التجارة البينية للبريكس على خطى الدول النامية
تاريخ النشر: 11th, July 2025 GMT
تمثل التجارة البينية واحدة من علامات قوة العلاقات الدولية أو ضعفها، خاصة في جانبها التجاري والاقتصادي، ولذلك وجدنا هذه الحرب الشرسة التي أشعل جذوتها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الصين ودول أخرى، بسبب ما تسفر عنها العلاقة التجارية لأميركا مع هذه الدول من عجز يقدر بنحو 1.29 تريليون دولار في عام 2024، وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي.
وقبل نحو 10 أيام من انعقاد القمة الـ17 لمجموعة بريكس في البرازيل يومي 6 و7 يوليو/تموز الجاري صرح كيريل ديمترييف الممثل الخاص للرئيس الروسي بأن التجارة البينية لدول البريكس بلغت تريليون دولار.
جاء تصريح الرجل على سبيل الفخر، وهو ما يمكن أن يستشف منه أن التجمّع يسير نحو خطى جيدة من التعاون الاقتصادي، لكن عند قراءة الرقم المذكور في ضوء أداء الناتج المحلي الإجمالي والتجارة الخارجية لدول البريكس مع العالم نجد أن الرقم محدود ولا يزيد على معدلات أداء التجمعات الخاصة بالدول النامية.
فالتجارة البينية مثلا للدول العربية تتراوح بين 8% و10% منذ عقود، وذلك بسبب تنافس الاقتصاديات العربية، وغياب البيئة التكاملية بينها، وكونها تعتمد في تجارتها مع العالم مع شركاء غير عرب بشكل رئيسي.
وتقدّر التجارة البينية لتجمع الآسيان بنحو 25%، وفي الاتحاد الأوروبي تتراوح نسبة التجارة البينية لدوله بين 50% و75%، وهو ما يعني أن درجة التعاون الاقتصادي وكذلك التكامل تصل إلى درجات متوسطة في تجمّع الآسيان، وعالية في الاتحاد الأوروبي.
قصور معلوماتيبالاطلاع على الموقع الرسمي لتجمّع البريكس لم نجد قاعدة إحصائية خاصة به يمكن من خلالها معرفة الأداء للمؤشرات الكلية للتجمّع، بخلاف ما هو متاح مثلا في شأن الكيانات الأوروبية، وحتى لم يصل أداء البريكس في إنتاج الإحصاءات بعد إلى مستوى مؤسسات العمل العربي المشترك التي تعتمد إحصائيا على تجميع ما يخص دولها من قواعد البيانات الخاصة بالبنك والصندوق الدوليين أو المؤسسات الدولية الأخرى.
إعلانونقطة الضعف هنا أن تجمّع البريكس مضى على انطلاقه وعمله المنظور أكثر من عقد ونصف من الزمن، ويعد إنتاج بياناته الإحصائية أمرا مهما يساهم بشكل كبير في عمل الدراسات اللازمة، والوصول إلى تقييم حقيقي لأداء التجمّع وقراءة مستقبله بعيدا عن الادعاءات الإعلامية أو التوظيف السياسي لبعض الفعاليات الخاصة به.
ضعف التجارة البينيةمن خلال تجميع قيم التجارة الخارجية لدول البريكس عبر أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي نجد أن إجمالي التجارة العالمية للتجمّع بحدود 10.8 تريليونات دولار، وإذا ما قارنا الرقم المذكور على لسان المسؤول الروسي -والذي قدّر قيمة التجارة البينية للبريكس بتريليون دولار- فنحن أمام نسبة لا تزيد على 9.2% من إجمالي التجارة الخارجية للتجمّع.
ويرجع ضعف التجارة البينية لدول البريكس إلى كون هذه الدول ترتبط في تجارتها الخارجية بشكل كبير مع أميركا والاتحاد الأوروبي، فتجارة الصين مثلا تشكل مع أميركا والاتحاد الأوروبي نسبة 25% تقريبا من إجمالي تجارتها الخارجية.
وينبغي أن نأخذ في الاعتبار الأحداث الجارية منذ عام 2022 فيما يتعلق بتجارة روسيا مع كل من الصين والهند، إذ تم تحويل جزء لا بأس به من تجارتها الخارجية من أميركا والاتحاد الأوروبي إلى الصين والهند، وكانت الصين صاحبة النصيب الأوفر من التعاملات التجارية والاقتصادية مع روسيا.
