حلم العودة إلى غزة.. هل تخطط إسرائيل لاستيطان القطاع وطرد سكانه؟
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
مقدمة للترجمة
عادةً ما يميل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تقديم وعود أكثر تشددا عند محاولته الفوز في الانتخابات، أو حين يواجه مأزقا سياسيا يهدد سلطته، وهو ما ينطبق على الوضع الراهن، حيث يسعى نتنياهو للحفاظ على ولاء المكونات المتشددة في حكومته وقواعدها الجماهيرية من خلال اعتناق دعاوى متطرفة على رأسها تلك التي تطالب بإعادة احتلال غزة وتحويلها إلى مستوطنات.
في عام 2005، أُجبرت إسرائيل على إجلاء أكثر من 8000 مستوطن يهودي من قطاع غزة، وفي ذلك الوقت، أعادت القطاع إلى الحكم الفلسطيني. وبدلا من أن يؤدي هذا الإجلاء إلى فترة من السلام، اندلعتْ مرحلة جديدة من الصراع في المنطقة. تعالتْ دعوات المستوطنين الذين طُرِدوا من غزة لمطالبة إسرائيل بإعادة استيطان القطاع من جديد. واليوم، ولأول مرة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، لم تعد آمالهم للعودة مجرد ضرب من الخيال.
في حين على الجانب الآخر، لا يرحب أغلب الجمهور الإسرائيلي بمثل هذه الخطوة، وهو ما اتضح في استطلاع الرأي الذي أجرته الجامعة العبرية مؤخرا، وأظهر أن نسبة الإسرائيليين الذين يعارضون جهود إعادة استيطان غزة بعد الحرب الحالية تتراوح ما بين 33-56%، وهو توجُّه من المفترض أنه يتوافق مع السياسة الأميركية والموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية. وفي أحد تصريحاته، أكَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن محاولة العودة إلى الماضي وإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية في غزة ليست هدفا واقعيا. ويدرك معظم الإسرائيليين أن بناء معاقل يهودية صغيرة وحمايتها في مثل هذه البيئة المعادية سيُشكِّل كابوسا أخلاقيا وعسكريا. واستنادا إلى هذه المعلومات، فإن أي شخص عاقل قد يستنتج أن مثل هذا الاحتمال مستبعد وربما أقرب إلى المحال.
يتحدث المتطرفون فيستمع نتنياهولكن المشكلة أن حكومة نتنياهو مرتبطة ارتباطا غريبا بأقلية متطرفة من الإسرائيليين المصرِّين على إعادة استيطان قطاع غزة، حتى لو كان ذلك على حساب تهجير الفلسطينيين أو طردهم من أرضهم. وعندما تتحدث تلك الأقلية، يستمع نتنياهو على الفور، وهذا لأن تحالفه قد حصل على 48.4% فقط من الأصوات في الانتخابات الإسرائيلية السابقة، وتعتمد قوة حكومته الآن على تحالف من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تُشكِّل أساس حركة العودة إلى غزة. بدأت هذه الحركة بعد وقت قصير من انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، لكن يبدو أنها أصبحت الآن أكثر جدية ولم تعد مجرد أفكار متهورة، إذ يسعى هؤلاء النشطاء سعيا حثيثا للقتال من أجل غرضهم، ورغم أن فرصة نجاحهم في الوصول إلى هذا الهدف ضئيلة، فإنها تظل واردة.
تقود ليمور سون هار-مليخ، العضوة في البرلمان اليميني المتطرف، الجهود نحو إعادة توطين غزة. وفي مقطع فيديو نُشر لها على وسائل التواصل الاجتماعي، أشارتْ إلى أنها جلست بجوار رئيس الوزراء وأخبرته أن الصورة الوحيدة للنصر في هذه الحرب، التي ستسمح لهم برفع رؤوسهم، واستعادة الكبرياء اليهودي، والعودة إلى مصدر قوتهم الحقيقي، تكمن في إنشاء مستوطنات في جميع أنحاء قطاع غزة. ويبدو من تصرفاتها أن هذه القضية تمسها شخصيا، فقد طُردتْ هي الأخرى عام 2005، ولكن ليس من غزة، بل من حومش، وهي إحدى المستوطنات في الضفة الغربية التي فُكِّكت في ذلك الوقت أيضا، باعتبارها تجربة لانسحابات إسرائيلية مستقبلية.
