي من موجات حارة وموجات جفاف وتأثر شديد للنشاطات الزراعية وصولا إلى ما يأكله المواطن يوميا، تقع على دول عادة ما تكون منخفضة الدخل، ولا تسهم إلا بنزر يسير في الاحترار العالمي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المأکولات البحریة التغیر المناخی منخفضة الدخل فی الدول
إقرأ أيضاً:
عاصفة جوية عنيفة.. كيف هدد التغير المناخي محافظة الإسكندرية؟
شهدت محافظة الإسكندرية ليلة الجمعة - السبت، عاصفة جوية عنيفة أثارت حالة من القلق بين المواطنين، خاصة مع تحذيرات متزايدة حول تداعيات التغير المناخي واحتمالات غرق أجزاء من المدينة الساحلية التاريخية.
وأعلنت وزارة الصحة، رفع درجة الاستعداد القصوى، تحسبا لتفاقم الأوضاع نتيجة التقلبات الجوية غير المسبوقة التي تضرب المدينة.
دراسة من "ناسا" تدق ناقوس الخطرتأتي هذه التطورات في ضوء نتائج دراسة علمية نشرت في فبراير الماضي بمجلة Earth Future، والتي حظيت بدعم من وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" وجامعة كاليفورنيا، بمشاركة باحثين من دول.
280 حالة انهيار لمبانٍ واقعة على الشريط الساحليوأشارت الدراسة إلى أن الإسكندرية تعرضت خلال العقدين الماضيين لأكثر من 280 حالة انهيار لمباني واقعة على الشريط الساحلي، في ظاهرة ربطها الباحثون بتآكل السواحل وهبوط التربة نتيجة تسلل المياه المالحة إلى باطن الأرض.
وحذرت الدراسة من تفاقم الوضع مستقبلا مع الإشارة إلى أن هناك أكثر من 7 آلاف مبنى في المدينة باتت معرضة لخطر الانهيار، في وقت يتسارع فيه معدل الانهيارات السنوية من حالة واحدة في العام إلى نحو 40 حالة.
تحديات وجودية بفعل التغير المناخيتقول المهندسة سارة فؤاد، الباحثة الرئيسية في الدراسة وأستاذة الهندسة البيئية في الجامعة التقنية بميونيخ، إن الإسكندرية التي صمدت لقرون في وجه الزلازل والعواصف وأمواج تسونامي، تواجه الآن تحديات وجودية بفعل التغير المناخي.
وأضافت: "ما أنجزه الإنسان على مدى آلاف السنين بات مهددا بالزوال في غضون عقود، بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وتزايد العواصف".
تأسست الإسكندرية على يد الإسكندر الأكبر عام 331 قبل الميلاد، موطنا لمكتبة الإسكندرية الشهيرة ومنارة فاروس، إحدى عجائب الدنيا السبع.
لكن موقعها الجغرافي الذي جعلها لعقود مركزا للتجارة والاتصال بين الشرق والغرب، تحول إلى نقطة ضعف مع تسارع زحف البحر إليها، نتيجة ارتفاع حرارة الكوكب وذوبان الجليد.
مستوى البحر في ارتفاع مستمرتشير بيانات الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) إلى أن مستوى سطح البحر العالمي ارتفع بما يتراوح بين 20 إلى 23 سنتيمترا منذ عام 1880، منها 10 سنتيمترات منذ عام 1993 فقط.
وخلصت الدراسة إلى أن الشريط الساحلي للإسكندرية تراجع بعشرات الأمتار خلال العقود الماضية، بمعدل يصل إلى 3.6 متر سنويا في بعض المناطق، ما يزيد من خطر الفيضانات ويسرع تدهور البنية التحتية.
ارتفاع منسوب المياه الجوفيةكما حذرت الدراسة من أن ارتفاع منسوب المياه الجوفية، المصحوب بتغلغل المياه المالحة، يُضعف أساسات المباني، ويؤدي إلى انهيارات متسارعة، حتى قبل أن يصل البحر فعليًا إلى تلك الأبنية.
مستقبل غامض ينتظر "عروس المتوسط"في ظل هذه التحديات البيئية الجسيمة، يجد الخبراء والمخططون أنفسهم أمام مهمة شاقة لإنقاذ الإسكندرية من مصير مقلق، قد يجعل من المدينة العريقة ضحية أخرى لتغير المناخ إذا لم تتخذ خطوات عاجلة على المستويين المحلي والدولي.