مزيج المصلحة والأيدولوجيا.. لهذا تهاجم أنصار الله إسرائيل وتدعم فلسطين
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
سلط الباحث في سياسات الشرق الأوسط المقيم في واشنطن، نيكولاس برومفيلد، الضوء على عمليات استهداف جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيون) للسفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل في مضيق باب المندب، مشيرا إلى أن تلك الهجمات فرضت تساؤلات على العالم حول ما إذا كانت الخطوة التالية للحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة هي فتح جبهة جديدة في اليمن.
وذكر برومفيلد، في تحليل نشره بموقع "أوراسيا ريفيو" وترجمه "الخليج الجديد"، أن "أنصار الله" نفذت، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عددا من الأنشطة التي تهدف إلى الضغط على إسرائيل لوقف هجومها على غزة، بما في ذلك التعبئة العامة داخل اليمن، وهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل، وهجمات أخرى على السفن التجارية الدولية، ما جعلها من أنشط الجماعات المدعومة من إيران في الاستجابة للوضع في غزة، ما أثار تساؤلات حول قدرات الجماعة ودوافعها وخطواتها التالية المحتملة.
وأضاف العديد من هجمات الحوثيين الأخيرة ضد إسرائيل تتوافق مع أنماط طويلة الأمد في سلوك الجماعة، مشيرا إلى أن الاستيلاء على سفينة مدنية في المياه الدولية يعد تصعيدًا جديدًا يثير التساؤلات حول مدى استعداد الجماعة للذهاب في تحركاتها الداعمة لفلسطين.
وبدافع يمتزج فيه المزايا السياسية المحلية، والتحالفات الدولية، والتوجه الأيديولوجي، حقق تدخل الحوثيين في أزمة غزة حتى الآن عددًا من الأهداف المهمة لأنصار الله، ومن غير المرجح أن تتوقف طالما استمر العدوان الإسرائيلي على غزة.
السياسة المحلية
فعلى الرغم من تجاهل وسائل الإعلام الدولية إلى حد كبير، فإن الخطوة الأولى التي اتخذها الحوثيون رداً على أزمة غزة كانت بدء تعبئة ضخمة مؤيدة لفلسطين داخل اليمن. وفي حين أن دعم الفلسطينيين حالة مهيمنة بين اليمنيين، فقد تسبب الهجوم الإسرائيلي في عدد غير مسبوق من المظاهرات المؤيدة لفلسطين في جميع أنحاء اليمن، ويمكن القول إن الحوثيين لم يكن لهم مثيل في التعبئة الداعمة لفلسطين عالميا.
وباستخدام مؤسسات الدولة الخاضعة لسيطرتها، وبعد وقت قصير بعد تنفيذ حركة حماس لعملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول، نظمت سلطات الحوثيين أكثر من ألف احتجاج مؤيد لفلسطين، ما يجعل اليمن موقعًا لأكبر المظاهرات المؤيدة لفلسطين بالنسبة لعدد السكان في العالم. وتراوح نطاق هذه التعبئة من الوقفات الاحتجاجية التي نظمتها المدارس في المناطق النائية إلى مسيرات الجمعة الحاشدة في وسط صنعاء، التي اجتذبت قطاعات كبيرة من المجتمع اليمني، وكانت أكثر نجاحًا بكثير من الحملات المماثلة التي نظمها الحوثيون مؤخرًا ضد التحالف العسكري الذي تقوده السعودية.
اقرأ أيضاً
جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينتين مرتبطتين بدولة الاحتلال الإسرائيلي
ويؤكد مدى استثمار الحوثيين في هذه التعبئة الشعبية على الدرجة التي تقود بها السياسة الداخلية عملية صنع القرار الحوثية بشأن فلسطين. فبعد ما يقرب من عقد من الحرب في اليمن وما يقرب من عامين من الهدنة مع التحالف الذي تقوده السعودية، والذي لم يتوصل بعد إلى اتفاق سلام حاسم، يواجه الحوثيون تحديات حقيقية مع الشعب اليمني.
فالحوثيون، الذين أصبحوا شموليين على نحو متزايد، حسب توصيف برومفيلد، غير قادرين أو ربما غير راغبين في دفع رواتب الموظفين، ويتهمهم الكثيرون بمحاولة إقامة دولة ثيوقراطية، وبالتالي فهم واجهوا واحدة من أكبر أزماتهم السياسية على الإطلاق في الأشهر التي سبقت 7 أكتوبر/تشرين الأول مباشرة، حيث أجبرت الاحتجاجات الشعبية الجماعة على التراجع عن محاولة "لإعادة هيكلة جذرية" للدولة اليمنية.
لكن ذلك تغير مع عملية "طوفان الأقصى"، إذ أعطى العدوان الإسرائيل على غزة "عدوا" يمكنهم توجيه الرأي العام ضده، بعد حرمانهم من وجود عدو خارجي نشط، هو السعودية، لأكثر من عام ونصف العام بسبب الهدنة المستمرة في اليمن.
الرأي العام
وبينما لا تزال هناك تحديات أعمق في حكم الحوثيين، يبدو أن استراتيجية "تحويل اتجاه الرأي العام" ناجحة، وتحت غطاء التعبئة المؤيدة لفلسطين، قاموا بقمع وحشي للاحتجاجات التي اندلعت في الشهرين الأخيرين، وكافح معارضو الحوثيين في الحكومة اليمنية من أجل التعبير عن موقف معارض لأعمالهم مع الحفاظ على دعمهم العلني لفلسطين.
ولذا يرى برومفيلد أن حشد الحوثيين لدعم فلسطين قد يكون حاسماً في تحديد نهاية الصراع اليمني نفسه، الذي يشهد هدوءا منذ أبريل/نيسان 2022، نتيجة لاتفاق الهدنة الذي تدعمه الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أنه لا تزال هناك اشتباكات منخفضة المستوى بين الفصائل اليمنية، لم تكن هناك هجمات عسكرية برية كبيرة، بينما يتفاوض الحوثيون والسعوديون على اتفاق لإنهاء الصراع وإقامة تقاسم للسلطة بين الأطراف اليمنية المختلفة.
وفي حين تشير التقارير إلى أن الاتفاق السعودي الحوثي قد يكون وشيكاً، فقد قام الحوثيون منذ أكتوبر/تشرين الأول بتجنيد عدد كبير من المقاتلين للقتال في فلسطين، على أن يتم توجييهم بعد ذلك على الجبهات التي تواجه الحكومة اليمنية.
وكان الحشد الحوثي الأخير في صنعاء كبيرا لدرجة أن الحكومة اليمنية الشرعية ذكرت مؤخرا أنها تعتقد أن الحوثيين يستعدون لهجوم واسع النطاق على مدينة مأرب المتنازع عليها منذ فترة طويلة. وسواء تحقق هذا الهجوم أم لا، فإن برومفيلد يرى أن الحوثيين يحصلون على فوائد مادية ورمزية كبيرة في اليمن من خلال اتخاذ موقف قوي بشأن فلسطين.
محور المقاومة
وكانت الدرجة التالية في سلم الحوثيين التصعيدي خلال أزمة غزة هي الهجمات الجوية المباشرة على إسرائيل. فمنذ 19 أكتوبر/تشرين الأول، أطلقت قواتهم دفعات متعددة من الطائرات المسيرة والصواريخ باتجاه جنوب إسرائيل، الواقع على بعد أكثر من 1000 ميل من اليمن.
ورغم أن أياً من هذه الهجمات لم يضرب هدفاً في إسرائيل علناً، إلا أنها أجبرت الدفاعات الجوية الإسرائيلية على تفعيلها، وأجبر التهديد الذي تشكله الولايات المتحدة على نشر قوة بحرية كبيرة في البحر الأحمر، اعترضت العديد من قذائف الحوثيين.
وتحمل هذه الهجمات الجوية على إسرائيل تشابهًا ملحوظًا مع الحملة الجوية التي شنها الحوثيون منذ سنوات ضد السعودية. فبين عامي 2015 و2022، شنت قواتهم أكثر من 1000 هجوم صاروخي وأكثر من 350 هجومًا بطائرات مسيرة على أهداف في المملكة لدفعها إلى الانسحاب من الصراع اليمني.
اقرأ أيضاً
هجمات البحر الأحمر تعطل ميناء إيلات الإسرائيلي وأمريكا تحذر الحوثيين
ورغم من أن العديد من هذه الهجمات أسفرت عن أضرار قليلة أو معدومة، إلا أن بعضها تمكن من ضرب أهداف استراتيجية بعيدة مثل الرياض وجدة.
والأهم من ذلك، أن هذه الهجمات غالبًا ما كانت تحدث أسبوعيًا، وأحيانًا يوميًا، ما يتطلب نشرًا مستمرًا للدفاعات الجوية ويخلق شعورًا نفسيًا باحتمال التعرض الدائم للقصف.
ورغم أن المسافة الطويلة والتدابير المضادة تجعل تمكن الحوثيون من التغلب على الدفاعات الجوية الإسرائيلية مرجوحا، إلا أن برومفيلد يرى أن الجماعة تتبع استراتيجية تتمثل في مواصلة تيار "منخفض ولكن مستمر" من الهجمات لخلق ضغط، وربما فقط لانتهاز فرصة.
وتوضح الهجمات الجوية المباشرة على إسرائيل مدى تأثير الاعتبارات الإقليمية، وتحديدا عضوية الحوثيين في محور المقاومة الذي تقوده إيران. فكما هو موثق جيدًا، فإن قدرة الحوثيين على شن هجمات بهذا النطاق والنطاق ترجع بالكامل تقريبًا إلى المساعدة المقدمة من طهران، التي طورت علاقة وثيقة مع الحوثيين، إلى درجة تصل إلى منافسة العلاقة التي تمتلكها مع حزب الله اللبناني. ورغم إصرار الحوثيين على أن طائراتهم المسيرة وصواريخهم يتم إنتاجها محليا، إلا أن برومفيلد يؤكد أن "نماذجهم من أصل إيراني بشكل لا لبس فيه، بما في ذلك الصاروخ من نوع طوفان الذي تم الكشف عنه مؤخرا".
وإضافة لذلك، كان الحوثيون صريحين جدًا بشأن تعاونهم مع طهران، حيث صرح أحد كبار قادة الحوثيين علنًا بأن جميع تصرفات الجماعة بشأن غزة تم تنسيقها مع شركائها المتحالفين مع إيران. ومن هذا المنظور الإقليمي، يمكن النظر إلى هجمات الحوثيين الأخيرة باعتبارها خطوة من جانب محور المقاومة لدعم حليفته "حماس"، وممارسة الضغوط على إسرائيل، و"حفظ ماء الوجه لعدم قدرته على فعل المزيد"، بحسب بلومفيلد.
وأوضح الباحث في سياسات الشرق الأوسط أن التحالف الذي تقوده إيران كان هادئا على نحو مدهش في مواجهة العدوان الإسرائيلي غير المسبوق على غزة، رغم خطابه المستمر الداعم للقضية الفلسطينية، ورغم أن الميليشيات المتحالفة مع إيران شنت هجمات على المواقع الأمريكية في العراق وسوريا، إلا أن إيران نفسها تجنبت بشدة أي عمل عسكري، كما أعرب حزب الله مرارا وتكرارا عن رغبته في تجنب أي تصعيد يمكن أن يدمر لبنان.
وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن الحوثيين متحمسون للغاية للدخول في القتال، ويتمتعون بموقع سياسي يجعل عدوهم القديم (السعودية) يعارض بشدة أي تصعيد أمريكي بينما تتفاوض المملكة على اتفاق سلام في اليمن.
ويبدو الحوثيون بذلك الطرف الذي يمثل محور الحرب في جماعات محور المقاومة المدعومة إيرانيا، وهم الأكثر ربحًا والأقل خسارة من مهاجمة إسرائيل.
الشحن الدولي
وكانت الخطوة الأخيرة الأكثر دراماتيكية، التي اتخذها الحوثيون، عبر شن سلسلة هجمات على سفن تجارية متجهة إلى إسرائيل، تزداد وتيرتها وغموضها في الوقت ذاته، فمع إعلان الجماعة مؤخراً أنها ستستهدف أي سفينة متجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، أصبح تعريف الحوثيين لما يشكل "العلاقات مع إسرائيل" غامضاً ويتوسع باستمرار، ما أثار مخاوف بشأن تأثير ذلك على أسعار التأمين والشحن للسفن التي تمر عبر مضيق باب المندب.
ويرى برومفيلد أن لتاريخ الحوثيين في الهجمات البحرية يمكن أن يلقي بعض الضوء على هذا التصعيد الأخير، فكما هو الحال مع طائراتهم المسيرة، فقد طوروا مجموعة من قدرات الهجوم البحري بمساعدة إيران، بما في ذلك القوارب المحملة بالمتفجرات التي يتم التحكم فيها عن بعد، والألغام البحرية، والصواريخ المضادة للسفن، والطائرات البحرية المسيرة.
