عُمان في قصائدهم.. وطن جمانة الطراونة
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
ناصر أبوعون
هنا في عُمان، وفي ليالي ديسمبر الصافية التي تخاصمها الغيوم، ومن تحت سفوح الجبال الراسيات التي تُناجي النجوم المختبئة خلف ستائر العتمة الشفيفة، ومن وراء الهضاب الناعسات على كتف الحنين، ومن قلب لُجّة الحُلكة التي تفرش سوادها الملكيّ على حصيرة المروج الواسعة يهبط من السماء مهرجان الألوان الإلهيّة وتسَّاقط "شهب التوأميات" من ارتفاع 70 كيلومترًا، والمنبعثة من حطام الكويكب "فايثون"، لتدخل سنويًا إلى الغلاف الجويّ لسلطنة عُمان ما بين 7 إلى 17 ديسمبر وتتراقص أنوارها مُشعشعة بالضوء المُفضّض ما بين الساعة 1:00 إلى 1:59، ثم تُمسك بالفرشاة لترسمُ بزخّاتها المتتابعة أقواسًا وخيوطا متقطعة من النور على سبورة السماء السوداء بالأحمر والأخضر والأزرق، ثم تدنو من الأرض بسرعة قصوى يصل مداها إلى 35 كيلومترًا في الثانية.
وإذا سألتني ما علاقة هذه اللوحة الفنية التي رسمتها يد الله بقصائد الشاعرة جُمانة الطراونة؟ الإجابة ببساطة أنّ هذه الفتاة الأردنيّة وقعت في عشقِ عُمان قبل أنيخطف قلبها الشاعر عبد الرزاق الربيعيّ! فالطبيعة هنا (بشرٌ وحجرٌ) تُبدِّل المواجيد، وتغسل الروح بماء الرضا، وثلج المسامحة، وبَرَدِ العفو، وتُعَمِّد الأناسي في بئر المحبة، وتسمو فوق الخلافات، وعندما يفرك الفجرُ عيونَ الناس تستنشقُ رئاتهم أصالةً، وتزفر أنوفهم سماحةً، وتشرئب أرواحهم وداعةً.
لقد تابعت الشاعرة الأردنية جمانة الطراونة في أكثر من قصيدة عن عُمان فشاهدتها ترسم بالكلمات لوحة عشق وطنيٍّ تضج بألوان العرفان والولاء، وتوقّع أشطرها الشعرية بأقلام الوفاء، وتنسج صورها الشعرية بأنوال العطاء التي لا تتوقف، وتشد أوتار قيثارتها على موازين الخليل التي تتخلّق تفاعيل جديدة من وهدأة سواكنها وأمواج متحركاتها المتدفقة من أفلاج النغم، وتسابيح الإيقاع.
ومن بديع ما قرأته للطراونة قولها في معشوقتها عُمان ووطنها الثاني: ["وعلى ضريح أبي "الخليلِ" تجرّأت//كفّي لتكتبَ بعد إذن بنانه"(لِـ(أمان)أن تزهو بعين(عُ)ـمانِها//فخراً كما يزهو بهمز(أ)مانهِ""وعُمانُ طه جئتُ شاعرةً على//ما يشتهيهِ الشّعرُ من (حسّانِهِ)].
ومن الإجحاف القول بإنّ "الضرورة الشعرية" ألجأت الشاعرة الطراونة إلى نسج أبياتها على نغمة شاذة من "بحر الكامل"؛ وذلك لأننا نجوِّز للشاعر ما لا يجوز لغيره من الجرأة في تجريب ما يشاء من إيقاعات نغميةٍ تتساوق والمعنى على نحو ما جاءت به الشاعرة في هذه الأبيات من وزن "مُتَـفاعِلُنْ""مُسْتَفْعِلُنْ""مَفاعِلُنْ"؛ حيث تبدو العروضُ الأولى صحيحةٌ "مُتَفاعِلُنْ"،ودخل عليها "وقصُ الثاني" فأصبحت "مَفاعِلُنْ" بقبحٍ، بينما لحق إضمارُ الثاني في الجزءِ الثاني "مُسْتَفْعِلُنْ" بِحُسْنٍ.
وفي مضمار آخر تبتكر الشاعرة جمانة الطراونة رؤى إيقاعية جديدة مشتقة من بحور الخليل التي تجاوز عددها 222 بحرًا وليست خمسة عشر في اعتقاد الأعم الأغلب من الباحثين الأصوليين الجامدين مضافًا إليها "بحر الخبب" الذي اكتشفه "الأخفش" تلميذ الفراهيدي النجيب. ومن بديع نظمها قولها تحيةً لمدينة صلالة في خريفها السنويّ:["تعدو بصدرِكَ للقريضِ خيولُ//وتخونُكَ الكلماتُ حينَ تقولُ""هذا هو الشجنُ الخفيُّ لفكرةٍ//عذراءَ لكنّ الهواجسَ غولُ""ماذا إذا كان المقامُ "صلالةً"// وعُمانُ عنّي السائلُ المسؤولُ""فإذا بأشجارِ الكلامِ تقزّمَتْ//جداً وأشجارِ السكوتِ تطولُ""وتطولُ حتى تلتقي أغصانُها//بالشمسِ ثمّ مَعَ النجومِ تصولُ""إيهٍ "صلالة"كلُّ شاعرةٍ رأتْ//أنْ لا مجيءَ..إلى يديكِ تؤولُ""وكأنّكِ المأوى الوحيدُ وكلُّ مَنْ//خرجوا سيرجعُهُمْ إليكِ دخولُ""يا بسمةَ الدنيا الأرقَّ عُذوبةً//كم قتّلتني ذي الثنايا اللولُ"].
