وفرت شبكة الإنترنت للشباب مصادر جديدة وغير رسمية للتعلم أغنتهم في كثير من الأحيان عن المصادر الرسمية، وشكّل ذلك تحديا إضافيا للنظم التعليمية الرسمية التي لا تستطيع مجاراة التيارات الفكرية والثقافية والحياتية التي تتشكل في الفضاء الرقمي بعيدا عن حواجز الرقابة.

وفي هذا العالم الجديد لم يعد الشباب متلقين فحسب، بل تمكنهم طبيعة الوسيلة أن يصبحوا ناشرين للأفكار والتيارات بقدر ما تمكنهم من تلقيها، وبذلك فإن هناك عالما كاملا من الثقافة وقادة الرأي ينشأ بعيدا عن المؤسسات التعليمية والتثقيفية والتربوية التي يجب أن تواجه السؤال المهم: كيف تستطيع أن تضمن حماية هؤلاء الشباب من الأفكار الهدامة، وتحولهم إلى طاقة لنشر المعرفة والعلم النافع وقادة قادرين على المساهمة في إدارة شؤون مجتمعاتهم عبر وسائل الإعلام الجديد؟

عزوف الشباب عن وسائل الإعلام التقليدية لا يعود فقط إلى التطورات التقنية التي ولدوا فيها، بل لأن قضاياهم ومشاركاتهم غابت عن هذه المنصات

خطوات مهمة

الخطوة الأولى على هذا الطريق تبدأ في نظري بمراجعة نظم التعليم لتعالج ما يتعرض له الشباب من معلومات في الفضاء العام، وتمكنهم من التعامل النقدي معه، وبذلك تقوم بدور رئيسي في بناء شخصياتهم وزيادة وعيهم بقيم مجتمعاتهم وثقافاتها.

الخطوة الثانية لا بد أن تستهدف تقوية دور الأسرة في حياة الشباب، لأنها الحاضنة التي تستوعبهم بعيدا عن المجال العام، وقدرتها على استيعابهم وتوفير ما يحتاجون من دعم نفسي وتربوي وثقافي ومادي سينعكس في استخدام شبابها قواهم الاتصالية والمعرفية بشكل نافع.

الخطوة الثالثة هي تطوير الأنشطة الاجتماعية والثقافية لتضمن جذب الشباب إليها، ويعتبر التشجيع على قراءة الكتب من أهم تلك الأنشطة المفيدة في حماية الشباب من أخطار الغرق في المضمون الرديء الذي تعج به وسائل الإعلام الجديد، ولو علم الشباب العلاقة الطردية بين قراءة الكتب وبين زيادة قدرتهم على إنتاج المضمون الناجح لأقبلوا عليها دون شك ولكان ذلك في صالحهم.

هناك أيضا حاجة للعمل على تحقيق التكامل والتوازن بين استخدام وسائل الإعلام الجديد من ناحية ووسائل الإعلام التقليدي والكتاب المطبوع والاتصال المباشر من ناحية أخرى، فالنوع الثاني من وسائل الإعلام قادر بما فيه من خبراء وعلماء على أن يوفر المعرفة الحقيقية، وهذا يدفعنا إلى البحث عن وسائل لإحياء صناعة نشر الكتب وأنماط من الصحف والمجلات التي يمكن أن تحقق التوازن مع مضمون وسائل الإعلام الجديد، وذلك في إطار مشروع ثقافي يشمل تشجيع القراءة وإنتاج المعرفة.

وأظن أن جزءا كبيرا من عزوف الشباب عن وسائل الإعلام التقليدية (الصحافة والإذاعة والتلفزيون) لا يعود فقط إلى التطورات التقنية التي ولدوا فيها، بل لأن قضاياهم ومشاركاتهم غائبة عن هذه المنصات، ولذلك فأي نجاح لها لا بد أن يقوم على فتح المجال لهم للمشاركة في إنتاج المضمون.

طريق القمع ومراقبة الفضاء الرقمي الذي لجأ إليه السلطويون في أعقاب ثورات الربيع العربي غير قابل للنجاح على المدى المنظور

ثقافة إعلامية للشباب

هناك ثقافة إعلامية جديدة لا بد أن تلعب النظم التعليمية دورا في تشكيلها تمكن الشباب من نقد وسائل الإعلام التقليدية والجديدة وما تقدمه من مضمون وتحديد الأهداف من التعرض لتلك الوسائل، فهذه الثقافة النقدية تؤهلهم لأن يكونوا مؤثرين وفاعلين في بيئة اتصالية جديدة وأكثر قدرة على إنتاج مضمون يليق بقادة رأي مفيدين في المجتمع.

وإذا كان من ملمح يجب أن تأخذه النظم التعليمية ووسائل الإعلام التقليدية في الاعتبار وهي تبحث سبل التطوير لمواجهة تحديات الواقع فهو أن تضمن التعددية وحرية التعبير، وذلك لأن الشباب الذين هاجروا إلى فضاء الإنترنت كمصدر للتعليم غير الرسمي لم يجدوا فرصة ولا مكانا لصوتهم في منصات التعليم والإعلام التقليدية ولا في الفضاء العام، فصنعوا ثقافتهم البديلة الغاضبة في الفضاء الرقمي الحر.