واستخدم الحوثيون كل هذه الإمكانيات بين عامي 2017 و2021، وشنوا ما لا يقل عن 16 هجومًا بحريًا بطائرات مسيرة على سفن تجارية في المياه المحيطة باليمن، وكان معظمها يرفع العلم السعودي.
كما استهدف الحوثيون السفن الإسرائيلية، وتحديدا مع هجوم يوليو/تموز 2021 على الناقلة "ميرسر ستريت" المملكة آنذاك لشركة "زودياك ماريتيم" الإسرائيلية.
لكن برومفيلد يشير إلى أن هجمات الحوثيين على الشحن البحري ظلت دائما "محسوبة" لتجنب إثارة تحالف يرغب في طردهم من اليمن.
وفي حين استولى الحوثيون على زوارق يعتقدون أنها تعمل كجزء من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية على السواحل المقابلة لليمن، إلا أنهم لم يختطفوا أي سفينة تجارية في المياه الدولية قبل الاستيلاء على سفينة "جالاكسي ليدر" في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وكجزء من الحصار الذي تفرضه على صادرات النفط من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، شنت قوات الحوثيين العديد من الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ، التي كانت تخطئ بالكاد ناقلات النفط التي تقترب من محطات النفط التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، فيما فسره برومفيلد إلى أنه "محاولة لتخويف السفن وإبعادها دون التسبب في حوادث".
وللأسباب نفسها، هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى أن الحوثيين حاولوا ضرب سفينة حربية تابعة للبحرية الأمريكية، باعتباره إجراء يمكن أن يغير تعامل الإدارة الأمريكية معهم.
اقرأ أيضاً
بعد تهديد جندلمان.. الحوثيون يعلنون رفع الجاهزية لمواجهة كافة الاحتمالات مع إسرائيل
ويشير برومفيلد، في هذا الصدد، إلى أن الأدلة، منذ حوادث عام 2016 التي يُستشهد بها غالبًا على أنها المرة الأخيرة التي أطلق فيها الحوثيون النار على سفينة حربية أمريكية، غير حاسمة حول ما إذا كانت الجماعة تنوي بالفعل ضرب سفينة حربية أمريكية، لافتا إلى أن البحرية الأمريكية أكدت أنها لا تستطيع تحديد ما إذا كانت الطائرات المسيرة التي اعترضتها مؤخرًا كانت تستهدفها من عدمه.
وفي الحادثة الأخيرة التي أطلق فيها الحوثيون صواريخ باليستية على مقربة من سفينة أمريكية، سقطت الصواريخ في البحر على بعد 10 أميال بحرية. وبالنظر إلى مدى الدقة التي أثبتها الحوثيون عند تنفيذ تلك الهجمات، فإن التفسير الأكثر منطقية لذلك هو أنهم "أخطأوا الهدف عمداً حتى لا يدخلوا فعلياً في حرب إطلاق نار مع الولايات المتحدة"، حسبما يرى برومفيلد، مضيفا أن ذلك يعني أن "الحوثيين يعرفون ما يفعلون، ولديهم أسباب لما يفعلونه".
وطوال فترة الصراع في اليمن، أظهر تنظيم الحوثيين قدرة على معايرة هجماته الجوية والبحرية بعناية لتحقيق هدف استراتيجي معين، وكانوا صريحين للغاية بشأن ما يعتبرونه الهدف الاستراتيجي المباشر لتصعيدهم، وهو: إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة.
وبالنظر إلى الإعلان الحوثي الصريح، فإن أبسط إجابة على سؤال: "لماذا يهاجم الحوثيون إسرائيل؟" هي: "لأنهم يعتقدون أن الوضع يستدعي ذلك"، ولذا يرى برومفيلد أن "فهم هذا المنطق يتطلب أخذ ما يقوله الحوثيون عن أنفسهم ومعتقداتهم على محمل الجد".
ومع ذلك، يشير برومفيلد إلى أنه يمكن إنكار أن الحوثيين لديهم أيضًا أسباب أيديولوجية أعمق وأكثر إثارة للقلق للتدخل في غزة، حيث أن "الرؤية الدولية للجماعة مدفوعة بمشاعر معادية لإسرائيل إلى حد معادٍ للسامية وأقرب إلى نهاية العالم".
