دور الوسيط المحنك.. حرب غزة تعزز مكانة قطر والعلاقات بين دول الخليج
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
سلطت مديرة معهد الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) بلندن، لينا الخطيب، الضوء على تداعيات حرب غزة على علاقات دول مجلس التعاون الخليجي، مشيرة إلى أن الحرب عززت المكانة السياسية لقطر، وتدفع إلى زيادة التعاون الخليجي العربي بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وذكرت لينا، في تحليل نشرته بموقع "وورلد بوليتيكس ريفيو" وترجمه "الخليج الجديد"، أن قطر برزت من بين جميع اللاعبين الإقليميين الذين كثفوا جهودهم الدبلوماسية في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول؛ لأنها حققت نتائج في دورها كوسيط في صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس.
ورغم أن الهدنة التي مكنت هذا التبادل انتهت، فإن المفاوضات في الدوحة بين كافة الأطراف مستمرة، ما عزز من تسليط الأضواء السياسية على قطر، وهو ما أحبط بعض جيران الدوحة من دول الخليج العربية في البداية.
ولكن مع استمرار الحرب، رأت دول الخليج بعض الفوائد لنفسها في نهج قطر، ما أدى إلى بعض التنسيق فيما بينها.
ونتيجة لذلك، أصبحت حرب غزة علامة فارقة في العلاقات الخليجية، بما يمثل حقبة جديدة تتناقض بشكل حاد مع أزمة 2017-2021، عندما قادت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حصارا على قطر.
وسيط محنك
وتعتبر قطر الوساطة عبر خطوط الصدع السياسية المستعصية من بين أقوى نقاط الترويج لمكانتها في الدبلوماسية العالمية، حيث شاركت في هذا الدور منذ أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ففي عام 2008، جمع اتفاق الدوحة بين الائتلافين السياسيين المتنافسين في لبنان للاتفاق على خارطة طريق مهدت الطريق لانتخاب رئيس جديد، ما أنقذ لبنان من الفراغ السياسي في ذلك الوقت، وبين عامي 2007 و2010 لعبت قطر دوراً في التوسط بين الحوثيين والحكومة اليمنية.
وفي عام 2011، أسفرت الوساطة القطرية عن توقيع وثيقة الدوحة للسلام في دارفور، وفي عام 2012، حاولت قطر التوسط بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أصبح أميرها السابق الشيخ، حمد بن خليفة آل ثاني، أول رئيس دولة يزور غزة بعد سيطرة حماس على القطاع في عام 2007.
اقرأ أيضاً
دول الخليج العربية تدين استهداف مقر اللجنة القطرية لإعمار غزة
وفي الآونة الأخيرة، أدت الوساطة القطرية بين الولايات المتحدة وطالبان إلى الاتفاق في عام 2020 في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، بشأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وكذلك إلى الاتفاق في عام 2021 الذي سمح للقوات الأمريكية بإجلاء الأفغان والرعايا الأجانب بأمان في أفغانستان، بعد أسابيع من سقوط الحكومة المدعومة من الغرب في كابول.
لكن قطر ليست وسيطاً منفصلاً، ففي حالة كل من حماس وطالبان كانت قطر أيضًا مضيفة لقيادة الحركتين السياسية في الخارج، ما سمح لهما بالاحتفاظ بمكاتب في الدوحة منذ عامي 2012 و2013، على التوالي.
وبالتوازي مع ذلك، تتمتع قطر أيضًا بشراكة استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة، حيث تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وهي قاعدة العديد الجوية.
وقد فتحت الدوحة أبوابها لحماس وطالبان بطلب من واشنطن التي رأت في قطر قناة اتصال مفيدة مع الحركتين.
إسرائيل وحماس
وعلاقة قطر بحماس أعمق من علاقتها بحركة طالبان، إذ تأسست حماس عام 1987 كفرع من جماعة الإخوان المسلمين، التي تصفها لينا الخطيب بأنها أحد المدعومين الرئيسيين من قطر.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت قطر أيضًا أحد الممولين الرئيسيين لحماس، لكن هذه العلاقة لم تكن تجري خلف ظهر إسرائيل، إذ رأى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في وجود حماس وتمويل قطر لها وسيلة مفيدة لإبقاء الفلسطينيين منقسمينـ، بحسب مديرة معهد الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) بلندن.