في ضوء ذلك فإن ترشيد المسيرة يبدأ بفتح المجال العام الواقعي والإعلامي للشباب ليقودوا عملية التغيير المعرفي والاجتماعي، وفتح المجال لأنواع جديدة من التعليم الإبداعي في المدارس والجامعات، وفتح المجال للمناقشة والحوار وإنتاج الأفكار الجديدة.

وهنا ينبغي أن ننتبه إلى أن طريق القمع ومراقبة الفضاء الرقمي الذي لجأ إليه السلطويون في أعقاب ثورات الربيع العربي التي بدأت نداءاتها في المنصات الاجتماعية غير قابل للنجاح على المدى المنظور، فالشباب -وهم الأكثر قدرة وخبرة في ذلك العالم الافتراضي- يجدون دائما الحلول لتجاوز القمع والمنع، ولن تزيدهم هذه الممارسات إلا انغلاقا على ثقافة غاضبة غير موجهة قابلة للانفجار في أي لحظة.

لا بد أن تدرك السلطات حقيقة مهمة هي أن التحكم والسيطرة والمنع والحجب والتعتيم بأساليب القرن العشرين لم تعد صالحة في البيئة الاتصالية الجديدة، ومن الأفضل إذن تطوير نظرية جديدة للحرية تقوم على تأهيل الشباب وتوجيههم لإنتاج المعرفة وتبادلها والمساهمة في بناء القوة الاتصالية والمعرفية لدولهم ولأمتهم.

والبيئة الاتصالية الجديدة تحتاج إلى نظم تعليمية جديدة تفتح المجال لبناء المجتمعات المعرفية عبر تأهيل الطلاب لأن يصبحوا قادة للرأي والمعرفة، ليس على النمط السائد حاليا على الإنترنت، وعندما يحدث ذلك سيلعب الشباب دورهم المأمول في بناء مستقبل أمتهم.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

انتكاسة جديدة لبرنامج صواريخ ستارشيب الخاص بإيلون ماسك

في انتكاسة جديدة لبرنامج صواريخ "ستارشيب"، فشلت شركة "سبيس إكس" في إتمام أهداف رحلتها التجريبية التاسعة، رغم وصول المركبة إلى الفضاء للمرة الأولى، وهو ما لم يتحقق في محاولتين سابقتين.

ورغم إشادة الشركة بتحقيق بعض التقدم، انتهت المهمة بخسارة كل من المرحلة الأولى من الصاروخ "سوبر هيفي" والمركبة العلوية "شيب"، في ضربة مؤلمة لجهود تطوير الصاروخ الأضخم في تاريخ رحلات الفضاء.

وكتب الرئيس التنفيذي لشركة سبيس إكس، إيلون ماسك، على منصة "إكس" (تويتر سابقا): "وصل ستارشيب إلى نقطة الإطفاء المجدول لمحركاته، وهو تحسّن كبير مقارنة بالرحلة السابقة، لكن تسربات أدت إلى فقدان ضغط الخزان الرئيسي خلال مرحلة الانجراف وإعادة الدخول، ما تسبب في فقدان المركبة".

وأشار ماسك إلى أن الرحلات الثلاث التالية قد تنطلق بفاصل زمني يتراوح بين 3 إلى 4 أسابيع، في إطار سعي الشركة لتسريع وتيرة التجارب.

وتعمل سبيس إكس على تطوير "ستارشيب"، وهو أكبر وأقوى صاروخ بُني على الإطلاق، بهدف دعم خطط استيطان القمر والمريخ ونقل الحمولات الضخمة إلى الفضاء.

ويتكون صاروخ "ستارشيب" الذي يبلغ طوله 122 مترا (أكبر وأقوى صاروخ في العالم) من مرحلتين، الأولى تسمى "سوبر هيفي"، وهي الجزء السفلي الكبير الذي يحتوي على المحركات الأساسية ويقوم برفع الصاروخ عن الأرض، والأخرى، تمثل الجزء العلوي الذي يكمل الرحلة إلى الفضاء، ويسمى "شيب".

pic.twitter.com/QSNwbc6djo

— Elon Musk (@elonmusk) May 28, 2025

إعلان علامة فارقة في رحلة "ستارشيب 9"

وانطلقت الرحلة من موقع "ستاربيس" في جنوب تكساس الساعة 6:37 مساء بالتوقيت المحلي، وشكلت انطلاقتها لحظة تاريخية باعتبارها أول رحلة يتم فيها إعادة استخدام "سوبر هيفي"، الذي سبق أن طار في رحلة يناير/كانون الثاني.

وأجرت الشركة تعديلات تقنية كبيرة قبل الرحلة، بما في ذلك استبدال 4 محركات فقط من أصل 33، في خطوة تهدف لتقليل فترات الصيانة مستقبلا، كما اختبرت "سبيس إكس" أساليب جديدة للتحكم في عودة الدافع، منها زاوية دخول جديدة إلى الغلاف الجوي تهدف لتقليل سرعته وتوفير الوقود.