فجماعة أنصار الله تشكلت في أوائل عام 2000 وسط جو من النشاط المناهض لإسرائيل الناجم عن الانتفاضة الثانية، ومنذ بدايتها، اعتبرت التدمير المادي لإسرائيل عقيدة رئيسية.
ولطالما كان شعار الحوثيين، الذي يزين كافة أعلام الجماعة، والذي تم إدراجه في المناهج التعليمية في مناطق سيطرتهم، هو: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".
وعليه فإن الصراع مع إسرائيل يعد أمرًا أساسيًا في وجهة نظر الحوثيين العالمية، حيث تشير الجماعة باستمرار إلى أعدائها في اليمن كجزء من العدوان "الصهيوني الأمريكي"، ويصف قادتها بانتظام السياسة الإقليمية بأنها "مؤامرة يهودية".
ويخلص برومفيلد إلى أن مزيج من المصلحة والأيدولوجيا هو ما يحرك جماعة أنصار الله اليمنية لدعم المقاومة الفلسطينية، وهو المزيج الذي يجعل السؤال المنطق لدى الحوثيين هو: "لماذا لا نهاجم إسرائيل؟".
اقرأ أيضاً
تخبط أمريكي حول التحالف البحري لمواجهة الحوثيين.. محلل إسرائيلي يكشف السبب
المصدر | نيكولاس برومفيلد/أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: اليمن السعودية إسرائيل فلسطين الحوثيين أنصار الله أکتوبر تشرین الأول الحکومة الیمنیة محور المقاومة الحوثیین فی أن الحوثیین هذه الهجمات على إسرائیل أنصار الله الذی تقوده العدید من اقرأ أیضا الهجمات ا فی الیمن أکثر من على غزة إلى أن هجوم ا إلا أن ا کانت
إقرأ أيضاً:
هآرتس: لماذا لا تستطيع أمريكا وإسرائيل هزيمة الحوثيين في اليمن؟ (ترجمة خاصة)
"الجغرافيا، الخبرة، والعقلية: أصبح الحوثيون قوة يصعب إيقافها، رغم الغارات الجوية المتكررة التي تشنها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. حتى الانسحاب الإسرائيلي من غزة من غير المرجح أن يدفع إلى نزع سلاحهم".. بهذه العبارات بدأت صحيفة "هارتس" العبرية تحليلها عن الضربات الجوية التي تنفذها كلا من واشنطن وتل أبيب ضد جماعة الحوثي في اليمن.
تقول الصحيفة في تقرير لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول بقليل، عندما بدأ الحوثيون في اليمن إطلاق الصواريخ على إسرائيل دعماً لغزة، سخر منهم الكثيرون واصفين إياهم بوكلاء حربيين ساذجين لإيران. لكن بعد أكثر من عام ونصف، لم يعد أحد يعتبرهم مجرد عرض جانبي.
وأضافت "على عكس الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة، واصل الحوثيون إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وتعطيل الحياة اليومية، والحد بشكل كبير من حركة الطيران الأجنبية في مطار بن غوريون مع تعهدهم بحصار إسرائيل. والأهم من ذلك، أنهم ما زالوا غير راضين عن الغارات الجوية الإسرائيلية".
تقول إنبال نسيم-لوفتون، الخبيرة في الشؤون اليمنية والباحثة المشاركة في كل من منتدى التفكير الإقليمي ومركز موشيه ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية بجامعة تل أبيب، إن الجمهور بدأ يدرك قدرة الحوثيين على الصمود. لكن خبراء مثلها درسوا منذ فترة طويلة قدرة الجماعة الاستثنائية على البقاء والتكيف. فما الذي يُمكّن قوة متمردة صغيرة نسبيًا، ذات دعم شعبي محدود داخل اليمن، من تحمل الاضطرابات الإقليمية، ومقاومة القوى العسكرية الكبرى - وتصعيد هجماتها على إسرائيل؟
وفقًا لإليزابيث كيندال، المتخصصة في الشؤون اليمنية ورئيسة كلية جيرتون بجامعة كامبريدج، يتمتع الحوثيون "بثلاث مزايا رئيسية: الجغرافيا، والخبرة، والعقلية". فمعاقلهم في شمال اليمن الجبلي، وخاصة محافظة صعدة، مهد الحركة، توفر لهم حماية طبيعية ومكانًا للاختباء للقيادة والأسلحة. وتقول كيندال: "يكفي النظر إلى خريطة اليمن لإدراك أنهم يسيطرون على مناطق يصعب الوصول إليها".
