افتتحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في روما، الأربعاء الماضي، معرضا مخصصا لجون رونالد تولكين مؤلف ثلاثية "لورد أوف ذي رينغز" (سيد الخواتم) الذي غالبا ما يحتفي اليمين المتطرف في أوروبا بعمله.

وبمناسبة الذكرى الـ50 لوفاة المؤلف البريطاني وإصدار أولى روايات هذه السلسلة باللغة الإيطالية، جرى الإعداد للمعرض والترويج له من جانب وزارة الثقافة الإيطالية بدعم قوي من رئيسة الحكومة، وموّلت الحكومة المعرض بمبلغ 250 ألف يورو، وفق صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية.

وتطرقت ميلوني (46 عاما) كثيرا في ما مضى لشغفها بأعمال تولكين الخيالية خلال الطفولة.

وقالت رئيسة الوزراء -في سيرتها الذاتية التي أصدرتها عام 2021- إنها وخلال انضوائها ضمن التنظيمات الشبابية في حزب "الحركة الاجتماعية الإيطالية"، كانت تهوى ارتداء أزياء تنكرية مستوحاة من عالم "سيد الخواتم".

وأشارت ميلوني في هذه الكتابات إلى شغف خاص لديها بشخصية سام، رفيق السفر للبطل فرودو. وكتبت "إنه مجرد "هوبيت" بستاني. لكن من دونه، لم يكن فرودو لينجح في مهمته".

وقد توقف الكثير من الكتّاب عند الجاذبية في أوساط اليمين المتطرف لعالم "سيد الخواتم"؛ حيث يتم التركيز على مفاهيم الهوية والتمسك بالتقاليد.

وقال وزير الثقافة جينارو سانجيوليانو في سبتمبر/أيلول الماضي إن جيه آر آر تولكين "كان كاثوليكيا مؤمنا يمجّد قيم التقاليد والمجتمع والتاريخ الذي ننتمي إليه، وهو محافظ حقيقي، كما يمكن للمرء أن يقول".

ومع ذلك، يشير البعض إلى أن تولكين كان أيضا يتمتع بشعبية كبيرة داخل حركة "الهيبيز" (المناهضة للثقافة المادية الرأسمالية) في ستينات القرن الـ20 في الولايات المتحدة.

جيه آر آر تولكين "كان كاثوليكيا مؤمنا يمجّد قيم التقاليد والمجتمع والتاريخ" بحسب اليمين الأوروبي (أسوشيتد برس) فانتازيا أقصى اليمين

في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، تبنى اليمين المتطرف في إيطاليا أبطالا أدبيين آخرين، فقد أصبح يوليوس إيفولا، الفيلسوف الفاشي الذي دعم موسوليني -لكنه لم يكن مؤثرا في ظل حكمه- من الأدباء المفضلين لدى الفاشيين الجدد في خمسينيات القرن الماضي، وكان عزرا باوند، الشاعر الأميركي الغنائي والداعم المخلص لموسوليني، أيضا بطلا لهؤلاء "الرجعيين" فيما بعد الحرب، بحسب تقرير لصحيفة ذا أتلانتيك الأميركية.

وكان إيفولا -الذي لا يزال تأثيره متواصلا على حركات يمينية معاصرة- يعتقد بتأثير السحر والماورائيات المتجاوزة للطبيعة مثل الأشباح والتخاطر، وكان معاديا للمسيحية وطور روحانيته الخاصة بالمقابل، واقترح تحويل الفاشية لنظام مستوحى من القيم الرومانية القديمة بدلا من المسيحية التي هاجمها في كتابه "الإمبريالية الوثنية".

ورغم أن بعض نصوصه تنتقد الفاشية، فإن موسوليني استخدمها لتهديد الفاتيكان بإمكانية قيام فاشية مناهضة لرجال الدين.

