لم تكن هذه التسبحة محض صدفة أو وليدة اللحظة ولكن كل كلمة كانت تعنى دستور ومسيرة حياة. فالتسبحة تبدأ بتمجيد الله الخالق العالي، ثم سلام الله على الأرض وتنتهي بالناس ودورهم في حياة بعضهم أن يكونوا "مسرة" فلو تأملنا مسيرة المسيح منذ ولادته حتى بدأ خدمته كانت مرتبطة بالناس. فهو جاء ليصنع الفرق في حياة الناس ويجعلهم يغيرون حياة بعضهم بعض للأفضل، فلا يقدر الإنسان أن يحيا بمفرده دون أشخاص من حوله لذلك اقترن اسم الناس بالمسرة فهذه أحد الرسائل التى نتعلمها من الميلاد المجيد، فكوننا خلقنا على هذه الأرض فقد خلقنا لتكون هذه التسبحة نبراسًا لحياتنا لنمجد الخالق ونصنع السلام ونكون مسرة للناس، أي نكون سندًا وداعمين ومشجعين ومشاركين لبعضنا البعض، فنحن نحتاج لهذا جدًا، فكثيرًا منا قد يقع في أزمة ما سواء مادية أو معنوية او اجتماعية، لأكثر ما يحتاجه هذا الشخص وقتها هو وجود شخص أو أشخاص بجواره يدعمونه ويخففون من وطأ هذه الأزمة عليه، وفي الأفراح يدعو صاحب العُرس أصدقائه وأحبابه حتى يجد حوله دعما ويجد وجوهًا وقلوبًا تفرح معه لفرحه، نعم، هذا دورنا في حياة بعضنا البعض، فكم من مرة كنا نتوقع وجود أصدقائنا حولنا في أمور عديدة ولم نجد أحدًا، كم من مرة توقعنا أن يرد أصدقائنا غيبتنا ولم يحدث، كم من مرة خاب رجاؤنا فيمن حولنا، في كل مرة يحدث هذا نشعر وكأننا وحدنا على الأرض لا رفيق لنا ولا صديق، لا يوجد من يأخذ بأيدينا في وقت ضعفنا وانهزامنا، قديمًا كان يقول أجدادنا شارك في الحزن أهم ما تشارك في الفرح، وأنا أؤكد على هذه المقولة، المشاركة وقت الضعف والحزن والانكسار تقوي قلوبنا وتعطيها أمل في أننا لسنا بمفردنا وبذلك يتبدل الحزن بمسرة ونكمل التسبحة.

إن تشجيعنا لمن حولنا لا ينقص منّا شيء ولا يقلل من شأننا شيء، بل على العكس تمامًا، تشجيعنا قد يجعل من حولنا يشعرون بقيمتهم وانسانيتهم، ولو أخذنا أمثلة ممن حاولوا الانتحار أو الرسائل التي تركها المنتحرون نجد أغلبهم قد عانى من تجاهل من حوله وعدم تشجيعهم له وعدم وجودهم بجواره وقت انكساره، واستهتارهم بمشاعره ومخاوفه، ولم يكونوا دوائر أمان لهؤلاء مما دفعهم الى انهاء حياتهم بهذه الطريقة ليتركوا هذه الصرخة لنا.

وجود المسيح على الأرض كان له أعظم الأثر في مسيرة أناس كثيرين، فالرعاة عندما رأوه مضجعًا في مزود فرحوا بالمولود والمجوس حينما قدموا هداياهم امتلئوا بالفرح وعن مريم العذراء ويوسف النجار كست وجوههم الفرحة بعد العناء الذي لاقوه في رحلتهم أو حتى في قبول هذه المهمة الصعبة، وكل القرى والبلدان التي زارها المسيح ووطأ بقدميه عليها بدل حزنها بفرح ورمادها بجمال.

إن ميلاد المسيح يوصينا أن نكون للناس مسرة لا حزن وانكسار وانتقام أن نكون للناس بداية جديدة كالميلاد.. أن نكون لهم مصدر للسعادة والأمان.. فبرغم من المشاكل التى نعيش فيها والضغوط المحيطة بنا تُذكرنا تسبحة الملائكة أننا "مسرة" أننا فرح ونستطيع أن نتغلب على كل قوى الحزن والانكسار.. نستطيع ان نقف بجوار أحبائنا وندعمهم في كل ظروف حياتنا.

في نهاية عام وبداية عام جديد وفي أجواء الميلاد دعونا نقترب من أحبائنا.. نقدم لهم الدعم والمساندة.. دعوا طفل المغارة يولد من جديد ويملأ الدنيا فرح من حولكم.. دعونا نجنب خلافاتنا أو نمحوها وننساها فمعظم خلافاتنا لا تستحق أن تمحو لحظات الفرح والسلام بيننا.

