سجِّل.. أنا فلسطيني!
تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT
علي بن حمدان الرئيسي
في الحقيقة لم تكن لدي النية أن أكتب عمّا يحدث في غزة، ليس لأن الأمر لا يستحق ذلك، لكن لأنَّ الكلمات عاجزة عن التعبير عمّا يحدث؛ سواءً بوصف بطولات المقاومة أو التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني، أو بوصف وحشية وهمجية المجازر التي يرتكبها الصهاينة.
كنت أفضل أيضًا أن لا أشارك في المتاجرة بدم الفلسطينيين كما يفعل بعض الكتاب والسياسيين، مع عدم إنكار أن هناك كثيرًا من المتعاطفين حقًا مع الفلسطينيين.
لا شك أن ما حدث في 7 أكتوبر يمثل من وجهة نظر كثير من المحللين علامة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية؛ فقد نقلت المقاومة الفلسطينية المعركة إلى الأراضي المحتلة، وقد كانت إسرائيل دائمًا تنقل المعركة إلى أراضي الخصم.
ما حصل في 7 أكتوبر أن المقاومة بدَّدَتْ كل ما بنته وخططت له الصهيونية العالمية وسوَّقت له لليهود في أنحاء العالم على أن الوجود الصهيوني في فلسطين هو وجود آمن؛ وأن عليهم الهجرة إليها واحتلال أراضي العرب، تحت حماية دولة إسرائيل "التي لا تُقهر". هذه النظرية أسقطتها المقاومة الباسلة بتاريخ 7 أكتوبر فلم يعد الصهاينة آمنون على أنفسهم ومن الصعب على إسرائيل تسويق نفسها للصهاينة في الخارج كما أن الكثير منهم لابد بعد هذه المعركة سيهاجر من الأراضي المحتلة.
إن أحد أسباب المجازر التي ترتكبتها إسرائيل هي محو صورة الهزيمة التي لحقت بجيشها والإذلال الذي تلقاه على يد المقاومة الفلسطينية. الواقع أثبت أن إسرائيل بلد لا يحتمل الهزيمة، وأن المقاومة أثبتت أن لا أمان لليهود المهاجرين إليها؛ فقد قامت بكل هذه المجازر ضد الأطفال والنساء لتحل صور المجازر محل صورة الهزيمة التي مُنيت بها. طبعًا الصهيونية ليس غريبًا عليها اقتراف المجازر ضد المدنيين فهذا كان ديدنهم منذ عام 1948.
في المقابل، أثبت المقاوم الفلسطيني الذي يتصدى للآلة العسكرية الصهيونية المدججة بأحدث الأسلحة الأمريكية شجاعة وإقداماً لا مثيل لهما، وكبَّد العدو الإسرائيلي خسائر فادحة وأثبت قدرة قتالية عالية أزالت خرافة أن جيش العدو لا يقهر.
إن الأحداث الأخيرة أثبتت أن النظام العربي الرسمي في أغلبيته لم يخدم القضية الفلسطينية كما هو متوقع من الشعوب، إلّا البعض الذي لم يستطع ان يقدم سوى كلمات التنديد والشكوى للأمم المتحدة، فقد أثبتت النظم العربية عدم قدرتها على تلبية أدنى طموحات الشعوب العربية؛ وذلك بممارسة الضغط على الدول الغربية لوقف إطلاق النار، أو على الأقل فك الحصار عن غزة وتقديم المساعدات الضرورية.
وقوف الدول الغربية الى جانب إسرائيل، وتبريرها ذلك بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بارتكاب هذه المجازر وقتلها ما يزيد من أكثر من 11 ألفاُ من أهل غزة معظمهم من النساء والأطفال يأتي منسجمًا من أن إسرائيل ليست سوى رأس حربة للاستعمار الاستيطاني الغربي وأنها زُرِعَت من قبل الغرب لتمزيق العالم العربي والإسلامي ونهب خيراته وموارده بالتنسيق والتعاون مع القوى المتخلفة والمهيمنة في الوطن العربي. تبقى هذه الدول التي تتعامل مع الآخر غير الأوروبي على أنهم ليسوا بشرًا أو كما قال أحد الإسرائيليين "حيوانات بشرية"، أو كما قام نتنياهو بتوصيف المعركة بأنهم بين من يمثلون النور وبين من يمثلون الظلام، كل ذلك نابع من هذه العقيدة الغربية التي ترى أن حياة الآخر العربي الفلسطيني هي أقل من حياة الأوروبي.
