لجريدة عمان:
2025-12-14@04:48:09 GMT

مهند يونس يسرد بتأملٍ عالمًا غرائبيًا

تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT

مهند يونس يسرد بتأملٍ عالمًا غرائبيًا

في مجموعة القاص الغزي الراحل مهند يونس، لا نعثر بسهولة على غزة المدينة والناس ولا على أسئلة الهوية الوطنية أو شعارات التصدي للاحتلال، كما اعتدنا رؤيتها في السرد الفلسطيني التقليدي، يقول مهند في حوار مع أصدقاء: لقد كُتب الكثير بهذه الطريقة، وعلينا نحن الأدباء الشبان، البحث عن صوتنا الخاص وسط كل هذه الأصوات الجماعية المكررة، وهذا ليس تنصلا من الانتماء للقضية والهوية بل هو بحث مشروع وطبيعي عن مقاربات وجودية أخرى للوطن، بمساندة من لغة عالية التأمل، يحفر السارد الذي مات منتحرا قبل عدة سنوات صوره في عالم غير مرئي، ويتعامل مع معطياته بمزيد من الغرائبية لغة ومضامين، مهند من جيل فلسطيني خاص، تجاهل وبشجاعة ميراث القصة الفلسطينية، وذهب إلى مناطق لم يجرؤ على طرقها أحد، كانت قصة غزة وإن كنا لا نحبذ تقسيم القص الفلسطيني مناطقيا، ترزح تحت إرث إبداعي راسخ تماما كما هو الوضع في الضفة والـ 48، وكان مجرد النظر من نافذة مختلفة إلى العالم يشبه خروجا عن عادات العائلة في المأكل والملبس، وطقوس الأعياد، تستحق غزة بكل حضورها المختلف وجغرافيتها العجيبة وتناقضات حياتها وغنى تاريخها الأدبي أن ُيدرس أدبها مرتبطا بسياقها الذي يختلف بوضوح عن سياق باقي مناطق فلسطين كالضفة أو فلسطين 48، في كتابه القصصي الذي صدر عام 1918 يتجول مهند مع الموت، يسائله ويترصد له ويفكك آلياته، والموت هنا ليس الموت الغزاوي المعتاد قصفا بصاروخ احتلالي أم رفضا من قبل الاحتلال لعلاج مريض بالسرطان بالقدس، أم اغتيالا لقادة من طائرات الاحتلال، الموت في هذا الكتاب واسع الأبعاد، وربما يكون موتا داخليا، غريب الحضور وفيه من المصادفات والتناقضات ما يكفي مهندا ليصوغ منه قصة قصيرة.

عاش مهند ثلاث حروب شرسة سنوات 1908 و1914 و1918 أذاقت فيها إسرائيل الويلات لقطاع غزة بنايات وأطفالا وعائلات، أصداء ويلات هذه الحروب، أحدثت فعلها داخل مضامين قصص مهند، لكن فعل التأثير هذا تجاوز إغواءات المباشرة في نقل الشعور والتركيز على الحنين ونزعات الأسئلة العادية و التحسر والغضب والشكوى، ذهب مهند إلى الموت الذي خبره قادما من محتل غاصب، فككه وذوبه في بوتقة تأملاته وهواجسه الوجودية العليا، لينتج منه سؤال الموت الكبير، فجاءت قصص الموت في الكتابة محولة من واقع أليم وفجائعي، إلى واقع فني سردي مواز وخال من الصراخ والدم الواضح.

الكتاب الصادر عام 1918 عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في عمَّان، والذي لُفِت النظر إليه من قبل (جائزة الكاتب الشاب) في مؤسسة عبد المحسن القطان، أحدث هزة إبداعية لطيفة في فلسطين، فهذا صوت شاب من غزة، يلفت الانتباه بقوة إلى مقترحاته الجمالية الجديدة، الكتاب السردي يضم تقريبا 30 قصة قصيرة، مكتوبة معظمها بضمير المتكلم، يشتغل فيها القاص الموهوب على تعاسة وحدة الكائن البشري، ووحشته في عالم بارد ومتوحش، ففي قصة كوب من مطر، كانت هناك سيدة مسنة تأتي إلى الراوي، الذي أظنه هو القاص نفسه، لتشتري الدواء من مسكنات وأدوية ضغط وسكري، ثم انقطعت فجأة العجوز عن المجيء، وصار الراوي يشتاق لها، وشعر كأنها جدته، حتى أنه لم يشطب اسمها من دفتر الديون، وزار الراوي مرة أحد أبناء العجوز وأعاد له الأدوية معتذرا ومُبلغا إياه أن أمه العجوز ماتت، ظل الكيس في الدرج من السنة الماضية يكتب القاص (لكن المطر عاد وأعاد لي الذكرى، وبالأمس ذهبت إلى المقبرة، أمضيت طول النهار هناك، تعرفت على قبرها بصعوبة، ليس من عادتي زيارة القبور، ولا أدري لم أفعل ذلك مع امرأة غريبة، لكني وصلت القبر ومعي كيس الأدوية، كان هناك كرسي ولم يكن هناك حارس، وجلست هناك طول اليوم صباحا ومساء وعشاء بذرت لها حبوب الضغط والسكري والنقرس، و كل بموعده، لم أسكب الماء لها، فقد الدنيا تمطر).

