عن المسرح المصري، تاريخه وأشكاله واستلهاماته، صدر العدد الجديد(١١٣) من مجلة الفنون الشعبية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، متضمنًا مجموعة مختارة من دراسات ومقالات تغطي جميع جوانب ذلك الفن الذي عرفه قدماء المصريين من خلال الاحتفالات الدينية ووفاء النيل، ثم تغيرت أشكاله بتغير الحضارات التي مرت على البلاد.


ويستهل العدد بتحليل للأديب الراحل يوسف إدريس عن حال المسرح المصري باحثًا عن فرادته وتميزه عن غيره؛ حيث إن للمسرح أشكالًا كثيرة متعددة موجودة في حياة كل شعب، وليس شكلًا واحدًا متمثلًا في المسرح الإغريقي، فقد مرَّ المصريون بتغيرات حضارية كبيرة، فعرفوا المسيحية ثم الإسلام وتعصبوا لهما، فخرجت ذكريات الحضارة القديمة على شكل إسلامي المظهر والمحتوى، فجاءت احتفالات رمضان، وحفلات الذكر، ووفاء النيل، وعادت مجالس القصاصين والحكائين، وازدهر خيال الظل والأراجوز.
أما عن المسرح المصري الحديث فيراه إدريس ولادة غير شرعية للمسرح الإغريقي؛ حيث اعتمد على الترجمة والاقتباس أولًا، والتمصير لاحقًا في مضمونه، لكن قالبه ظل مستوردًا. والمسرح- كأي فن- ظاهرة إنسانية اجتماعية لا بد لإنتاجها من بيئة معينة تتبع شعبًا معينًا، وتُنتج من أجل ذلك الشعب.
وينشر العدد دراسة للناقد الراحل عز الدين إسماعيل بعنوان "توظيف التراث في المسرح"، تناولت مسرحيات تزيد قليلًا عن الثلاثين، خلصت إلى تحديد شكلين عامّين للمسرحية المرتبطة بالتراث؛ أولهما يتمثل في ارتباط الكاتب بالتاريخ، أي بالتجربة التاريخية، زمانًا ومكانًا، والثاني يمزج فيه الكاتب مزجًا واضحًا ومتعمدًا بين التاريخ والواقع، فيتداخلان على نحو يصنع منهما بنية موحدة.
ويلاحظ إسماعيل ميل الكُتّاب للعودة إلى التراث الشعبي، متمثلًا في السّيَر الشعبية، وفي حكايات "ألف ليلة وليلة"، وفي حكايات الشطار والفُتّاك والصعاليك، وحكايات البيئات الشعبية المحلية وأغانيها. ويفسر هذا الميل بأن التراث الشعبي أكثر تمثيلًا لروح الشعب ومنطقه وطرز تفكيره ومعاييره في تقدير الأمور. والمسرح- أساسًا- مؤسسة جماهيرية شعبية، يُخاطب فيها الكاتب جمهوره، بل إنه يُؤلف ما يؤلف من خلاله.
وفي باب "نصوص شعبية" يتضمن العدد ستة نصوص من الأراجوز المصري، وهي: نمرة "البربري" للاعب محمد كريمة، وسُجّلت في مولد السيدة فاطمة النبوية (2005). و"جرّ شكل" لحسن سلطان، وسُجلت في مولد السيدة زينب (2008). و"حرامي الشنطة" و"في سوق العصر" لصابر المصري، وسُجلتا من بيت السحيمي في الجمالية بحارة الدرب الأصفر (2009)، و"حموده وأخوه" لسيد الأسمر، وسُجلت في حدائق الملاغية (2004). و"العفريت" لصلاح المصري، وسُجلت في المعادي (2004)، وهذه النصوص الستة ضمن مجموعة الباحث الأكاديمي نبيل بهجت.
