بيضاء القُبَّار فُريحة غزة
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
ماجد المرهون
لا تعلم فُريحة ما الذي ينتظرها في المستقبل هي وأبناءها وأحفادها ممن لا يزالون في علم الغيب؛ حيث لا يُمكن للطفل في عمر الخمسة أو الستة أعوام أن يرسم ذهنهِ صورة مستقبلية بعيدة المدى، إلا مجرد حلمٍ تخيلي مؤقت يتماشى مع المشاهدات اللحظية؛ وهكذا تخيلت فريحة ضئيلة الحجم خفيفة الوزن ذات صباحٍ مُشرقٍ نفسها فراشةً بيضاء تحركها الرياح بين ظلال النباتات الندية، وتمرجحها عاليًا على منابر أشجار اللوز الغزية، وذلك هو أعلى ارتفاع يمكنها تخيله لتشاهد الصيادين، وهم يكسرون أعمدة نور الشمس بشباكهم ومنطلقين يشقون الموجات بجوارهم.
تهُب نسمة أخرى على جنيحات فريحة، فتطلق لهما العنان، وتنساب معها حتى تتعلق بثمرة الأترج الضخمة في مزارع يافا الجميلة لتلمح بالقرب من أسوار البلدة القديمة وقلاعها عبر إحدى بواباتها الثمانية احتفال البَربارة يقيمه بعض النصارى المتجاورين مع أهل الحي؛ لا وقت للراحة فوق أطلال بوابة رمسيس وثمار البرتقال تجذبني كما تحدث فريحة البيضاء نفسها فالوقت ربيع والنسمات عليلة والقرى الوادعة ممتدةً في الأفق، وليمون وجميز الرملةِ يناديان فريحة وإخوانها وأخواتها عبر الأجواء المشبعة بشجو عبقهما فوق قبر صالح والفضل بن العباس، وحول مِئذنة الجامع الأبيض يحلق المشاغبون الصغار بصمتٍ مستغلين تيارات الهواء إلى طولكرم مدينة السياسة والسيادة ومتسللين بين حي الرشيد والعزب وأرتاح.
توقيت الفراشات لا يعترف بقانوننا الصارم، وربما دقيقتها تعادل ساعة مما نعد؛ ولذلك هناك متسع كبير من الوقت للمضي مع هبات الربيع العليلة إلى جنين ومعاكسة مزارعي البطيخ على مساحات مرج بن عامر الشاسعة، ثم ينقسم سرب الفراش إلى فريقين أحدهما توجه إلى الناصرة مسقط رأس البتول مريم بنت عمران عليها السلام، ومنها إلى نخل بيسان وغلالها ومصانع نسيجها وغزلها حتى إذا هفهفت نسمات الأصيل من لسان الأرض وعين الفلوس على الأجنحة البيضاء الحالمة وجدت نفسها محمولة إلى موز طبريا المثلى من بحيرتها العذبة والجوامع التاريخية المطلة على تخوم بقايا الرومان، وصولًا إلى الأسوار التي تشكلها أشجار قصب السكر المكافئ لسور عكا الحاوي لخان العمدان والشواردة، وقد تناهت إليها ذرات من نسيم بحرها ومينائها الشاهد على غزوات الفرنجة لتطال صفد المجاورة، ويجد السرب مرتعًا خصبًا في بساتينها الغناء، كما أن اللوز هنا يذكرها بلوز حيف في بداية رحلتها، إلا أن نهر صبايا والدان في صفد لا يشبههما شيء.
تجد فريحة نفسها متعبة قليلًا عند وقت الظهيرة فتهبط على صحن الكنافة في نابلس العابقة بروائح الصابون التي تصل إلى شكيم الكنعانية، وعلى شرفات الكنيسة فوق بئر يعقوب؛ حيث مر بها سيدنا عيسى -عليه السلام- تقرر أخذ قسطٍ من الراحة.
من هنا بدأت تتهادى نفحات من رام الله بعد وقت الزوال حاملةً معها قدسية التين والزيتون والنخيل الباسقات في القدس العظيمة وصوت المآذن الأربعة للمسجد الأقصى المبارك حوله وأجراس الكنائس من البلدات العتيقة وذكرى الرسل والأنبياء وتاريخ حافل بالملاحم والصراعات وأرواح القتلى من الملوك والجنود تتقمص الزوايا، وتحيط بكل حجر، لكن الأحياء من المسلمين والنصارى واليهود يقيمون شعائرهم كلٍ بمعتقده دون مساس أحدهم بالآخر باستثناء طائفة محدودة العدد توجست منهم خيفة لقلة احتكاكهم مع بقية أفراد المجتمع.