وإضافةً إلى ذلك، تشير كيندال إلى أن الحوثيين "لديهم خبرة تزيد عن عقدين في خوض حروب متقطعة ضد بعضٍ من أكثر جيوش المنطقة تسليحًا، وقد صمدوا في وجه عشرات الآلاف من الغارات الجوية التي شنها عليهم التحالف بقيادة السعودية".
وتصف الحوثيين بأنهم "يتحملون الخسائر، ولا يكترثون بأعدائهم، وقد شهدوا الانسحاب الأمريكي المشين من العراق وأفغانستان، ويؤمنون إيمانًا راسخًا بأن الله في صفهم".
وتشير إلى أن هذه العقلية الحربية نفسها "تُروّج لها آلة دعائية متطورة وناجحة، تشمل كل شيء من البث التلفزيوني والبث المكثف على وسائل التواصل الاجتماعي إلى معسكرات تلقين الأطفال".
وتضيف لوفتون أنه من المستحيل المبالغة في تقدير البعد الديني والأيديولوجي لصراع الحوثيين. وتقول: "هؤلاء أناس مدفوعون بشعور عميق بالعدالة". في جوهرها، تستمد الجماعة شرعيتها من المذهب الشيعي الزيدي، وهو فرع من المذهب الشيعي الزيدي، وهو فرع يدعو تاريخيًا إلى اتخاذ إجراءات ضد الحكام الظالمين - سواء كانوا قوى غير مسلمة أو أنظمة إسلامية فاسدة.
كما أن الحوثيين يستمدون ثقتهم من دولة الإمامة الشرعية، التي حكمت أجزاءً من البلاد لما يقرب من ألف عام. "إنهم يتحدثون عن ذلك الماضي المجيد، عن الكيان الديني الزيدي بقيادة إمام، والذي استمر بشكل متقطع حتى عام 1962"، توضح لوفتون. إن الإشارة إلى هذا التراث تمنح الحركة شرعية ومكانة تاريخية بين اليمنيين، مما يعزز صورتهم كمدافعين عن مصالح الزيدية والسيادة الوطنية.
بالإضافة إلى ذلك، تصف لوفتون كيف يتلاعب الحوثيون بمهارة بما تسميه "ترسانة من الهويات".
أحيانًا، يتحدثون عن قضايا تتعلق باقتلاع السكان الزيديين وكيف أضرّ بهم مشروع الدولة. وفي أحيان أخرى، ينتقدون تبعية النظام للولايات المتحدة، وهي ادعاءات تلقى صدى لدى اليمنيين السنة. أحيانًا يتحدثون عن التحالف مع إيران بنبرة، وفقًا للوفتون، "أكثر شيعية - لا تقتصر على الشيعة الزيدية، وهي طائفة صغيرة نسبيًا". وتوضح أن هذا الإطار الأوسع "يفتح الباب أمام علاقات مع لبنان والعراق، وبالطبع، يعزز تحالفهم مع إيران".
ثم تضيف لوفتون: "وسّع الحوثيون روايتهم أكثر بضم غزة إلى الصورة". أصبحت إسرائيل رمزًا آخر في هويتهم المصطنعة: يُصوَّر الصراع ضد إسرائيل، التي يعتبرونها "وكيلًا للولايات المتحدة"، كجزء من معركة أوسع ضد الاستعمار الغربي.
ومع ذلك، فإن مرونتهم الاستراتيجية واستخدامهم العملي لسياسات الهوية لا يعكسان سيطرة واسعة النطاق داخل اليمن، أو حتى شعبية واسعة. تقول لوفتون: "نميل إلى نسيان أن الحوثيين أقلية. إنهم يُحدثون ضجة كبيرة ويتسببون في أضرار جسيمة، لكنهم يظلون أقلية".
