عودة من الموت .. قصة قصيرة للكاتبة فاطمة بنانى مع السرطان
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
"عودة من الموت" هو عنوان قصة قصيرة للكاتبة التونسية فاطمة بنانى، أهدتها إلى روح كل شخص في العالم فارق الحياة بسبب السرطان اللعين، وإلى كل إنسان تحداه وهزمه وعاد إلى أحضان محبيه هذه الكلمات المتلعثمة الصادقة.
عودة من الموت
أسْرَعْتُ إِلَى المِنْشَفَةِ أَلُفّهاَ عَلَى جِسْمِي، وَشَعْرِي يَقْطِرُ مَاءً، وَأَوْصَالِي تَرْتَعِشُ، وَ بِي خَوْفٌ مَا بَعْدَهُ خَوْفٌ، وَاِضْطِرَابٌ كَبِيرٌ، إِذْ اِصْطَكَّتْ أَسْنَانِي رَغْمَ حَرَارَةِ الطَّقْسِ الصَّيْفِيِّ.
كُنْتُ كَطَائِرٍ مُحَاصَرٍ بِالكَوَاسِرِ لَا هَمَّ لَهُ إِلَّا حِمَايَةُ فِرَاخِهِ، أَجُوبُ الدَّارَ مِنْ غُرْفَةٍ إِلَي أُخْرَى كَأَنَّمَا أُوَدِّعُ الأَثَاثَ وَالصُّوَرَ وَالأَبْوَابَ وَالنَّوَافِذَ وَالسَّتَائِرَ الَّتِي كُنْتُ أَتَأَفَّفُ مِنْ قِدَمِهَا وَعَدَمِ مُوَاكَبَتِهَا لِلْعَصْرِ، كَاذَّبَةٌ أَنَا وَالله، وَمُتَبَطِّرَةٌ عَلَى النِّعْمَةِ، سَتَائِرِي الغَالِيَةُ، لَيْتَنِي لَا أُفَارِقُكِ، وَهَذَا تِلْفَازِي القَدِيمُ، وَهَذَا مَطْبَخِي، قَضَيْتُ فِيهِ أَغْلَبَ أَوْقَاتِي أُخَلِّطُ طَعَامَ زَوْجِي وَأَوْلَادِي بِعُطُورِ أَحْلَامِي وَأُمْنِيَاتِي، وَأَجْمَعُ الأَوَانِي إِنَاءً إِنَاءً، وَقَدْ أَعْدَدْتُ لِكُلِّ إِنَاءٍ حُلُمًا يَلِيقُ بِهِ، وَهَذِهِ فَنَاجِينِي البَيْضَاءُ الَّتِي كُنْتُ أُكَلِّمُهَا سَاخِرَةً مِنْهَا:" لَابُدَّ مِنْ تَغْيِيرِكِ فَأَنْتِ عَاصَرْتِ جَدَّتِي وَجَدَّةَ جَدَّتِي، مَتَي أُعَوِّضُكِ بِأُخْرَى أَكْثَرَ حَدَاثَةً؟" حَضَنْتُ فِنْجَانًا مِنْهَا قَدْ كُسْرَتْ عِرْوَتُهُ، وَضَمَمْتُهُ إِلَى صَدْرِي وَكُلِّي اعتذار، مُخْطِئَةٌ أَنَا فِي حَقِّكَ وَحَقِّ إِخْوَتِكَ الأَبْرِيَاءِ الَّذِينَ كُسِرَ مِنْهُا وَاحِدٌ... آسِفَةٌ فَنَاجِينِي، أَنَا نَاكِرَةٌ لِجَمِيلِكُمْ، كَمْ تَرَشَّفْتُ فِيكُمْ قَهَوِي لَذِيذَةٌ تَفُوحُ بِرَائِحَةِ مَاءِ الزَّهْرِ! كَمْ أُحِبُّكُمْ اليَوْمَ، كُلُّ أَشْيَائِي عَزِيزَةٌ عَلَى عِزَّةِ الحَيَاةِ، وَمَوْقِدِي الَّذِي كَانَ سَبَبَ شِجَارٍ لَا يُعَدُ وَلَا يُحْصَى بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي، مَوْقِدِي العَجُوزُ، أُحِبُّكَ، بِصَدَئِكَ، وَنَارِكَ المُتَفَرِّقَةِ وَ رَائِحَةِ الدُّخَانِ المُنْبَعِثَةِ مِنْكَ، أَنْتَ أَجْمَلُ مِنْ كُلِّ المَوَاقِدِ، لِأَنَّكَ صَبِرْتَ عَنْ إِسَاءَاتِي، وَالله مُخْطِئَةٌ أنَا..