وفي حالة التوصل إلى اتفاق بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا من المتوقع أن تتغير قيمة التجارة لروسيا مع الصين، فتتراجع لصالح الاتحاد الأوروبي على وجه التحديد كما كانت قبل الحرب في عام 2022.
والأمر نفسه من المتوقع أن يحدث مع إيران في حالة رفع العقوبات عنها، فهي بحاجة شديدة إلى عودة علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، فقبل العقوبات الاقتصادية في 2012 كان الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لإيران.
الأمر الأخر أنه على الرغم من أن قيمة التجارة الخارجية للبريكس بحدود 10.8 تريليونات دولار فإن الصين وحدها تستحوذ على 6.1 تريليونات دولار من هذه القيمة، أي نسبة 56.4% من إجمالي التجارة الخارجية للبريكس.
وينقلنا هذا إلى النسب المتواضعة لبقية الدول الأعضاء، مثل إثيوبيا التي لديها تجارة خارجية بنحو 15.7 مليار دولار أو مصر 128 مليارا أو جنوب أفريقيا 233 مليار دولار، وهي أرقام تجعلنا ننظر بعين الاعتبار إلى الرقم المذكور بشأن التجارة البينية للبريكس على لسان المسؤول الروسي بكونها تصل إلى تريليون دولار.
والقاعدة تقول إن الأرقام تصف الواقع ولا تعكس الحقائق، فحسب بيانات هيئة الجمارك الصينية بلغ التبادل التجاري بين الصين وروسيا 245 مليار تقريبا في عام 2024، أي نسبة تصل إلى قرابة 25% من إجمالي التجارة البينية للبريكس.
وإذا دققنا النظر في التبادل التجاري للصين مع بقية دول البريكس فقد نصل إلى أن الصين تستحوذ على نسبة لا تقل عن 60% من التجارة البينية مع دول البريكس، وهنا يتشابه وضع الصين بين دول البريكس بصورة كبيرة بوضع أميركا في تعاملاتها مع العالم أو مع التجمعات الإقليمية المختلفة.
إعلانليس هذا فحسب، فلو قارنا قيمة التجارة البينية للبريكس المقدرة بنحو تريليون دولار في عام 2024 بقيمة الناتج المحلي الإجمالي لوجدنا أن النسبة ضعيفة جدا تصل إلى 3.3%.
مسارات التطويرلا تأتي التجارة البينية من فراغ أو قرار إداري أو رغبة سياسية، لكن تأتي من خلال قواعد إنتاجية قوية ومنافسة قادرة على أن تجعل من التجارة البينية مبنية على المصالح وتبادل المنافع، ولا شك في أن بناء القواعد الإنتاجية وامتلاك أدوات المنافسة يستلزمان وقتا، خاصة بالنظر إلى أن أغلبية الدول العشر أعضاء بريكس دول نامية.
وثمة خطوات تتخذ بين بعض دول بريكس لتوسيط العملات المحلية في التجارة البينية، مما من شأنه أن يخفف وطأة الاحتياج للنقد الأجنبي، خاصة الدولار الأميركي، لكن تبقى المشكلة الرئيسية في توفير السلع التكنولوجية والعدد والآلات، حتى تؤتي سياسة توسيط العملات المحلية ثمارها في حالة البريكس.
ولتحقيق معدلات أفضل في التجارة البينية يحتاج تجمّع البريكس أن يزيد الاستثمارات البينية والمساعدة في نقل وتوطين التكنولوجيا بين أعضائه، وكذلك النهوض بمستوى التنمية في دول أعضائه الفقيرة.
والرهان على الزمن وحده من دون توفر اتخاذ خطوات أوسع في مشروع تكاملي للبريكس لن يجدي، فمن غير المناسب إلى الآن أن البريكس لم يدع إلى تكوين منطقة تجارة حرة بين أعضائه وإن كانت كافة دوله أعضاء في منظمة التجارة العالمية باستثناء إيران.