ومنذ انضمامها إلى البرلمان في نهاية عام 2022، لم تتورع هار-مليخ عن وسيلة للتخفيف من الآثار الناتجة عن انسحاب إسرائيل سابقا من قطاع غزة. وقبل هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، شاركتْ في إلغاء القانون الذي يحظر إعادة التوطين الإسرائيلي في حومش وبلدات الضفة الغربية الأخرى التي أُخليت من قبل. والآن، يبدو أن تطلعاتها باتت تتجه نحو غنيمة أكبر. المشكلة أن الجهود المبذولة تجاه هذه القضية لا تقودها "هار-مليخ" وحدها. ففي المراحل الأولى مثلا من العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، ظهرتْ صور لجنود إسرائيليين يرفعون أعلاما ولافتات تحمل شعارات تطالب بإعادة توطين غزة. حتى إن بعض الجنود أحضروا معهم خارطة طريق عمرها 18 عاما من جالية يهودية سابقة مُقتَلَعة من غزة.
تتنوع الآراء داخل الجيش الإسرائيلي، ومن المفترض أن ما يُظهِره هؤلاء الجنود مجرد آراء شخصية لا تُمثِّل السياسة الرسمية، ورغم محاولات تقييد هذه التصرفات، تُظهِر الصور جزءا من حملة شعبية متزايدة نحو إعادة استيطان غزة، ولهذا السبب نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي لتغدو أسهل في الانتشار ويتسنى لعامة الشعب رؤيتها. وعند التدقيق، سنجد أن هذه الحملة جارية بالفعل على أرض الواقع، ففي 22 نوفمبر/تشرين الثاني، التقت مجموعة من المنظمات الشعبية لحضور مؤتمر في مدينة أسدود -التي تقع بين غزة وتل أبيب- تحت شعار "العودة إلى الوطن". ولم يترأس المؤتمر السياسيين المتطرفين على غرار "هار-مليخ" فحسب، بل قاد المؤتمر عضوان من حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، وهما أريئيل كالنر، وتالي جوتليف، وإحدى المفارقات أن كليهما يحتل مرتبة منخفضة جدا في أسفل القائمة الانتخابية لحزب الليكود، بعد أن حصلا على دعم ضئيل في الانتخابات التمهيدية للحزب، ولا يتمتع أيٌّ منهما بنفوذ كبير. لكن وجودهما في حد ذاته ضمن مؤتمر كهذا يوضح أن حلم إعادة توطين غزة لا يقتصر على الطيف السياسي اليميني المتطرف فحسب، ولا يمكن توقع أن يظل مقتصِرا على هذا الطيف.
على المنوال ذاته، انضم إلى هذا المؤتمر أيضا يوسي داغان، الناشط الاستيطاني الذي يقود إحدى مجموعات الضغط الأكثر تأثيرا في اللجنة المركزية لحزب الليكود (اضطر داغان إلى النزوح أيضا من مستوطنته اليهودية في الضفة الغربية عام 2005). وفي الأسبوع الماضي، تجمع مئات من الناشطين وسط إسرائيل لحضور مؤتمر آخر جاء تحت عنوان "الاستعداد العملي للعودة إلى غزة". وتتجلى الطموحات المتصاعدة لهذه الحركة بطرق أخرى متعددة، ففي يوليو/تموز 2014، أطلق النشطاء الإسرائيليون صفحة على فيسبوك بعنوان "العودة إلى غوش قطيف"، وهي مجموعة صغيرة من مستوطنات يهودية كانت موجودة في قطاع غزة قبل 2005. واليوم، تضم الصفحة أكثر من 10 آلاف متابع. وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد نحو أسبوعين من الهجمات التي شنتها حماس، تغير اسم الصفحة إلى "العائدين إلى قطاع غزة".
