حكومة بلا مفاتيح – وكامل إدريس في قبضة الغنائم
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
حكومة بلا مفاتيح – وكامل إدريس في قبضة الغنائم
حسب الرسول العوض إبراهيم
يبدو أن كامل إدريس لا يزال يتحسس خطواته الأولى في دهاليز الوزارة، ولم يصل بعد إلى الأرض الصلبة التي ظن أنها ستكون مفروشة بالورود. ما كان يُتوقع من مطبّات وتعقيدات في طريقه، حدث بحذافيره، بل ربما تجاوز ما تصوّره البعض. لم تكن العقبة الكبرى في حصص اتفاق جوبا وحدها، بل تبيّن لاحقًا أن رئيس الوزراء لا يملك حتى حق تعيين وزير واحد دون العودة إلى شبكة واسعة من الأطراف المتنازعة على السلطة، بدءًا بالبرهان، ومرورًا بالمليشيات الأهلية والجهوية التي لم تكن جزءًا من اتفاق جوبا، وصولًا إلى الإسلاميين الذين يحاولون إعادة تدوير عناصر من الصفوف الخلفية، فضلًا عن طيف واسع من الطامعين في كيكة الحكم.
كل هذه الأطراف دخلت الحلبة بقوة، وكلٌّ منها يسعى لانتزاع نصيبه من حكومة لم تتشكّل بعد، ما جعل مهمة كامل إدريس أقرب إلى السير وسط حقل ألغام. وحتى مكونات اتفاق جوبا نفسها، التي يُفترض أنها دخلت في شراكة سلام، سرعان ما ظهرت بينها خلافات حادّة، غذّتها أطراف من داخل سلطة بورتسودان، وهناك من وجّه أصابع الاتهام إلى البرهان وآخرون إلى الفريق كباشي. التوتر انفجر بشكل خاص حول موقف حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، حيث بدت الحركتان كأنهما تعتبران نفسيهما الطرفين الوحيدين المستحقين لنسبة الـ25% من السلطة المخصصة بموجب اتفاق جوبا، في حين أن الاتفاق ذاته يضم قوى أخرى لا تقل أهمية، وعلى رأسها الحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار، الذي اكتفى على ما يبدو بمنصبه كنائب لرئيس مجلس السيادة، إضافة إلى المسارات الجغرافية مثل مسار شرق السودان ومسار الشمال ومسار الوسط.
في خضم هذا التنازع، برزت شخصيات مثل محمد سيد أحمد سر الختم “الجاكومي” قائد مسار الشمال، مطالبةً بنصيبها من الاتفاق، بينما كان اللافت أن معظم هذه القوى ركزت فقط على تقاسم السلطة، وأغفلت بنودًا جوهرية في الاتفاق تتعلق بعودة النازحين، والحريات، والعدالة الانتقالية، والتنمية، وكأن ما وُقّع عليه لم يكن اتفاق سلام بل اتفاق محاصصة.
ما يزيد الصورة قتامة هو تمسّك جبريل ومناوي بوزارات بعينها، لا سيما المالية والمعادن، اللتين شغلتهما حركتاهما في حكومة عبد الله حمدوك التي أطاح بها انقلاب البرهان وحميدتي. ويعتبر الرجلان أن هاتين الوزارتين أصبحتا حقًا أصيلًا لهما، ويريان في أي محاولة لتغيير المعادلة تهديدًا مباشرًا لمكتسباتهما، ما جعلهما في حالة رفض مسبق لحكومة كامل إدريس، تحسبًا لفقدان تلك المواقع.
من جهة أخرى، يواجه كامل إدريس معضلة حقيقية، فالاتفاق لم يخصص وزارات بعينها لأي من الحركات، مما أتاح هامشًا كبيرًا للتأويلات والنزاعات. ورغم محاولته إظهار بعض الاستقلالية، إلا أن الرجل سرعان ما اصطدم بجدران المحاصصات والتجاذبات، وحين حاول الاستعانة بشخصيات مقربة منه مثل خالد الأعيسر، الذي لعب دورًا في ترشيحه للمنصب، لم يجد أمامه سوى التعقيدات المتراكمة، والمطالب المتضاربة، والصراعات المحتدمة.
تحدثت مصادر عن رفض كامل إدريس وساطة تقدم بها البرهان لحلحلة الأزمة مع الحركات المسلحة، كما سرّبت بعض الجهات أنه لوّح بالاستقالة وربما مغادرة البلاد. لكن من يعرف سيرة كامل إدريس يدرك أنه من النوع الذي لا ينسحب بسهولة، وقد يقبل بأي وضع يُفرض عليه، فقط ليظل في الواجهة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يقدم الرجل فعلًا على خطوة الاستقالة، أم أن عجلة الترضيات ستواصل دورانها لتُرضي هذا وتُسكّت ذاك، ويبقى السودان رهينة لسلطة لم تُنجز، وحكومة لم تُولد، وسلام تحوّل إلى صراع جديد بأدوات مختلفة؟
في السودان حتي اتفاقات السلام لاتصنع سلامًا، بل تشعل حروباً من نوع آخر .
كاتب ومحلل سياسي
[email protected]
الوسومالسودان جبريل إبراهيم حركة العدل والمساواة حركة تحرير السودان حسب الرسول العوض ابراهيم حكومة كامل إدريس مني أركو مناويالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: السودان جبريل إبراهيم حركة العدل والمساواة حركة تحرير السودان حكومة كامل إدريس مني أركو مناوي کامل إدریس اتفاق جوبا
إقرأ أيضاً:
بالصور.. كامل إدريس يدشن انطلاق امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة 2024
دشن رئيس مجلس الوزراء، كامل إدريس، الأحد، انطلاق امتحانات الشهادة السودانية، وقرع الجرس ايذانًا ببداية جلسات الامتحانات للدفعة المؤجلة 2024، بمدرسة سعدابي الثانوية بنات بمدينة بورتسودان.وحضر التدشين أعضاء اللجنة العليا لغرفة طوارئ امتحانات الشهادة السودانية، برئاسة الفريق شرطة خالد حسان، ووالي ولاية البحر الأحمر الفريق الركن مصطفى محمد نور ووكيل وزارة التربية والتعليم دكتور أحمد خليفة وعدد من المسؤولين.وأكد رئيس الوزراء ان امتحانات الشهادة الثانوية قضية حيوية تهم كل السودان، مشيدا بالجهود التي بذلت لانجاح امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة 2024، واثنى على جهود اعضاء اللجنة العليا للامتحانات.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب