هل يمكن لقوات الاحتلال تدمير كافة مباني قطاع غزة؟.. تل أبيب تفكر في الخطة بعد خسائر الجنود بمعارك "النقطة صفر"
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
بدلاً من الحرب من منزل إلى منزل: هل من الممكن حقاً تسوية غزة بالأرض بالقصف الجوي؟" .. بتلك اللهجة العنصرية والدموية ارتفعت أصوات في إسرائيل تطالب بهدم كل المباني في القطاع، انتقاما، وحل تكتيكي، حتى لا يتعرض الجنود للخطر من خلال تفتيش المنازل، وإذا ما تبنى الجيش الإسرائيلي تلك الخطة فكيف ستبدو مثل هذه العملية، وكم ستكلف، وماذا حدث في الماضي عندما حاولوا هدم مدن كبيرة؟.
وقد سُمع هذا المطلب بالفعل في اليوم الأول من الحرب، عندما صرخت إسرائيل المتألمة والمصدومة بغضب شديد، بعد الضربة القوية للمقاومة الفلسطينية بطوفان الأقصى، وعندما أصبح مدى خسائر السبت الأسود واضحًا، دعوا إلى تدمير غزة كعمل انتقامي، وبعد أن ارتفع عدد القتلى في المعارك وجهاً لوجه، أصبح النداء حلاً تكتيكياً، وأصبح الجميع يتساءل داخل إسرائيل "لماذا يجب على الجنود دخول المباني والمخاطرة بحياتهم من أجل تطهير القطاع، عندما يكون من الممكن ببساطة تسوية غزة بالأرض؟".
"تدمير 200 ألف مبنى بغزة يجنبنا أفخاخ حماس"
وبحسب تقرير نشرته صحيفة كالكاليست العبرية، فإن أصحاب تلك الفكرة، يرون أن تدمير جميع المباني بطريقة لا يمكن لأحد استخدامها للمراقبة أو نصب الكمائن بين الأنقاض أو المخاطرة بقوات الجيش الإسرائيلي، فلذلك لا يكفي حرق المبنى أو ترك هيكل عظمي مثقوب منه، ولضمان عدم استخدام أي مبنى في أعمال عسكرية من الفصائل الفلسطينية، فيجب أن يكون المبنى كومة من حطام البناء.
ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة التي نشرت في منتصف الشهر، كان هناك حوالي 200 ألف مبنى في قطاع غزة قبل الحرب، وبجانبها كان هناك عدد آخر غير معروف (وإن كان أكبر) من الثكنات والمباني المؤقتة والمباني المؤقتة، وبحسب بيانات الأمم المتحدة فقد تضرر نحو 18 ألف مبنى، ولكن "المتضرر" لا يعني "مدمراً"؛ بل هو إصابة بقذيفة، أو إصابة، أو إطلاق نار واسع النطاق نتيجة لمعركة اندلعت بالقرب من المبنى أو داخله، فالهجوم الجوي لا يؤدي بالضرورة إلى تدمير المبنى، فمعظم المباني التي تضررت هي تلك التي استخدم الإرهابيون أسطحها ونوافذها لإطلاق النار على قواتنا، واشتعلت فيها النيران من طائرة بدون طيار أو مروحية أباتشي، والهجوم بمثل هذه الأدوات لا يؤدي بالضرورة إلى تدمير أي مبنى.
كيف يتم تنفيذ أوهام الصهاينة؟
وبحسب تقرير الصحيفة العبرية، فإن تنفيذ تلك الرؤية تحتاج لخطة هدفها تدمير 200 ألف مبنى إلى مستوى نفايات البناء، لذلك، لكي تهدم مبنى بنسبة 100%، لا يتعين عليك أن تكون قويًا ولكن ذكيًا، فبدلاً من قنبلة ضخمة، عليك ضرب الأساسات والجدران الداعمة بدقة شديدة باستخدام القنابل العادية، وبهذه الطريقة سينخفض وزن الهيكل وينكسر، ويمكنك الانتقال إلى الهدف التالي، لذلك يجب تحديد إجابات دقيقة لعدد من الأسئلة ومنها أين هي النقاط الصحيحة لهدم الهيكل؟، وكيف تعمل هندسته الأساسية؟، وما مدى عمق حفر الأساسات؟، وما هو سمك الجدران الداعمة؟، وما نوع التربة الموجودة في قطعة الأرض؟، وهذه مجرد بعض الأسئلة التي ليس لها إجابات والتي لن يتم هدم أي مبنى إلا بعد تحديد إجابات عنها.
وفي هذا الصدد، ستكون هناك حاجة إلى 60% من الذخائر التي سيتم وضعها على كل مبنى لهدمه، و40% أخرى لسحق الأنقاض ونشرها على مساحة أكبر، بحيث تصبح كومة الشظايا أقل ملاءمة للاستخدام من قبل المقاومة الفلسطينية وأيضا أقل عرضة للاستنشاق، وهنا يصبح التسائل كم عدد الأسلحة التي تحتاجها لكل مبنى؟، وذلك حسب أحجام المباني في قطاع غزة، فمعظم المنازل في القطاع مكونة من طابقين أو ثلاثة طوابق وليست كبيرة جدًا، ولكن هناك أيضًا ناطحات سحاب ومباني واسعة تتطلب المزيد من الضرر.
مليون قنبلة بتكلفة 31 مليار دولار والتنفيذ خلال أكثر من عام
والصدمة التي كشفتها الصحيفة العبرية، أنه لتنفيذ تلك الخطة، فإن كل مبنى في قطاع غزة سيحتاج لـ5 قنابل كرقم متوسط، لذلك، لتدمير 200 ألف مبنى، تحتاج إلى مليون سلاح، والنظر للتكلفة فكل سلاح يتكون من قنبلة تبلغ قيمتها 3100 دولار، ومجموعة أدوات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) تبلغ تكلفتها 20 ألف دولار، بالتالي فإن تكلفة التسلح ستكون 31 مليار دولار، وبالمصطلحات الإسرائيلية 113 مليار شيكل. وهذا يقترب من ضعف ميزانية الدفاع الكاملة لدولة إسرائيل لعام 2023 قبل اندلاع الحرب.
وإذا بدت لك هذه الأرقام كبيرة، فإن مدة تنفيذ الخطة صادمة أيضا، فقد كان الحد الأقصى لمعدل الهجوم للقوات الجوية في الحرب الإجرامية الإسرائيلية بحق قطاع غزة حتى الآن حوالي 500 هدف في اليوم، وهذا يعني أن تسوية غزة من الجو يمكن أن تكتمل في حوالي عام وشهر إذا عمل الجميع بالتسلسل، بما في ذلك أيام السبت والأعياد؛ ففي المتوسط، سيتطلب كل هدف طائرتين على الأقل؛ الغالبية العظمى من التشكيل القتالي في القوات الجوية يتكون من طائرات F16، وهي رائعة ولكن ماذا في ذلك؟ يمكنها حمل أربع قنابل وزنها طن واحد فقط، وهذا يعني أنه سيتعين على كل طائرة أن تطير أكثر من طلعة جوية واحدة في اليوم؛ وبعيدًا عن أسعار ساعات الطيران وقطع الغيار التي ستصل بسهولة إلى ملايين الدولارات يوميًا، ضع في اعتبارك أنه لم يتم تصميم أي طائرة مقاتلة في العالم للعمل تحت مثل هذا الحمل.
استحالة الخطة لأسباب أخرى
وهذا يعني أنه سيكون علينا خلال هذا العام شراء طائرات مقاتلة جديدة، لتحل محل تلك التي طارت حتى كادت أجنحتها أن تسقط، ولا يعرف كم عدد طائرات F16 التي سيتم شراؤها، أو عدد طائرات لوكهيد مارتن التي يمكن أن تنتجها لنا الآن؛ ومن المقرر أن يتم إغلاق خط إنتاج F16 في عام 2025، والطلبيات ممتلئة حاليًا، وهنا ندخل الأرقام التي لم أتمكن من حسابها، وبصرف النظر عن تكاليف الأسلحة، وأيام الاحتياط للقوات الجوية، وكل ما هو مطلوب للقصف دون توقف لأكثر من عام، فيجب التفكر في الوقود، وسيتعين على دولة إسرائيل أن تخطط وتعيد بناء نظام الطاقة الخاص بها بالكامل؛ F16 ليست بالضبط سيارة تسلا عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد.
وإلى ذلك أضيفت عواقب محو مساحة كاملة من الأرض من المباني السكنية - إذا بدا لك أن العالم الآن ضدنا تماما، فإن عملية تسوية غزة ستحولنا إلى كوريا الشمالية في الشرق الأوسط، وسيبدو الاقتصاد وفقًا لذلك وسينهار، وستتوقف قطاعات بأكملها عن العمل، وسترتفع أسعار الطاقة بشكل كبير للغاية، وسيتعين على كل إسرائيلي وضع توربينات على أسطح المنازل لشحن هاتفك وقراءة عمودي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: تسویة غزة ألف مبنى قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
غضب إسرائيلي من غوتيريش.. كيف تحول أمين عام الأمم المتحدة إلى خصم لتل أبيب؟
في خضم عدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، بات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هدفا لحملة انتقادات شرسة يقودها الاحتلال وحلفاؤه، بسبب تصريحاته الحادة والمباشرة ضد الانتهاكات الإسرائيلية.
