بعد إيطاليا.. هولندا في قبضة اليمين المتشدد
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
لو لم تكن الدنيا تدور، لما تباينت الأحوالُ، ولما تغيّرت الحظوظُ. وتغيّرُ الحظوظِ يمكن أن يكون مثل أخطبوط، يمد أذرعه المتعددة في اتجاهات كثيرة، ومنها السياسة.
وهذا يعني أن حظوظ من يقبعون في الهوامش منتظرين قد تتغيّر، ويجدون أنفسهم في قلب رحى العملية السياسية، وبيدهم مقاليد الأمور. نظرة واحدة إلى ما حدث ويحدث لأحزاب اليمين المتطرف أو المتشدد تكفي.
آخر الأخبار جاءت من هولندا، تؤكد سقوط قلعة ليبرالية أخرى، بفوز حزب «الحرّية»، وهو حزب يميني متطرف، بالانتخابات العامة. وكان، إلى عهد قريب، هامشياً ومنبوذاً سياسياً واجتماعياً. ومن الممكن أن يصبح زعيمه خيرت فيلدرز رئيساً للحكومة.
قبل هولندا، تابعنا باهتمام وقلق سقوط إيطاليا، بصعود حزب «إخوة إيطاليا» إلى الحكم بقيادة سيدة اسمها جورجيا ميلوني. وهو حزب لا يخفي جذوره الفاشية. ورأينا أحزابا مماثلة في فرنسا والسويد والنمسا والمجر وفنلندا واليونان، تفكُّ جدران الهامش وتقتحم، عبر صناديق الانتخابات، الساحة السياسية الرئيسة. وهناك، بالطبع، نكسات مثل ما حدث مؤخراً في إسبانيا حيث أفلحت ميكافيللية الحزب الاشتراكي العمالي في الوقوف حائلا أمام اليمين للوصول إلى الحكم، ومثل ما حل بالشعبويين المتشددين في بولندا.
كل تلك الأحزاب اليمينية المتشددة، التي كانت مهمّشة سياسياً، تتبادل فيما بينها مكونات طبخة سياسية واحدة: ركوب موجة الهجرة، وموقف عدائي من الإسلام والمسلمين، وموقف لا يقل عنه عداوة من الاتحاد الأوروبي.
تلك الوصفة يمكن أن تضاف إليها مكونات أخرى تتماشى والأحوال السائدة. وعلى سبيل المثال، في مرحلة ما بعد انتشار الوباء كوفيد، أضيف إليها مكون موقف معاد من التطعيم، وتعاطف مع الناس ضد ارتفاع تكاليف المعيشة، وموقف رافض للتغيرات المناخية... إلخ.
هولندا، مثل دول أوروبية كثيرة، تتبنى نظاماً انتخابياً يسمى التمثيل التناسبي، وهو بطبيعته، نظام لا يضمن حصول حزب على الأغلبية البرلمانية. لذلك، فإن الدول التي تتبنى نفس النظام، تكون حكوماتها ائتلافية الطابع، متكونة من عدة أحزاب، وفي العادة تحت قيادة الحزب الذي يحصل على أكبر عدد من المقاعد. في الانتخابات النيابية الأخيرة في هولندا، شارك 26 حزباً في الانتخابات، من مختلف ألوان الطيف السياسي، 18 حزباً منها من الممكن أن تكون ضمن تشكيلة الحكومة القادمة، استناداً إلى معلقين.
حزب «الحرية» اليميني بقيادة فيلدرز فاز بعدد 37 من مجموع 150 مقعداً. وهذا يعني أنه في حاجة إلى عدد 39 مقعداً آخر ليضمن الحصول على عدد 76 مقعداً، تؤهله لتولي الحكم، ورئاسة حكومة ائتلافية. زعيم الحزب فيلدرز صدر ضده حكم قضائي في السابق، بسبب شتمه لمهاجر مغربي ووصفه بالحثالة. وفي السنوات السابقة، كان يطالب بوقف بناء المساجد، ومنع ارتداء الحجاب في المؤسسات والمصالح الحكومية. وتعهد بإجراء استفتاء شعبي حول بقاء أو خروج هولندا من الاتحاد الأوروبي، وطالب بإعادة المفاوضات مع بروكسل بخصوص اتفاقيات كثيرة ذات صلة بحقوق الإنسان والمهاجرين، بهدف خروج هولندا منها. والتقارير الإعلامية قالت إنه شخصياً فوجئ بالنتيجة الانتخابية، وفي ذات الوقت، تسببت النتيجة في إحداث صدمة سياسية شديدة في عواصم أوروبية كثيرة، باريس على سبيل المثال لا الحصر. لكنّه الآن يقف على رأس القائمة الانتخابية، وفي انتظار أن يتولى قيادة هولندا. هذه الأمنية، والتي هي في متناول أي زعيم حزبي آخر يفوز بالانتخابات، تقف فعلياً دونها عوائق. أهمها وأبرزها أن لا أحد من زعماء الأحزاب الأخرى على استعداد للمشاركة في أي حكومة يترأسها فيلدرز. وفيلدرز يعرف ذلك، وعليه تدارك المشكلة وإيجاد حلول لها. أبرز الحلول التي ظهر بها مؤخراً أنه سيحترم نصوص الدستور الهولندي، خاصة المتمثلة في حرية العقيدة وحرية العبادة، وحق التجمع وحرية الرأي. المعلقون الإعلاميون يرون أن حلم فيلدرز في قيادة حكومة ائتلافية لا يختلف كثيراً عن حلم إبليس بدخول الجنة. وأن أقرب الاحتمالات هو قبوله بتقديم دعمه البرلماني لأي حكومة ائتلافية بقيادة زعيم آخر، مقابل التزامها بقبول تنفيذ سياسات حزبه. وهم في ذلك يتناسون حقيقة أن حرمانه من رئاسة الحكومة يتعارض والديمقراطية، ورغبات الناخبين.
لكن تكهنات المعلقين تظل مجرد تكهنات، تخطئ كثيراً وتصيب قليلاً. وفي رأيي أن الدنيا التي تدور، وغيرت من حظوظ السيد فيلدرز وحزبه، ربما تواصل لعبتها، ونستيقظ بعد أسابيع أو أشهر قليلة، ونكتشف أن فيلدرز أصبح رئيساً لحكومة هولندا.
وما يهم حقيقة هو أن حظوظ أحزاب اليسار واليمين الليبرالي الأوروبي تتراجع انتخابياً على المجمل. ومن الواضح أن اليمين المتشدد يتقدم بخطى واسعة لملء الفراغ السياسي المفتوح، باستغلال مخاوف المواطنين من قضايا كثيرة تقلقهم وتجعلهم في خشية مما ينالهم من سوء مستقبلاً. ومن الواضح أن المسألة تتعدى أوروبا. في الأرجنتين تمكن مرشح رئاسي انتخابي -ليبرالي يميني متشدد- من دون خبرة أو تجربة سياسية، من اكتساح الانتخابات الرئاسية والفوز بقيادة الأرجنتين لأربع سنوات.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة هولندا
إقرأ أيضاً:
إيطاليا أول المتعهدين بالمساهمة في قوات حفظ أمن غزة
أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، نقلًا عن مصادر مطلعة، بأن إيطاليا تُعد الدولة الوحيدة حتى الآن التي تعهّدت بإرسال قوات إلى قطاع غزة.
وبحسب المصادر، فإن روما قدّمت هذا التعهّد للولايات المتحدة، في إطار مشاورات دولية جارية بشأن ترتيبات أمنية محتملة في القطاع.
اقرأ أيضًا.. قاضي قضاة فلسطين: مصر أفشلت مُخطط تهجير شعبنا
وقالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، اليوم السبت، إن الهجوم الإسرائيلي على سيارة مدنية في غزة خرق لوقف النار وخطة ترامب.
اضطرت ست عائلات فلسطينية، اليوم السبت، إلى إخلاء منازلها في شارع التعاون العلوي بمدينة نابلس، تمهيدًا لهدمها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" بأن العائلات تلقت إخطارات بالهدم، رغم أن الخرائط المتوفرة لديها تؤكد أن المنازل تقع ضمن المنطقة المصنفة «ب»، في حين يدّعي الاحتلال أنها تقع في المنطقة المصنفة «ج».
وأشارت المصادر إلى أن سلطات الاحتلال هدمت خلال العامين الماضيين ستة منازل مأهولة في المنطقة ذاتها، مؤكدة أن جميع المنازل المهددة بالهدم شُيّدت منذ أكثر من 15 عامًا، في خطوة تعكس تصعيدًا متواصلًا في سياسات الهدم التي تطال الأحياء السكنية في المدينة.
وأقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم السبت، على اعتقال طفلٍ فلسطيني من بلدة بيتا جنوب نابلس.
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" بأن قوات الاحتلال اقتحمت البلدة، واعتقلت الطفل تيم رائد حمايل (14 عاما)..
وأصدر الجيش الإسرائيلي، اليوم السبت، بياناً أعلن فيه إصابة جنديين من الاحتياط صباح اليوم جنوبي قطاع غزة
إثر انفجار عبوة ناسفة.
وحلّق طيران الاحتلال الإسرائيلي المُسيّر، مساء اليوم، على ارتفاع منخفض في أجواء بلدة يانوح بقضاء صور جنوب لبنان، وذلك عقب إنذار إسرائيلي وُجّه إلى سكان أحد المنازل في البلدة بضرورة إخلائه.
وفي السياق ذاته، قالت مصادر فلسطينية بأن الطيران المُسيّر الإسرائيلي واصل تحليقه على ارتفاع منخفض في أجواء الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، في ظل أجواء من التوتر والحذر بين السكان.
وأقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، على اعتقال مُسنٍ من الأغوار الشمالية.
وأفادت مصادر محلية بأن الاحتلال اقتحم تجمع الحمة، واعتقل المسن رافع محمد عبد الكريم فقها.
وكان مستعمرون برفقة الاحتلال اقتحموا عدة تجمعات بالأغوار الشمالية.
وأكّد نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، في تصريحات اليوم، أن إسرائيل لم تنفّذ أي خطوة جدية لتطبيق اتفاق وقف الأعمال العدوانية.
مشدداً على أن المقاومة أوقفت محاولات اجتياح لبنان وابتلاعه، وداعياً الدولة اللبنانية إلى إعادة النظر في سياساتها وعدم مطالبة المقاومة بعدم الدفاع عن نفسها.
وقال إن حصرية السلاح بالصيغة المطروحة حالياً تمثل مطلباً أميركياً إسرائيلياً، محذّراً من تقديم أي تنازلات لإسرائيل، ومشيراً إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى ضم لبنان إلى سوريا ضمن مشروع وصفه بالخطير جداً.
وقال جيش الاحتلال، اليوم السبت، إنه استهدف عنصراً بارزاً في حماس بمدينة غزة.