وفي باب الشهادات، يتضمن العدد اثنتي عشرة شهادة، من بينها "تجربتي في المسرح الشعبي.. كشف أثري" للكاتب المسرحي الراحل أبو العلا السلاموني، و"رحلة مع الأسئلة الأولية" للمخرج أحمد إسماعيل، و"شهادات المخرج" للمخرج حسن الجريتلي، و"استلهام التراث في مسرحنا المصري" للمخرج حسن الوزير، و"الموروث الشعبي.. شهادة على تجربة في الكتابة" لدرويش الأسيوطي.
وعن رحلة أقدم فرقة مسرحية مصرية كوّنها اللبناني "سليمان قرداحي" في الإسكندرية، ينشر العدد دراسة للناقد الأكاديمي سيد علي إسماعيل بعنوان "مسرح الفنون الشعبية المصرية في باريس 1889"، حيث بدأت عروض تلك الفرقة في الأوبرا الخديوية عام 1882، ثم كان آخر ذكر لها في الصحافة المصرية عام 1889. 
ويجد الباحث إشارات غامضة في مذكرات "عمر وصفي" إلى أن الفرقة سافرت إلى باريس. وفي مقالة لـ"دولت أبيض" فإن عروض الفرقة في باريس أساءت إلى مصر وإلى الممثلين، حيث حوى إعلانها الذي صمّمه الإنجليزي سيمور واد، مدير المسرح، رسمًا كبيرًا لامرأة شرقية ترقص بملابس كاشفة كتب فيه أن الفرقة هي فرقة الأوبرا الخديوية، وهو ما وصل إلى الخديو وأثاره ضد قرداحي. وبعد أن قدّم له دعمًا قبل السفر إلى فرنسا، وسمح له باستخدام ما ضمته الأوبرا الخديوية من ملابس وديكورات، منعه من العودة إلى مصر.
ونطالع في العدد، أيضًا، دراسة عن "الحكاية الشعبية في مسرح نجيب سرور" للباحث الأكاديمي عبد الكريم الحجراوي، تركز على أربعة نصوص مسرحية كتبها سرور بالعامية، واستلهم مادتها من حكايتين شعبيتين، هما: "ياسين وبهية" و"حسن ونعيمة"، وكان له يد السبق في استلهام هذه الحكايات مسرحيًا.
أما "استلهام التراث في المسرح الشعبي" فنجده في دراسة للناقد المسرحي أحمد عبد الرزاق أبو العلا عن المولد في ثلاث مسرحيات للكاتب أبو العلا السلاموني، وهي: "مولد يا بلد"، و"المليم بأربعة"، و"ملاعيب عنتر". وتُجيب الدراسة عن كيفية معالجة الكاتب لموضوع المولد في هذه المسرحيات؛ ففي "مولد يا بلد" كان الدافع إلى كتابة النص هو تأثير جماعات التطرف باسم الدين في منع المولد.
وفي "المليم بأربعة"، وهي لعبة تنتشر في الموالد وتُشبه القمار، استلهمها الكاتب ليتناول فكرة شركات توظيف الأموال التي ظهرت في عام 1978، أما في "ملاعيب عنتر" فتتجلّى شعبية النص في استعانة الكاتب بالسيرة الشعبية لعنترة بن شداد، واستدعاء بطلها ليكون بطل هذه المسرحية، وفي معالجة السيرة معالجة هزلية، تتوافق مع المتغيرات التي فرضها النظام العالمي الجديد. 
وفي مقال بعنوان "مسرحة التراث الشعبي إلى أين؟"، يطرح الناقد المسرحي أحمد خميس الحكيم تساؤله، فيرى أن مسألة تناول التراث الشعبي في أعمال كثير من الكُتّاب والمخرجين الجدد أصبحت شحيحة للغاية، بل تدور في أفلاك فكرية وجمالية متشابهة أو بسيطة التكوين, من دون محاولة جادة لكشف مناطق بكر أو تناول ذكي يُعطي الحكايات المتناولة وجاهةً وتجددًا.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: المسرح المصري الهيئة المصرية العامة للكتاب الإحتفالات الدينية المسرح المصری التراث الشعبی فی المسرح