التشبث بالسلطةعلى الجانب الآخر، يُدرك نتنياهو جيدا أن هذه الخطة هي فكرة سيئة للغاية، لأنه ببساطة يعلم أن بناء مستوطنات جديدة في غزة سيُشكِّل تحديا أمنيا معقدا للغاية. فلو انجرف نتنياهو نحو هذه الفكرة، فسيضطر الجيش الإسرائيلي حينذاك إلى توجيه جهوده نحو حماية هذه المستوطنات الصغيرة في غزة. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي على دراية بأن بناء مستوطنات في القطاع سيضعه في مواجهة تصادمية مع إدارة بايدن، والدول العربية، والمجتمع الدولي. ومع ذلك، قد يحاول نتنياهو تنفيذ هذه الخطة سعيا منه للتشبث بالسلطة قدر الإمكان.
والجدير بالذكر أن الدعم الانتخابي لنتنياهو قد انهار تماما منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما يتبدى في استطلاعات الرأي التي تُظهِر أن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين يرغبون في استقالته إما الآن وإما بعد انتهاء الحرب، كما تؤكد أن حزبه فقد نصف ناخبيه. وبعد أن ترأس نتنياهو أكبر كارثة دموية في تاريخ إسرائيل، يبدو مستحيلا أن يفوز في انتخابات أخرى. ولكن هذا لن يمنعه من المحاولة، فعادة ما يميل نتنياهو إلى تقديم وعود يمينية متطرفة عند محاولته الفوز في الانتخابات.
وفي محاولة منه لاستعادة قاعدته الانتخابية المتراجعة، أثار الزعيم الإسرائيلي جدلا في وقت سابق من هذا الشهر عندما أعلن أنه فخور بمنع قيام دولة فلسطينية، مدَّعيا أنها كانت ستغدو مثل غزة التي تحكمها حماس لولا جهوده في هذا الصدد. وبالمناسبة، فإن استمرار بنيامين نتنياهو في تغيير موقفه ليس بالأمر الجديد، فخلال حملة إعادة انتخابه عام 2015، تراجع عن التزامه الهش والمتزعزع دائما في إقامة دولة فلسطينية. وسابقا، عارض ضم جزء من الضفة الغربية أو كلها، لكنه كالعادة نكث بوعده مرة أخرى خلال حملته الانتخابية لعام 2019، وتعهد بضم الضفة الغربية للفوز بالانتخابات. وبينما يستعد نتنياهو لمحاولته الأخيرة لإنقاذ منصبه المتداعي، لن يكون مفاجئا إذا قدَّم وعودا ببناء مستوطنات مستقبلية في غزة لاستعادة مصداقيته في الأوساط اليمينية.
تضم الحكومة الحالية في إسرائيل حزبا معارضا يتزعمه بيني غانتس، وهو جنرال سابق يتفوق حاليا على نتنياهو في استطلاعات الرأي، الذي لن يوافق على أي مغامرة لإعادة استيطان غزة. ولكن إذا كان نتنياهو يرغب في الفوز بطريقة أو بأخرى على غانتس في الانتخابات المقبلة، فهو في سبيل طموحه لن يكف عن محاولة إعادة توحيد اليمين مرة أخرى خلفه، وقد تكون خطة إعادة توطين غزة هي الإستراتيجية التي سيحاول من خلالها توحيد اليمين خلفه.
في نهاية المطاف، ينبغي للأطراف المعنيّة ألا تستهين بفرصة إقامة المستوطنات الإسرائيلية في غزة. فالاعتقاد السياسي الذي يشير إلى أنها "فكرة سيئة للغاية"، وأن استطلاعات الرأي تُظهر أن معظم الناس يعارضونها، وبالتالي لا يمكن أن تحدث أبدا، لم يكن ناجحا على المستوى الدولي، ولم يؤتِ ثماره منذ عام 2015. كما ينبغي عدم توقع حل هذه القضية تلقائيا دون تدخل ما دامت هناك جهات تدعو باستمرار إلى بناء مزيد من المستوطنات في غزة، ولا تنوي التوقف عن دفاعها المستمر عن هذه الفكرة.
_____________________________
ترجمة: سيمة زاهر
هذا التقرير مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رئیس الوزراء الإسرائیلی أکتوبر تشرین الأول استطلاعات الرأی بنیامین نتنیاهو إعادة توطین غزة الضفة الغربیة فی الانتخابات مستوطنات فی العودة إلى قطاع غزة التی ت من غزة عام 2005 وهو ما فی غزة
إقرأ أيضاً:
سموتريتش: نقترب من إعادة احتلال غزة والاستيطان فيها... وخطة إسرائيلية لضم أجزاء من القطاع
قال وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، إن "إسرائيل أقرب من أي وقت مضى" لإعادة احتلال قطاع غزة وإحياء مشروع الاستيطان فيه، في إشارة واضحة إلى تحوّل استراتيجي محتمل في توجهات حكومة الاحتلال بعد نحو 20 عاماً على تنفيذ خطة "فك الارتباط" وانسحابها من القطاع.