لا شك أن الوضع الإنساني في قطاع غزة مأساوي وكارثي، لكنننا على ثقة حتى لو تقدمت القوات الإسرائيلية في كل غزة بأنه لا يمكن القضاء على المقاومة وأن المقاومة في الأخير ستنتصرـ وأن نتنياهو وعصابته سيكون مصيرهم مزبلة التاريخ.
إن انتصار المقاومة لا شك سيكون بداية الطريق لتحرير فلسطين، وإن المخطط الصهيوني الأمريكي بتهجير أهالي غزة إلى سيناء سيفشل لصمود وبسالة الفلسطينيين ووعي الشعب المصري الشقيق.
إننا نُحيِّي صمود شعبنا في غزة وفي الضفة الغربية أمام المجازر الصهيونية وصمود أبناء جنوب لبنان والجماهير العربية التي خرجت متضامنة مع الشعب الفلسطيني البطل، كما نحيي كل الأحرار في العالم في أوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية الذين خرجوا متضامنين وأعلنوا كلهم أنهم فلسطينيون.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
صحيفة صهيونية تقر بعجز أمريكا و”إسرائيل” عن كسر صمود اليمنيين… جغرافيا، عقيدة، وخبرة قتالية تُربك العدو
يمانيون | تقرير
في اعتراف صريح يعكس عمق الفشل العسكري الأمريكي والصهيوني في كسر إرادة الشعب اليمني، نشرت صحيفة “هآرتس” الصهيونية، الثلاثاء، مقالاً تحليلياً حمل عنواناً لافتاً: “لماذا لا تستطيع إسرائيل ولا الولايات المتحدة هزيمة اليمنيين في اليمن؟”، كتبه المحلل الصهيوني “يشاي هالبر”، تناول فيه الأسباب الجوهرية التي منعت تحالف العدوان من إخضاع اليمن أو إضعاف قدراته رغم الغارات الجوية، والحصار، والحروب النفسية، والتقنيات العسكرية المتطورة التي استخدمها العدو.
ويُعد المقال بمثابة إقرار ضمني بأن اليمن، رغم الحصار والتدمير والحرب الاقتصادية والعسكرية المستمرة منذ أكثر من تسع سنوات، قد تحوّل إلى قوة استراتيجية عسكرية لا يمكن تجاوزها في معادلات المنطقة، بل إنه بات لاعباً محورياً في الصراع الإقليمي، ولا سيما بعد انخراطه المباشر في معركة دعم غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، ضمن محور المقاومة.
الجغرافيا… درع حصين أمام العدوان
يشير الكاتب الصهيوني إلى أن أحد أبرز العوامل التي تُصعّب هزيمة اليمنيين هو الطبيعة الجغرافية المعقدة للبلاد. ويقول إن تضاريس اليمن الوعرة من جبال شاهقة وصحارى شاسعة وسواحل طويلة، تجعل من الصعب على الجيوش الغازية فرض سيطرتها أو إحراز نصر حاسم. كما أن هذه الجغرافيا منحت المقاتلين اليمنيين القدرة على تطوير تكتيكات حرب عصابات متقدمة والاختفاء في عمق الجبال، وهو ما أرهق التحالف العسكري الأمريكي السعودي الصهيوني.
ولا يغفل المقال الدور الاستراتيجي للبحر الأحمر، حيث تمكّن اليمن من تحويل الممر البحري الحيوي إلى نقطة اختناق للمصالح الغربية، عبر تنفيذ عمليات عسكرية ضد السفن المرتبطة بالعدو الصهيوني، مما أوجد توازن ردع لم يكن في الحسبان.
الخبرة والقتال تحت النار
يتحدث كاتب المقال أيضاً عن الخبرة القتالية المتراكمة التي اكتسبها اليمنيون على مدى سنوات العدوان، حيث انتقلوا من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وتطورت قدراتهم في تصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية والمجنحة، وحتى تطوير تكتيكات معقدة للعمليات البحرية والجوية.
