جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-31@08:25:20 GMT

بيضاء القُبَّار فُريحة غزة

تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT

بيضاء القُبَّار فُريحة غزة

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

لا تعلم فُريحة ما الذي ينتظرها في المستقبل هي وأبناءها وأحفادها ممن لا يزالون في علم الغيب؛ حيث لا يُمكن للطفل في عمر الخمسة أو الستة أعوام أن يرسم ذهنهِ صورة مستقبلية بعيدة المدى، إلا مجرد حلمٍ تخيلي مؤقت يتماشى مع المشاهدات اللحظية؛ وهكذا تخيلت فريحة ضئيلة الحجم خفيفة الوزن ذات صباحٍ مُشرقٍ نفسها فراشةً بيضاء تحركها الرياح بين ظلال النباتات الندية، وتمرجحها عاليًا على منابر أشجار اللوز الغزية، وذلك هو أعلى ارتفاع يمكنها تخيله لتشاهد الصيادين، وهم يكسرون أعمدة نور الشمس بشباكهم ومنطلقين يشقون الموجات بجوارهم.

تهُب نسمة أخرى على جنيحات فريحة، فتطلق لهما العنان، وتنساب معها حتى تتعلق بثمرة الأترج الضخمة في مزارع يافا الجميلة لتلمح بالقرب من أسوار البلدة القديمة وقلاعها عبر إحدى بواباتها الثمانية احتفال البَربارة يقيمه بعض النصارى المتجاورين مع أهل الحي؛ لا وقت للراحة فوق أطلال بوابة رمسيس وثمار البرتقال تجذبني كما تحدث فريحة البيضاء نفسها فالوقت ربيع والنسمات عليلة والقرى الوادعة ممتدةً في الأفق، وليمون وجميز الرملةِ يناديان فريحة وإخوانها وأخواتها عبر الأجواء المشبعة بشجو عبقهما فوق قبر صالح والفضل بن العباس، وحول مِئذنة الجامع الأبيض يحلق المشاغبون الصغار بصمتٍ مستغلين تيارات الهواء إلى طولكرم مدينة السياسة والسيادة ومتسللين بين حي الرشيد والعزب وأرتاح.

توقيت الفراشات لا يعترف بقانوننا الصارم، وربما دقيقتها تعادل ساعة مما نعد؛ ولذلك هناك متسع كبير من الوقت للمضي مع هبات الربيع العليلة إلى جنين ومعاكسة مزارعي البطيخ على مساحات مرج بن عامر الشاسعة، ثم ينقسم سرب الفراش إلى فريقين أحدهما توجه إلى الناصرة مسقط رأس البتول مريم بنت عمران عليها السلام، ومنها إلى نخل بيسان وغلالها ومصانع نسيجها وغزلها حتى إذا هفهفت نسمات الأصيل من لسان الأرض وعين الفلوس على الأجنحة البيضاء الحالمة وجدت نفسها محمولة إلى موز طبريا المثلى من بحيرتها العذبة والجوامع التاريخية المطلة على تخوم بقايا الرومان، وصولًا إلى الأسوار التي تشكلها أشجار قصب السكر المكافئ لسور عكا الحاوي لخان العمدان والشواردة، وقد تناهت إليها ذرات من نسيم بحرها ومينائها الشاهد على غزوات الفرنجة لتطال صفد المجاورة، ويجد السرب مرتعًا خصبًا في بساتينها الغناء، كما أن اللوز هنا يذكرها بلوز حيف في بداية رحلتها، إلا أن نهر صبايا والدان في صفد لا يشبههما شيء.

تجد فريحة نفسها متعبة قليلًا عند وقت الظهيرة فتهبط على صحن الكنافة في نابلس العابقة بروائح الصابون التي تصل إلى شكيم الكنعانية، وعلى شرفات الكنيسة فوق بئر يعقوب؛ حيث مر بها سيدنا عيسى -عليه السلام- تقرر أخذ قسطٍ من الراحة.

من هنا بدأت تتهادى نفحات من رام الله بعد وقت الزوال حاملةً معها قدسية التين والزيتون والنخيل الباسقات في القدس العظيمة وصوت المآذن الأربعة للمسجد الأقصى المبارك حوله وأجراس الكنائس من البلدات العتيقة وذكرى الرسل والأنبياء وتاريخ حافل بالملاحم والصراعات وأرواح القتلى من الملوك والجنود تتقمص الزوايا، وتحيط بكل حجر، لكن الأحياء من المسلمين والنصارى واليهود يقيمون شعائرهم كلٍ بمعتقده دون مساس أحدهم بالآخر باستثناء طائفة محدودة العدد توجست منهم خيفة لقلة احتكاكهم مع بقية أفراد المجتمع.

بعد رشفة ماء صغيرة من سبيل الشيخ البديري ترفرف فريحتنا، ومن تبقى معها من إخوتها إلى الخليل لتذوق العنب من كرومها والتنوع من عطر برقوقها ومراقبة الأهالي، وهم يتخللون الأزقة والطرقات لصلاة العصر في جامع بيت جبرين، وقبل القفول لابد من حومة مع الغروب حول أرجاء بئر السبع عاصمة النقب ليتفرق سرب الفراشات فوق سوق البدو إثر ضجيج محطة القطار العثمانية، وتعود فريحة بمفرها إلى غزة حيث الوطن شقيق الروح وهي منهكة من رحلتها الطويلة لتغفو مثقلة الجفنين.