وعن تجربة مهند يونس السردية الجديدة تكتب لجنة التحكيم في جائزة عبد المحسن القطان على غلاف الكتاب: (تميزت المجموعة بمقاربتها لثيمة الموت عبر الغوص في سرديات الفرد والجماعة في حيز سياسي معدوم الأفق، حيث تلامس المجموعة السريالية من جهة وأسلوب قصة النثر من جهة أخرى، وهي تتمتع بلغة فنية واضحة تتوجها حبكة قصصية غرائبية غالبا ما تبدو مبتكرة وبخاصة على مستوى البحث الذهني، وحتى حين تبدو مباشرة تتحول إلى أداة مساعدة في عوالم أكثر تحليقا، موهبة القص واضحة والسرد أنيق محكم ومقتصد ومفعم بالإحساس العالي، مع تأمل وجودي عميق، وانتباه لعنصر الزمن بمعنييه الفلسفي والسردي).

من زمن طويل وأنا أحدس بأن الأدب الجاد والعميق والمختلف في فلسطين سيأتي من منطقتين اثنتين هما غزة ومناطق الـ 48 فهما زخم حياتيّ شاسع وأسئلة مركبة وتعقيدات جغرافية واجتماعية، وتحديات مربكة، في الـ 48 هناك مبدعون جادون ومثابرون يشتغلون على سؤال الهوية بأسلوب جمالي فائق، أبرزهم علاء حليلحل ومجد كيال، في غزة كان يمكن لحركة التحديث الشبابية هذه التي قادها المرحوم مهند يونس، أن تتحول إلى تيار لكن صاحبها ومفجرها انتحر فجأة وكأنه اعتبر أن الانتحار نفسه أيضا هو خروج عن القواعد. هل سيأتي شخص آخر ليكمل مسيرة تحديث السرد في فلسطين؟ للأسف لا أحد بعد مهند بعد غيابه الطويل استطاع أن يقنعنا بأن ثمة رحلة تحديث أخرى انطلقت، فتبقى مجموعة هذا السارد الغزي الحساس مثار إعجاب وحسرة في آن.

وهذه قصة قصيرة من المجموعة وقد تُرجمِت إلى لغات عدة وهي تلخص المنحى الوجودي في قصص المجموعة:

عائلة مؤقتة

(في طريق العودة إلى المنزل، هربًا من نصف محاضرة، سحبت نفسي خارجًا منها كالهارب من ساحة قتل، كانت بانتظاري سيارة أجرة، فوّت عدة سيارات قبل أن أركبها، لا أعلم لماذا استقللتها، وكان في المقعد الأمامي بجانب السائق رجل خمسيني، يبدو أبًا مثاليًا بحلة وشعر أشهب يساعدانه على لعب ذلك الدور بحرفّية. تقدمت السيارة عدة أمتار، لتركب إلى جانبي سيدة أربعينية، ولا أعلم لماذا اعتقدت أنها زوجة ذلك الرجل، لكن حبًا لكل النساء بأن يكنَّ أمهاتي، جعلني أعتقد أنها إحدى أُمهاتي. وبعد مسافة قصيرة، ركبت إلى جانبها، طالبة جامعية، لم يكن أحد من أصدقائي السيئين معي، ليعّلقوا عليها، لذلك وجدتها أقرب ما تكون لأخت لي، ربما من زوجة سريّة لأبي. استأذن السائق منّا لمشوار قصير، لُيِقل أحد الأطفال من الروضة في الطريق. أطفأ محرك سيارته أمام روضة الأطفال، لكن صوت الراديو لا زال موجودًا، نقلت نظري إلى جانبي، كان الصمت سائدًا، كذلك الصمت الذي يخيّم حول مائدة غداء عائلية مملة. جاء يتقافز لاهثًا، ربما في الخامسة من عمره، أجلسته الفتاة العشرينية في حضنها، فرحةً به، كأنما ترى طفلًا لأول مرة، كنت أنظر لهما وهما يضحكان لبعضهما البعض، فلمحتني لكنها لم تتوقف عن الابتسام. أنا ممتن جدًا لكوني أحد أفراد تلك العائلة المؤقتة. كان الرّكاب ينزلون في محطات مختلفة تباعًا، وشيئًا فشيئًا كانت عائلتي الجديدة تتفكك وتتلاشى، لم أعلم في أي محطة أنزل، كنت الراكب الأخير، وعندما نزلت، أدركت أنني بلا بيت).