غير أن تعامل قطر مع فلسطين لا يقتصر على حماس، إذ لديها علاقات مع العديد من الجهات السياسية الفلسطينية، كما أن المثقف البارز من فلسطينيي 48، عزمي بشارة، عضو الكنيست الإسرائيلي السابق، يتمتع بمنصب استشاري بارز في قطر.
وأعربت الدوحة مراراً عن دعمها للسلطة الفلسطينية، وفي عام 2018، أصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانا تأسف فيه لإغلاق إدارة ترامب مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بينما أثنت منظمة التحرير الفلسطينية في عام 2020 على قطر لرفضها التطبيع مع إسرائيل.
وبالإضافة إلى هذه القنوات الرسمية، نشرت قطر منذ فترة طويلة قناة الجزيرة لحشد الدعم الشعبي في جميع أنحاء العالم العربي للقضية الفلسطينية والمقاومة.
وأدى تسلسل صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس إلى وضع قطر في دور داعم، وليس منافساً للمملكة العربية السعودية، مع إعادة التأكيد على مكانة الإمارات العربية المتحدة في المعسكر الخليجي.
اقرأ أيضاً
غزة تسيطر على اجتماع رؤساء برلمانات الخليج في قطر.. وهجوم على الاحتلال
وبالتوازي مع ذلك، وعلى الرغم من أن قطر لم تقم أبدًا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أنها أبقت إلى حد كبير على خطوط اتصالها مع إسرائيل مفتوحة.
وفي عام 1996، أقامت قطر علاقات تجارية مع إسرائيل، وأصبحت الدوحة المضيف الخليجي الوحيد لمكتب تجاري إسرائيلي، في عام 2009 تم إغلاق هذا المكتب بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس في الفترة 2008-2009.
ورغم الفترات اللاحقة التي توترت خلالها العلاقات القطرية الإسرائيلية، كما جرى خلال الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية عام 2014، وكذلك خلال أزمة مجلس التعاون الخليجي في 2017-2021، استمرت العلاقات غير الرسمية بين قطر وإسرائيل، وهو ما بررته الدوحة بأن ضروري لترسيخ "سمعتها كشريك موثوق به دوليا".
التنسيق الإقليمي
وفي أعقاب "طوفان الأقصى"، سارع رئيس الوزراء القطري الشيخ، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى تفعيل جميع قنوات الاتصال ذات الصلة، وتحدث إلى الأمريكيين والإسرائيليين والإيرانيين، وكذلك إلى رئيس حماس بالخارج، إسماعيل هنية.
وفي البداية، نظرت الإمارات العربية المتحدة إلى موقف قطر بشكل سلبي، خاصة أنها اتخذت الخطوة الجريئة لتصبح أول دولة عربية خليجية تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال التوقيع على اتفاقيات إبراهيم في عام 2020، ومع ذلك، ظلت قطر تحظى بالثناء من الولايات المتحدة لمحادثاتها مع إسرائيل.
وجرى التوقيع على اتفاقيات إبراهيم في ذروة أزمة مجلس التعاون الخليجي، عندما كانت قطر لا تزال تحت الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات، والذي بدأ في عام 2017.
وكانت الأسباب الكامنة وراء النزاع تكمن في الإحباط السعودي والإماراتي من علاقة قطر مع إيران والجماعات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، وكذلك مع طموحات قطر السياسية المتزايدة، لكن في عام 2021، قادت السعودية عملية تهدئة للتوترات مع قطر، بعدما أدركت أن الانقسامات في الخليج تقوض الاستقرار الإقليمي.
وكانت تهدئة المملكة للتوتر مع قطر بعد أن كانت القوة الرئيسية وراء إشعاله قبل 4 سنوات، وسيلة للرياض لتذكير الدوحة بأن السعودية لا تزال أكبر لاعب سياسي وواضع جدول الأعمال في منطقة الخليج.
