-الفرحة العارمة التي انتابت اليمنيين بفوز المنتخب الوطني للناشئين بكأس بطولة غرب آسيا لكرة القدم – التي اختتمت الأربعاء الماضي في سلطنة عمان – لها مبرراتها ودوافعها وحيثياتها.
-أكاد أجزم مستيقنا، أن الفرح بالانتصار في المباراة النهائية لم ولن يكون بذلك الجنون والهستيريا لو أنه جاء على حساب منتخب آخر غير المنتخب السعودي، ولا نحتاج لكثير من الشرح والإسهاب عن هذا الأمر، ففي قلوب أبناء هذا الشعب ما فيها من الشقيقة الكبرى.
-يرى الكثيرون هنا أن الفرحة بالنصر على السعودية في أي ميدان ومضمار كان، هو بمثابة الواجب الإنساني ومن الأعمال المستحبّة، لكن ما يدمي القلب، أن تخرج هذه المشاعر الإنسانية العفوية عن الإطار وتنتقل إلى مستوى جنوني يتم فيه تجاهل التعليمات الصادرة من الجهات الرسمية بخصوص عدم إطلاق النار في الاحتفالات الجماهيرية، والإصرار على المضي في الدرب الذي من شأنه أن يؤدي إلى إلحاق الأذى والضرر ببعضنا البعض.
– قدّم صغارنا في سلطنة عمان الشقيقة، مستويات كروية رائعة وهم يطيحون بالخصوم واحدا تلو الآخر من منتخبات بلدان تتمتع بالاستقرار وتوفّر الإمكانيات الهائلة، ورسموا بأقدامهم لوحات إبداعية مميزة على المستطيل الأخضر في الخمس المباريات وصولا إلى الإطاحة بالمنتخب السعودي في المباراة الختامية في نسخة مكررة لنهائي البطولة ذاتها في نسختها الثامنة التي أقيمت في السعودية، وكان الجمهور اليمني وفيّا كعادته في التشجيع الراقي في المدرجات ومن خلف الشاشات، واكتملت اللوحة برفع الكأس قبل أن تتحوّل الفرحة إلى أحزان ومآتم لعشرات الأسر في صنعاء ومختلف محافظات البلاد، وقد فجعت بفقد عزيز أو إصابة قريب جراء رواجع رصاصات الطيش والجنون.
-نعيد التذكير بهذا التساؤل البسيط الذي نوجهه لكل من استسلم لمشاعره وأطلق العنان لفرحته على شكل أعيرة نارية قاتلة، أليس من المعيب أن نفرح على حساب دموع وآهات الآخرين؟.. وهل من العقل والمنطق أن نهدر كل هذا الكم من الذخائر الحيّة في الهواء ونرسلها إلى رؤوس وأجساد أبناء شعبنا في وقت يتحالف فيه الأعداء في البر والبحر للانقضاض علينا وعلى بلادنا؟ ألم يكن الأجدر أن توجّه هذه الإمكانيات إلى صدور ونحور العدو؟!
-لا نريد أن نبالغ في العتب واللوم ونفسد الفرحة في نفوس الكثيرين بالإنجاز الكروي الجديد لناشئينا ولرياضتنا الوطنية، لكن علينا جميعا أن نعلم أن هذه الفرحة قد صُبغت فعلا بلون الدم ورائحة الأحزان ونكهة الألم، وسقط العشرات بين شهيد وجريح وكان للعاصمة صنعاء الحظ الأوفر من هذه الأوجاع، وقد شيّعت أطفالا في عمر الزهور إلى المثوى الأخير دون أن يعلموا بأي ذنب خطفت أرواحهم من أجسادهم الطرية!!
