مع قرب بداية عام جديد، من المهم تأمل حياتنا (ما مضى، وما هو آت). ولنقل بداية إنه إذا كان الحب يصنع المعجزات، فالاحترام يبنى الواقع، استمرار الحياة مرتبط بتطور الواقع، أما المعجزات فهى حالات استثنائية تتجاوز الواقع والعقل.. وأشهر قصص الحب أكثرها فشلًا جمالا، أما أطول روايات الحياة فهى التى كان احترام الواقع سيد كل فصولها.
رومانسية الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى انعكست على كلامنا وأغانينا وملابسنا وأحلامنا والأهم من كل ذلك أنها انعكست على علاقات الناس بعضهم البعض.. هذه الرومانسية لم تكن تحليقًا فى الفضاء بلا أجنحة ولكنها كانت اكتشافًا لطاقات مجتمع ونظام حكم وتعبيرًا عن حالة احترام رائعة بين كل أطراف الحلم..
أى نظام سياسى يحتاج لاحترام الناس قبل حبهم.. العواطف الجياشة سريعة الظهور وسريعة التبخر، أما الاحترام المبنى على حقائق فإنه يولد طاقة جبارة على الاستمرار وإيجابية الفعل.. نفس نمط العلاقة لو ساد بين الأفراد لتغير حال المجتمع.. مشكلتنا فى مصر أننا نتكلم كثيرًا عن الحب ولا نحب، وندمن الكلام فى الدين بلا تدين حقيقى.
كثيرًا ما نبكى على زمن فات من الاحترام والأمانة والمودة بين الناس ونحن نمارس حياتنا بشكل مغاير تمامًا لهذا الزمن الذى نبكى عليه.. شىء غريب كيف يتحدث كل الناس تقريبا بمنطق واحد ويفعلون عكسه.. هل نحن مصابون بحالة انفصام جماعية؟ هل نحن أدمنا الكلام واعتبرناه يغنى عن الفعل؟ هل نحن شعب طحنته الأزمات طوال أكثر من نصف قرن لدرجة أنه فقد ذاكرة المنطق والعقل والصدق؟..
أخطر شىء أن يتحول العبث إلى معقول ونتعود عليه، ويصبح المعقول بعد وقت ما عبثيًا وثقيلًا على النفوس ومنفرًا لمعظم الناس.. هذه الحالة إذا تحكمت بثقافة مجتمع فإن فرص تقدمه تصبح ضئيلة إذا لم تتحمل الدولة مسئوليتها بوعى وتدرك أن الإنفاق على الثقافة وإعادة ترميم الشخصية المصرية يجب أن يسبق، أو على الأقل يواكب بناء الحجر.. خطط الدولة مهما بلغت درجة الطموح بها ستظل بحاجة إلى وعى جمعى.. إلى جيل جديد يعتزل ترف إهدار الوقت ويتعود على أن الخبرات والمهارات لا تتكون على النواصى والكافيهات ولكن هناك قنوات أخرى موصلة إلى ذلك.
الدين ليس معطلًا للتقدم ولكن التدين الكاذب والمتخلف هو المدمر للحياة كلها.. لو كنا مؤمنين بأن الله خلق الكون بشرًا وحجرًا وكائنات من كل لون وجنس، فالطبيعى أن هذا الخالق ليس بحاجة إلى أن نتقاتل ونسفك دماء بعضنا البعض بحجة الدفاع عن الله والحفاظ على شريعته.. نحن الذين بحاجة دائمة إلى رحمة من خلقنا وكرمه، أما من يدعون أنهم الأكثر حرصًا على دنيا الله وقوانينه فإنهم الأكثر عداوة لله والإنسان والإنسانية..
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كامل عبدالفتاح قرب بداية يصنع المعجزات فصولها الفضاء ب
إقرأ أيضاً:
مع قرب انطلاق الحوار المهيكل في ليبيا.. ما التوقعات؟
كان المتوقع أن ينطلق الحوار المهيكل هذه الأيام، بحسب ترتيبات البعثة الأممية، وبالنظر إلى الأطر الزمنية التي تضمنتها خارطة الطريق التي أعلنت عنها المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، هانا تيتيه، لذا فإنه يمكن أن يكون التئامه على الأبواب.
الحوار المهيكل هو منتدى تشاوري، بحسب البعثة، يناقش عدد من الملفات الحيوية التي تتعلق بالأزمة الليبية والمختنقات التي تواجهها البلاد في الوقت الراهن، مثل الحوكمة والأمن وحقوق الإنسان والاقتصاد والمصالحة، وهو بالتالي ليس جهة معنية بتقديم توصيات ملزمة، وأهميته كما تراها البعثة أنه يشرك عددا كبيرا من مكونات المجتمع ويزيد من جرعة الحل الليبي أمام حجم التدخل الخارجي في صناعة الأحداث وتوجيهها.
