الشرارة من تل أبيب والبنزين من واشنطن
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
القوة- بكل مستوياتها العسكرية والاقتصادية والسياسية- باتت الآن الحاكم والمتحكم الوحيد فى إدارة الصراعات والعلاقات والمصالح بين عموم الدول، والولايات المتحدة- باعتبارها الأقوى على كوكب الأرض- فهى تُدير العالم بمنطق أنها سيدته، تأمر فتُطاع، تريد فتنفذ، تحارب فتؤيدها وتساندها الدول، حتى لو بعيدًا عن غطاء الأمم المتحدة، لتتحمل غيرها من الدول أعباء سياساتها الانتهازية تلك، ولأن إسرائيل أهم حليفاتها وذراعها الطولى فى الشرق الأوسط، فهى محظية بأن تكون طفلها المدلل، الذى له ما لها.
إسرائيل تطلب ما تشاء من الدعم- مهما كان حجمه- والولايات المتحدة تلبى دون شروط، إسرائيل تحاصر وتقتل وتبنى المستوطنات وتعتقل الفلسطينيين وتُهَوِّد القدس وتحرم المصلين من المسجد الأقصى وتنتهك قرارات الشرعية الدولية، والولايات المتحدة تبرر وتتستر، بل تستخدم حق النقض الفيتو ضد أى قرار يصدر عن الأمم المتحدة، ومجلس الأمن يضع حدودًا لجرائم إسرائيل.
إسرائيل تشعل الحرائق، والولايات المتحدة تسكب البنزين، وكأنها مُصِرّة على أن تكون محور الشر الأول فى هذا العالم، ولا أشك لحظة فى أن الحريق الذى أشعلته إسرائيل منذ «7» أكتوبر المنصرم فى قطاع غزة لم يكن ليشتد لهيبه لولا البنزين الأمريكى الكامن فى الدعم العسكرى غير المشروط لإسرائيل سواء بإقامة جسر جوى معها أو بنقل حاملة الطائرات إلى الشرق الأوسط أو بمنح إسرائيل آلاف الأطنان من المتفجرات من أجل استعمالها ضد المدنيين الأبرياء العزل.
وتكفى الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تُعتبر المسؤول الأول والأخير عن جرائم إسرائيل غير الأخلاقية فى قطاع غزة، والتى أودت حتى الآن بحياة ما يقرب من 21600 شهيد فلسطينى، وإصابة ما يقرب من 55000، ناهيك عن التدمير الممنهج للقطاع الصحى وكافة وسائل الاتصال ومراكز الإيواء ومقار الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والكنائس والمساجد والمدارس من أجل إجبار الغزيين على النزوح من شمال غزة إلى وسطها ثم إلى جنوبها، بعد أن أصبح أكثر من 80% من قطاع غزة غير صالح لبنى الإنسان.
إن رئيس الوزراء الإسرائيلى مُصِرّ على مواصلة الحرب رغم كم التضحيات التى يدفع ثمنها أهل غزة، ولو أن الولايات المتحدة لم توفر الغطاء لاستمرار هذه الحرب الأسوأ فى التاريخ لما تجرأ نتنياهو على أن يرتكب جرائمه دون خوف من حساب أو عقاب.
إن صهيونية بايدن التى افتخر بها تؤكد أنه متستر على مجرم وموافق على جرائمه، ومَن يحرض على القتل أو يتستر عليه فهو قاتل، والخوف كل الخوف من اتساع دائرة الحرب ودخول أطراف أخرى فيها، وهو ما بدأ يتضح فى الهجمات المتكررة من جانب الحوثيين على السفن التجارية المتوجهة لإسرائيل وما يقوم به الحشد الشعبى فى العراق ضد القواعد الأمريكية هناك وكذا مواصلة حزب الله هجماته على شمال إسرائيل.
إن الولايات المتحدة هى أصل الداء، وإسرائيل منطلقه، وكلمة السر فى نشر عدواه، ولولا ذوبان الكيانين فى بوتقة شر واحدة، لما قلنا إن الشرارة تخرج من إسرائيل والبنزين من الولايات المتحدة.
طارق عباس – المصري اليوم
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: والولایات المتحدة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
واشنطن تقود الإرهاب في الشرق
محمد بن سالم التوبي
الرئيس الأمريكي أو الرئيس رقم واحد في العالم وهي الحقيقة التي لا مناص من الاعتراف، بها لأنه الواقع المُرّ الذي يعيشه العالم وتعيشه البشرية سواءً، كان ترامب أو سابقوه ممّن جعلوا سيوفهم في رقاب الملايين من البشر الذين سفكت دمائهم منذ الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا. وما زالت الآلة الأمريكية تفتك بالبشرية شرقًا وغربًا، ولنا في اليابان عبرةً وعظه؛ فقد قُتِل من جرّاء القنابل الذريّة ما يزيد عن (٣٠٠) ألف شخص إمّا بالموت المُباشر أو من خلال الأمراض الفتّاكة التي سبّبتها الإشعاعات
إن المُتتبّع للحروب الأمريكية منذ حرب الاستقلال إلى يومنا هذا يجد أنّها حروب عبثية مُقيته لم يكن الإنسان فيها ذا قيمة؛ سواء كان الإنسان جُندي أمريكي أم شعوب يُمَارَسْ ضِدَّها الاستعمار أو القتل من أجل القتل والتصفية. لقد خاضت الولايات المتحدة الأمريكية حروبها في الشرق والغرب من غير أسباب مُقنعة، وحتى حربهم على السُّكّان الأصليين من الهنود الحُمر الذين ما زالوا يعانون من التمييز في القرن الواحد والعشرين هي حرب تطهير عرقي .