فاصفح عني. . وَطَاوِلَةُ المَطْبَخِ، وَحَنَفِيَّتُهُ الَّتِي تُقْطِرُ، كُلُّهَا أَشْيَائِي الجَمِيلَاتُ الَّتِي عَانَتْ مَعِي كُلَّ الأَوْقَاتِ الصَّعْبَةِ، لَعَلَّنِي أَعُودُ إِلَيْهَا، وَأُعَبِّرُ لَهَا عَنْ أَسَفِي واعتذاري، أَنْظُرُ إِلَى زَوْجِي الَّذِي يَغُطُّ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ أَحْسِدُهُ وَأَكِرَهُهُ، وَأَحْقِدُ عَلَيْهِ، نَعَمْ، سَوْفَ لَنْ يَأْسَفَ لِحَالِي، سَيَفْرَحُ، وَسَيُسْرِعُ لِإِخْتِيَارِ العَرُوسِ. وَسَيُغَيِّرُ لَهَا المَوْقِدَ وَالفَنَاجِينَ وَالثَّلَاجَةَ وَالمَقَاعِدَ وَالطَّاوِلَاتِ وَكُلِّ الأَثَاثِ. وَسَيُعْلِمُهَا أَنَّنِي كُنْتُ ثَرْثَارَةً وَقَدْ أَرَاحَهُ الله مِنِّي لِيُعَوِّضَهُ بِهَا، وَيُسْعِدَهَا وَعُودًا كَثِيرَةَ العَدَدِ قَلِيلَةَ التَّنْفِيذِ لَيْسَ هَذَا هَمِّي الآنُ. فَكُلُّ هَمِّي أَوْلَادِي فِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ الحَاسِمَةِ الَّتِي تَتَأَرْجَحُ بَيْنَ أَمَلٍ ضَئِيلٌ وَيَأْسٌ خَانِقٌ، وَخَوْفٌ مُرْعِبٌ، وَإِحْسَاسٌ جَمَعَ فِي جُعْبَتِهِ كُلَّ الأَحَاسِيسِ. وَبِتٌّ أٌوَدِّعُ كُلَّ شِبْرٍ فِي بَيْتِي المُتَوَاضِعُ الَّذِي لَمْ أَكُنْ أَتَصَوَّرُ كَمْ أُحِبُّهُ وَكَمْ أَوَدُّ العَيْشَ فِيهِ أَرْعَي أَوْلَادِي، لَا حَاجَةَ لِي بِأَثَاثٍ فَخْمٍ وَلَا تَغْيِيرٍ، كَمْ أَوَدُّ أَنْ يَضَلَّ البَيْتُ يَحْضِنُنِي رِفْقَةَ أَوْلَادِي الصِّغَارِ. تَخَيَّلْتُهُمْ قَدْ إِنْقَطَعُوا عَنْ الدِّرَاسَةِ، وَزَوْجَةُ أَبِيهِمْ تُكَلِّفُهُمْ بِأَشْغَالٍ شَاقَّةٍ، وَمَلَابِسُهُمْ مُلَطَّخَةٌ بِالأَوْسَاخِ، وَالأَجْوَارُ يَبْكُونَ لِحَالِهِمْ وَيَغْدقُونَ عَلَيْهِمْ بَعْضَ الأَطْعِمَةِ أَوْ قِطَعٍ مِنَ الحَلْوَى. وَإِذَا اِشْتَكُوا لِوَالِدِهِمْ جوعهم أو حزنهم لم يأبه لحالهم. فلعل زوجته تنجب له أولادًا جددًا يحتفي بهم ويجعل أولادي خدمًا لهم... ، إِلْتَهَبَ قَلْبِي نَارًا وَحُزْنًا عَلَى أَوْلَادِي، وَتَمَنَّيْتُ أَنْ يُقْبِلَ النَّهَارُ، رَغْمَ خَوْفِي مِمَّا يَحْمِلُهُ لِي المَجْهُولُ، لَمْ يُكَحِّلْ لِي النَّوْمُ جَفْنًا، وَصَوَّرَ لِي خَيَالِي وَخَوْفِي كُلَّ السِينَارْيُوهَاتِ المُفْزِعَةِ. لَمْ أَخَفْ مِنَ المَوْتِ، بِقَدْرِ مَا خِفْتُ عَلَى أَطْفَالِي، وَأُمِي تِلْكَ العَجُوزُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي اقْتَسَمَتْ مَعَ المَلَائِكَةِ كُلَّ مَعَانِي السُمُوِّ وَالعَطَاءِ، خَبَرٌ كَهَذَا سَيَقْسِمُ ظَهْرَهَا الَّذِي حَنَاهُ الدَّهْرُ، وَتَعَبُ الأَيَّامِ، أَنَا مُتَأَكِّدَةٌ أَنَّ دَعَوَاتِهَا المُتَوَاصِلَةِ لِي وَلِأَوْلَادِي سَوْفَ لَنْ تَذْهَبَ هَبَاءً وَثِقَتِي بَالله عَظِيمَةٌ، لَكِنَّ الشَيْطَانَ يَتَرَبَّصُ بِي مِنْ حِينٍ لِآخَرَ فِيمَلأ رَأْسِي المُتْعَبِ رُعْبًا وَيَشْحَنُ قَلْبِي بِالوَسَاوِسِ،
وَأَتَذَكَّرُ اللَّوَاتِي غَيَّبَ هَذَا المَرَضُ اللَّعِينُ وُجُودَهُنَّ، فَأَسْتَقِيمُ وَاقِفَةً، فَيَزْدَادُ الصُّدَاعُ، فَأُحَاوِلُ الاسْتِلْقَاءَ عَلَى الأَرِيكَةِ لَكِنَّ صَوْتًا يَهْتِفُ بِي، كَيْفَ تَجْلِسِينَ،؟ اغتنمي الفُرْصَةَ وَاَشْبِعِي مِنْ رُؤْيَةِ أَوْلَادِكِ، فَأَطُوفُ عَلَى غُرَفِهِمْ أَبْكِي مِنْ أَجْلِهِمْ وَمِنْ أَجْلِي، لَمْ أَتَمَتَّعْ بِهَذَا العُمُرِ القَصِيرِ، وَلَمْ أَقْرَأْ لِهَذَا اليَوْمِ حِسَابًا. تُهْتُ بَيْنَ العَمَلِ وَتَرْبِيَةِ الأَطْفَالِ وَمَقَاعِدِ الدِّرَاسَةِ، وَلَمْ أَتَمَتَّعْ بِهَذَا العُمُرِ الَّذِي حَسَبْتُهُ سَيُصَنِّفُ لِي السَّعَادَةَ أَلْوَانًا. لَمْ أَشْبَعْ مِنْ حُضْنِ أُمِّي الَّتِي كَانَ يُرَافِقُنِي رَنِينُ دَعَوَاتِهَا لِي. وَكُنْتُ أُعَوِّلُ كَثِيرًا عَلَى تِلْكَ الدَّعَوَاتِ وَأُطِيلُ المُكَالَمَةَ الهَاتِفِيَّةَ لِتَنْزِلَ عَلَيَّ أَلْفَاظُهَا بَرْدًا وَسَلَامًا، فَتَزْرَعُ فِي قَلْبِي حُقُولًا مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ وَسَنَابِلً مُثْقَلَةً مِنَ التَفَاؤُلِ، مَا بَالِهِ اليَوْمَ يَشْمَتُ فِي وَيُرْسِلُ لِقَلْبِي جَحَافِلَ اليَأْسِ، وَالخَوْفِ وَالخِشْيَةِ.... أُمَّاهْ. اِنْهَضِي وَأَكْثِرِي مِنَ الدُّعَاءِ فَكَلِمَاتُكِ قَرِيبَةٌ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّي. ارْفَعِي يَدَيْكِ المُرْتَعِشَتَيْنِ وَتَوَسَّلِي، تَوَسَّلِي إِلَى الله فَهْوَ عَلَّامٌ لِمَا فِي قَلْبِكِ مِنْ حُبٍّ لٍي وَإِخْوَتِي. مَرَّ اللَّيْلُ بَطِيئًا، يَتَمَطّى، وَتَتَمَدَّدُ دَقَائِقُهُ الَّتِي أَسْمَعُ أَنْفَاسَهَا، فِي أُذُنِي طَرْقًا عَنِيفًا تَزِيدُهُ دَقَّاتُ قَلْبِي هَلَعًا وَرُعْبًا، وَعَيْنَايَ لاَ تَهْدَأنِ عَنْ تَوْدِيعِ كُلِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ دَارِي، وَأَتَلَمَّسُ أَثَاثِي الحَزِينُ الصَّامِتُ المِسْكِينُ فَأَتَلَذَّذُ حَبَّاتِ الغُبَارِ المُتَنَاثِرَةِ عَلَى صَفْحَةِ بَعْضِهِ، فَأَمْسَحُهَا بِثَوْبِي الَّذِي لَا أَدْرِي كَيْفَ لَبِسْتُهُ. وَتَأَمَّلْتُ قَاعَةَ الاسْتِقْبَالِ:هُنَا سَيُسْجَى نَعْشِي وَتَطُوفُ بِي النِّسَاءُ يَبْكِينَ رَحِيلِي، وَأُمِّي وَاجِمَةٌ لَا تَنْبَسُ بِكَلِمَةٍ فَقَدْ وَكَلَتْ الدُّمُوعَ لَتَقُومَ بِالدَّوْرِ بَدَلًا عَنْهَا أَرْمِقُهَا مِنْ تَحْتِ الكَفَنِ وَلَا أَقْدِرُ حَتَّى عَلَى مُوَاسَاتِهَا، عَبَثًا أُحَاوِلُ أَنْ أَمُدَّ يَدِي إٍلَيْهَا، وَإِلَى أَبْنَائِي فِي حُضْنِهَا فَلَا أَقْدِرُ، فَأَصْرُخُ بِقُوَّةٍ عَسَى صَوْتِي يَصِلُهُمْ، لَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي، أَهْمِسُ، سَامِحِينِي أُمِّي فَقَدْ خَطَفَنِي المَوْتُ وَخَطَفَ قَلْبَكِ الضَّعِيفُ المُتْعَبُ، عَفْوًا أَكْبَادِي، مَا بِاليَدِ حِيلَةٌ. وَرُفِعْتُ عَلَى الأَكْتَافِ وَالجَمِيعُ يَصِيحُ الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، وَأُمِّي لَا تَقْدِرُ عَلَى الوُقُوفِ. وَنَظَرْتُ إِلَى جُدُرَانِ بَيْتِي وَبَابِهَا البَاكِي، وَأُصُصُ النَّبَاتَاتِ تَنْتَحِبُ اِنْتِحَابًا وَقَدْ تَقَاطَرَ مِنْهَا الدَمْعُ مِدْرَارًا أُوَدِّعُهُ، أُوَدِّعُ المَحَلَّاتِ وَالأَجْوَّارِ وَالمَتْجَرِ، وَعَمِّي مَرْزُوقٌ عَوْنُ النَّظَافَةِ الوَاقِفُ يَبْكِينِي وَالحَمَّامُ قَدْ ارْتَفَعَ حُزْنُهُ مَعَ الدُّخَانِ وَتَصَاعَدَ وَشَاطَرَتْهُ رَوْضَةُ الأَطْفَالِ العَوِيلَ أَكَادُ أَصِيحُ مَهْلَكُمْ أَيُّهَا المُشَيِّعُونَ، حَتَّى أُلْقِيَ آخِرَ نَظْرَةٍ عَلَى الدُّنْيَا وَالدُرُوبِ الَّتِي جِبْتُهَا أَصِيحُ عَبَثًا إِسْمِعُونِي، لَكِنَّ التَّكْبِيرَ اخْتَلَطَ بِالحَوْقَلَةِ وَالحَسْبَنَةِ، وَاِهْتَزَّ جِسْمِي وَنَهَضْتُ أَبْحَثُ عَنْ النِّسْوَةِ مِنْ حَوْلِي، فَوَجَدْتُ الجَمِيعَ مَازَالُوا نياما وَزَوْجِي قَدْ غَادَرَ لِلْعَمَلِ. قَفَزْتُ مِنَ الأَرِيكَةِ وَغَيَّرْتُ مَلَابِسِي وَأَسْرَعْتُ إِلَىَ مَخْبَرِ التَّصْوِيرِ بِالأَشَعَّةِ. أَعْلَمُ جَيِّدًا أَنَّ أَوْلَادِي لَا يَسْتَيْقِظُونَ إِلَّا عِنْدَ الزَّوَالِ.