وظهر توازن القوى بين السعودية وقطر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، فبينما كثفت قطر جهودها الدبلوماسية للتوسط في الهدنة الإنسانية واتفاق تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، لعبت السعودية الدور السياسي الأكبر في المنطقة كزعيمة للعالمين العربي والإسلامي.
ولم يتم التوصل إلى اتفاق تبادل الأسرى إلا بعد أن استضافت الرياض قمة مشتركة ضمت 54 زعيما من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وأصدرت بيانا اتفق عليه جميع الحاضرين في القمة.
كما زار أمير قطر الشيخ، تميم بن حمد آل ثاني، الإمارات قبل وضع اللمسات الأخيرة على الصفقة بين إسرائيل وحماس، في تسلسل يضع قطر في دور داعم، وليس منافساً للسعودية، مع التأكيد على مكانة الإمارات في المعسكر الخليجي.
وتصف لينا الخطيب هذه التطورات مجتمعة، بأنها تمثل ديناميكية مختلفة عما كانت عليه خلال أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، فقد عادت جميع الجهات الفاعلة في منطقة الخليج العربي تحت المظلة السعودية، مع وجود مجال للاختلافات في الكيفية التي تسعى بها كل دولة إلى تحقيق مصالحها الوطنية، ما دامت هذه الاختلافات لا تزعزع هذه الصورة الكبيرة.
وتستفيد قطر فعلياً من هذا الترتيب، بحسب لينا، موضحة أن "لعب دور ثانوي للسعودية يجعل الدوحة أقل التزاما بالدفاع عن مصالح حماس، لأنه يسمح لقطر باتباع رغبات السعودية دون أن تشعر حماس بأن قطر هي التي خذلتها".
وفي الوقت نفسه، فإن المجال الأكبر للمناورة لتحقيق المصالح الوطنية يسمح لقطر بمواصلة علاقتها مع إسرائيل، ولذا تبارك الرياض جهود الدوحة للمطالبة بالوساطة.
ويمهد هذا الدور الطريق أمام السعودية والإمارات وقطر للبناء على إنجازات الدوحة مع حماس وإسرائيل من أجل توجيه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الاتجاه الذي يناسب المصالح الوطنية للدول الثلاث.
وتخلص لينا الخطيب إلى أن اتجاه لعب دول الخليج اليوم، بدلاً من التنافس على النفوذ الإقليمي، هو تحقيق المصالح الإقليمية بمزيد من التعاون الخليجي العربي بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهذا أمر جيد لقطر وللخليج ولاستقرار المنطقة.
اقرأ أيضاً
دول الخليج العربية تدين استهداف مقر اللجنة القطرية لإعمار غزة
المصدر | لينا الخطيب/وورلد بوليتيكس ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: قطر مجلس التعاون الخليجي السعودية الإمارات غزة إسرائيل حماس الدوحة مجلس التعاون الخلیجی إسرائیل وحماس الخلیج العربی تبادل الأسرى بین إسرائیل دول الخلیج مع إسرائیل وفی عام فی عام
إقرأ أيضاً:
كيف يعزّز فشل إسرائيل العسكري في غزة من مكاسب حماس الاستراتيجية والدولية؟
قال المحامي والضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، موريس هيرش، إنّ: "الاحتلال لا يُخفي وأوساطه الأمنية والعسكرية أن استمرار الحرب على غزة طيلة هذه المدة دون القضاء على حماس، يشكّل خيبة أمل كبيرة، رغم ما يتم تكراره من مزاعم دعائية فارغة".
وعبر مقال، نشره معهد القدس للشؤون الأمنية والخارجية، أوضح هيرش، أنّ: "الحركة تمتلك لاستراتيجية متعددة الطبقات، وصلت أخيرا إلى تشويه سمعة جيش الاحتلال الإسرائيلي على الساحة الدولية، وفي الوقت ذاته الحفاظ على سلطتها في غزة، مع تأمين موارد إعادة الإعمار الدولية".
وتابع المقال الذي ترجمته "عربي21" بالقول: "رغم أهداف الاحتلال المُتمثّلة بتفكيك القدرات العسكرية والحكومية لحماس، فإن الضغوط الدولية أجبرته على السماح لها بمواصلة وظائفها الحكومية، لتوزيع المساعدات الإنسانية، وإبقاء الأسرى في غزة تأمين وجودي لها".