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

نحو 100 قتيل في هجوم الإنتقالي على حضرموت.. ومعلومات تكشف حجم الإنتهاكات التي ارتكبتها مليشياته هناك

قال ‏المركز الأمريكي للعدالة ACJ إن نحو 100 قتيل سقطوا في سيئون بمحافظة حضرموت، شرق اليمن، في الهجوم الذي شن الإنتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، خلال الأيام الماضية.

وكشف المركز إن التقديرات الأولية تشير إلى أن قتلى قوات الانتقالي وصل إلى 34، و حلف حضرموت 17 قتيلاً، والمنطقة العسكرية الأولى 24 قتيلاً، كما تم رصد قتيل مدني واحد. على الرغم من أن المواجهات لم تكن واسعة النطاق، بل كانت ‎محدودة في أماكن معينة فقط في بداية المواجهات.

وأعرب المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) عن إدانته وقلقه البالغ إزاء ‎الهجوم لمنظم الذي نفذته قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، قادمة من محافظات الضالع وأبين وشبوة، وعدن على مدينة سيؤون وعدد من مديريات وادي حضرموت ومحافظة المهرة خلال الأيام الماضية. 

وأظهرت المعلومات التي تلقاها المركز إلى أن المواجهات التي أدت الى سقوط عشرات ‎القتلى والجرحى ارتكبت خلالها القوات التابعة للانتقالي ارتكبت انتهاكات جسيمة تمثلت في الاعتقالات ونهب ‎المقرات الحكومية والمحال التجارية ومنازل المواطنين خصوصاً المنتمين إلى المحافظات الشمالية، في اعتداءات اتخذت طابعاً تمييزياً خطيراً يقوم على استهداف المدنيين وفق ‎الهوية الجغرافية.

وبحسب المعلومات فقد طالت هذه الانتهاكات ‎مدنيين وعسكريين، وأسفرت عن سقوط ضحايا واحتجاز العشرات ممن جرى نقلهم إلى معتقلات مستحدثة افرج عن بعضهم خصوصاً ممن ينتمون إلى محافظة حضرموت و أُجبر آخرون ينتمون إلى المحافظات الشمالية على الرحيل ولم يتمكن المركز من معرفة مصير ‎المعتقلين.

وأكد المركز أن استمرار هذا النمط من الاعتداءات يشكل ‎تهديداً مباشراً للسلم الاجتماعي، ويمسّ أسس التعايش بين مكونات المجتمع اليمني، كما يعمّق ‎الانقسامات الداخلية ويفتح الباب أمام احتمالات توسع دائرة العنف في حال عدم اتخاذ إجراءات عاجلة لوقفها.

ووفق المركز برزت انتهاكات قوات الانتقالي أثناء ‎اقتحام حضرموت، حيث بدأت تلك القوات باقتحام مؤسسات الدولة بالقوة، إذ دخلت ‎المقرات الحكومية والعسكرية دون أي غطاء قانوني وفرضت سيطرتها عليها بقوة السلاح. كما أقدمت على اقتحام مقر المكتب التنفيذي لحزب الإصلاح، والعبث بأثاثه وجميع محتوياته، بالتزامن مع الاعتداء على الحراس وترويعهم ونهب ‎مقتنيات شخصية، في استهداف مباشر للحياة السياسية.

وامتدت الاعتداءات إلى مداهمة ‎منازل مسؤولين، بما في ذلك منزل وزير الداخلية ومنزل الوكيل الأول لوزارة الداخلية، كما داهمت تلك القوات منازل الجنود والضباط القريبة من المنطقة العسكرية الأولى، كما تسببت في ‎ترويع الأهالي، إضافة إلى نهب ممتلكات شخصية تخص الجنود وعائلاتهم.