إقرأ أيضاً:

وفاة الكاتب الكيني المشهور نغوغي وا تيونغو عن 87 عاما

أعلنت أسرة الأديب الكيني الشهير نغوغي وا تيونغو وفاته عن عمر ناهز 87 عامًا، بعد فترة من تلقيه علاج الغسيل الكلوي.

وأكدت ابنته وانجيكو وا نغوغي عبر حسابها على فيسبوك أن والدها "عاش حياة مفعمة بالتحديات وناضل نضالًا شريفًا".

وُلد نغوغي عام 1938 في كينيا، ويُعدّ من أبرز الكتّاب الأفارقة في حقبة ما بعد الاستعمار، إذ أثرت في تكوينه الفكري وأعماله الأدبية أحداث حرب الماو ماو الدامية في الخمسينيات.

وتتميز كتاباته بنقد شديد للاستعمار البريطاني، إضافة إلى توجيه النقد للمجتمع الكيني بعد استقلال البلاد عام 1963.

اشتهر نغوغي في سبعينيات القرن الماضي بقراره الجريء بالتحول من الكتابة باللغة الإنجليزية إلى استخدام لغات محلية مثل الكيكيو والسواحلية، فأثار بذلك جدلًا واسعًا آنذاك.

وصفه الكاتب الكيني ديفيد مايو بأنه "كان يبدو مجنونًا… وشجاعًا في الوقت ذاته"، وكان هذا القرار بمنزلة تحدٍّ للنمط السائد في الأدب الأفريقي الذي يهيمن عليه الاستعمار اللغوي.

أبرز أعماله كان كتابه "تحرير العقل" (Decolonising the Mind) الصادر عام 1986 الذي يؤكد فيه استحالة التحرر الثقافي والسياسي من خلال الاستمرار في استخدام لغة المستعمرين.

إعلان

عانى نغوغي الاضطهاد السياسي، فقد سُجن عام 1977 بسبب عرض مسرحي انتقد الواقع الاجتماعي والسياسي في كينيا، واعتُبر سجين رأي، كما وصف الطبقة الحاكمة في البلاد آنذاك بأنها "موت الأمل والأحلام والجمال".

في عام 1982، اضطر نغوغي إلى اللجوء إلى المملكة المتحدة بعد حظر المسرحيات وعروضها في كينيا، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة حيث عمل أستاذًا للأدب المقارن في جامعة كاليفورنيا في إيرفين، واستمر في إنتاج أعمال أدبية شملت مقالات وذكريات وروايات تتناول تاريخ كينيا وثقافتها.

I have learnt with sadness about the death of Kenya's beloved teacher, writer, playwright, and public intellectual, Prof Ngugi wa Thiong'o. The towering giant of Kenyan letters has put down his pen for the final time.

Always courageous, he made an indelible impact on how we… pic.twitter.com/bHPJcWfVCF

— William Samoei Ruto, PhD (@WilliamsRuto) May 29, 2025

توالت ردود الفعل على وفاة نغوغي في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أشادت شخصيات بارزة بحياته ومسيرته. وقالت زعيمة المعارضة الكينية مارثا كاروا عبر منصة إكس (تويتر سابقًا) "تعازيّ لعائلة وأصدقاء الأستاذ نغوجي وا تيونغو، العملاق الأدبي والعالم الوطني الذي ترك بصمات لا تُمحى".

كما عبرت منظمة العفو الدولية في كينيا عن امتنانها له، واصفة إياه بأنه "انتقل من الفانية إلى الخلود".

بدورها، وصفت الباحثة الاجتماعية والطالبة السابقة لنغوغي، مارجاريتا وا غاتشيرو، الكاتب بأنه "رمز وطني"، وقالت "بنظري، إنه يمثل تولستوي الكيني، من حيث كونه راويًا وقادرًا على تصوير العلاقات الاجتماعية والصراعات الطبقية بمنظور شامل".

يمثل رحيل نغوغي وا تيونغو فقدانًا كبيرًا للأدب الأفريقي والعالمي، إذ كان صوته من الأصوات القليلة التي استمرت في النضال من أجل الهوية والحرية الثقافية عبر كتاباته ورسائله العميقة التي تجاوزت حدود الأدب لتصل إلى قضايا التحرر والعدالة.

إعلان

مقالات مشابهة

  • كامل العدد.. ليلة فى حب بليغ حمدي ووردة بالمسرح الكبير فى دار الأوبرا
  • تفاصيل نظام الدوري المصري الجديد.. وثروت سويلم يوضح أسباب إلغاء الهبوط
  • يوسف جبريال يوجه رسالة لـ تامر حسني بعد أغنية come back to me الشعبية
  • تكريم طلابنا المبدعين بمهرجان المسرح المدرسي العربي
  • وفاة الكاتب الكيني المشهور نغوغي وا تيونغو عن 87 عاما
  • الجارديان: وفاة الكاتب الكيني نجوجي واثيونجو عن 87 عامًا
  • عالم يتوقع "العودة عبر الزمن" بحلول 2029.. كيف؟
  • الجمعة يكتمل العدد.. وصول 3 لاعبين إلى البصرة وأرنولد يُغلق التدريبات
  • ” الشعبية” تدعو لتصعيد الغضب الشعبي العالمي والعربي لوقف العدوان على غزة
  • الكاتب الإنسان.. ما سر التعاطف الواسع مع صنع الله إبراهيم في مرضه؟