لجريدة عمان:
2025-12-01@05:59:12 GMT

فجوة التمويل التجاري تعوق الاقتصادات النامية

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

نجوزي أوكونجو إيويالا -

مختار ديوب -

من الواضح أن الاقتصاد العالمي بدأ يفقد زخمه. فمع انخفاض التوقعات لكل من الناتج والتجارة إلى مستويات أقل كثيرا من المتوسط في الأمد البعيد، أصبح إحياء النمو أولوية قصوى من منظور صناع السياسات في كل مكان. ويُـعَـد تمويل التجارة من الأدوات المتاحة تحت تصرفهم والتي لا تحظى بالتقدير الكافي.

ليس سرًا أن البلدان التي حققت نموا مرتفعا مستداما وتمكنت من خفض معدلات الفقر بشكل كبير في العقود الأخيرة تدين بقدر كبير من نجاحها للتجارة الدولية. حقيقة أخرى أقل استرعاء للانتباه هي أن التجارة عبر الحدود ستتضاءل للغاية في غياب التمويل التجاري - رأس المال العامل للمصدرين والمستوردين الذي يمكنهم من تخفيف مخاطر الدفع المتأصلة في المعاملات الدولية. يكمن أحد الأسباب وراء إغفال أهمية تمويل التجارة في توفره بتكاليف معقولة في الاقتصادات المتقدمة، لكن هذه ليست الحال في البلدان منخفضة الدخل، حيث تُـبـدي البنوك الأجنبية شهية محدودة للعمل في أفضل الأوقات.

وفي ظل إحكام المتطلبات التنظيمية على نحو متزايد -عندما يتعلق الأمر بكفاية رأس المال، وغسل الأموال، وإنفاذ العقوبات- تضاءلت جاذبية هذه الأسواق بدرجة أكبر. الخلاصة هي أن الوصول إلى التمويل التجاري يتسم بالتفاوت الشديد بين البلدان وشركات الأعمال. يظهر بحث جديد مشترك بين مؤسسة التمويل الدولية ومنظمة التجارة العالمية أن 25% على الأكثر من التجارة في غرب إفريقيا ومنطقة الميكونج مدعومة بتمويل التجارة، مقارنة بنحو 60% إلى 80% في الاقتصادات المتقدمة. وحتى عندما تتمكن الشركات في غرب إفريقيا من الوصول إلى التمويل التجاري، فإن أسعار الفائدة التي تحصل عليها تكون أعلى كثيرا من سعر الفائدة المحلي، حتى برغم أن تمويل التجارة يُنظر إليه عموما على أنه منخفض المخاطر؛ لأن البضائع التي تُـشـحَـن تعمل كضمان. تبلغ العلاوة على الأسعار القياسية المحلية نحو 4 إلى 10 نقاط مئوية للشركات الضخمة، و7 إلى 17 نقطة مئوية للشركات صغيرة الحجم، مقارنة بنحو نقطة مئوية واحدة أو أقل لشركات الاقتصادات المتقدمة. في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، تقترب الفجوة بين الطلب على تمويل التجارة والمعروض مِـنه مِن 2.5 تريليون دولار، وفقًا لتقديرات بنك التنمية الآسيوي. وتزداد الفجوة اتساعا بين المؤسسات متناهية الـصِـغَر والصغيرة والمتوسطة الحجم والشركات التي تقودها نساء، واللاتي هن أكثر عرضة، مقارنة بالرجال، لرفض تمويل تجارتهن. وبخلاف ذلك، يجب في كثير من الأحيان التخلي عن معاملات مجدية.

الواقع أن سد فجوة التمويل التجاري لن يحقق أرباحا كبيرة للتجارة العالمية فحسب، بل سيساعد البلدان أيضا على إيجاد فرص العمل، والحد من الفقر، وضمان الوصول إلى السلع الحرجة مثل الغذاء والدواء. تشير تقديرات خبراء الاقتصاد في منظمة التجارة العالمية إلى أن زيادة تغطية تمويل التجارة من 25% إلى 40% -وهو سيناريو واقعي تماما- من شأنها أن تزيد التدفقات التجارية السنوية بنحو 8% في المتوسط. ومع اكتساب الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وغيرها القدرة على الوصول إلى شبكات الإنتاج والتجارة العالمية، على النحو الذي يعزز النمو وتشغيل القوى العاملة، فسوف تصبح التجارة العالمية أكثر تنوعا، وديناميكية، وشمولا على المستوى الاجتماعي.للحصول على مزيد من التمويل التجاري لأولئك الذين يحتاجون إليه، لا بد من حدوث ثلاثة تغييرات رئيسية، الأول يتلخص في تطوير وتعزيز فهم أكثر تفصيلًا للنظم الإيكولوجية لتمويل التجارة في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. يُـظـهِـر العمل البحثي المشترك بين مؤسسة التمويل الدولية ومنظمة التجارة العالمية مؤخرًا أن نسبة ضئيلة فقط من بين كل الشركات القادرة على المشاركة في التجارة تحاول تأمين التمويل التجاري من البنوك. وتُـثَـبَـط بقية الشركات بسبب احتمال ارتفاع التكاليف ومتطلبات الضمانات، فضلًا عن الطلبات المرفوضة في السابق.

كما توصلت دراسة مشتركة بين مؤسسة التمويل الدولية ومنظمة التجارة العالمية عام 2022 إلى أن المصدرين والمستوردين الراسخين فقط في غرب إفريقيا هم من يتسنى لهم الوصول إلى التمويل التجاري. تتصدى مؤسسة التمويل الدولية ومنظمة التجارة العالمية لهذه المشكلات من خلال تدريب البنوك والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في الاقتصادات النامية على نشر المعرفة حول حلول تمويل التجارة المتاحة، ومعالجة قضايا مثل متطلبات الضمانات المفرطة والتصورات السلبية لمخاطر الائتمان، بهدف تأمين الموافقة على عدد أكبر من الطلبات في نهاية المطاف.

ويقدم تقريرنا المشترك الأخير رؤى عملية لهذه الجهود من كمبوديا وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية وفيتنام.

التغيير الثاني المطلوب هو زيادة دعم التجارة في البلدان المنخفضة الدخل من خلال التمويل والضمانات، أثناء جائحة «كوفيد-19»، عملت برامج التمويل التجاري التي تقدمها مؤسسة التمويل الدولية على تمكين البنوك المحلية من دعم استيراد وتصدير المواد الغذائية والأدوية وغير ذلك من السلع المهمة في البلدان التي انسحبت منها البنوك الدولية.

وفي السنة المالية الماضية، دعمت مؤسسة التمويل الدولية ما قيمته 16 مليار دولار في هيئة تدفقات تجارية أساسية؛ لسد الفجوة بين المخاطر المتصورة والفعلية المرتبطة بتوفير التمويل التجاري في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.

بعيدا عن التمويل ذاته، من الممكن أن يعمل الدعم المحدد زمنيا من منظمات مثل مؤسسة التمويل الدولية على تزويد بنوك الاقتصادات النامية بالدراية المطلوبة بشدة، مما يمنحها الثقة اللازمة لتوفير التمويل التجاري للشركات المحرومة في أسواقها المحلية. ومن شأن زيادة التعاون في مجال تمويل التجارة أن تعمل على تعزيز الجهود الجارية التي تبذلها بنوك التنمية المتعددة الأطراف ومؤسسات تمويل التنمية.

أما التغيير الثالث فيجب أن يكون دمج المنتجين المحليين في سلاسل التوريد العالمية. تمثل تجارة سلاسل التوريد نصف إجمالي التجارة العالمية، وثلثي التجارة الدولية لكمبوديا وفيتنام. لكنها تمثل 2% فقط من التمويل التجاري المتاح المقدم محليا في فيتنام، ولا يتوفر أي تمويل تقريبًا لسلاسل التوريد محليًا في كمبوديا. وهذا يعني أن المنتجين المحليين من المستوى الأدنى في هذه الأسواق التي تعاني من نقص الخدمات يخضعون لضغوط مالية كبيرة عندما يزاولون التجارة.

الواقع أن مؤسسة التمويل الدولية تضطلع بالفعل بدورها في معالجة هذه المشكلة: ففي عام 2022 أنشأت برنامجًا مخصصًا لزيادة تمويل سلاسل التوريد للموردين في الأسواق الناشئة. وبوسع مؤسسات تمويل التنمية الأخرى والمؤسسات المالية التابعة للقطاع الخاص أن تحذو حذوها، بل ينبغي لها أن تفعل ذلك. لقد عمل تمويل التجارة وسلاسل التوريد بهدوء على جلب مكاسب هائلة في مستويات المعيشة في العقود الأخيرة. وهو قادر، بالاستعانة بعدد قليل من التغييرات الأساسية، على مساعدة مزيد من الاقتصادات على الانطلاق، وهذا كفيل بتوفير دَفعة قوية لسبل معايش الناس - والاقتصاد العالمي.

نجوزي أوكونجو إيويالا المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية.

مختار ديوب المدير الإداري لمؤسسة التمويل الدولية.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاقتصادات النامیة فی الأسواق الناشئة التمویل التجاری تمویل التجارة الوصول إلى التجارة فی

إقرأ أيضاً:

أبو العينين يطالب بتوفير التمويل وزيادة الاستثمار لبناء اقتصاد أورومتوسطي مستدام

 شدد النائب محمد أبو العينين، وكيل مجلس النواب و رئيس الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، على أن نجاح الميثاق الجديد للمتوسط لن يقاس بمجرد صياغاته النظرية، بل بقدرته على تحويل الشراكة الأورومتوسطية إلى نتائج ملموسة وبرامج قابلة للتنفيذ والقياس، بما يضمن تحقيق الفوائد الفعلية للدول والشعوب على حد سواء.

أبو العينين: نجاح ميثاق المتوسط يقاس بقدرته على التحول لبرامج قابلة للتنفيذتقديرا لمواقفه التاريخية.. أبو العينين يقترح إرسال برقية شكر للرئيس السيسيالبرلمان الفلسطيني: رئاسة أبو العينين لبرلمانية المتوسط انطلاقة جديدة للتعاون والتنميةتمويل عادل واستثمارات مستدامة

وأكد أبو العينين خلال أعمال منتدى قمة رؤساء البرلمانات، الذي يستضيفه مجلس النواب المصري تحت عنوان: «تعزيز التعاون الاقتصادي بين ضفتي البحر المتوسط على أهمية توفير تمويل عادل وغير مرهق بالديون، مع زيادة تدفقات الاستثمار ونقل التكنولوجيا، بما يسهم في بناء اقتصاد أورومتوسطي مستدام قائم على سلاسل قيمة مشتركة، ويعزز التكامل بين دول الشمال والجنوب.

تعليم حديث ومهارات رقمية وخضراء

وأشار رئيس الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط إلى أهمية تطوير التعليم الحديث، وتأهيل الكوادر بالمهارات الرقمية والخضراء، بما يدعم التوظيف المستدام ويواكب التحولات الاقتصادية والتكنولوجية في المنطقة.

معالجة جذور الأزمات بدلاً من إدارتها

وأكد أبو العينين أن معالجة جذور الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يجب أن تكون أولوية، بدل الاكتفاء بإدارة نتائجها المؤقتة، وذلك لضمان استقرار وتنمية حقيقية ومستدامة في المنطقة الأورومتوسطية.

وأشار كذلك إلى ضرورة وقف إطلاق النار في السودان، ودعم مسار سياسي شامل يعيد الاستقرار للدولة، داعيا إلى دعم جهود الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية وتوحيد المؤسسات، وأكد حق مصر الثابت في حماية أمنها المائي، ورفض أي إجراءات أحادية من إثيوبيا بشأن سد النهضة، مشددا شدد على أهمية تأمين الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس بوصفهما شريانًا رئيسيًا للاقتصاد العالمي.

وأكد أبو العينين، على دور البرلمانات في تحويل الالتزامات السياسية إلى تشريعات وآليات متابعة، معلنًا أن رئاسة مصر للجمعية البرلمانية ستعمل على تأسيس آلية برلمانية دائمة لتقييم تنفيذ بنود الميثاق الجديد، ورفع تقرير سنوي للحكومات والمؤسسات المعنية، قائلا:" إن الذكرى الثلاثين لعملية برشلونة يجب أن تكون بداية مرحلة أكثر توازنًا وعدالة وجرأة في تاريخ الشراكة الأورومتوسطية، مضيفًا أن “المتوسط يستحق أن يكون بحرًا للسلام والشراكة والأمل”.

طباعة شارك النائب محمد أبو العينين رئيس الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط الشراكة الأورومتوسطية

مقالات مشابهة

  • انهيار خطة السلام .. تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية يُعمّق أزمة غزة ويكشف فجوة بين الوعود والواقع
  • وزير الخارجية يدعو الشركات الباكستانية للاستثمار في مصر وزيادة حجم التبادل التجاري
  • وزير الخارجية: نتطلع لمواصلة التعاون مع باكستان في إطار مجموعة الدول الثماني النامية D8
  • مناقشة أولويات التمويل وتعزيز القدرة التنافسية في "حوارات تجارة".. الأربعاء
  • التمثيل التجاري المصري: البنية التحتية ركيزة أساسية لتعزيز الاستثمارات في الدول
  • أبو العينين يطالب بتوفير التمويل وزيادة الاستثمار لبناء اقتصاد أورومتوسطي مستدام
  • مالية كوردستان تتسلم تمويل رواتب شهر أيلول من بغداد
  • WSJ: الكشف عن تمويل إيراني لحزب الله عبر شبكة شركات في دبي
  • إنجاز دولي.. طالبان بـ تجارة عين شمس يحصلان على شهادة FMAA العالمية
  • منال عوض: التمويل الأخضر فرصة حقيقية لدعم المشاريع المستدامة