ولم تتوقف الانتهاكات عند ذلك، إذ أجبرت القوات بعض التجار على فتح محلاتهم بالقوة قبل أن تتركها للعصابات لنهب محتوياتها، كما اعتدت على مصادر رزق البسطاء من خلال اقتحام الدكاكين والبسطات في سيئون ونهبها في وضح النهار. كما طالت الانتهاكات الممتلكات الخاصة للسكان، حيث قامت عناصر تابعة للانتقالي بنهب أغنام عدد من الأسر في منطقة الغرف بسيئون، في ‎انتهاك صريح لحقوق المواطنين وممتلكاتهم. وبلغت خطورة الأفعال حد فتح ‎مخازن الأسلحة والذخيرة وتركها للنهب، الأمر الذي يثير مخاوف حقيقية من أن يؤدي نهب الأسلحة إلى مفاقمة حجم الانتهاكات وزيادة احتمالات استخدامها في ‎أعمالعنف جديدة، وخلق حالة من الفوضى.

إلى جانب ذلك، عملت تلك المجموعات على نشر ‎خطاب الكراهية وإثارة الانقسام المجتمعي من خلال استخدام لغة عدائية ومناطقية ضد أبناء حضرموت، ما أدى إلى رفع مستوى الاحتقان والتوتر الاجتماعي الأمر الذي قد يؤدي إلى ‎موجة عنف في محافظة ظلت آمنة وبعيدة عن الصراع طيلة فترة الحرب.

وأشار المركز إلى أن هذه الاعتداءات تمثل ‎انتهاكاً صارخاً للمبادئ والاتفاقيات الدولية، إذ تحظر اتفاقيات جنيف لعام 1949 أي اعتداء على المدنيين، وتمنع ‎الاعتقال التعسفي ونهب الممتلكات أثناء النزاعات المسلحة، فيما يقرّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بحظر الحرمان من الحرية دون أساس قانوني وتجريم ‎التمييز العرقي وسوء المعاملة. كما يؤكد القانون الدولي العرفي على أن استهداف المدنيين على أساس الهوية يشكل ‎جريمة حرب، بينما يصنف ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الاعتقال التعسفي واسع النطاق والاضطهاد القائم على الهوية ضمن ‎الجرائم_الإنسانية.

ودعا المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى ‎#وقف_الاعتداءات فوراً، وتحمل المسؤولية الكاملة عن الجرائم المرتكبة، وعن سلامة المدنيين والعسكريين المختطفين. كما يطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطفين، ووقف ‎#الاعتداءات_الهوياتية، وفتح تحقيق مستقل وشفاف لضمان محاسبة المنتهكين، وتوفير الحماية للمدنيين بما يمنع تكرار مثل هذه الجرائم التي تهدد ‎السلم المجتمعي في اليمن.

وشدد المركز الأمريكي للعدالة على أن حماية السكان وعدم استهدافهم على أساس مناطقي يُعد ‎التزاماً قانونياً وأخلاقياً، وأن استمرار الإفلات من العقاب يساهم في تكرار الانتهاكات ويعرّض ‎الاستقرار الاجتماعي لمخاطر جادة، الأمر الذي يستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات المحلية والدولية لضمان إنصاف الضحايا وتعزيز سيادة القانون.

مقالات مشابهة

  • زحمة سير خانقة عند أوتوستراد ومداخل البترون.. ماذا يجري هناك؟
  • ترامب ينعي الضحايا الأمريكان في حادث سوريا.. و يهدد: سيكون هناك رد على داعش
  • مصطفى بكري: هناك رموز ستختفي والحكومة ستتغير بعد الانتخابات.. فيديو
  • الإنجاز الأعظم / مهند أبو فلاح
  • فوائد واسعة لـالبابونج.. هل هناك أضرار في حال تناوله يوميا؟
  • قراءة في كتاب «وكأنني لازلت هناك» للدكتور صبري ربيحات
  • رسالة إلى العالم الآخر
  • نحو 100 قتيل في هجوم الإنتقالي على حضرموت.. ومعلومات تكشف حجم الإنتهاكات التي ارتكبتها مليشياته هناك
  • وفاة رضيعة بسبب البرد القارس في خان يونس
  • برلمانية: هناك اهتمام كبير من جانب الحكومة من أجل الاستثمار خلال الفترة القادمة