وأبرز: "لن يتم إطلاق سراحهم بالكامل إلا من خلال المفاوضات وحدها، التي أسفرت حتى الآن عن إطلاق سراح أسراها الكبار، وعددهم 2144 مقابل إطلاق سراح بعض الأسرى".
"عندما نفذت حماس هجوم الطوفان كان لها عدة أهداف، تحققت كلها تقريباً، أهمها قتل أكبر عدد من الجنود والمستوطنين، وأسرهم، واستخدامهم أوراق مساومة لضمان إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، ومثّل قتل عشرات آلاف الفلسطينيين في غزة، مناسبة لتشويه سمعة الاحتلال، وإدانته في الساحة الدولية، وإعادة إشعال النقاش العالمي حول الدولة الفلسطينية، واعتراف العالم بها" استرسل المقال ذاته.
وتابع: "في نهاية المطاف، سعت الحركة للبقاء على قيد الحياة بعد الحرب، والحفاظ على مكانتها الحاكمة في المجتمع الفلسطيني، والتمتع بثمار الجهود الدولية الحتمية لإعادة بناء غزة".
وأشار إلى أنه: "منذ البداية، أدركت حماس أنها لا تستطيع مجاراة القوة العسكرية للاحتلال، وأدركت جيداً أن ردّه سيكون ساحقاً، لكنها عملت على تحويل هذا الردّ العنيف إلى أصل استراتيجي يمكن استخدامه ضده، عبر الاستعانة بحلفائها وأصدقائها حول العالم، أولهم الأمم المتحدة ومؤسساتها في غزة، وبدأت بإصدار قرار تلو الآخر لإدانة الاحتلال..".
وأوضح أنّ: "الحليف الثاني للحركة هو المحور الإيراني لمساعدتها في التصدّي للعدوان الاسرائيلي، حيث انضم حزب الله والحوثيون بسرعة لمهاجمة الاحتلال، وأطلق الحزب أكثر من عشرة آلاف صاروخ وقذيفة وطائرة بدون طيار، ما تسبّب بأضرار واسعة النطاق، وإجلاء أكثر من 140 ألف مستوطن، وجمع الحوثيون بين الهجمات المباشرة على الاحتلال، وتعطيل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، فيما هاجمت إيران، دولة الاحتلال بمئات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار".
وأضاف: "الحليف الثالث لحماس هي مجموعات إسلامية، منتشرة في مختلف أنحاء العالم، حيث نجحت الحركة بحشد الدعم الشعبي، وملايين المتظاهرين ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومهاجمته، والضغط على حكوماتهم لفرض عقوبات عليه".
وأكد أنّ: "الحركة شوّهت سمعة الاحتلال، وانضمت إليها هيئات الأمم المتحدة، بما فيها الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان وسلسلة من: المقررين الخاصين، ومحكمة العدل الدولية، وصولا لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب آنذاك، يوآف غالانت، بوصفهم مجرمي حرب".
وأردف: "فرضت العديد من حكومات العالم، بما فيها إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وبريطانيا، وكندا، وهولندا، وأستراليا، ودول أخرى، حظراً كاملاً أو جزئياً على تصدير الأسلحة أو المكونات للاستخدام العسكري للاحتلال".
ولفت أنّ: "هدفا آخر من أهداف حماس في طريقه للتحقق من خلال تزايد عدد الدول المعترفة بفلسطين، بلغ عددها تسعة، وهي: أرمينيا، سلوفينيا، أيرلندا، النرويج، إسبانيا، جزر البهاما، ترينيداد، وتوباغو، جامايكا وبربادوس، مع احتمال انضمام فرنسا وبريطانيا لها".
وختم بالقول إنّه: "إذا استمرت الأحداث في مسارها الحالي، فلا شك أن حماس ستنتصر في الحرب، وتحقّق كل أهدافها من الهجوم، وسيكون هذا بمثابة كارثة بالنسبة للاحتلال".