يهدف هذا الخطاب الهوياتي الأناني، المدعوم بجهاز دعائي قوي، في المقام الأول إلى تحقيق مكاسب سياسية داخل اليمن، بالإضافة إلى استغلال النفوذ الإقليمي ضد قوى مثل المملكة العربية السعودية وإيران تقول لوفتون: "هناك استخدام ذكي ومعقد للغاية لجميع هذه الهويات وهذه المجموعة الشاملة من الأدوات، وكل منها مُصمم خصيصًا لجمهور مختلف".
حل يمني داخلي؟
كان أحد أسباب توقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في النهاية عن العمليات الهجومية في اليمن هو التكلفة الباهظة - التي قُدرت بحوالي مليار دولار في الشهر الأول وحده، وفقًا لمسؤولي دفاع أمريكيين نقلاً عن شبكة CNN. الغارات الجوية الإسرائيلية في اليمن باهظة التكلفة أيضًا. فبدون حاملات الطائرات المتمركزة في الخليج، تنطوي كل عملية إسرائيلية على مهام بعيدة المدى تتطلب وقودًا ودعمًا جويًا ولوجستيًا وذخائر، بتكلفة ملايين الشواقل لكل غارة.
تقول لوفتون: "إن استخدام إسرائيل للطائرات المقاتلة بدلاً من الصواريخ أو الطائرات المسيرة يجعل هذه العمليات أكثر تكلفة بكثير". وتضيف أن الغارات الجوية الإسرائيلية تخدم غرضًا نفسيًا أيضًا: "إنها تهدف إلى إثبات قدرتنا على الوصول فعليًا إلى الحوثيين مرارًا وتكرارًا. وفي هذا الصدد، لدينا ميزة واضحة"، خاصة وأن الحوثيين لا يمتلكون قوة جوية خاصة بهم.
وفقًا للوفتون، لاحظت وسائل الإعلام العربية بالفعل نمطًا متبعًا: إطلاق الصواريخ الحوثية يتبعه ردود إسرائيلية تستهدف نفس المواقع التي تم استهدافها في الجولات السابقة.
مع ذلك، يقول كيندال، مشيرًا إلى المسافة الجغرافية الشاسعة بين إسرائيل واليمن: "من الصعب تصور كيف يمكن لإسرائيل أن تنجح في هزيمة الحوثيين، في حين فشلت جيوش أخرى ذات تمويل جيد، مثل السعودية والولايات المتحدة، واضطرت إلى التراجع إلى أسلوب عقد الصفقات".
ويضيف لوفتون أن الضربات على ميناء الحديدة اليمني - شريان الحياة التجاري الرئيسي للبلاد - من غير المرجح أن تُجبر الحوثيين على الاستسلام. ونظرًا لأهمية الميناء للسكان المدنيين، فمن المرجح أن تكون أي حملة لإغلاقه محدودة النطاق والمدة.
في ظاهر الأمر، يبدو إغلاق الميناء بمثابة "تكرار لما حدث". في أعقاب الهجمات الأمريكية واسعة النطاق على اليمن في مارس/آذار، أفاد زفي باريل من صحيفة هآرتس أن الحوثيين "تكيفوا، مستخدمين قوارب الصيد لسحب ناقلات نفط بدائية الصنع إلى البحر، وتفريغ النفط من السفن الراسية، وسحبه إلى الشاطئ...".
ومع أن إنهاء الحرب في غزة لا يزال أحد المطالب الرئيسية للحوثيين، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان الانسحاب الإسرائيلي كافيًا لوقف حملتهم. ويحذر لوفتون من أن الجماعة تُمهّد الطريق بالفعل لمواصلة مهاجمة أولئك الذين يسعون إلى التطبيع مع إسرائيل - مثل المملكة العربية السعودية - وقد تُواصل العمليات العسكرية حتى بعد الانسحاب الإسرائيلي. إضافةً إلى ذلك، فإن اتفاق وقف إطلاق النار بين الحوثيين والولايات المتحدة قد يُعزز روايتهم كمدافعين عن الفلسطينيين. ويقول لوفتون، وهو يردد صدى رسائل الحوثيين بشأن الاتفاق مع الولايات المتحدة: "لم نطلب أي شيء؛ بل كان الأميركيون هم من لجأوا إلى العمانيين وقالوا: ساعدونا". ويضيف: "منذ البداية، قالوا إن حربهم مع إسرائيل لا تعني أميركا".