بعد رشفة ماء صغيرة من سبيل الشيخ البديري ترفرف فريحتنا، ومن تبقى معها من إخوتها إلى الخليل لتذوق العنب من كرومها والتنوع من عطر برقوقها ومراقبة الأهالي، وهم يتخللون الأزقة والطرقات لصلاة العصر في جامع بيت جبرين، وقبل القفول لابد من حومة مع الغروب حول أرجاء بئر السبع عاصمة النقب ليتفرق سرب الفراشات فوق سوق البدو إثر ضجيج محطة القطار العثمانية، وتعود فريحة بمفرها إلى غزة حيث الوطن شقيق الروح وهي منهكة من رحلتها الطويلة لتغفو مثقلة الجفنين.
ومع غفوة فريحة الطفلة مر ثمانون ربيعًا، وهي تحلم بفرد أجنحتها، وتكرار رحلة حريتها، لكن دون أن يتحقق ذلك الحلم، ولن تُفتح عيناها هذه المرة، وسيطول حلمها في نومتها الأخيرة مكفنةً نفسها بجناحيها تحت أنقاض بيتها المقصوف ممن توسمت في صباها مكرهم؛ وفي صعودٍ ملائكي لآلاف الفريحات الصغار من الذين عاشوا بضع سنين أو أسابيع، وترقد أجسادهم الطاهرة بسلام تحت أنقاض البيوت المجاورة تروي لهم الجدة بيضاء القُبَّار كيف عاشت فلسطين.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لحقت نفسها وقفزت .. إحالة سائق بشركة توصيل شهيرة تحرش بفتاة بسلاح | خاص
أحال المحامي العام الأول لنيابة أكتوبر الكلية سائق بشركة توصيل شهيرة إلي محكمة الجنايات لاتهامه بالتحرش بـ عاملة نظافة ومحاولة خطفها.
نص أمر الإحالة
جاء بأمر الإحالة أن المتهم شرع في خطف المجنى عليها بطريق الإكراه الواقع عليها بأن باغتها حال استقلالها
رفقته المركبة الآلية الرقيمة سيارة أجرة - قيادته حينئذٍ، وأشهر فى وجهها سلاحًا أبيض - كتر - مهددًا إياها ؛ فبُث الرعب نفسها وتمكّن بتلك الوسيلة القسرية من قطع صلتها بذويها وانتزاعها من بيئتها بعيدا عن أعين الرقباء وإخضاعها لسيطرته مُستغلاً خلو المركبة ممن يدرأ عنها ما سيوقعها فيه وكان ذلك تحت وطئ الإكراه الواقع عليها، إلا أنه خاب أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته فيه ألا وهو قفز المجنى عليها من المركبة الآلية إبان سيرها حين أدركت نواياه الآثمة وذلك درءً الخطره وصونًا لعرضها فجرت إصاباتها والموصوفة بالتقرير الطبي.
كما تحرش بالمجنى عليها حال استقلالها رفقته المركبة الآلية الرقيمة - سيارة أجرة قيادته حينئذ بأن تعرّض لها بالقول ووجه إليها عبارات وتلميحات جنسية بقصد الحصول
منها على منفعة ذات طبيعة جنسية على النحو المبين بالتحقيقات.
كما أحرز أداة (شفرة كتر ) دُون ان يكون لحمله أو إحرازه مسوغاً قانوناً أو مبرراً من الضرورة المهنية أو الحرفية علي
النحو المبين بالتحقيقات.
تقر المادة (289) من قانون العقوبات بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات لكل من خطف من غير تحيل ولا إكراه طفلاً. فإذا كان الخطف مصحوباً بطلب فدية فتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 15 سنة ولا تزيد على 20 سنة. ويحكم على فاعل جناية الخطف بالإعدام أو السجن المؤبد إذا اقترنت بها جريمة مواقعة المخطوف أو هتك عرضه.
وتنص المادة (290) من قانون العقوبات على أن "كل من خطف بالتحيل أو الإكراه شخصاً، يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 10 سنوات.. فإذا كان الخطف مصحوباً بطلب فدية تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 15 سنة ولا تزيد على 20 سنة.. أما إذا كان المخطوف طفلاً أو أنثى، فتكون العقوبة السجن المؤبد.. ويحكم على فاعل جناية الخطف بالإعدام إذا اقترنت بها جناية مواقعة المخطوف أو هتك عرضه".
وتنص المادة ٢٣٦ من قانون العقوبات على أن كل من جرح أو ضرب أحدا عمدا أو إعطاء مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلا ولكنه أفضى إلى الموت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع، وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد فتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن، وهذه العقوبة تنطبق أيضا على الجرائم التي تنتهك بحق الأطفال.
ونصت المادة ٢٤٠ أيضًا من قانون العقوبات لجريمة الجرح أو الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة، على عقوبة السجن من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، وتشدد العقوبة في حالة ما إذا كانت الجريمة مقترنة بسبق الإصرار أو الترصد، فتكون السجن المشدد من ثلاث سنين إلى عشر سنين.