ويؤكد الكاتب أن العمليات الدقيقة التي تنفذها القوات اليمنية – سواء في البحر الأحمر أو في عمق فلسطين المحتلة – تعكس تطوراً غير مسبوق في الأداء العسكري، وقدرة عالية على التنسيق والتخطيط والتنفيذ، رغم الحصار المفروض على البلاد.
العقلية والعقيدة… عنصر الصمود
أما العامل الثالث الذي ركز عليه المقال فهو ما وصفه بـ “العقلية اليمنية المقاومة”، والتي تتمثل في الإصرار العقائدي والثقافي على مقاومة الغزاة، ورفض الاستسلام، والإيمان العميق بعدالة القضية. ويقول الكاتب: “منذ بداية الحرب على غزة، لم يتوقف اليمنيون عن إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة دعماً لحماس، في مشهد يعكس التزاماً أيديولوجياً أكثر منه سياسياً”.
وأضاف: “لقد كان الكثيرون يسخرون من التهديدات اليمنية في البداية، لكن بعد مرور أكثر من عام ونصف على بدء الحرب، لم يعد أحد يجرؤ على تجاهلهم أو اعتبارهم مجرد فاعل هامشي”.
معركة الإرادة… اليمن ينتصر سياسياً ومعنوياً
ورغم أن المقال الصهيوني حاول التركيز على البُعد الفني والاستراتيجي، إلا أنه يعكس فشلاً سياسياً ومعنوياً للعدو الصهيوني والأمريكي، إذ لم تستطع كل تلك الهجمات الجوية المكثفة ولا العقوبات ولا المحاولات الإعلامية تشويه صورة اليمن أن تؤدي إلى تراجع أو انكسار في الإرادة اليمنية.
بل على العكس، فقد تمكنت صنعاء من تعزيز موقعها في الخارطة الجيوسياسية، وفرضت شروطها في معادلات البحر الأحمر، بل وصارت جزءاً لا يتجزأ من محور المقاومة، جنباً إلى جنب مع حزب الله في لبنان، وفصائل المقاومة في غزة والعراق.
صدمة في الأوساط الصهيونية
هذا الاعتراف الإعلامي الصهيوني يأتي في سياق حالة من القلق والتخبط داخل الأوساط العسكرية والأمنية الصهيونية، التي ترى في تصاعد العمليات اليمنية مؤشراً خطيراً على توسع رقعة المواجهة وتهديد “إسرائيل” من عمق البحر والبر، بل ومن أماكن لم تكن تُحسب في السابق ضمن مساحات الخطر الداهم.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن تأخر العدو في التعامل بجدية مع التهديد اليمني نابع من غرور استراتيجي، واستخفاف بطبيعة اليمنيين، وجهل بتاريخهم الطويل في مواجهة الغزاة، منذ الحملات الصليبية وصولاً إلى الاحتلال البريطاني، وهو ما جعل من “المفاجأة اليمنية” اليوم، بمثابة ارتطام عنيف بالواقع لفكر عسكري صهيوني ظل يتعامل بمنطق التفوق التقني فقط، متجاهلاً عناصر العقيدة والإرادة.
خلاصة
تكشف المقالة التي نشرتها صحيفة “هآرتس” عن تحوّل نوعي في وعي العدو بحقيقة المشهد اليمني، من فاعل كان يُنظر إليه على هامش الصراع، إلى لاعب رئيسي يشكل تهديداً استراتيجياً عسكرياً واقتصادياً وأمنياً.
لقد أثبتت السنوات الماضية أن اليمن، بقيادة وطنية صلبة وإرادة شعبية صامدة، ليس مجرد مساحة جغرافية مضطربة، بل هو مشروع تحرري ومقاوم، تتكسر أمامه أدوات الحرب الأمريكية والصهيونية.
وإذا كانت الغارات الجوية لم تُجدِ، والحصار لم يُفلح، والتحريض الإعلامي قد فشل، فإن ذلك يعني أن المعركة اليوم باتت مع وعي شعبي وعقيدة وطنية ومقاومة ذات جذور تاريخية، يصعب اقتلاعها، حتى بالحديد والنار.
وهو ما خلص إليه كاتب المقال نفسه، حين قال: “الانسحاب الإسرائيلي من غزة أو تسويات إقليمية لن تغير شيئاً في المعادلة اليمنية، فاليمنيون اليوم قوة صاعدة لا يمكن تجاهلها”.