جاءت تصريحات سموتريتش خلال مؤتمر نظم في مستوطنة "ياد بنيامين" وسط فلسطين المحتلة، لإحياء الذكرى العشرين لخطة الانفصال أحادية الجانب، التي نفذتها حكومة أرئيل شارون عام 2005، وشملت تفكيك المستوطنات في قطاع غزة وأربع مستوطنات شمالي الضفة الغربية.
وقال الوزير اليميني في حكومة بنيامين نتنياهو: "نحن أقرب من أي وقت مضى إلى إعادة بناء غوش قطيف"، في إشارة إلى الكتلة الاستيطانية الكبرى التي كانت قائمة جنوبي قطاع غزة قبل الانسحاب.
وأضاف: "حيث لا توجد مستوطنات، لا يوجد جيش.. وحيث لا يوجد جيش، لا يوجد أمن"، في تبرير واضح لدعوات إعادة السيطرة الميدانية على القطاع، زاعماً أن "غزة جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل".
وتابع قائلاً: "لا أريد العودة إلى غوش قطيف كما كانت، كانت صغيرة ومكتظة. نحتاجها الآن أكبر بكثير، وأوسع بكثير".
خطة نتنياهو و"الضوء الأخضر" الأمريكي
تصريحات سموتريتش جاءت بعد يوم من كشف صحيفة "هآرتس" العبرية عن طرح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خطة أمام المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت) تقضي بـ"احتلال تدريجي لأجزاء من قطاع غزة"، ضمن محاولة لتهدئة التوتر داخل حكومته الائتلافية المتطرفة، وإبقاء سموتريتش في صفوفها، بعد تهديده بالاستقالة على خلفية مزاعم سماح تل أبيب بإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع.
وبحسب الصحيفة، فإن الخطة تنص على منح حركة حماس مهلة قصيرة للموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، وإذا رفضت فإن الاحتلال الإسرائيلي سيباشر خطوات عسكرية لفرض السيطرة على مناطق في القطاع وضمها "على مراحل" حتى "ترضخ الحركة".
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى -لم تكشف هويته– قوله إن "الخطة حظيت بموافقة الإدارة الأمريكية"، في إشارة إلى دعم ضمني من واشنطن لنهج الاحتلال، على الرغم من الانتقادات العلنية لسلوك الحكومة الإسرائيلية.
وفي موقف لافت، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، واصفاً القرار بأنه "خطوة غير حكيمة زادت الوضع سوءاً"، بحسب ما نقلته صحيفة "معاريف" العبرية.
وربطت وسائل إعلام إسرائيلية بين تصريحات ترامب، الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة بنتنياهو، والتوجهات الإسرائيلية المتزايدة نحو إعادة احتلال غزة أو فرض مناطق نفوذ فيها.
دعوات استيطانية وسط حرب الإبادة
تأتي هذه التطورات في وقت تتصاعد فيه الدعوات داخل حكومة الاحتلال لفرض "السيادة الإسرائيلية" على القطاع، وطرح مشاريع استيطانية في مناطق منه، تحت غطاء "الضرورات الأمنية"، وذلك بالتوازي مع استمرار عدوان عسكري شامل يُوصف بأنه حرب إبادة جماعية.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، شن الاحتلال الإسرائيلي حرباً مدمّرة على قطاع غزة، خلّفت أكثر من 205 آلاف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 9 آلاف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين، وسط كارثة إنسانية غير مسبوقة، وانهيار شبه كامل للبنية التحتية والخدمات الأساسية.
وبحسب أحدث معطيات وزارة الصحة في غزة، تسببت الحرب أيضاً بمجاعة خانقة، راح ضحيتها حتى الآن ما لا يقل عن 147 فلسطينياً بسبب سوء التغذية والجوع، غالبيتهم من الأطفال.