خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
يأتي الواحد منِّا لهذه الدنيا الفانية البالية ولا يعلم بما حوله وأقلها من غسّلهُ ولفهُ في قطعة قماش بعد ولادته، وكذلك ُيغادر من هذه الدنيا ولا يعلم أيضًا من غسّلهُ وكفّنهُ، وبين البداية الأولى للحياة ونهايتنا عليها، هنالك مسافة إما قصيرة أو طويلة!
وفي هذه المسافة نحن على طريقين وفي امتحان وبلاء ومعترك وصراع دائم، فإما أن ننجو من المهلكات الأربع الدنيا والنفس والهوى والشيطان بتقوانا وصلاحنا وإصلاحنا وباعتصامنا بالله عز وجل، أو ستنسينا تلك المهلكات أنفسنا والله تعالى جل جلاله، وكذلك ما علينا من حقوق تجاهه وتجاه خلقه الى أن نلقاه.
إذن والأمر كذلك، فإن الإنسان منذ وعيه وبلوغه سن الرشد وربما قبل ذلك، هو في تعب وجهاد ونصب ووصب، وبين شد وجذب وعراك مستمر بين كثير من الأمور. وإذ جئنا إلى الشخصية التي تُعرف بالكاتِب المرتبط بكتابة مقال أسبوعي مثلا كحالنا، فإنه ليس ببعيد عن ما ذكرناه أعلاه، فهذا الكاتِب في النهاية هو إنسان وبشر ولديه ارتباطات ومسؤوليات مختلفة، واهتمامات والتزامات كثيرة متعددة، وربما يعيش ظروفا معيشية وأحوالا وأوضاعاً حياتية صعبة، أو يمر بحالات ومواقف لا يعلمها إلا الله.
من هذه الحالات والظروف والتبعات والأزمات، أن يحين موعد كتابة مقالهِ، ولا يعلم ماذا يكتب لأسباب كثيرة، فمثلا النفسية لدى هذا الكاتب في ذاك اليوم والوقت صفراء؛ سواء بسبب مرضه هو أو مرض أهله أو أحد أولاده أو أقربائه، أو بسبب ظرف ما محيط به ويعيشه ويشغله ويقهره ويقلقه، أو بسبب موقف صعب يمر به ويعيشه، أو بسبب تعدد المواضيع التي يحتاج الكتابة عنها والتطرق إليها، وعليه وقتها أن يقرر كتابة وتناول الموضوع الأهم عن المهم. وكذلك عند اختياره للموضوع والشروع في الكتابة فيه ويود طرحه لحصول الفائدة منه، تجد ذاك الكاتب يحسب حساب الكثير من الأمور، منها مثلا مقص الرقيب والملاحظات والوسطية والاعتدال في كتابة المقال، ناهيك عن الزمان والمكان والوقت الذي يستغرقه الكاتب في الكتابة، والأجواء المحيطة به؛ فهو حتما محتاج إلى جو هادي ومكان مريح يساعده على الإبداع واستحضار الكلمات الجميلة المعبرة ووالمفردات، كذلك على الكاتب أن يقرأ كثيرًا، ويكون قارئًا جيدًا للشأن المحلي، ومُحبًا للقراءة والاطلاع، وأنه يجب أن يكون عارفًا ومثقفًا؛ فالأمر إذن لا يتوقف عند حد إمساك القلم أو استلام لوحة مفاتيح الحاسوب، فقبل الكتابة على الكاتب أن يستحضر أولًا الفكرة، ومن ثم أصل الموضوع وترجمته من خلال مقدمة ووسط وخاتمة. وهذا كله يحتاج إلى عصارة أفكار ومزاج رائق ورؤية واضحة وهدوء نفسي كبير، وأمور قد لا تتوفر لدى أي كاتب في تلك اللحظة.
أن يخرج المقال كمقال ناجح كامل مكتمل وصالح للنشر، بحيث إنه لا يتعارض مع قوانين المطبوعات والنشر، ومع النظام العام، فهذا ليس بالأمر الهين والسهل. فتحية إكبار وإجلال ومحبة لكل الزملاء والإخوة والأساتذة الكتاب، وخاصة كتاب الأعمدة والمقالات الأسبوعية، كذلك في هذه السانحة نود أن نشيد بجريدة الرؤية وهيئة تحريرها وعلى راسهم الأستاذ حاتم الطائي رئيس التحرير، وكل العاملين فيها، على يقظتهم ونباهتهم وقوة ملاحظاتهم وجهودهم التي يبذلونها من أجل أن تكون مقالات الكتاب هادفة ومفيدة، وماضية في مسار صحيح، في ظل الاعتراف بالصحافة بأنها السلطة الرابعة.
ونحن على اعتاب ومشارف عام ميلادي جديد.. أقول حفظ الله بلادنا وجلالة السلطان المعظم والشعب العماني وكل مقيم على أرضنا، من كل سوء وشر ومكروه، ووفّق الله بلادنا وسلطاننا إلى ما فيه خير البلاد والعباد.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
دراسة.. أدوات الذكاء الاصطناعي توحد أساليب الكتابة
صراحة نيوز ـ أظهرت دراسة جديدة أن استخدام أدوات الكتابة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي قد يُؤدي إلى توحيد أنماط الكتابة عالميًا دون قصد، مما يدفع المستخدمين من الثقافات غير الغربية إلى تبنّي أسلوب كتابي أقرب إلى الأمريكي. ففي دراسة قارنت بين مستخدمين من الهند والولايات المتحدة، تبين أن اقتراحات الذكاء الاصطناعي غالبًا ما تروّج لمواضيع وأنماط كتابة غربية، مما يؤدي إلى تهميش التعبيرات الثقافية الهندية.
وقد اضطر المستخدمون الهنود إلى إجراء تعديلات كثيرة في النصوص التي قدمتها أدوات الذكاء الاصطناعي؛ مما قلّل الفائدة الإنتاجية المرجوة. ودعا الباحثون مطوري تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى إعطاء أولوية للحساسية الثقافية للحفاظ على تنوع أساليب الكتابة عالميًا.
تفاصيل الدراسة
كشفت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة كورنيل (Cornell University) أن أدوات الكتابة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي قد تكون غير فعالة بالنسبة لمليارات المستخدمين في العديد من بلدان العالم؛ لأنها تكتب بطريقة موحدة تجعلهم يبدون كأنهم أمريكيون.
وأظهرت الدراسة أنه عند استخدام الهنود والأمريكيين لمساعد كتابة بالذكاء الاصطناعي، أصبح أسلوب كتابتهم أكثر تشابهًا، لكن هذا التشابه جاء على حساب الأسلوب الهندي الخاص.
ومع أن المساعد ساعد كلا المجموعتين في الكتابة بنحو أسرع من قبل، فإن المستخدمين الهنود تحسنت إنتاجيتهم بنحو أقل بسبب اضطرارهم المتكرر إلى تصحيح الاقتراحات التي قدمها الذكاء الاصطناعي.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، الأستاذ المساعد في علوم المعلومات Aditya Vashistha: “هذه من أولى الدراسات – إن لم تكن الأولى – التي تُظهر أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة يمكن أن يؤدي إلى تنميط ثقافي وتوحيد لغوي”.
وأضاف: “يبدأ الناس بالكتابة بالطريقة نفسها عند استخدام هذه الأدوات، وهذا ليس ما نريده، فمن أجمل الأمور في هذا العالم التنوع الثقافي الذي نملكه”.
إن أدوات مثل ChatGPT وغيرها من أدوات الذكاء الاصطناعي التي تعمل بنماذج لغوية ضخمة، تطورها شركات تقنية أمريكية، لكنها تُستخدم على نطاق عالمي واسع، إذ يستخدمها نحو 85% من سكان العالم الذين يعيشون في دول الجنوب العالمي.
ولمعرفة تأثير هذه الأدوات في الثقافات غير الغربية، اختار الباحثون 118 مشاركًا نصفهم من الهند والنصف الآخر من الولايات المتحدة، وطلبوا منهم الكتابة حول مواضيع ثقافية.
أنجز المشاركون نصف المهام الكتابية دون مساعدة، ولإكمال النصف الآخر من المهام استخدموا مساعد كتابة بالذكاء الاصطناعي يقدم اقتراحات لإكمال النص بنحو تلقائي. وتتبع الباحثون ضغطات المفاتيح ورصدوا قبول أو رفض كل اقتراح.
أظهرت مقارنة عينات الكتابة أن المستخدمين الهنود كانوا أكثر ميلًا لقبول الاقتراحات التي قدمها مساعد الذكاء الاصطناعي، فقد احتفظوا بنسبة 25% من الاقتراحات مقارنة بنسبة 19% فقط من الأمريكيين. ومع ذلك، كان الهنود أكثر عرضة لتعديل الاقتراحات لتناسب الموضوع وأسلوبهم الخاص في الكتابة؛ مما قلل من فاعلية تلك الاقتراحات.
فعلى سبيل المثال: عند الكتابة عن الطعام أو العطلة المفضلة، كان الذكاء الاصطناعي يقترح دومًا خيارات متعلقة بالثقافة الأمريكية مثل: “البيتزا” وعطلة “عيد الميلاد”. وعندما حاول أحد المشاركين الهنود كتابة اسم “Shah Rukh Khan”، وهو اسم ممثل هندي الشهير، واقتصر على كتابة الحرف “S”، كان الذكاء الاصطناعي يقترح أسماء لمشاهير من أمريكا مثل “Shaquille O’Neil” أو “Scarlett Johansson”.
وقال “Dhruv Agarwal“، أحد مؤلفي الدراسة: “عندما يستخدم الهنود اقتراحات الذكاء الاصطناعي، يبدأون بتقليد أساليب الكتابة الأمريكية إلى درجة أنهم يصفون مهرجاناتهم وأطعمتهم وتقاليدهم الثقافية من منظور غربي”.
ويرى الباحثون أن هذه الحاجة المستمرة من المستخدمين الهنود لمقاومة الاقتراحات الغربية دليل على ما وصفوه بـ “الاستعمار الرقمي” للذكاء الاصطناعي. فبطمس الثقافة الهندية وقيمها، يعرض الذكاء الاصطناعي الثقافة الغربية على أنها متفوقة؛ مما قد يؤثر في ما يكتبه الناس، وفي طريقة تفكيرهم أيضًا.
وأضاف “Dhruv Agarwal“: “مع أن هذه التقنيات تُضيف قيمة كبيرة إلى حياة الناس، فإن نجاحها في الأسواق العالمية، يتطلب من شركات التكنولوجيا أن تركز في الجوانب الثقافية، وليس الجوانب اللغوية فقط”.