الدعاية الرسمية المعتمدة اليوم في الجبهة الشرقية تدور حول رفض التدخل الخارجي والمبادرات الخارجية لحل النزاع الليبي، أيضا تركز الحراك الواسع الذي استهدف مكونات اجتماعية ومجتمعية على تجاوز البعثة وخارطتها والعمل على فرض مسار أحادي.وتقييما لما صدر عن البعثة الأممية بخصوص الحوار المهيكل، لم يظهر إلى هذه اللحظة ما يجعله حوارا مختلفا عن سابقيه، وألية استثنائية عما تم العمل به، وبالتالي يمكن أن تعقد عليه الآمال، وتكون مخرجاته بمثابة نقلة وتطورا مهما في المسار السياسي شبه الميت.
البعثة ستقوم باختيار من يشاركون في الحوار المهيكل، وأثارت معايير اختيار المشاركين جدلا، ومن المتوقع أن يحدث هذا، فالمعايير تتعلق بتوجهات وسياسات دولية معلوم قصورها بل وتحيزها، هذا فضلا عن طريقة مسايرة الواقع الليبي المجزئ والمفتت والذي تتجاذبه نزوعات الكثير منها ليست صحية، بل هي من علل المجتمع وأدواء البلاد التي صنعت أزمته.
فالقول بأن المرشحين ينبغي أن لا يكونوا قد تورطوا في أعمال توصف بالإرهاب هو لغم بحد ذاته، ذلك أن كل طرف يعتقد أن خصمه تورط في أعمال إرهابية، وأن من قاموا بهذه الاعمال في نظر كل طرف هم أبطال ورجال وطن، فما السند الذي ستعتمد عليه البعثة في تحديد المتورطين في الإرهاب أو الحكم بأن بعض من تلبست أعمالهم بعنف قد قاموا بعمل وطني بطولي؟!
الحوار المهيكل على وشك الإنطلاق والجبهة الشرقية، التي يتزعمها واقعيا خليفة حفتر، تتجه اتجاها مناقضا لتوجهات البعثة وألياتها لتفكيك النزاع.
الدعاية الرسمية المعتمدة اليوم في الجبهة الشرقية تدور حول رفض التدخل الخارجي والمبادرات الخارجية لحل النزاع الليبي، أيضا تركز الحراك الواسع الذي استهدف مكونات اجتماعية ومجتمعية على تجاوز البعثة وخارطتها والعمل على فرض مسار أحادي.
العقبة الجديدة أمام خطط البعثة والتي محركها جبهة الشرق هي امتداد لإخفاقات سبقت الحوار المهيكل الذي ينطلق قريبا في ظل أجواء غير مبشرة، ذلك أن ملفات أسياسية من خارطة البعثة كان من المفترض أن تشهد إنجازا قبل إنطلاق الحوار المهيكل، لكنها تعثرتالعقبة الجديدة أمام خطط البعثة والتي محركها جبهة الشرق هي امتداد لإخفاقات سبقت الحوار المهيكل الذي ينطلق قريبا في ظل أجواء غير مبشرة، ذلك أن ملفات أسياسية من خارطة البعثة كان من المفترض أن تشهد إنجازا قبل إنطلاق الحوار المهيكل، لكنها تعثرت، والبعض حكم عليها بالفشل، ومن ذلك التوافق على إعادة تشكيل مجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات، وكذلك مراجعة قوانين الانتخابات وتحقيق توافق حولها، والأخير من الملفات العصية على الحل التوافقي، والمواقف الراهنة للجهات المعنية به ما تزال هي المواقف القديمة التي حالت دون التفاهم حولها.
الواقع إذا عصي على التفكيك واللغة السائدة هي لغة المغالبة والاستفراد وفرض أمر واقع بأدوات سياسية واقتصادية وشعبية، وربما عسكرية، وأمام هذا الواقع شديد التعقيد والتأزيم، ما تزال البعثة ما أسيرة نهج ردود الفعل، وواقعة في شرك إدارة الأزمة، وليس تفكيكها، كما أشر بصراحة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن ليبيا الذي وجهه مؤخرا إلى مجلس الأمن، وبرغم أن الحالة الليبية التي تركبت أزمتها وتعقدت كثيرا تفرض بواقعها البائس تعاملا تقليديا، إلا إن الخلل الذي تعاني منه الأمم المتحدة ذاتها، والطريقة التي تعمل بها بعثاتها باتت قاصرة وتحولت إلى وسيلة للتأزيم بدل أن تكون أداة لمعالجته.
أمام هذا المشهد المعتم ينطلق الحوار المهيكل، ولأنه أداة بلا أسنان، ولأن الغاية منه تقديم مشورة واقتراح حلول، فإنه ليس من المتوقع أن يغير من الواقع شيئا، وسيكون حوارا ممتدا، يمدد معه عمل البعثة الأممية لا أكثر.