ويبقى التحدي أمام تجمّع البريكس خلال المرحلة المقبلة في أمرين:
اتخاذ خطوات جادة في تفعيل مطالبة تجاه أميركا والغرب في القضايا الخاصة بالعدالة والمساواة وحرية التجارة. أن يضع التكتل خططا وبرامج زمنية لتفعيل حالة من حالات التعاون أو التكامل الاقتصادي، بحيث تلتزم الدول الأعضاء بتهيئة هياكلها التجارية والاقتصادية لمتطلبات البقاء الفاعل في التجمع، وإلا سيظل التجمّع صورة أخرى من صور تجمعات الجنوب لا يزيد دوره على رفع لافتات فقط في وجه الغرب وأميركا.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الاتحاد الأوروبی التجارة الخارجیة إجمالی التجارة تریلیون دولار لدول البریکس قیمة التجارة دول البریکس من إجمالی تصل إلى فی عام
إقرأ أيضاً:
التجارة العالمية في مرمى نيران البيت الأبيض
قالت صحيفة إيكونوميست إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب دخل مرحلة جديدة من الحرب التجارية مع الصين لا تعتمد على تبادل مباشر للرسوم الجمركية، بل على إستراتيجية غير مباشرة توظف أطرافا ثالثة وتضغط على شركاء التجارة العالميين لإعادة تشكيل سلاسل الإمداد بعيدا عن بكين.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه السياسة تتجاوز المواجهة التقليدية، فهي تفرض على الدول الأخرى خيارا قاسيا، إما استرضاء أكبر سوق في العالم (الولايات المتحدة) أو الاستمرار في التعامل مع أكبر مصدّر في العالم (الصين).
رسائل تهديد وتحالفات مشروطةوفي 7 يوليو/تموز الجاري أرسل ترامب رسائل إلى اليابان وكوريا الجنوبية وأكثر من 12 شريكا تجاريا يخطرهم فيها بتمديد مهلة المفاوضات حتى الأول من أغسطس/آب المقبل، مع تعديل محتمل في الرسوم التي ستفرض عليهم إذا فشلت المحادثات.
وبحسب "إيكونوميست"، ستواجه اليابان وكوريا الجنوبية رسوما بنسبة 25%، في حين ستُفرض رسوم تصل إلى 36% على كمبوديا، و40% على كل من ميانمار ولاوس.
وأوضحت الرسائل أن البضائع "المعاد شحنها" من دول أخرى -دون أن يُذكر اسم الصين صراحة- ستعامل وكأنها واردات صينية.
كما هدد ترامب بفرض 10% إضافية من الرسوم على الدول التي تتحالف مع سياسات "معادية لأميركا"، في إشارة مباشرة إلى مجموعة بريكس التي تضم الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا.
وكانت الإدارة الأميركية قد حذرت المجموعة سابقا من محاولة إزاحة الدولار عن موقعه كعملة احتياطية مهيمنة عالميا.
صفقات ثنائية مشروطة بمراقبة صينيةومن أبرز الصفقات التي أبرمتها واشنطن كانت مع فيتنام، والتي تنص على فرض 20% رسوم جمركية على معظم السلع الفيتنامية، و40% على البضائع التي يشتبه بإعادة شحنها من الصين.
وقالت "إيكونوميست" إن الاتفاق يشبه اتفاقا سابقا مع بريطانيا وقّع في 8 مايو/أيار الماضي ويتضمن معاملة تفضيلية للألمنيوم والأدوية والفولاذ البريطاني مقابل ضمانات تتعلق بأمن سلسلة التوريد الأميركية، بما في ذلك الحد من الاعتماد على مدخلات صينية والسماح بتدقيق أميركي في المصانع المملوكة للصين داخل بريطانيا.
إعلانواعتبر الباحث أتشيوث أنيل من جامعة ساسكس أن تقديم مزايا تجارية لدولة مقابل إلحاق الضرر بدولة أخرى هو أمر "مبتكر وغير مألوف" في عالم التفاوض التجاري.
الصين تندد وتتوعدوأشارت "إيكونوميست" إلى أن وزارة التجارة الصينية رفضت بشكل قاطع هذه الإستراتيجية، مؤكدة أن "الصين لن تقبل بها، وستتخذ إجراءات مضادة حازمة"، داعية الدول إلى "الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ".
ورغم الانخفاض الكبير في صادرات الصين إلى أميركا بنسبة 34% في مايو/أيار 2025 مقارنة بالعام السابق فإن صادراتها الإجمالية واصلت النمو.
ولاحظت الصحيفة أن دولا عدة من آسيا -منها فيتنام وتايلند والهند- زادت وارداتها من الصين بالتزامن مع ارتفاع صادراتها إلى أميركا.