كُنْتُ أَقُودُ السَّيَّارَةَ بِكُلِّ ثَبَاتٍ، أَتَأَمَّلُ الأَمَاكِنَ، وَأَقْرَأُ الذِكْرَيَاتِ. أَمَاكِنَ مَرَرْتُ مِنْهَا مِرَارًا وَتِكْرَارًا بِمُفْرَدِي أَوْ بِمَعِيَّةِ عَائِلَتِي الصَّغِيرَةِ أَوْ مَعَ صَدِيقَاتِي، أَمَاكِنَ تُرَدَّدُ الضَّحَكَاتِ وَالمِلَحَ وَالأَحْدَاثِ الجَمِيلَةَ، فَيَرِنُّ صَدَاهَا فِي أُذُنِي. وَآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ تَنْبَعِثُ فِي شَرَايِينِي مَعَ الكُرَيَّاتِ تَقُولُ لِي لَا تَخَافِي إِنَّ الله مَعَكِ. وَشَفَتَايَ تُرَدِّدَانِ. رَبِّي إِنِّي لَا أَسْأَلُكَ رَدَّ القَضَاءِ لَكِنَّنِي أَسْأَلُكَ اللُّطْفَ فِيهِ.. رَبِّي إِنِّي وَضَعْتُ وَجَعِي وَجَزَعِي وَأَمَلِي بَيْنَ يَدَيْكَ. فَلَا تُخَيِّبْ رَجَائِي مِنْ أَجْلِ هَؤُلَاءِ الأَطْفَالِ الأَبْرِيَاءِ وَأُمِّي المُسِنَّةُ الَّتِي تَنْتَظِرُ طَلَّتِي عَلَيْهَا كُلَّ عُطْلَةٍ مَدْرَسِيَّةٍ....تَوَكَّلْتُ عَلَى الله وَتَرَجَّلْتُ، وَدَخَلْتُ مَرْكَزَ الأَشَعَّةَ، وَفِي دَاخِلِي مَزِيجٌ مِنْ كُلِّ الأَحَاسِيسِ، سَجَّلْتُ إِسْمِي وَبَقِيتُ أَنْتَظِرُ مَعَ المُنْتَظِرِينَ فِي قَاعَةِ اسْتِقْبَالٍ قَدْ أُثْقِلَتْ مَقَاعِدُهَا بِالأَنِينِ، وَالكَآبَةِ وَالأَلَمِ تَقْرَؤُهَا عَلَى الوُجُوهِ الَّتِي أَغْلَبُهَا وُجُوهُ نِسْوَةٍ لَا يَمْلِكْنَ إَلَّا التَّمَسُّكَ بِعُرْوَةِ الله الو الوثقى. والمُمَرِّضَةُ تُنَادِي بِالأَسْمَاءِ، وَتُوَجِّهُ كُلَّ حَالَةٍ إلَى مَكَانِ الاخْتِصَاصِ الَّذِي تَحْتَاجُهُ. وَأَنَا فِي مَكَانِي أُحَاوِلُ أَنْ أَنْسَى أَوْ أَتَنَاسَى بِالنَّظَرِ إِلَى اللَّوْحَاتِ الحَائِطِيَّةِ أُحَاوِلُ تَذَوُّقَ مَا فِيهَا مِنْ رُسُومٍ لِجَمِيلَاتٍ وَأَطْفَالٍ.. لَكِنَّ الإِحْسَاسَ بِالجَمَالِ غَائِبٌ دَاخِلِي. وَأَحْسَبُ أَنَّ الجَمَالَ لَا يَصْنَعُ السَّعَادَةَ بَلْ السَّعَادَةُ هِيَ الَّتِي تَنْعَكِسُ عَلَى الأَشْيَاءِ لِتَصْنَعَ الجَمَالَ... أَتَصَفَّحُ الوُجُوهَ وَ الوَافِدِينَ وَ المُغَادِرِينَ كَأَبْلَهٍ لَا يُدْرِكُ شَيْئًا. وَإِذَا بِالمُمَرِّضَةِ تُنَادِي بِاِسْمِي.. فَاَسْتَقَمْتُ وَقَلْبِي قَدْ اسْتَعَارَ مِنْ طُبُولِ الحَرْبِ قَرْعَهَا وَأَصَابَنِي أَلَمٌ لَا أَحْسَبُهُ غَيْبُوبَةٌ بَلْ طَرْقٌ عَلَى سِنْدَيَانٍ..