ويبقى القول بأنّ عُمان قائدًا وشعبًا تُمثل في وجدان الشاعرة الأردنية جمانة الطراونة علامة فارقة في مسيرتها الشعرية، بل نقطة فاصلة على طريق تحولاتها الإبداعية والاجتماعية من غير مزايدة أو مبالغة، قادتها إلى البحث عن مناطق جديدة آسرة، ومساحات شاسعة من مروج البلاغة، ومناديس زاخرة بكنوز مطمورة من الصور والتراكيب والإيقاعات التي تتكشّف للنقّاد وعُشاق الشعر يومًا بعد آخر في منتوجها الإبداعي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خبير آثار: البدء فى درء الخطورة لحماية مسجد الأشمونى بباب الشعرية
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية من خلال تواصله مع مصدر مسئول بالمجلس الأعلى للآثار بأنه تم معاينة المسجد من لجنة مشتركة من المجلس الأعلى للآثار ووزارة الأوقاف وحى باب الشعرية وإدارة الصرف الصحى وتم الاتفاق على سرعة البدء فى أعمال درء الخطورة وترميم المسجد وتم تسليم الموقع لشركة متخصصة أمس 9 ديسمبر الجارى للبدء فى أعمال درء الخطورة والترميم على نفقة وزارة الأوقاف وإشراف المجلس الأعلى للآثار
وأفاد الدكتور ريحان بأنه منذ عام 2022 وافقت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية على مشروع لترميم المسجد ورفع الأرضية التى تنخفض عن مستوى الشارع 1.5م للتخلص من المياه الجوفية وتم إرسال أوراق المشروع إلى وزارة الأوقاف بصفتها الجهة المالكة للمسجد لتوفير الاعتمادات المالية وفقًا للمادة 30 من قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983 وتعديلاته ونصها "تتحمل كل من الوزارة المختصة بالأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية وهيئة الأوقاف القبطية والكنائس المصرية والأفراد والجهات الأخرى المالكة أو الحائزة لعقارات أثرية أو تاريخية مسجلة نفقات ترميمها وصيانتها إذا رأى المجلس ضرورة لذلك ويكون ذلك تحت إشرافه"
ومن عام 2022 حتى 2025 لم يتم تدبير الاعتمادات لترميم المسجد مما تسبب فى سوء حالته حتى تشكيل اللجنة المشار إليها وتدبير الاعتماد والبدء فى أعمال درء الخطورة
وعن تاريخ المسجد أشار الدكتور ريحان إلى بناؤه عام 870هـ-1465م، وهو يقع بحارة مدين فى باب الشعرية وبه ضريح سيدى مدين الصوفي وأمربإنشاء المسجد الخوند مغل بنت القاضى ناصر الدين البارزى كاتم السر بالديار المصرية فى عهد الملك المؤيد شيخ وكان الشيخ محمد بن عبد الدايم المدينى أحد علماء المالكية المتوفى سنة 885هـ/1480م وهو ابن أخت الشيخ مدين، كان هو الوسيط بين الخوند مغل هذه وبين خاله فى طلب إنشاء هذا الجامع، وذلك بحكم صلته بابنة أخيها زينب بنت الكمال البارزي إذ كان فقيهاً لها ومعلما.
يشتمل المسجد على حوش جنائزي إلى جانب حجرتين للدفن إحداهما خاصة بالشيخ مدين، والأخرى ربما خصصت لأولاده وعلى مجموعة من العناصر الزخرفية والمعمارية كلها تمثل الأسلوب الذي ساد عمائر العصر المملوكى الجركسي وعلى الرغم من أن المسجد يتبع طراز المدارس إلا أنه استعمل كمسجد وزاوية للشيخ مدين خصصت للصلاة وإلقائه الدروس على مريديه
تخطيط الجامع من صحن مستطيل تحيط به أربعة إيوانات ،إيوان القبلة وتتقدمه بائكة من ثلاثة عقود على شكل حدوة الفرس المدببة ، تستند على عمودين من الرخام تيجانها إسلامية الطراز على شكل ثمرة الرمان. ويحتوى إيوان القبلة على محراب كبير على كل من جانبيه محرابان صغيران سدت جميعها الآن ويعلو حائط القبلة أربع نوافذ مملوءة بالجص والزجاج المعشق ويعلو المحراب الرئيسى في الوسط نافذة مستديرة مملوءة بالزجاج المتعدد الألوان.