على سبيل المثال:
صدّرت كمبوديا 26 مليون دولار إضافية من السترات لأميركا بعدما استوردت أكثر من ضعف هذا الرقم من الصين. وصدّرت تايلند 42 مليون دولار إضافية من قطع السيارات لأميركا بعد استيراد 114 مليون دولار من الصين في المجال نفسه. إجمالي الفائض في الصادرات المرتبطة بهذه الظاهرة:– فيتنام: مليارا دولار.
– تايلند: 1.8 مليار دولار.
– الهند: 1.6 مليار دولار.
– تايوان: 1.1 مليار دولار.
وقالت ليا فاهي من مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" إن بعض هذه التدفقات قد تعد تحويلا قانونيا للتجارة، مشيرة إلى أن الرسوم المرتفعة ربما جعلت السلع الصينية غير تنافسية، ودفعت المنافسين في آسيا إلى سد الفراغ، لكن "إيكونوميست" أكدت أن هذا التفسير لا يبرر كل الفجوة.
غموض بشأن "التحول الجوهري" للسلعوحتى الآن، لم توضح إدارة ترامب تعريفها لمفهوم "التحول الجوهري" للبضائع، وهو ما يحدد ما إذا كانت السلعة المعاد تجميعها تعتبر محلية أم لا.
وفي حالات سابقة، اعترفت سلطات الجمارك الأميركية بأن تجميع معدات رياضية من قطع صينية ضمن 255 خطوة تصنيع معقدة يجعلها مؤهلة كمنتَج محلي.
لكن وفقا للمحامي تيد ميرفي من شركة سيدلي أوستن، تفكر إدارة ترامب في التخلي عن هذا المعيار النوعي لصالح معيار كمي يربط بلد المنشأ بنسبة مئوية من القيمة المضافة.
وفي حال طبّق هذا النموذج فإن فيتنام ستواجه رسوما بنسبة 40% على المنتجات التي تحتوي على مكونات صينية تتجاوز الحد المسموح به حتى لو كانت خضعت لعمليات تصنيع كبيرة.
وقالت الصحيفة إن هذا التحول قد يكون كارثيا بالنسبة لفيتنام التي يعتمد قطاعها الصناعي بشكل كبير على الصين، فقد ارتفعت مساهمة الصين في سلسلة التوريد الفيتنامية من 6% عام 2017 إلى 16% عام 2022.
"غسيل بلد المنشأ"وتشير الباحثة كارولين فرويند من جامعة كاليفورنيا إلى ما يعرف بـ"غسيل بلد المنشأ" أو "تشاينا ووش"، أي إعادة تصدير سلع صينية تحت شعار "صُنع في فيتنام" دون تغييرات جوهرية.
ويزعم بيتر نافارو المستشار السابق لترامب أن هذه الظاهرة تمثل ثلث صادرات فيتنام إلى أميركا، في حين تشير تقديرات فرويند إلى أن النسبة بلغت ذروتها عند 8% عام 2020 ثم انخفضت لاحقا.
ورغم أن "غسيل المنشأ" مخالف بالفعل للقانون فإن "إيكونوميست" تذكّر بأن السلطات الأميركية بدأت بالتشدد مؤخرا، ففي مايو/أيار الماضي صنفت وزارة العدل الأميركية "الاحتيال الجمركي والتحايل على الرسوم" ثاني أولوية في مكافحة الجريمة الاقتصادية.
إعلانوقد أدين زوجان في فلوريدا بالسجن لأكثر من 4 سنوات بتهمة استيراد خشب رقائقي صيني أعيد تغليفه في ماليزيا وسريلانكا، وغرمتهما السلطات تكلفة تخزين البضائع حتى انتهاء التحقيق.
واقترحت "إيكونوميست" في ختام تقريرها حلا جذريا لتفادي ظاهرة تغيير بلد المنشأ يتمثل في فرض رسوم موحدة على المنتج بغض النظر عن بلد المنشأ، مما يلغي الحافز لتزوير المصدر ويمنح جميع الدول معاملة الدولة الأكثر تفضيلا.
ووصفت هذا الاقتراح بأنه "فكرة جريئة لمحاربة الهدر والاحتيال"، متسائلة إن كان أحدهم سيقترحها على الرئيس.