وَسِرْتُ خَلْفَهَا وَلِسَانِي يَلْهِثُ بِآخِرِ الدَّعَوَاتِ، وَقَدْ كِدْتُ أَسْتَسْلِمُ لِلْأَمْرِ الوَاقِعِ. وَخَاطَبْتُ نَفْسِي المُنْكَسِرَةَ. لَسْتِ الأُولَى وَلَا الأَخِيرَةَ. هَكَذَا شَاءَ لَكِ الله. تَقَبَّلِي قَدَرَهُ. وَتَوَكَّلِي عَلَيْهِ. كَانَتْ تُكَلِّمُنِي وَأَنَا صَامِتَةٌ أُطَبِّقُ أَوَامِرَهَا وَأَقِفُ وَرَاءَ جِهَازِ التَّصْوِيرِ بِالأَشَعَّةِ. فَتَغِيبُ لَحَظَاتٍ لِتَحْمِيصِ الصُّورَةِ كَمَا تَقُولُ لِي كُلَّ مَرَّةٍ ثُمَّ تَعُودُ، فَأَكُفُّ عَنْ الدُّعَاءِ وَأَسْأَلُهَا. بِرَبِّكِ يَا ابْنَتِي هَلْ هُنَاكَ شَيْءٌ مُخِيفٌ بِالصُّورَةِ.؟ فَتَقُولُ بِإِخْتِصَارٍ شَدِيدٍ. سَيَرَاهَا الطَّبِيبُ بَعْدَ قَلِيلٍ وَيُخْبِرُكِ إِنْ شَاءَ الله لَا بَأْسَ. مَا أَقْسَاهَا! لَيْتَهَا تَعْلَمُ بِالنَّارِ المُشْتَعِلَةِ بِدَاخِلِي، الَّتِي أُحِسُّ أَنَّ دُخَانَهَا قَدْ تَصَاعَدَ مِنْ كَبِدِي الَّذِي تَفَحَّمَ خَوْفًا. أَرْبَعَةُ صُوَرٍ... تَطَلَّبَتْ دَقَائِقً مَرَّتْ عَلَيَّ دَهْرًا قَاتِلًا ثَقِيلًا....لَبِسْتُ مَلَابِسِي وَتَبِعْتُهَا أَنْتَظِرُ أَمام مكتب الطَّبِيبِ.. دَهْرٌ مَرَّ.. وَأَقْنَعْتُ نَفْسِي أَنَّ المَوْتَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا الانتظار.. وَإِنَّنِي سَوْفَ لَنْ أَخْضَعَ لِلْكِيمْيَاِوي، سَأُقَاوِمُ حَتَّى يَنْتَهِيَ أَجَلِي... سَأَعِيشُ مَعَ أَطْفَالِي.. أَضُخُّ مَا تَبَقَّى مِنْ حُبٌ وَحَنَانٍ.. وَسَ.... قَالَتْ :" تَفَضَّلِي سَيِّدَتِي الطَّبِيبُ فِي انتظارك.". رَفَعْتُ رَأْسِي وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي دَقَّتْ سَاعَةُ الحَسْمِ.. لَمْ يَبْقَ لِي بَيْنَ الشَّكِ وَاليَقِينِ إِلَّا خَيْطٌ دَقِيقٌ. وَمَشَيْتُ بِخُطُوَاتٍ حَثِيثَةٍ وَالدُّعَاءُ لَا يُفَارِقُ شَفَتَيَ أَلْهَثُ بِهِ رَغْمَ جَفَافِ حَلْقِي وَلِسَانِي.
كَانَ الطَّبِيبُ رَجُلًا وَقُورًا، وَكَانَ أَشَدّ رَأْفَةً مِنَ المُمَرِّضَةِ فَكَانَ يَفْحَصُنِي وَفِي كُلِّ خُطْوَةٍ يُطَمْئِنُنِي، وَإِذَا سَكَتَ قَلِيلًا سَأَلْتُهُ:" مَاذَا هُنَاكَ سَيِّدِي؟ فَيَقُولُ:" لَا تَخَافِي يَا ابْنَتِي. اهدئى، وَدَعِينِي أَتَأَمَّلِ الصُّوَرَ وَأَفْحَصُكِ جَيِّدًا. اصْبِرِي قَلِيلًا، نَزَلَتْ عَلَيَّ كَلِمَاتُهُ بَرْدًا وَسَلَامًا حَتَّى خِلْتُنِي أَحْلُمُ، وَسَرَى مِنْ جِسْمِي عَرَقٌ بَارِدٌ لَذِيذٌ حَمَلَنِي إِلَى بَرِّ الأَمَانِ وَجَنَائِنِ الطُّمَأْنِينَةِ، وَحَمَدْتُ الله فِي سِرِّي وَفِي العَلَنِ، حَتَّى أَكْمَلَ الطَّبِيبُ الفَحْصَ فَسَأَلَنِي:" هَلْ أَرْضَعْتُ أَطْفَالِيك رِضَاعَةً كَامِلَةً" أَجَبْتُ بِنَعَمْ " وَهَذَا مَا حَمَاكِ. إِنَّهُ مُجَرَّدُ كِيسٍ صَغِيرٍ سَيَخْتَفِي بِالدَّوَاءِ إِنْ شَاءَ الله. لَقَدْ لَاحَظْتُ خَوْفَكِ وَهَلَعَكِ. اطْمَئِنِّي وَتَمَتَّعِي بِحَيَاتِكِ وَأَهْلْكْ.
