صحيفة التغيير السودانية:
2025-08-01@11:08:10 GMT

الروح الوطنية : يا لشقاء المصطلح

تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT

الروح الوطنية : يا لشقاء المصطلح

 

الروح الوطنية : يا لشقاء المصطلح

خالد فضل

غالبا ما تنتهي مناقشة بين أيّ سودانيين حول موضوع يخص شؤون حياتهم إلى مقولة باتت ثابتة وهي (غياب الروح الوطنية) , يحدث ذلك عندما يكون المزارعون عائدون من حواشاتهم في مشروع الجزيرة ؛ وهم على ظهور الحمير أو خشب الكارو أو راجلين , يتبادلون الحديث عن مشروعهم اليتيم في مأدبة اللئيم , يقارنون بين ما كان وما أضحى حاضرهم ويا لقتامة المستقبل ! ثم يختمون الحديث (بالفاتحة) وهي قولهم : حدث ما حدث بسبب غياب الروح الوطنية .

المعلمون في صفوف المدارس , الأطباء في المشافي , المهندسون في ماكيناتهم , العمال في ورشهم , حتى التجار في أسواقهم …إلخ , هناك شبه إجماع على غياب الروح الوطنية , الجميع يتهم الجميع , والكل يلقي ظاهرة غياب الروح الوطنية على الآخرين , بالطبع نادرا ما يعترف المتحدث بأنّه هو نفسه يفتقر إلى الروح الوطنية , هناك دوما نظرية (أفرز روحك ثم ألق الحجارة على الجميع) بهذه النظرية العرجاء لا أحد يسلم لأنّ حجرا آخرا من زاوية مضادة لابد سيصيبك فما العمل وما المخرج .

في مطلع السبعينات من القرن الماضي , طرقت أذناي وأنا بن ست سنوات تقريبا عبارات على شاكلة الخونة وأعداء الوطن وعديمي الروح الوطنية , كان المذياع يردد تلك العبارات في ذم انقلابييّ حركة 19يوليو بقيادة هاشم العطا , يومذاك بدأت أعرف أنّ هناط وطنيين وغير وطنيين , أمّا الوطنيون فهم أنصار مايو وأتباع جعفر المنصور , يقول بذلك المذياع ويردده عامة الناس في الأزقة والدكاكين , وأنا طفل يسمع هذا وذاك , لقد تربى جيلنا منذ سنواته الباكرة في الدنيا على هذا التصنيف السخيف للسودانيين , الموالي منهم للحكم العسكري الديكتاتوري هو الوطني الذي يتقطّر وطنية ويهيم في حب البلد متيما , أما من يقول لا فهو تبع العبد سباركوستا معبود الرياح !! هو الشيطان ذاتو , وكبرنا بهذا الوعي المنقوص , نتابع في أخبار الإنقلابات العسكرية ضد النميري ؛ فإذا روادها عنصريون عندما يكون الإشتباه في عناصر من أبناء جبال النوبة أو دارفور أو الجنوب القديم , وإذ هم خونة مارقون وعملاء خاسئون عندما يكونون من أبناء غير تلك المناطق !! ولا عجب , فقد كنا شبابا في حدود 1985م عندما هبّ ذات ثوار مايو ضد حادي الركب جعفر المنصور وأقتلعوه اقتلاعا , ثمّ طفقوا يؤلفون المطولات الكواسح في ذمّ الرجل ومايوه واتحاد اشتراكه المأفون , وبالخيانة وعدم الوطنية دُمغ القوم . وبالوطنية وُصف الثوّار , وفي فترة الديمقراطية القصيرة 86_1989م برع إعلام الجبهة القومية الإسلامية أي براعة في وصم كل معارضي الجبهة بعدم الوطنية والولاء للخارج ومعاقرة السفارات , فيما أختص الله عباده الجبهويين فقط بالوطنية المحضة فتأمل !!