وبحسب تحليل نشرته صحيفة "ستار" التركية (Star Gazetesi) فإن غوتيريش، الذي يقترب من نهاية ولايته، اختار أن يسجل موقفا مبدئيا تجاه المأساة في غزة، إذ وصف ما يحدث بأنه "عقاب جماعي" بحق الفلسطينيين، وألمح في خطاباته المتكررة إلى أن ما يقوم به الاحتلال قد يرقى إلى "إبادة جماعية".
وأشارت الصحيفة التركية إلى أن ذروة الانتقادات ضد غوتيريش جاءت عقب كلمته في مجلس الأمن الدولي عقب اندلاع الحرب، حين قال إن "هجمات حماس لم تأتِ من فراغ"، وهو ما أثار غضب الحكومة الإسرائيلية، التي سارعت لإعلانه "شخصًا غير مرغوب فيه"، ومنعته من دخول الأراضي المحتلة.
وفي تموز / يوليو 2025، عاد غوتيريش ليشدد خلال جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة على أن ما يجري "لم يعد عملية عسكرية، بل عقاب جماعي يستهدف محو وجود شعب كامل"، مؤكدًا أن "الدولة الفلسطينية ليست مكافأة، بل حق". وتؤكد الصحيفة أن هذا التصريح مثّل تحديًا واضحًا لخطاب القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
الاشتراكية والسياسة الخارجية البرتغالية
وتوضح "الصحفية" أن خلفية غوتيريش السياسية والاجتماعية تفسر جزئيًا موقفه الواضح من القضية الفلسطينية، فهو ينتمي إلى التيار الاشتراكي في البرتغال، وكان رئيسًا للوزراء في بلاده بين عامي 1995 و2002، كما شغل منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعشر سنوات، وتشير الصحيفة إلى أن توجهاته اليسارية ومعارضته للإمبريالية شكلت جزءًا مهمًا من هذا الموقف المبدئي تجاه غزة.
كما لم تغفل الصحيفة عن البعد الديني في شخصية الأمين العام، واصفة إياه بأنه "كاثوليكي متدين"، يرى في مفاهيم الكرامة الإنسانية والسلام العالمي والعدالة أسسًا يجب أن توجه سياسات الأمم المتحدة، لا سيما في أوقات الأزمات الكبرى كالحرب على غزة.
وتضيف الصحيفة أن الموقف السياسي لبلاده، البرتغال، التي تُعد من الدول الأوروبية القليلة المؤيدة لحقوق الفلسطينيين، انعكس أيضًا على خطابه الأممي، خاصة مع دعواتها المتكررة لحل الدولتين ورفضها للعدوان الإسرائيلي.
ضغوط أمريكية – إسرائيلية على المؤسسات الدولية
ولفتت الصحيفة إلى أن غوتيريش كان واعيا للضغوط التي تمارسها واشنطن وتل أبيب على مؤسسات الأمم المتحدة، وخصوصًا تلك المعنية بدعم الفلسطينيين مثل الأونروا واليونسكو، إذ قطعت الدولتان الدعم المالي عن هذه المؤسسات، متهمين إياها بالتحيّز ضد إسرائيل. واعتبرت الصحيفة أن رفض غوتيريش الانصياع لهذه الضغوط يمثّل دفاعًا عن سمعة المنظمة الدولية ومبرر وجودها.
ما بعد غوتيريش؟
وفي ختام تحليلها، رجحت الصحيفة التركية أن لا يُعاد انتخاب غوتيريش لولاية جديدة، خاصة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة - العضو الدائم في مجلس الأمن - معارضتها العلنية له، بسبب ما وصفته بمواقفه "المعادية لإسرائيل".
وترى "ستار" أن غوتيريش، الذي تجاوز السبعين من عمره، استغل قرب نهاية ولايته لاتخاذ مواقف أكثر جرأة واستقلالية، مدفوعًا برغبته في أن يختم مسيرته السياسية بمواقف مبدئية واضحة، حتى وإن أثارت غضب القوى الكبرى.