-على مدى ساعتين وأكثر بعد تنفيذ آخر ركلة جزاء سعودية ضائعة، عشنا رعبا حقيقياً إنسانا حلاوة الانتصار وقد اشتعلت سماء صنعاء بالأعيرة النارية، في خطأ آخر لما حصل في بطولة غرب آسيا عام 2021بالدمام، لكننا للأسف لا نتعلم من الدروس والتجارب وفينا من يصر على أذية أهله وهدر الملايين والمليارات من الدخل القومي للبلد إشباعا لنشوة إنسانية عابرة.. والله المستعان على ما تصفون.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الفقد والإبعاد يبدد فرحة عائلة الروم بتحرير أسيريها عماد وجهاد
رام الله- "أين أمي؟" كان السؤال الأول للأسيرين الفلسطينيين جهاد وعماد الروم (44 عاما) و(46 عاما) حينما سُمح لهما بالاتصال بالعائلة لإخبارهم بأن الاحتلال الإسرائيلي قرر إبعادهما للخارج.
بداية، حاولت العائلة مواصلة إخفاء خبر وفة الأم منذ 5 أشهر، ولكن بعد اقتراب موعد الإفراج كان لا بد من ذلك، لتذوب فرحة لقاء والدتهما قبل أن يغادرا السجن ويصبحا أحرار خارج أسواره بعد اعتقال دام 23 عاما.
والفرحة الثانية التي سرقها الاحتلال من الأسيرين، هي العودة إلى أحضان العائلة التي انتظرتهما طويلا، والمنزل الذي اعتقلا منه وحافظت والدتهما عليه كما كان قبل اعتقالهما "كي لا يتبدل عليهما شيء حين التحرر" كما كانت توصي أبناءها حتى وفاتها.
العقاب بالإبعاد
أفرج عن جهاد وعماد الروم من مخيم قدورة للاجئين الفلسطينيين القريب من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، في صفقة التبادل التي عقدتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مع إسرائيل، ضمن اتفاقية وقف الحرب في غزة، التي دخلت حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وأطلق بموجبها 250 أسيرا من أصحاب المؤبدات والأحكام العالية، و1918 أسيرا من غزة.
وبدد الاحتلال فرحة الإفراج بإبعاد الأسيرين المحررين إلى الخارج، ليصلا إلى القاهرة حيث اجتمعا مع جزء من عائلتهما هناك.
وأصاب قرار الإبعاد العائلة التي كانت قد أعدت كل شيء لاستقبالهما في المخيم، بالصدمة، ويقول شقيقهما الأكبر فؤاد للجزيرة نت "لا يوجد أي سبب يستدعي إبعادهما للخارج، لم يكن هذا الخيار واردا على الإطلاق".
ومنذ تلقي العائلة الاتصال الهاتفي منهما وإبلاغها بالإبعاد، سافر شقيقاه وشقيقاته وبعض أفراد عائلته إلى الأردن ومنها إلى مصر، ولم ينتظروا حتى اليوم الثاني خوفا من إجراءات متوقعة من الاحتلال بمنع عائلات الأسرى المبعدين من السفر عبر معبر الكرامة، المنفذ الوحيد للفلسطينيين بالضفة الغربية للخارج، وهو ما كان في اليوم الثاني بالفعل.
وكانت الجزيرة نت قد زارت العائلة حين الإعلان عن عقد الصفقة في منزلها في المخيم، حيث لم تكن قائمة الأسماء قد نُشرت بعد، ولكن العائلة كانت متأكدة من الإفراج عنهما، وكان كل أفرادها يعملون كخلية نحل لترتيب استقبالهما؛ فهما من أسرى المؤبدات، وحسب المعايير الإسرائيلية لن يكون على أسمائهما أي اعتراض كي لا تشملهما الصفقة هذه المرة، ولا يوجد سبب لإبعادهما أيضا، أو هكذا كان الجميع يعتقد، ولكن الاحتلال كان له رأي آخر.
إعلانوعن ذلك، يقول فؤاد "الإبعاد عقوبة إضافية على الأسرى. تخيل أن إنسانا حُرم من عائلته لسنوات طويلة ثم يُبعد إلى بيئة ومكان لا يعرف عنهما شيئا، وهو الذي كان سيشعر بالغربة حتى لو عاد إلى سريره الذي اعتقل منه بعد هذه السنوات".