نَطَطْتُ مِنْ طَاوِلَةِ الفَحْصِ نَطَّا وَلَوْ لَا الكُورُونَا لَقَبَّلْتُ كَفَّيْهِ فَرَحًا وَعِرْفَانًا بِالجَمِيلِ. شَكَرْتُهُ وَوَدَّعْتُهُ، وَغَادَرْتُ العِيَادَةَ مُتَّجِهَةً إِلَى الاسْتِقْبَالِ لِدَفْعِ الأُجْرَةِ.. وَقَفَزْتُ دَرَجَاتِ السُّلَمِ كَطِفْلٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ إِلَى النُّزْهَةِ بَعْدَ عُزْلَةٍ طَالَتْ كَثِيرًا. مَا أَرْوَعَ الشَّوَارِعَ، وَالأَبْوَابَ وَالدَّكَاكِينَ، وَمُنَبِّهَاتِ السَّيَّارَاتِ. وَأَصْحَابَهَا يَشْتُمُونَ وَيَصْرُخُونَ وَيَتَذَمَّرُونَ. كَمْ هُوَ رَائِعٌ هَذَا الصَّخَبُ.. امْتَطَيْتُ سَيَّارَتِي وَتَبِعْتُهُمْ. وَقَدْ ارْتَفَعَ صَوْتُ وَرْدَةُ "بَتْوَنِّسْ بِيكْ وِإِنْتَ مَعَايَ". وَتَمَايَلْتُ وَأَنَا أُشَاطِرُهَا الغِنَاءَ بِصَوْتٍ مَبْحُوحٍ مُتَفَرِّقٍ مَازَالَتْ فِيهِ بَقَايَا أَلَمٍ وَتَأَثٌّرٍ، فَأَرْتَعَشَ وَأَصْبَحَ بِمَفْعُولِ الفَرْحَةِ نَشَازًا، لَوْ سَمِعَتْهُ وَرْدَةُ لَصَفَعَتْنِي صَفْعَةً قَاسِيَةً. وَوَاصَلْتُ غِنَائِي دُونَ قَيْدٍ فَحُنْجُرَتِي تَدْعُوهُمْ لِلْفَرَحِ انتصارًا لفَرَحي، وَتَخَلَّصْتُ مِنَ الاكْتِظَاظِ وَسِرْتُ فِي طَرِيقِ العَوْدَةِ وَكَأَنِّي وُلِدْتُ مِنْ جَدِيدٍ أَوْ خَرَجْتُ سَالِمَةً مِنْ رُكَامِ حَرْبٍ أَوْ زِلْزَالٍ مُدَمِّرٍ. وَعَرَجْتُ عَلَى مِحَطَّةِ الوَقُودِ. وَسَلَّمْتُ بِحَرَارَةٍ عَلَى العَامِلِ سَائِلَةً عَنْ أَحْوَالِهِ وَأَحْوَالِ أَهْلِهِ عَلَى غَيْرِ عَادَتِي، وَالفَرْحَةُ المَجْنُونَةُ لاَ تُفَارِقُ حَرَكَاتِي وَسَكَنَاتِي وَأَنَا أُرَتِّبُ شَعْرِي تَارَةً وَأَبْتَسِمُ لَهُ أُخْرَى وَأُكْثَرُ مِنَ الحَرَكَةِ وَ الإِلْتِفَاتِ، وَنَظَرَاتُهُ الحَذِرَةُ تُرَاقِبُنِي وَلاَ آبَهُ، وَقَبْلَ أَنْ أُشَغِّلَ المُحَرِّكَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ لِصَدِيقِهِ: أَرَأَيْتَ مَفْعُولَ حُبُوبِ الهَلْوَسَةِ عَلَى المُوَاطِنِينَ؟ فَاِنْطَلَقْتُ غَيْرَ آبِهَةٍ. وَقَدْ أَصْبَحَ شِعَارِي عِشْ كَمَا تُرِيد ُوَلَا كَمَا يُرِيدُونَ.. وَقَدْ تَذَكَّرْتُ أَطْفَالِي المُنْتَظِرِينَ حُضْنِي الدَافِيءُ. فَاِنْطَلَقْتُ إِلَيْهِمْ تُؤْنِسُنِي وَرْدَةً بِصَوْتِهَا الشَّجِيِ وَأَسْتَفِزُّهَا بِصَوْتِي المُزْعِجِ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: عودة من الموت السرطان الموت قصة قصيرة أ و ل اد ی أ ط ف ال ی أ ح او ل
إقرأ أيضاً:
أدعية قصيرة وفعّالة لمواجهة برد الشتاء
مع دخول فصل الشتاء، تشتد برودة الأجواء ويزداد شعورنا بالبرد والبرودة القارسة، مما قد يؤثر على صحتنا وراحتنا، ومن أعظم وسائل التخفيف من هذا البرد والحفاظ على الدفء والصحة، هو التوجه إلى الله بالدعاء وطلب الحفظ والوقاية من كل سوء، فالأدعية القصيرة والفعّالة تمنح القلب راحة وطمأنينة وتحصّن الجسد من أثر البرد القارس، وتجعل موسم الشتاء فرصة للراحة الروحية والسكينة.