وخلال سبعينيات القرن الماضي، أصبحت قصة "سيد الخواتم" لمؤلف ملاحم الفانتازيا الشهيرة جون رونالد تولكين مصدر إلهام للأعضاء الشباب في حزب الفاشية الجديدة الذين ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية، والذين وجدوا جاذبية خاصة في وجهات نظر -بروفيسور الأدب واللغة الإنجليزية ومؤلف ملاحم الهوبيت والسيلماريليون أيضا- التقليدية المعادية للحداثة وتعريفه الواضح للخير والشر.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

هل يساعدنا مصطلح «سحابة الفاشية» على فهم اليمين المتطرف ومقاومته؟

في الشهر الماضي، وبعد أسابيع قليلة من الاعتقالات العشوائية وحالات منع عبور الحدود الأمريكية، كان يفترض أن أذهب إلى جامعة برينستن محاضِرةً زائرة لمناقشة الفاشية العالمية. سألت الأساتذة الذين وجهوا لي الدعوة عما إذا كانوا يرون حضوري آمنا. وحينما كنت في تركيا، كان أصدقائي من الصحفيين الأوروبيين يطرحون ذات يوم سؤالا مماثلا عما إذا كانوا سيتعرضون للاحتجاز. وبالضبط كما كنت أفعل معهم، تردد الأساتذة الأمريكيون غير ناطقين إلا ببعض جملة: «يعني، كما لا يخفى عليك...». وتقرر إشراك شركة قانونية في الأمر. وبعد بعض المداولات، كان التقدير النهائي مبهما على نحو مثير للقلق: «الاحتجاز مستبعد، لكن لا يمكن أن نقطع بذلك». وأخيرا، وتحرِّيًا للأسلم، لجأنا إلى خيار الإنترنت.

في النهاية، سارت الأمور على ما يرام ظاهريا، لكنني أعلم من انتمائي إلى الجانب الآخر في هذه القصة أن الخيط الحريري الرابط بيننا نحن البشر قد انقطع. فهم شعروا أن أرضهم باتت أظلم بعض الشيء، وأنا شعرت بالتخلي عن أولئك التعساء في ذلك الوقت العصيب. وفي النهاية، يجدر بمثلي أن تعلم: على هذا النحو ينحدر بلد إلى الظلام، لا بأوامر من دكتاتور وإنما بتخلي العالم الخارجي عن شعب هذا البلد، وتركه وشأنه، بقطع ملايين الخيوط التي تربطنا ببعض في إنسانية واحدة.

في الوقت نفسه، رأينا أن ما بدأ بوصفه عبثا صادما ـ من قبيل منع دخول أكاديميين ومثقفين وبشر عاديين أو الزج بهم في السجن لأسابيع إثر تفتيش هواتفهم ـ سرعان ما تحول إلى الطبيعي. بات غير المقبول بسرعة بالغة هو الطبيعي، فبعد أسابيع قليلة من الأزمة الحدودية، بدأ الاتحاد الأوروبي يوزع على العاملين فيه هواتف جديدة رخيصة عند ذهابهم إلى الولايات المتحدة.

ونبهت بعض البلاد الأوروبية مواطنيها المثليين إلى توخي الحذر عند زيارة الولايات المتحدة مستعملة نبرة شبيهة بنبرة موقع (المستشار السياحي -Tripadvisor). وهكذا بدأ الهزل دونما تحذير ليستمر في عشوائية مطلقة. إذ يصادف الناس متاعب كالتي وصفت في التقييم الذي حصلت عليه للصعوبات المحتملة: «مستبعد لكن دونما تأكيد». وفي هذا الإبهام المثير للقلق تكمن سمة فريدة في فاشية زماننا.

يحاول كثير منا نحن المفكرين والسياسيين أن يتوصلوا إلى مصطلح جذاب لفاشية زمننا.