وعند زيارتنا للعائلة، كانت رائحة المخبوزات تفوح في كل أرجاء المنزل، خاصة الزعتر الأخضر، فهذا "كان طلب عماد عندما يُفرج عنه أن نحضر له فطائر الزعتر"، تقول شقيقة الأسيرين، نداء الروم، وأضافت للجزيرة نت وقد غلبتها دموعها "منذ اعتقالهما لم يتناولا فطائر الزعتر".
وابتهاجا بخبر الصفقة الذي انتظرته العائلة طويلا، أعدت نداء وشقيقاتها كميات كبيرة من أكثر ما اشتهياه شقيقيها وهما في الأسر، لتوزيعه رحمة على روح والدتهما التي توفيت وهي تنتظرهما، مؤكدة أن هناك المزيد في يوم الإفراج عنهما.
وكانت العائلة تعتقد أن عودة الأسيرين واجتماعهما في البيت مع جميع الأشقاء والأبناء والأحفاد حولهما سيخفف مصاب الخبر الذي لم يصلهما قبل 5 أشهر عن وفاة والدتهما، ومن قبلها شقيقتهما، ولكن الآن بات هذا الحزن المؤجل حملا إضافيا على الإبعاد.
وتقول نداء "كل أثاث المنزل حتى الذي اهترأ نحتفظ به كما أوصت الوالدة حتى الإفراج عنهم، الآن سيتم إبعادهما في بيئة ومكان وحياة جديدة لا يعرفان عنها شيئا، لا الوجوه ولا الأماكن مألوفة لهما".
ورغم كل هذه الغصة حرصت نداء وأشقاؤها على حمل كل ما تستطيع معها لهما؛ المعجنات المنزلية التي اشتهياها ومكسَّرات من محل اعتاد عماد على الشراء منه قبل اعتقاله، وملابس لهما وقليل من ذكرى والدتهما لعلها تخفف من عبء غربتهما القليل.
وفي حديث مع العائلة بعد أن اجتمعت منقوصة في الغربة التي أُجبروا عليها، قال فؤاد إنه لا معلومات مؤكدة حتى الآن عن مكان إبعادهما، ولكن بالنسبة لهم فإن الإفراج عنهما إلى أي مكان أفضل من بقائهما في جحيم السجن.
“#غزة فعلت المستحيل وحررتنا رغما عن أنف المحتل”.. وصول عدد من الأسرى الفلسطينيين المُبعدين إلى #القاهرة بعد الإفراج عنهم في صفقة التبادل بين إسرائيل وحـ ـمـ ـاس #الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/uW8Yqb94SN
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 14, 2025
ألم الغربةيوافق عماد في حديثه مع الجزيرة نت من القاهرة على ما قاله شقيقه فؤاد، ولكنه في الوقت نفسه يخشى من ضبابية المستقبل الذي ينتظره وشقيقه، فكما أُبلغا هما وكل الأسرى المبعدين، ستكون ضيافتهما في القاهرة لأجل قصير قبل أن يتم إبعادهما إلى دول عربية أو تركيا. وتابع "لم نتوقع أن يتم إبعادنا، وأن ما يوجد لدى المقاومة من محتجزين إسرائيليين يحقق لنا إمكانية العودة إلى بيوتنا".
ويضيف أن الغربة التي فُرضت عليهم تتساوى في بعض الأحيان مع السجن، فسلخ الأسير من بيئته الاجتماعية أكبر عقوبة بعد السجن، ولكن الظروف الأمنية الصعبة تجعلهم مرغمين على القبول بها.
ويزيد من عبء الغربة -يواصل عماد- عدم تمكن العائلة من البقاء طويلا، إلى جانب عدم وجود خطة واضحة لمكان إبعادهما الأخير، ولا أي تصور لما سيكون عليه حالهما في الأيام المقبلة.
إعلانومع ذلك يبقى الأمل لدى عماد وشقيقه ببدء حياتهما من جديد رغم كل هذه الظروف: "لا يوجد لدينا خيارات سوى شق حياتنا من جديد أينما وصل بنا الحال، وسنبقى نحلم بالعودة إلى أرض الوطن ولو بعد حين" ختم قائلا.