وفي كل الأحوال لم يك هناك معيار موضوعي للوطنية من عدمها , فالذي يبايع البشير رئيسا مدى الحياة مثلا هو في قمة الوطنية ومن يقول لا للبشير وتسقط بس والغ في الخيانة الوطنية , ومن يقول لا لحرب البراء/ حميدتي متهوم باللاوطنية ومن يزأر محرضا على الحرب هو من يتلألأ جبينه وطنية !!!! ومن يخالف التوم هجو الرأي أو أردول فهو مرزول , ومن كان يؤيد قوى إعلان الحرية والتغيير فهو عميل عديل , وعبدالله حمدوك دخيل , الوطني الأصيل فقط من يحمل صفة استراتيجي خبير . إنّه المعيار المختل والميزان المطفف والكيل السوء , فالوطنية في تقديري هي شعور إنساني ذاتي , هي ممارسة صغيرة قد لا يشعر بأثرها المرء مثل رمي الأوساخ في الطريق العام أو حملها لبرميل القمامة الممارسة الأولى تمثل اللاوطنية والثاني فيه من صفاتها ولو النذر اليسير , الموظف المرتشي , المحسوبية والمحاباة تقع في خانة اللاوطنية بينما النزاهة والإستقامة والصرامة تجاه طلبات المحسوبية والذم والزعل والإتهام ب( عديم الفايدة) تدخل في حساب الوطنية , إن لم يك الوطن هو البيت الكبير لكل مواطن فيه فهو لا ينتمي له , ولهذا فإنّ الوطنية ونمو الروح الوطنية والشعور الوطني مقرون بنظام الحكم في البلد , الأنظمة الشمولية والديكتاتورية العسكرية منفرة من الوطن لأنها أنظمة خاصة وليس للجميع , هولاء الخاصة تنطيما سياسيا أو فصيلا عسكريا أو جماعة جهوية , الديمقراطية تعني أن الجميع هنا متساوون حقا وواجبا فهي رافعة للشعور بالإنتماء الوطني , فلا تقل لي إنّ الحرب الدائرة الآن هي حرب الوطنيين ضد غيرهم بل هي حرب اللاوطنيين فيما بينهم , الحرب عدو الوطن وعدو الوطن لا يمكن أن يكون وطنيا وإن كان اسم حزبه يحمل لفظة الوطني .

 

 

الوسومالبشير الحرب الروح الوطنية النقلابات العسكرية النميري خالد فضل شعب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: البشير الحرب الروح الوطنية النميري خالد فضل شعب

إقرأ أيضاً:

لكن يبدو أنهم تعاملوا مع موضوع (شفشفة العربات) بنظرية أكل التمر

عندما كانوا يسرقون السيارات أيام الحرب الأولى، لم أكن أتوقع أن عربة اكسنت جياد و موديل 2003 يمكن أن تكون مغرية لهم، كنت أراهم يجرجرون اللاندكروسرات والاوبامات و البكاسي الدفع الرباعي و غيرها من السيارات الفخمة..

و لكن يبدو أنهم تعاملوا مع موضوع (شفشفة العربات) بنظرية أكل التمر، تعرفونها..
عندما يوضع أمامك طبق من البلح، فانك تبدأ بأكل أفضل مافيه، ثم تبدأ في اختيار الأجود ثم الجيد و في النهاية تأكل حتى الحشف..

و هذا ما حدث… انتهى الأمر للركشات و الكارو و حتى دراجات المعوقين ثم الحمير.
و ما زلت أبحث عن سيارتي التي سرقوها بقوة السلاح.. هل أحد منكم رآها …؟
ربما في ميدان هنا أو بيت هناك أو زقاق بين البيوت…

يس ابراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • خالد بن محمد بن زايد يشهد عروضاً تخصصية لمجندي الدفعة الـ 22 من منتسبي الخدمة الوطنية في مركز تدريب سويحان
  • عُمان .. عندما تُعشق الشوكولاتة!
  • تحولات الروح الشاعرة في بيت الشعر بالشارقة
  • في إطار فعالية ليلة المتاحف... متحف الآثار في جامعة الروح القدس – الكسليك فتح أبوابه
  • إمام يسلم الروح ساجداً في صلاة العشاء داخل مسجد بمدينة الشماعية
  • كامل إدريس: السودان لا يموت.. لن ننتظر المعجزات بل سنصنعها بأيدينا وعقولنا
  • لكن يبدو أنهم تعاملوا مع موضوع (شفشفة العربات) بنظرية أكل التمر
  • رئيس حزب الجبهة الوطنية: المشروع الوطني مفتاح استعادة عافية الدولة
  • تنظيم الاتصالات
  • قائد عام شرطة أبوظبي يشهد عروضاً تخصصية لمجندي الخدمة الوطنية في العين