ومع غفوة فريحة الطفلة مر ثمانون ربيعًا، وهي تحلم بفرد أجنحتها، وتكرار رحلة حريتها، لكن دون أن يتحقق ذلك الحلم، ولن تُفتح عيناها هذه المرة، وسيطول حلمها في نومتها الأخيرة مكفنةً نفسها بجناحيها تحت أنقاض بيتها المقصوف ممن توسمت في صباها مكرهم؛ وفي صعودٍ ملائكي لآلاف الفريحات الصغار من الذين عاشوا بضع سنين أو أسابيع، وترقد أجسادهم الطاهرة بسلام تحت أنقاض البيوت المجاورة تروي لهم الجدة بيضاء القُبَّار كيف عاشت فلسطين.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عقدت معها اتفاقية سريعا لإنقاذها.. ترامب يتهم الصين بانتهاك اتفاقها التجاري مع أمريكا

(CNN)-- انتقد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بشدة، عبر موقع "تروث سوشيال" مفاوضات التجارة مع الصين وكتب في منشور جديد، الجمعة، أن الصين "انتهكت اتفاقها معنا بشكل كامل".

وأضاف ترامب: "قبل أسبوعين كانت الصين في خطر اقتصادي جسيم! فالتعريفات الجمركية المرتفعة جدا التي فرضتها جعلت من المستحيل تقريبا على الصين أن تدخل السوق الأمريكية، التي تحتل المرتبة الأولى في العالم بلا منازع. لقد انفصلنا في الواقع عن الصين، وكان الأمر مدمرا بالنسبة لهم، لقد رأيت ما كان يحدث ولم يعجبني الأمر بالنسبة لهم وليس لنا. لقد عقدت اتفاقا سريعا مع الصين من أجل إنقاذهم مما اعتقدت أنه سيكون وضعا سيئا للغاية، ولم أكن أريد أن أرى ذلك يحدث". 

ومضى الرئيس الأمريكي يقول: "الخبر السيئ هو أن الصين، ربما ليس من المستغرب للبعض، قد انتهكت اتفاقها مع الولايات المتحدة بشكل كامل".

وتأتي تعليقات ترامب في الوقت الذي أفادت فيه شبكة CNN، الخميس، بأن إدارته اتخذت سلسلة إجراءات عقابية خلال الأيام القليلة الماضية، ردا على الاعتقاد بأن الصين لم تف بالتزاماتها التي تعهدت بها خلال محادثات التجارة في وقت سابق من هذا الشهر.

وبعد محادثات جنيف خلال هذا الشهر- والتي تمثل أول اجتماع جوهري بشأن التجارة منذ أن فرض ترامب الرسوم الجمركية - توقع مسؤولون أمريكيون أن تخفف الصين قيود التصدير على المعادن الأرضية النادرة، والتي تمثل جزءا رئيسيا من كل شيء بدءا من هواتف iPhone والسيارات الكهربائية، وصولا إلى الأسلحة مرتفعة التكلفة مثل طائرات F-35 المقاتلة وأنظمة الصواريخ.

لكن القيود لم يتم رفعها، مما تسبب في استياء شديد داخل إدارة ترامب ودفع إلى فرض سلسلة من التكاليف الأخيرة على الصين، حسبما ذكره 3 مسؤولون في الإدارة لشبكة CNN.

وأقر وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت بوجود توتر بشأن مفاوضات التجارة مع الصين، وذلك في مقابلة مع شبكة Fox News، الخميس، وقال لبريت باير إن المحادثات "متعثرة إلى حد ما".

وفي مقابلة مع قناة CNBC عقب منشور ترامب، قال الممثل التجاري الأمريكي، جيمسون غرير، إن الإدارة "ركزت بشدة على الالتزام - أو في هذه الحالة، عدم الالتزام"، موضحا أن "الصينيين يتسمون بالبطء في تنفيذ التزامهم، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق ويجب معالجته".

وقال غرير: "لقد بذلنا جهودا كبيرة في جنيف للتوافق مع الصينيين، والاستماع إليهم، ودائما ما ينتهي الأمر على هذا النحو، سواء كانت الولايات المتحدة أو الدول الغربية الأخرى، التي سعت دائما للتوافق مع الصينيين".

وأردف قائلا: "لدينا أسواق مفتوحة، وما إلى ذلك، ونرى الصينيين يتراجعون ولا يمتثلون لاتفاقياتهم مرارا، ويتسمون بالبطء في تطبيق التزاماتهم، ولا يفتحون اقتصادهم كما ينبغي".

مقالات مشابهة

  • الوكيل يكتب : نحتاج ثورة بيضاء يقودها سمو ولي العهد
  • واتساب تُطلق أدوات جديدة لتخصيص الحالات والتفاعل معها
  • عقدت معها اتفاقية سريعا لإنقاذها.. ترامب يتهم الصين بانتهاك اتفاقها التجاري مع أمريكا
  • زوج يقص شعر زوجته المصابة بالسرطان ويدعمها بحلاقة شعره .. فيديو
  • الأرصاد: رياح مثيرة للغبار تقل معها الرؤية الأفقية ببعض المناطق
  • كيف نشأت نظريات المؤامرة؟ ما حقيقة دوافعها وكيف نتعامل معها؟
  • الزمالك يوضح حقيقة أزمة أحد المستأجرات في النادي
  • سمكة المهرج تقلص نفسها استجابة للإجهاد والصراع مع المنافسين
  • شاهد بالصورة والفيديو.. أطلقت على نفسها لقب (شيخة ست الكل).. الفنانة السودانية مروة الدولية تحشد عدد من الفتيات للترويج لأغنيتها الجديدة بطريقة مثيرة
  • تشحن نفسها بنفسها.. أصغر عربة سكنية متنقلة في العالم