الروح الوطنية : يا لشقاء المصطلح
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
الروح الوطنية : يا لشقاء المصطلح
خالد فضل
غالبا ما تنتهي مناقشة بين أيّ سودانيين حول موضوع يخص شؤون حياتهم إلى مقولة باتت ثابتة وهي (غياب الروح الوطنية) , يحدث ذلك عندما يكون المزارعون عائدون من حواشاتهم في مشروع الجزيرة ؛ وهم على ظهور الحمير أو خشب الكارو أو راجلين , يتبادلون الحديث عن مشروعهم اليتيم في مأدبة اللئيم , يقارنون بين ما كان وما أضحى حاضرهم ويا لقتامة المستقبل ! ثم يختمون الحديث (بالفاتحة) وهي قولهم : حدث ما حدث بسبب غياب الروح الوطنية .
في مطلع السبعينات من القرن الماضي , طرقت أذناي وأنا بن ست سنوات تقريبا عبارات على شاكلة الخونة وأعداء الوطن وعديمي الروح الوطنية , كان المذياع يردد تلك العبارات في ذم انقلابييّ حركة 19يوليو بقيادة هاشم العطا , يومذاك بدأت أعرف أنّ هناط وطنيين وغير وطنيين , أمّا الوطنيون فهم أنصار مايو وأتباع جعفر المنصور , يقول بذلك المذياع ويردده عامة الناس في الأزقة والدكاكين , وأنا طفل يسمع هذا وذاك , لقد تربى جيلنا منذ سنواته الباكرة في الدنيا على هذا التصنيف السخيف للسودانيين , الموالي منهم للحكم العسكري الديكتاتوري هو الوطني الذي يتقطّر وطنية ويهيم في حب البلد متيما , أما من يقول لا فهو تبع العبد سباركوستا معبود الرياح !! هو الشيطان ذاتو , وكبرنا بهذا الوعي المنقوص , نتابع في أخبار الإنقلابات العسكرية ضد النميري ؛ فإذا روادها عنصريون عندما يكون الإشتباه في عناصر من أبناء جبال النوبة أو دارفور أو الجنوب القديم , وإذ هم خونة مارقون وعملاء خاسئون عندما يكونون من أبناء غير تلك المناطق !! ولا عجب , فقد كنا شبابا في حدود 1985م عندما هبّ ذات ثوار مايو ضد حادي الركب جعفر المنصور وأقتلعوه اقتلاعا , ثمّ طفقوا يؤلفون المطولات الكواسح في ذمّ الرجل ومايوه واتحاد اشتراكه المأفون , وبالخيانة وعدم الوطنية دُمغ القوم . وبالوطنية وُصف الثوّار , وفي فترة الديمقراطية القصيرة 86_1989م برع إعلام الجبهة القومية الإسلامية أي براعة في وصم كل معارضي الجبهة بعدم الوطنية والولاء للخارج ومعاقرة السفارات , فيما أختص الله عباده الجبهويين فقط بالوطنية المحضة فتأمل !!
وفي كل الأحوال لم يك هناك معيار موضوعي للوطنية من عدمها , فالذي يبايع البشير رئيسا مدى الحياة مثلا هو في قمة الوطنية ومن يقول لا للبشير وتسقط بس والغ في الخيانة الوطنية , ومن يقول لا لحرب البراء/ حميدتي متهوم باللاوطنية ومن يزأر محرضا على الحرب هو من يتلألأ جبينه وطنية !!!! ومن يخالف التوم هجو الرأي أو أردول فهو مرزول , ومن كان يؤيد قوى إعلان الحرية والتغيير فهو عميل عديل , وعبدالله حمدوك دخيل , الوطني الأصيل فقط من يحمل صفة استراتيجي خبير . إنّه المعيار المختل والميزان المطفف والكيل السوء , فالوطنية في تقديري هي شعور إنساني ذاتي , هي ممارسة صغيرة قد لا يشعر بأثرها المرء مثل رمي الأوساخ في الطريق العام أو حملها لبرميل القمامة الممارسة الأولى تمثل اللاوطنية والثاني فيه من صفاتها ولو النذر اليسير , الموظف المرتشي , المحسوبية والمحاباة تقع في خانة اللاوطنية بينما النزاهة والإستقامة والصرامة تجاه طلبات المحسوبية والذم والزعل والإتهام ب( عديم الفايدة) تدخل في حساب الوطنية , إن لم يك الوطن هو البيت الكبير لكل مواطن فيه فهو لا ينتمي له , ولهذا فإنّ الوطنية ونمو الروح الوطنية والشعور الوطني مقرون بنظام الحكم في البلد , الأنظمة الشمولية والديكتاتورية العسكرية منفرة من الوطن لأنها أنظمة خاصة وليس للجميع , هولاء الخاصة تنطيما سياسيا أو فصيلا عسكريا أو جماعة جهوية , الديمقراطية تعني أن الجميع هنا متساوون حقا وواجبا فهي رافعة للشعور بالإنتماء الوطني , فلا تقل لي إنّ الحرب الدائرة الآن هي حرب الوطنيين ضد غيرهم بل هي حرب اللاوطنيين فيما بينهم , الحرب عدو الوطن وعدو الوطن لا يمكن أن يكون وطنيا وإن كان اسم حزبه يحمل لفظة الوطني .
الوسومالبشير الحرب الروح الوطنية النقلابات العسكرية النميري خالد فضل شعب
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: البشير الحرب الروح الوطنية النميري خالد فضل شعب
إقرأ أيضاً:
لكن يبدو أنهم تعاملوا مع موضوع (شفشفة العربات) بنظرية أكل التمر
عندما كانوا يسرقون السيارات أيام الحرب الأولى، لم أكن أتوقع أن عربة اكسنت جياد و موديل 2003 يمكن أن تكون مغرية لهم، كنت أراهم يجرجرون اللاندكروسرات والاوبامات و البكاسي الدفع الرباعي و غيرها من السيارات الفخمة..
و لكن يبدو أنهم تعاملوا مع موضوع (شفشفة العربات) بنظرية أكل التمر، تعرفونها..
عندما يوضع أمامك طبق من البلح، فانك تبدأ بأكل أفضل مافيه، ثم تبدأ في اختيار الأجود ثم الجيد و في النهاية تأكل حتى الحشف..
و هذا ما حدث… انتهى الأمر للركشات و الكارو و حتى دراجات المعوقين ثم الحمير.
و ما زلت أبحث عن سيارتي التي سرقوها بقوة السلاح.. هل أحد منكم رآها …؟
ربما في ميدان هنا أو بيت هناك أو زقاق بين البيوت…
يس ابراهيم