لكن "سوبر هيفي" لم يتمكن من تنفيذ الهبوط المخطط له في خليج المكسيك، وتحطم بعد نحو 6 دقائق و20 ثانية من الإقلاع، بعد بداية احتراق الهبوط مباشرة.

أما المركبة "شيب"، فقد أظهرت أداء أفضل من الرحلات السابقة، حيث بلغت الفضاء وسارت في مسار شبه مداري فوق المحيط الأطلسي، لكن سلسلة من المشكلات التقنية منعتها من تنفيذ المهام المخططة، منها فشل في فتح باب الحمولة بشكل كامل، مما حال دون نشر نماذج الأقمار الاصطناعية "ستارلينك".

كما تسبب تسرب في نظام خزانات الوقود بفقدان المركبة لقدرتها على التحكم في الاتجاه، مما أدى إلى توقف اختبار إشعال أحد المحركات في الفضاء، وانتهى بها المطاف بالتفكك فوق المحيط الهندي.

وكانت "سبيس إكس" تأمل في نجاح المهمة هذه المرة، لتكون المرة الأولى التي تقوم فيها الشركة باستغلال المرحلة الأولى (سوبر هيفي)، التي سبق أن طارت من قبل، بدلا من استخدام واحدة جديدة، وهي خطوة مهمة نحو تقليل تكلفة الرحلات الفضائية، لأن الهدف النهائي هو صنع صواريخ تستخدم مرات عديدة مثل الطائرات، بدلا من التخلص منها بعد كل رحلة.

مزايا أخرى توارت بفشل الرحلة

ولم يكن إعادة الاستخدام، هو الاختلاف الوحيد عن المحاولات السابقة، بل قامت الشركة بإطلاق 8 نماذج تجريبية لأقمار "ستارلينك"، وهذه "نماذج محاكاة"، أي أنها مجرد نسخ غير كاملة أو غير عاملة من الأقمار، مصممة لتجربة طريقة الإطلاق والنشر في الفضاء، وكان سيتم إطلاقها على مسار شبه مداري، أي أنها لن تدخل في مدار كامل حول الأرض، بل ستسير في مسار قصير في الفضاء قبل أن تعود.

إعلان

وعند عودتها، تدخل الغلاف الجوي للأرض وتتحطم بفعل الحرارة والضغط، أي أنها لن تبقى في الفضاء ولن تؤدي وظيفة، وهذا جزء من اختبار تقني لمعرفة مدى قدرة الصاروخ "ستارشيب" على نشر أقمار صناعية بدقة، وكان نجاحه سيثبت أن الصاروخ يمكن استخدامه في المستقبل لإطلاق أقمار "ستارلينك" الحقيقية أو أقمار أخرى تجارية أو علمية.

والميزة الأخرى في هذه الرحلة التجريبية التي لم تحقق النجاح المطلوب، هي أن شركة "سبيس إكس"، كانت ستجري أثناء الرحلة تجربة لإعادة تشغيل أحد محركات "رابتور" بعد أن تكون المركبة قد وصلت إلى الفضاء.

وعادة، تعمل محركات الصاروخ عند الإقلاع فقط، لكن في المهمات الفضائية المتقدمة (مثل الذهاب إلى القمر أو المريخ)، من الضروري إعادة تشغيل المحركات في الفضاء لتنفيذ مناورات مثل تغيير المسار أو الارتفاع، والدخول في مدار حول كوكب، وتوجيه المركبة نحو هدف معين.

لذلك، فإن إعادة إشعال محرك "رابتور" في الفضاء هو اختبار تقني بالغ الأهمية، لأنه يثبت أن المركبة قادرة على تنفيذ هذه المناورات المعقدة، مما كان سيقرب الشركة من تحقيق هدفها النهائي، وهو إرسال البشر إلى القمر والمريخ باستخدام "ستارشيب".

مقالات مشابهة

  • تحذيرات من نشر الأقمار الصناعية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي
  • بمشاركة الأزهر والكنيسة.. المنيا تطلق ندوات حوارية مكثفة لبناء وعي النشء ومواجهة تحديات المجتمع
  • وزير البترول: «حريصون على التعاون البنّاء مع الصحفيين وتوضيح أي أمور تثار في وسائل الإعلام»
  • المغرب يطور حبوبًا مقاومة للجفاف لمواجهة تحديات التغير المناخي
  • «الاتحاد» تستقبل وفداً من كبار ممثلي وسائل الإعلام الصينية
  • وفد طلابي من محافظة أسيوط في زيارة تعليمية إلى وكالة الفضاء المصرية
  • انتكاسة جديدة لبرنامج صواريخ ستارشيب الخاص بإيلون ماسك
  • مادة جديدة تُحدث ثورة في موصليّة الأيونات.. هذه بطاريات المستقبل
  • مدير عام وكالة سانا: كأس العالم 2030 يفرض تحديات إعلامية جديدة
  • مؤسسة النفط تنفي “اقتحام” مقرها وتوضح: خلاف شخصي محدود تم احتواؤه