يُحذّر كلٌّ من لوفتون وكيندال من أن التكتيك المُفضّل لدى إسرائيل - الاغتيالات المُستهدفة للقادة العسكريين - سيفشل على الأرجح في اليمن. لا يقتصر الأمر على أن الجغرافيا تُصعّب مثل هذه المهام بشكل كبير، بل إن الهيكل التنظيمي للحوثيين "أكثر لامركزية... وحدات صغيرة تعمل بشكل مُستقلّ إلى حدّ ما على الأرض"، كما تُوضّح لوفتون.
وتُشير إلى أن الاغتيالات السابقة التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لم تُؤثّر سلبًا على المدى الطويل. "سيكون من الصعب القضاء على هذه الظاهرة... ويعود ذلك جزئيًا إلى استيلائهم على مؤسسات البلاد وبنائهم لوجودهم بشكل مُمنهج لأكثر من عقد من الزمان". وتُضيف كيندال أن خطر وقوع خسائر "ظرفية" في صفوف المدنيين "قد يأتي بنتائج عكسية ويُولّد تعاطفًا أوسع مع الحوثيين".
ومن المُحتمل، إذًا، أن يكون السبيل الوحيد المُجدي لإقناع الحوثيين بإلقاء أسلحتهم يكمن في حلٍّ يمني داخلي - حلٍّ يُنهي الحرب الأهلية في البلاد نفسها. وفقًا للوفتون، من المرجح أن يسعى الحوثيون إلى تحويل وضعهم الحالي إلى مكاسب سياسية داخلية و"تطبيع السلطة السياسية". لذا، فإن أي حل يجب ألا يقتصر على معالجة توزيع السلطة فحسب، بل أيضًا مسائل أكثر حساسية، مثل الوصول إلى البحر.
يقول لوفتون: "سيجد الحوثيون صعوبة في التخلي عن موقعهم القيادي وموطئ قدمهم الاستراتيجي في البحر الأحمر وباب المندب. وهنا قد يحتاجون إلى ابتكار أساليب جديدة للحفاظ على تلك السيطرة".
على الرغم من إنجازاتهم الحالية، يقول لوفتون: "قد تصبح لحظة تألق الحوثيين نقطة ضعفهم". قد تواجه الجماعة قريبًا معضلات معقدة، لا سيما فيما يتعلق بـ"كيفية التصرف في اليوم التالي لانسحاب إسرائيل من غزة".
يتفق كيندال مع هذا الرأي، مشيرًا إلى أنه "من غير المرجح أن يوقف الحوثيون هجماتهم. لديهم أسبابهم الخاصة لمواصلة عدوانهم على إسرائيل، سواءً بوجود إيران أو بدونها. محليًا، يُصب هذا في مصلحة قاعدتهم الشعبية. إقليميًا، يُصوّرهم كأبطال فلسطين. دوليًا، يُولّد لهم اهتمامًا إعلاميًا واسعًا".
من جانبها، من غير المرجح أيضًا أن تُوقف إسرائيل ضرباتها العسكرية. قد يتطلب كسر ما يبدو وكأنه حلقة عنف مسدودة نهجًا مختلفًا - ربما نهجًا مستنيرًا بالماضي. ومع ذلك، كما يقول لوفتون، "لا يمكن للتاريخ أن يُعطينا إجابة، مع أنه غالبًا ما يُخبرنا ما لم يُجدِ نفعًا".
هل الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة ضد الحوثيين عديمة الجدوى تمامًا؟ يُجيب لوفتون: "نعم ولا". "من ناحية، تُلحق الغارات أضرارًا، وهذا له قيمة تراكمية. من ناحية أخرى، فإن الاضطراب الذي تُسببه قصير الأمد، وقد يُعزز دافع الحوثيين للرد على إسرائيل".
عسكريًا، من المُشكك أن هذه الغارات وحدها ستُحقق الهدف. يُوضح لوفتون: "يجب أن تُدعم هذه الغارات بجهود مُستمرة وواسعة النطاق للحد من تهريب الأسلحة إلى الحوثيين بحرًا وبرًا". ولا يقل أهمية عن ذلك دعم قوات المعارضة داخل اليمن، لأن هذه في جوهرها حرب أهلية داخلية".
وفي النهاية، تستنتج أن "هذا الصراع لن يُحل بالوسائل العسكرية وحدها. يجب أن يُعرض على معارضي الحوثيين تسوية سياسية يمكنهم قبولها، تسوية تشجعهم على التحرك بنشاط ضد الحوثيين".