ولقد بات يخطر لي أن في جوهر تلك المحاولة لا تكمن فقط الرغبة في التحليل وإنما الدافع أيضا إلى لفت أنظار الناس ليحذروا الحذر الواجب. ولعل دافعا إنسانيا للغاية هو الذي يدفعنا إلى هذا التفكير: «لو أننا عثرنا على الكلمة الصحيحة، فسوف يتمهل الناس وينصتون. ولعلهم من بعد ذلك يفعلون شيئا».

والواقع أنها هي نفسها الفاشية القديمة، لكنها تتزين بنظارات جديدة وأجهزة براقة، فالأمر أشبه بنسخة محدثة من تطبيق أضيفت إليه خصائص جديدة. ومن هذه الخصائص الجديدة في فاشية القرن الحادي والعشرين أنها أشبه بالسحابة. ففي النهاية، هي ابنة سياسية للرأسمالية السحابية.

صيغ المصطلح على يد السياسي والاقتصادي اليوناني يانيس فاروفاكيس. فهو يقول إن لدينا نظاما اقتصاديا جديدا استبدلت فيه شركات التكنولوجيا الضخمة ـ التي تعمل من السحاب ـ المنصات والإيجارات بأعمدة الرأسمالية التقليدية من قبيل الأسواق والربح. من خصائص هذا النظام خلق إقطاعيات رقمية يعمل فيها أفراد، أو إقطاعيون، لصالح هذه المنصات. فالأمر أشبه بالعصور الوسطى، ولكن في نسخة تكنولوجية. وبطبيعة الحال لا يلقي الناس أنفسهم في هذا النمط الجديد من العبودية، ولكن الأمور تجري في الظاهر كما لو بدافع من النظام الطبيعي.

يكشف مصطلح «السحابة» الكثير عن واقع العالم الراهن. فما في هذا النظام من سمات سحابية من قبيل الغموض والسيولة والانزلاقية ـ وحضوره في كل مكان وفي لا مكان في الوقت نفسه ـ شبيه تماما بحركة سحب العواصف. فهو الآن في تركيا، يعمل من خلال زج رجب طيب أردوغان بمنافسيه السياسيين في السجن، وهو الآن في إسرائيل يعمل بتجويع الأطفال الفلسطينيين. وبعد ظهوره على سواحل إيطاليا ليرد المهاجرين إلى البحر الذي أقبلوا منه، يظهر مرة أخرى، وعلى حين غرة، في الولايات المتحدة على أرض جديدة متجسدا هذه المرة في شرطة الحدود. فلسحابة الفاشية أياد لا حصر لها تقترف جرائم لا يمكن التنبؤ بها وعلى نحو عشوائي، فنحاول جميعا أن نجاريها ونتكيف معها. وأن نتعايش معها شأن الإقطاعيات السحابية. ولا تكاد تمضي فترة قصيرة حتى نفقد قدرتنا على الشعور بالصدمة، فنتقبل السحابة على مضض، وكأنها باتت الآن ظاهرة طبيعية لا بد من أن نتعايش معها. وكأنما هي سحابة موجودة بلا نزاع. فكل ما عليك ألا تصطحب هاتفك معك إلى الولايات المتحدة. اشتر واحدا جديدا رخيصا. وليس ذلك بالأمر العظيم. وبما أن هناك سحابة، فاشتر مظلة، وأسرع في سيرك عند المرور بمن لا يحملون المظلات.