اقرأ ايضاًفيما يلي مجموعة من الأدعية القصيرة والفعّالة لمواجهة برد الشتاء، يمكنك ترديدها يومياً صباحًا ومساءً أو عند شعورك بالبرد:
دعاء للحفظ من البرد والأمراضاللهم احفظني من البرد والبرد القارس، ووقني كل سوء.
دعاء لرفع البلاءاللهم يا رب ارفع عني برد الشتاء وأحفظني من كل مرض وضرر.
دعاء للاستعانة بالله عند البرد القارسيا الله، أنت الحافظ والمعين، اجعل هذا الشتاء بردًا لي ولمن أحبهم نعمة لا ضرر.
دعاء للدفء والراحةاللهم اجعل برد الشتاء بردًا رحمة ودفئًا لي ولعائلتي.
دعاء للصحة والسلامةاللهم يا رب ارزقني الصحة والعافية ونجني من برد الشتاء وآثاره.
أدعية نزول المطراللهم إني عبدك وأنتظر منك فرحًا قريبًا يريح قلبي ويدمع عيني فبشرني، وأسألك الشفاء فعافني، ورحمتك فارحمني، وراحة البال والعتق من النار، ربّ إني أسألك بعزتك وعظمتك وجلالك أن تجعل ساعتي تحين وأنا ساجد بين يديك وقلبي ينبض من خشيتك، اللهم طهرني من كل ذنوبي ثم اقبضني إليك.اللهم اجعل الآخرة أكبر همّي. اللهم اغفر لنا وارحمنا، وارضَ عنا، وسامحنا، وتقبّل منا، واعفُ عنا، واكتب لكلّ البشر أن يكونوا من أهل الجنة، وارضَ عن كل خلقك وارحمهم يا رب، وأنزل علينا رحمتك، واجعلنا من أهل الجنة، وانصرنا يا رب العالمين، وافتح علينا فتحًا عظيمًا، وارزقنا الإخلاص، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، واسترنا، واحفظنا، واكتب لهذا العام أن يكون عام فتح لنا وخير وبركة.اللهم إني أسألك بعزتك عظمتك وجلالك أن تحقق لي أمنياتي وأمنيات كل من أحبهم، وأن لا تكسر لي ظهرًا، ولا تصعّب لي حاجة، ولا تعظم علي أمرًا، ولا تحنِ لي قامة، ولا تجعل مصيبتي في ديني ولا تجعل الدنيا أكبر همّي، ولا تكشف لي سترًا ولا سرًا، فإن عصيتك جهرًا فاغفر لي وإن عصيتك سرًا فاسترني، ولاتجعل ابتلائي في جسدي. كلمات دالة:أدعية قصيرة وفعّالة لمواجهة برد الشتاءالشتاءأدعية تابعونا على مواقع التواصل:InstagramFBTwitter© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
انضمّتْ إلى فريق "بوابة الشرق الأوسط" عام 2013 كمُحررة قي قسم صحة وجمال بعدَ أن عَملت مُسبقًا كمحُررة في "شركة مكتوب - ياهو". وكان لطاقتها الإيجابية الأثر الأكبر في إثراء الموقع بمحتوى هادف يخدم أسلوب الحياة المتطورة في كل المجالات التي تخص العائلة بشكلٍ عام، والمرأة بشكل خاص، وتعكس مقالاتها نمطاً صحياً من نوع آخر وحياة أكثر إيجابية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن