فجوة التمويل التجاري تعوق الاقتصادات النامية
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
نجوزي أوكونجو إيويالا -
مختار ديوب -
من الواضح أن الاقتصاد العالمي بدأ يفقد زخمه. فمع انخفاض التوقعات لكل من الناتج والتجارة إلى مستويات أقل كثيرا من المتوسط في الأمد البعيد، أصبح إحياء النمو أولوية قصوى من منظور صناع السياسات في كل مكان. ويُـعَـد تمويل التجارة من الأدوات المتاحة تحت تصرفهم والتي لا تحظى بالتقدير الكافي.
ليس سرًا أن البلدان التي حققت نموا مرتفعا مستداما وتمكنت من خفض معدلات الفقر بشكل كبير في العقود الأخيرة تدين بقدر كبير من نجاحها للتجارة الدولية. حقيقة أخرى أقل استرعاء للانتباه هي أن التجارة عبر الحدود ستتضاءل للغاية في غياب التمويل التجاري - رأس المال العامل للمصدرين والمستوردين الذي يمكنهم من تخفيف مخاطر الدفع المتأصلة في المعاملات الدولية. يكمن أحد الأسباب وراء إغفال أهمية تمويل التجارة في توفره بتكاليف معقولة في الاقتصادات المتقدمة، لكن هذه ليست الحال في البلدان منخفضة الدخل، حيث تُـبـدي البنوك الأجنبية شهية محدودة للعمل في أفضل الأوقات.
وفي ظل إحكام المتطلبات التنظيمية على نحو متزايد -عندما يتعلق الأمر بكفاية رأس المال، وغسل الأموال، وإنفاذ العقوبات- تضاءلت جاذبية هذه الأسواق بدرجة أكبر. الخلاصة هي أن الوصول إلى التمويل التجاري يتسم بالتفاوت الشديد بين البلدان وشركات الأعمال. يظهر بحث جديد مشترك بين مؤسسة التمويل الدولية ومنظمة التجارة العالمية أن 25% على الأكثر من التجارة في غرب إفريقيا ومنطقة الميكونج مدعومة بتمويل التجارة، مقارنة بنحو 60% إلى 80% في الاقتصادات المتقدمة. وحتى عندما تتمكن الشركات في غرب إفريقيا من الوصول إلى التمويل التجاري، فإن أسعار الفائدة التي تحصل عليها تكون أعلى كثيرا من سعر الفائدة المحلي، حتى برغم أن تمويل التجارة يُنظر إليه عموما على أنه منخفض المخاطر؛ لأن البضائع التي تُـشـحَـن تعمل كضمان. تبلغ العلاوة على الأسعار القياسية المحلية نحو 4 إلى 10 نقاط مئوية للشركات الضخمة، و7 إلى 17 نقطة مئوية للشركات صغيرة الحجم، مقارنة بنحو نقطة مئوية واحدة أو أقل لشركات الاقتصادات المتقدمة. في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، تقترب الفجوة بين الطلب على تمويل التجارة والمعروض مِـنه مِن 2.5 تريليون دولار، وفقًا لتقديرات بنك التنمية الآسيوي. وتزداد الفجوة اتساعا بين المؤسسات متناهية الـصِـغَر والصغيرة والمتوسطة الحجم والشركات التي تقودها نساء، واللاتي هن أكثر عرضة، مقارنة بالرجال، لرفض تمويل تجارتهن. وبخلاف ذلك، يجب في كثير من الأحيان التخلي عن معاملات مجدية.
الواقع أن سد فجوة التمويل التجاري لن يحقق أرباحا كبيرة للتجارة العالمية فحسب، بل سيساعد البلدان أيضا على إيجاد فرص العمل، والحد من الفقر، وضمان الوصول إلى السلع الحرجة مثل الغذاء والدواء. تشير تقديرات خبراء الاقتصاد في منظمة التجارة العالمية إلى أن زيادة تغطية تمويل التجارة من 25% إلى 40% -وهو سيناريو واقعي تماما- من شأنها أن تزيد التدفقات التجارية السنوية بنحو 8% في المتوسط. ومع اكتساب الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وغيرها القدرة على الوصول إلى شبكات الإنتاج والتجارة العالمية، على النحو الذي يعزز النمو وتشغيل القوى العاملة، فسوف تصبح التجارة العالمية أكثر تنوعا، وديناميكية، وشمولا على المستوى الاجتماعي.للحصول على مزيد من التمويل التجاري لأولئك الذين يحتاجون إليه، لا بد من حدوث ثلاثة تغييرات رئيسية، الأول يتلخص في تطوير وتعزيز فهم أكثر تفصيلًا للنظم الإيكولوجية لتمويل التجارة في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. يُـظـهِـر العمل البحثي المشترك بين مؤسسة التمويل الدولية ومنظمة التجارة العالمية مؤخرًا أن نسبة ضئيلة فقط من بين كل الشركات القادرة على المشاركة في التجارة تحاول تأمين التمويل التجاري من البنوك. وتُـثَـبَـط بقية الشركات بسبب احتمال ارتفاع التكاليف ومتطلبات الضمانات، فضلًا عن الطلبات المرفوضة في السابق.
كما توصلت دراسة مشتركة بين مؤسسة التمويل الدولية ومنظمة التجارة العالمية عام 2022 إلى أن المصدرين والمستوردين الراسخين فقط في غرب إفريقيا هم من يتسنى لهم الوصول إلى التمويل التجاري. تتصدى مؤسسة التمويل الدولية ومنظمة التجارة العالمية لهذه المشكلات من خلال تدريب البنوك والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في الاقتصادات النامية على نشر المعرفة حول حلول تمويل التجارة المتاحة، ومعالجة قضايا مثل متطلبات الضمانات المفرطة والتصورات السلبية لمخاطر الائتمان، بهدف تأمين الموافقة على عدد أكبر من الطلبات في نهاية المطاف.
ويقدم تقريرنا المشترك الأخير رؤى عملية لهذه الجهود من كمبوديا وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية وفيتنام.
التغيير الثاني المطلوب هو زيادة دعم التجارة في البلدان المنخفضة الدخل من خلال التمويل والضمانات، أثناء جائحة «كوفيد-19»، عملت برامج التمويل التجاري التي تقدمها مؤسسة التمويل الدولية على تمكين البنوك المحلية من دعم استيراد وتصدير المواد الغذائية والأدوية وغير ذلك من السلع المهمة في البلدان التي انسحبت منها البنوك الدولية.
وفي السنة المالية الماضية، دعمت مؤسسة التمويل الدولية ما قيمته 16 مليار دولار في هيئة تدفقات تجارية أساسية؛ لسد الفجوة بين المخاطر المتصورة والفعلية المرتبطة بتوفير التمويل التجاري في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.
بعيدا عن التمويل ذاته، من الممكن أن يعمل الدعم المحدد زمنيا من منظمات مثل مؤسسة التمويل الدولية على تزويد بنوك الاقتصادات النامية بالدراية المطلوبة بشدة، مما يمنحها الثقة اللازمة لتوفير التمويل التجاري للشركات المحرومة في أسواقها المحلية. ومن شأن زيادة التعاون في مجال تمويل التجارة أن تعمل على تعزيز الجهود الجارية التي تبذلها بنوك التنمية المتعددة الأطراف ومؤسسات تمويل التنمية.
أما التغيير الثالث فيجب أن يكون دمج المنتجين المحليين في سلاسل التوريد العالمية. تمثل تجارة سلاسل التوريد نصف إجمالي التجارة العالمية، وثلثي التجارة الدولية لكمبوديا وفيتنام. لكنها تمثل 2% فقط من التمويل التجاري المتاح المقدم محليا في فيتنام، ولا يتوفر أي تمويل تقريبًا لسلاسل التوريد محليًا في كمبوديا. وهذا يعني أن المنتجين المحليين من المستوى الأدنى في هذه الأسواق التي تعاني من نقص الخدمات يخضعون لضغوط مالية كبيرة عندما يزاولون التجارة.
الواقع أن مؤسسة التمويل الدولية تضطلع بالفعل بدورها في معالجة هذه المشكلة: ففي عام 2022 أنشأت برنامجًا مخصصًا لزيادة تمويل سلاسل التوريد للموردين في الأسواق الناشئة. وبوسع مؤسسات تمويل التنمية الأخرى والمؤسسات المالية التابعة للقطاع الخاص أن تحذو حذوها، بل ينبغي لها أن تفعل ذلك. لقد عمل تمويل التجارة وسلاسل التوريد بهدوء على جلب مكاسب هائلة في مستويات المعيشة في العقود الأخيرة. وهو قادر، بالاستعانة بعدد قليل من التغييرات الأساسية، على مساعدة مزيد من الاقتصادات على الانطلاق، وهذا كفيل بتوفير دَفعة قوية لسبل معايش الناس - والاقتصاد العالمي.
نجوزي أوكونجو إيويالا المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية.
مختار ديوب المدير الإداري لمؤسسة التمويل الدولية.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاقتصادات النامیة فی الأسواق الناشئة التمویل التجاری تمویل التجارة الوصول إلى التجارة فی
إقرأ أيضاً:
معلومات الوزراء: «التجارة العالمية تدخل مرحلة شديدة التقلب في عام 2025»
استعرض مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء عددا من أبرز التقارير الدولية الصادرة عن وكالتي فيتش وبلومبرج، والبنك الدولي، والأونكتاد، والتي تقدم قراءات دقيقة ومتكاملة لمجريات المشهد التجاري العالمي الراهن، وتكشف عن ملامح مرحلة جديدة في مسار التجارة العالمية.
و أشار المركز إلى أن التجارة العالمية تشهد خلال عام 2025 مرحلة شديدة التقلب، بفعل تصاعد النزعات الحمائية، وتزايد التوترات الجيوسياسية، وتبدل التحالفات التجارية، الأمر الذي أفرز تحديات مباشرة وغير مباشرة على النظام التجاري العالمي.
وأوضح تقرير نشرته وكالة "فيتش" في 10 يوليو الجاري أن السياسات الجديدة التي تم الإعلان عنها في مجال التجارة والاستثمار خلال الأسبوع الأول من الشهر تُؤكد استمرار القيود على التجارة العالمية، وذلك في ظل سعي الحكومات لحماية الصناعات المحلية وسط تصاعد حالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي.
ولدعم إعادة توطين الصناعات، تُوجِّه الحكومات بشكل متزايد المساعدات المالية لتعزيز القدرة التنافسية للقطاعات الاستراتيجية.. في المقابل، يُلاحظ تخفيف تدريجي وانتقائي لبعض الحواجز التجارية، لاسيما في الصناعات الاستهلاكية، بما يعكس سعيًا لموازنة التوجهات الحمائية مع الانفتاح التجاري، دعمًا للدول الحليفة.
واتصالًا، فإنه خلال الأسبوع الأول من يوليو 2025، كان 75% من 12 إجراءً جديدًا واسع النطاق في السياسة الخارجية أُعلن عنها عالميًّا تقيد التجارة العالمية، حيث تفرض تلك الإجراءات حواجز إضافية للتجارة الدولية وتقيد الوصول إلى الأسواق، وخلال الأسبوع الأول من يوليو الجاري أعلنت خمسة أسواق رئيسية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، عن تدخلات كبيرة في السياسة الخارجية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية والهند الأكثر نشاطًا.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتمدت نهجًا ثنائيًا، حيث خففت قيود تصدير أشباه الموصلات للصين، وفي المقابل فرضت رسومًا جمركية مرتفعة على أسواق آسيوية وأوروبية وإفريقية، استعدادًا لتطبيق رسوم متبادلة اعتبارًا من 1 أغسطس 2025، ومن ضمن هذه الإجراءات، فرضت واشنطن رسومًا بنسبة 50% على النحاس بموجب المادة 232 لأسباب متعلقة بالأمن القومي.
وأعلنت الإدارة الأمريكية عن تعديلات جمركية تستهدف دولًا منها اليابان وكوريا الجنوبية وكازاخستان وماليزيا وتونس، حيث فرضت رسومًا إضافية تراوحت بين 25% و40%. في المقابل، تم منح إعفاءات لأكثر من 1500 منتج من هذه الدول، خاصة تلك التي تخضع لرسوم المادة 232.
واستمرارًا لنهج الإدارة الأمريكية في مجال السياسات التجارية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 11 يوليو الجاري فرض رسوم جمركية بنسبة 35% على واردات من كندا، مع التهديد برفعها على معظم الدول الأخرى لتتراوح بين 15% و20%، مبررا ذلك بأن كندا تفرض حواجز تؤدي إلى عجز تجاري غير عادل.
ورغم الاستثناءات الجزئية لبعض السلع ضمن اتفاقية «USMCA»، ظل قطاعا الفولاذ والألمنيوم خاضعين لرسوم تصل إلى 50%، كما استثني قطاع السيارات جزئيًا نظرًا للروابط العميقة بين السوقين.
وفي تطور أكثر حدة، أشارت صحيفة «فايننشال تايمز» في تقرير نشرته 9 يوليو الجاري إلى فرض الرئيس الأمريكي ترامب رسومًا بنسبة 50% على السلع البرازيلية، مما أدى لانهيار الريال البرازيلي وتراجع سوق الأسهم هناك، وجاء التصعيد على خلفية محاكمة الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، وسط تهديدات بفتح تحقيق تجاري ضد البرازيل.
وفى هذا السياق رفض الرئيس البرازيلي الحالي "لولا دا سيلفا" الضغوط، وتوعد برد مماثل بموجب قانون المعاملة بالمثل، مؤكدًا أن البرازيل لن تقبل الإملاءات.
على صعيد آخر، لفتت وكالة فيتش الانتباه لإعلان الهند في 3 يوليو 2025 عن نيتها تعليق بعض التنازلات الممنوحة للولايات المتحدة الأمريكية بموجب اتفاقية الضمانات في منظمة التجارة العالمية ردًا على استمرار الأخيرة في فرض رسوم جمركية على سيارات الركاب الهندية، مما يكشف عن تصاعد المواجهة التجارية بين البلدين.
وبحسب وكالة فيتش أيضًا فإن الصين والاتحاد الأوروبي دخلا كذلك في دوامة من القيود والردود، حيث فرضت الصين رسوم إغراق بنسبة 32.2% على منتجات النبيذ والبراندي الأوروبي، كما فرضت قيودًا على المشتريات الحكومية من المعدات الطبية الأوروبية، ردًا على إجراءات أوروبية مشابهة.
وأشارت "الإيكونوميست " في تقرير نشرته بتاريخ 9 يوليو الجاري إلى إنه قبل نحو ثلاثة أشهر، أدى إعلان ترامب عن رسوم جمركية جديدة إلى هزة مؤقتة في الأسواق المالية.. غير أن ردود الأفعال لاحقًا اتسمت بالفتور، وهو ما تجلى بوضوح في 7 يوليو 2025 حينما لوّح الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية "متبادلة" على 14 دولة، تراوحت بين 25% على اليابان وكوريا الجنوبية، و50% على النحاس، و200% على الأدوية، دون أن يُسجَّل تأثر واضح في الأسواق العالمية.
وترى «الإيكونومست » أن هذا الهدوء في ردود الأفعال أثار تساؤلات متعددة، فالبعض اعتبر أن الرئيس الأمريكي لا ينوي تنفيذ هذه التهديدات فعليًا، بينما رأى آخرون أن التأثير الاقتصادي لها لم يكن كارثيًا كما خُشي سابقًا، بينما افترض فريق ثالث أن ترامب سيتراجع عندما تظهر العواقب السلبية، إلا أن هذه التفسيرات الثلاثة تبدو غير دقيقة عند مقارنة التصريحات بالتطبيقات الفعلية للسياسات الجمركية، حيث واصلت الرسوم الجمركية صعودها، وبلغ متوسطها حتى الآن 10% مقارنة بـ2.5% في العام الماضي، مع ترجيحات بزيادتها إلى 17%. وحتى الاتفاقيات الجديدة التي أبرمتها الولايات المتحدة الأمريكية مع دول مثل بريطانيا وفيتنام، احتفظت بمستويات مرتفعة من الحواجز الجمركية مقارنة ببداية العام.
وتشير البيانات إلى أن هذه السياسات بدأت تُحدث ضررًا ملموسًا على الاقتصاد الأمريكي، حيث تباطأت وتيرة الاستهلاك والمبيعات، ومن المتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال العام الجاري إلى نصف مستواه المسجل في عام 2024. ومع أن التضخم لا يزال تحت السيطرة نسبيًا، إلا أن مؤشرات ارتفاع الأسعار بدأت تظهر، نتيجة اقتراب نفاد المخزون المستورد، وهو ما قد يؤدي إلى تجاوز التضخم مستوى 3%.
ووفقًا للإيكونومست، فإن الاعتماد على فرضية تراجع الرئيس الأمريكي قبل أن تقع الأضرار يُعد مخاطرة بحد ذاته، لأن غياب ردود الأسواق على تهديداته يُشجعه على المضي قدمًا.. .كذلك فإن الزيادة التدريجية في الرسوم تُخفي جزءًا من الأثر السلبي، مما يؤدي إلى تآكل بطيء في النمو الاقتصادي، على نحو يشبه ما شهدته بريطانيا بعد مغادرتها الاتحاد الأوروبي.
ونوهت بإن كان الرد الانتقامي من الدول الأخرى محدودًا حتى الآن، فإن توجه ترامب إلى تحويل السياسات التجارية إلى مفاوضات ثنائية دائمة لا يخدم الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل.. .إذ يدفع ذلك الشركات إلى التركيز على النفوذ السياسي للحصول على امتيازات، بدلًا من تحسين الكفاءة أو الابتكار، مما يشكل تهديدًا هيكليًا على أداء الاقتصاد الأمريكي، وفقًا للإيكونومست.
وفي ظل هذه البيئة المليئة بعدم اليقين، فإن إدراك التأثير الحقيقي لهذه الرسوم قد يتأخر، إلا أن المؤكد أن الأضرار ستظهر تباعًا.. وقد يكون التآكل التدريجي للنمو غير ملحوظ مثل الأزمات المباشرة، لكنه يحمل خطورة لا تقل عنها، وقد يُقوض في نهاية المطاف استقرار الاقتصاد الأمريكي على المدى البعيد.
أما البنك الدولي، أوضح في تقرير له أن التجارة العالمية التي بدأت بقوة مع بداية 2025، -مدفوعة بعمليات الشحن الاستباقية قبل فرض التعريفات-، تشهد الآن تباطؤًا حادًا، ويتوقع أن ينخفض نمو التجارة من 3.4% في 2024 إلى 1.8% في 2025، وهو أقل من نصف متوسط العقدين السابقين على جائحة كورونا.
وأرجع البنك الدولي أبرز أسباب التباطؤ إلى الزيادة الحادة في الرسوم الجمركية والإجراءات الانتقامية، واضطرابات سلاسل التوريد، وارتفاع مستوى عدم اليقين بشأن السياسات.
واتصالًا بتقديرات وتوقعات البنك الدولي، أشارت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد» في تقرير لها إلى أن التجارة العالمية شهدت نموًا معتدلًا في الربع الأول من عام 2025، حيث أظهرت بيانات التجارة العالمية في الربع الأول من عام 2025 نموًا بنسبة 1.5% على أساس ربع سنوي وبنسبة 3.5% على أساس سنوي، وقد بلغ نمو التجارة في الخدمات سنويًّا حوالي 9%، مما يعكس ديناميكية القطاع.
وتظل التقديرات الآتية للأونكتاد إيجابية للربع الثاني من عام 2025، حيث تشير إلى نمو على أساس ربع سنوي بنحو 2% في كل من السلع والخدمات، ما يعزز التوقعات الإيجابية للنصف الأول من عام 2025.
ولفتت إلى أن استمرار نمو التجارة في النصف الثاني من العام الجاري يعتمد على وضوح السياسات العالمية والتطورات الجيوسياسية وقدرة سلاسل التوريد على التكيف. ومن المتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي عالميًا، مما قد ينعكس سلبًا على التجارة.. وتشير مؤشرات مثل انخفاض مؤشر مديري المشتريات في الصين إلى تراجع محتمل في النشاط الصناعي.
في المقابل يوفر التكامل الإقليمي بعض الدعم رغم بقاء مؤشرات الشحن البحري دون متوسطات عام 2024.
ووفقًا للأونكتاد فإن هناك مخاطر مستقبلية قد تعيق نمو التجارة العالمية، أبرزها، استمرار الغموض بشأن السياسة التجارية الأمريكية، كما أن زيادة السياسات الصناعية الحمائية قد تؤدي إلى احتكاكات تجارية أوسع، خاصة إذا اتخذت الدول الأخرى إجراءات انتقامية.
ختامًا، تكشف الرؤى الصادرة عن المؤسسات الدولية أن التجارة العالمية تقف عند مفترق طرق، فبينما يحاول البعض الحفاظ على قواعد النظام التجاري المتعدد الأطراف، تتصاعد النزعة الأحادية والصفقات الثنائية القائمة على الضغوط.
ولفت إلى أن التجارة الدولية باتت مهددة بفقدان الشفافية والاتساق على المدى الطويل، وفي ظل هذه المعطيات لن تكون عواقب ارتفاع الرسوم والحمائية مجرد تباطؤ اقتصادي، بل قد تعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية بالكامل، وتفرض واقعًا جديدًا يتطلب إعادة صياغة للتحالفات وقواعد اللعبة الدولية.
اقرأ أيضاًمعلومات الوزراء: تحديات تواجه النظام التجاري العالمي بفعل التوترات الجيوسياسية
«معلومات الوزراء»: توقيع 12 اتفاقية لحفر 43 بئر بترول باستثمارات 631 مليون دولار
معلومات الوزراء: 2 مليار جنيه مساهمات القطاع المصرفي في المسئولية الاجتماعية خلال 2023