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: ارض السلام الطفل يسوع صنع السلام مشاعر الله الأرض

إقرأ أيضاً:

استدراكات على ترجمة شعر الحاردلو الي الإنجليزية

عبد المنعم عجب الفَيا


يقول الشاعر الشعبي الكبير الحاردلو في أول شطرين أو بيتين برباعية (مربع) من رباعيات الدوبيت:


الخبر الأكيد قالوا البطانة اترشت
سارية تبقبق للصباح ما انفشت


تناهي الي مسمع الشاعر خبر حلول الخريف في سهل البطانة، واغلب الظن انه كان وقتها بالخرطوم، فقد كان ابوه مديرا لمديرية الخرطوم في العهد التركي.
واترشت من الرشاش، وهو المطر الخفيف الذي ينزل في أول فصل الخريف، يقال: مطر الرشاش. والكلمة من رش يرش فهو رش ورشاش. ولكنه لم يكن رشاشا هذه المرة وإنما كان مطرا ليليا غزيرا.
فالسارية، وتنطق أيضا سراية، هي المطرة الليلية التي تنهمر الليل كله بلا توقف. من سري يسري ليلا. يقال في الفصحى سري الليل بمعنى قطعه سيرا. والسري بضم السين مع التشديد السير الليل كله.
وهناك نوع من الجراد في السودان يسمى ساري الليل. سمي بذلك كونه يزحف في الليل بكثافة مذهلة فيغطي النبات والشجر وما يحل الصباح حتى يكون قد يقضي على مساحات واسعة من الخضرة.
والبقبقة هنا صوت سقوط قطرات المطر على الأرض فوق بعضها البعض مكونة فقاعات أو فقاقيع. وانفشت تعبير سوداني، يعني فيما يعني، يشفي الغليل أو "يبرد البطن" من غضب كامن على سبيل المثال. ويقولون في المعني الذي عناه الشاعر هنا: المطرة لسع بطنها طامة اي لم تنفش بعد.
وفش لفظة عربية فصيحة وتعني في المعجم اخرج ما في جوفه من ريح أو تجشا. ونحن نقول في كلامنا من باب الكناية: فش غبينته ومغسته.
والمعنى في كلام الشاعر انه مع ان السماء ظلت تمطر الليل كله الا انها لم تشفي غليلها او تقضي وطرها، والضمير هنا يرجع إلى السماء كأنما نزول المطر هو زواج بين السماء والأرض. وهذه الصورة البلاغية للمطر، أعني زواج السماء والأرض، نجدها في الشعر والنثر العربي القديم والحديث.
هذا، وقد اخضع شعر الحاردلو لبعض المحاولات في الترجمة الي الإنجليزية، ومن ذلك ترجمة الأستاذ الجامعي والشاعر والإذاعي الدكتور حسن عباس صبحي، عليه الرحمة، لأول بيتين أو شطرين من هذا المربع من شعر الحاردلو. والدكتور حسن عباس صبحي معروف بأنه قد أنجز ترجمات لعدد من قصايد الشعر االانحليزي الي العربية. وجات ترجمته لأول شطرين من الرباعية التي نحن بصدد الحديث عنها كما يلي:
The certain news was said that
Butana had been showered
And the lightning bubbling till morning
Never stop


تلاحظ ان المترجم لم يهتد الي معنى كلمة "سارية" إذ ترجمها lightning وهو البرق. ولكنه وفق في اختيار كلمة showered ارتشت، وكلمة bubbling تبقبق. ولكنه نسب الفعل الي البرق وليس الي انهمار المطر. البقبقة صوت الماء على وجه العموم. وكلمة bubble تعني في الإنجليزية فقاعة وجمعها فقاقيع.
كما ان عبارة never stop "ما انفشت" في حاجة إلى معالجة افضل لنقل الشحنة الشعورية لعبارة الشاعر. وقد اعدنا النظر في ترجمة الدكتور حسن عباس صبحي للبيت الثاني :
سارية تبقبق للصباح ما انفشت
وقد خلصنا الي ترجمة البيت هكذا:
The all night long rain till morning sustains


عبد المنعم عجب الفَيا
٢٥ مايو ٢٠٢٥



abusara21@gmail.com

 

مقالات مشابهة

  • رشيد:علاقتنا مع إيران “زواج كاثوليكي “ولنا الشرف أن نكون وسطاء بين إيران وأمريكا
  • فلكية جدة: هلال ذي الحجة يُزيّن سماء الوطن العربي مساء اليوم
  • البابا ليو : صرخات أمهات وآباء غزة تصل إلى السماء.. يجب وقف قتل الأطفال
  • جثة طائرة من السماء.. تحقيقات موسعة في مصرع شاب بشوارع عين شمس
  • تكريم ليلى علوى والاحتفال بميلاد سلماوى فى مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية
  • عبد المسيح: نريد العدالة لا الاستعراض
  • أسعار تحلّق في السماء!
  • بنسبة تنفيذ 96.25%.. الغربية تكتب الفصل الأخير في ملحمة حياة كريمة
  • استدراكات على ترجمة شعر الحاردلو الي الإنجليزية
  • آسرار تكشف للمرة الأولي .. ماذا تخبئ جدارية المسيح؟