أطلق البابا فرانسيس الراحل على هذا الموقف السحابي وصف «اللامبالاة العالمية». وكان كثيرا ما يشير إلى كرامة الإنسان باعتبارها خط الدفاع الأخير للأخلاق الإنسانية في مواجهة إهانات واقعنا السياسي والاقتصادي الحالي. وحسب فهمي، لم يكن البابا يقصر كلامه فقط على كرامة الفقراء التي يمتهنها غياب المساواة. فالكرامة، بما هي قيمة إنسانية توحدنا جميعا، قد تتضرر عبر العديد من الطرق الأخرى. فالقادرون على الحصول على مظلات لحماية أنفسهم من الفاشية السحابية، والممتنعون عن الاحتجاج الذين يشترون هواتف جديدة، هم جميعا أهينت كرامتهم أيضا، وإن أرغموا قلوبهم على ألا تشعر بهذا. لم يتوقف البابا الراحل عند الإشارة إلى كرامة الإنسانية المهانة، بل ألمح إلى المقاومة المدنية حينما قال إنه حينما لا تكون القوانين جيدة بالقدر الكافي، يمكن أن يعارضها المرء بأن يلتزم بصف الصالح العام.

وأخيرا، في فيلم ويم ويندر الوثائقي عن البابا، قال: «الثورة. لا تخشوا الكلمة». هذه كلمة ظلت لبعض الوقت مشفوعة بابتسامة ساخرة أو إشارة سخرية واضحة حتى في الأوساط الثقافية التقدمية. تلك السخرية علامة فقداننا الاسمين بالإنسانية وعلامة بدء إذعاننا لأشد السحب دكنة. في حين ارتسمت على وجه البابا ابتسامة عريضة وهو ينطق الكلمة، فيا له من فارق كبير.

سحابتنا هذه، سحابة الفاشية، تنتقل في أرجاء الكوكب، تغرقنا بالمطر الحمضي. غير أنه مع كل ظهور لها في بلد، يتصرف أهل الأرض وكأنها المرة الأولى التي يشهدون فيها ذلك. وتكرار الدهشة علامة على بدء تراجعنا، وإيماننا بأن مظلة كبيرة بالقدر الكافي، ومصنوعة من أجل بلدنا دون غيره، قادرة على وقايتنا، وهذا أول بزوغ للهزيمة. فالمسألة هي هذه: هل سنطرد هذه السحابة قبل الاستسلام الأخير؟ إن ما يحول بيننا، أي بين الإنسانية، وبين السحابة الداكنة، ليس إلا مسألة إيمان. لا بالله بالضرورة، وإنما بكيان من الفرحة السماوية يتجسد حينما يجتمع الناس للدفاع عن كرامتهم، في سحابة مقاومة عشوائية وسائلة ولا يمكن التنبؤ بها، بقدر سحابة الفاشية. فلا يقدر على منع المطر الحمضي إلا سحابة مقاومة باسم الكرامة الإنسانية تكون في كل مكان. ولست أدعو إلى ثورة، ففي نهاية المطاف، أنا لست البابا، عسى أن يرقد في فرحة وكرامة.

إيجي تيميلكوران صحفية تركية ومعلقة سياسية صدر لها كتاب «كيف تفقد بلدا: 7 خطوات من الديمقراطية إلى الدكتاتورية».

عن صحيفة الجارديان البريطانية

مقالات مشابهة

  • أرقام خرافية لبرشلونة قادته للثلاثية المحلية هذا الموسم
  • 5 نصائح لتحقيق أقصى استفادة من بطاريات الهواتف الذكية
  • رسائل مهمة ولقاءات ثنائية لوزير الزراعة خلال اجتماعات باري الإيطالية
  • غاز ورشاوى وصمت مدو.. حين فتحت الكونغو أبواب أفريقيا أمام إيني الإيطالية
  • وزير خارجية إيطاليا: نعمل على ضمان أقصى درجات الأمن والسلامة لمواطنينا في طرابلس
  • إلغاء رحلة الخطوط الجوية الإيطالية AZ86 بسبب الأوضاع الأمنية في طرابلس
  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)
  • الداخلية تعلن أقصى درجات الجاهزية في تأمين فعاليات قمة بغداد
  • تخطوا 60 مليونًا.. زوار المتاحف الإيطالية يتجاوزون عدد السكان
  • هل يساعدنا مصطلح «سحابة الفاشية» على فهم اليمين المتطرف ومقاومته؟