لقد قتل الجيش الأمريكي من جنوده ما يزيد عن المليون جندي في حروب عبثية لا يمكن وصفها بالحروب التي تنادي بها أمريكا من أجل حُرّية الشعوب، أو من أجل الديموقراطية أو مكافحة الإرهاب؛ بل جُلّها حروب تتمحور حول الإمبريالية والسلطة والتوسع والنفوذ؛ فالعقيدة الأمريكية من أجل النفوذ يجب أن تشعل حروبا هنا وهناك حتى يتأتّى لها أن تمسك بقيادة العالم ليأتوا إليها صاغرين تتسابق إليهم الرقاب حتى إذا ما وجدت الفرصة للتخلص منها أقاموا عليها الحدّ وأتوا بقيادة جديدة تكون خاضعة منقادة مسلوبة الحرية والكرامة .
لقد عانى العالم من الحروب الأمريكية سواء في أمريكا اللاتينية أم في الشرق القريب أو البعيد كما هي الحرب في كوريا (١٩٥٠–١٩٥٧) التي أودت بحياة ما يزيد عن ٣٦ ألفًا من الجنود الأمريكان، وما يزيد عن مليوني إنسان من الكوريتين ومن الصينيين الذين دخلوا الحرب عندما وجدوا الأمريكان على حدودهم وهذه الحرب جرّت لاحقًا إلى الحرب في فيتنام (١٩٥٠-١٩٧٥) التي راح ضحيتها ما يقارب ٦٠ ألفًا من الجنود الأمريكان وأكثر من مليونين من الأبرياء الفيتناميين إلى أن تحررت وخسرت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب وعادت منكسة الرأس، وما هو الداعي لهذه الحرب التي شنّتها واشنطن من أجل دحر الشيوعية وكانت النتيجة أن توحّد المعسكر الشمالي والجنوبي تحت حكم شيوعي .
الحرب في العراق كلّفت العراق أمنه واستقراره وتفكيكه؛ فبعد أن كان بلدًا ينعم بالاستقرار والوحدة تحوّل إلى وطن تحكمه الطائفية والقبلية والمذهبية التي مزّقته شر ممزق وكلّفت اقتصاده رقمًا فلكيًا لا يمكن أن يحصره مركز بحثي ولا حجم الدمار الذي تعاني منه العراق في الوقت الحالي أو مستقبلاً. لقد شردت الحرب ملايين من أبناء العراق وقتلت الجيوش ما يزيد عن مائتي ألف مدني وتسببت الحرب في فشل منظومة الخدمات وزيادة مستوى الفساد وانهيار البنى التحتية لكل العراق. كما أن ما زاد وعمّق المشاكل الاقتصادية هو ظهور ميليشيات مسلّحة وتفشّي الطائفية وانقسام المجتمع إلى سنّي وشيعي.
حصيلة الحرب في أفغانستان ونتائجها على مدى عشرون عامًا كانت وخيمة على الشعب الأفغاني؛ حيث قتل ما يزيد عن ٤٧ ألف مدني و٦٦ ألف قتيل من الجيش الأفغاني وما يقارب من ٦٥ ألف من حركة طالبان، والملايين من البشر الذين نزحوا داخل أفغانستان وخارجها، وفي نهاية المطاف حكم طالبان افغانستان وخرج الأمريكان من الحرب بخسائر تقدر بما يزيد من ٢ ترليون دولار ضاعفت من حجم الديون في الخزانة الأمريكية التي تعاني من أثر هذه الديون، وقد صُنّفت تلك الحرب كأطول الحروب على البشرية وقد استنزفت الكثير من الموارد المالية؛ مما أدّى إلى فقدان الثقة في قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للتحالفات في الحروب
إن التدخلات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا وسوريا والسودان واليمن ومؤخرًا ضرباتها الأخيرة لإيران على إثر رد إيران المستحق على ما قامت به إسرائيل من هجوم مباغت عليها، وكذلك قيام واشنطن بوقوفها مع إسرائيل في حرب الإبادة في غزة ومدّها بالسّلاح والجنود والتكنولوجيا المتقدمة؛ كل ذلك يثبت جليًا إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على جعل الشرق الأوسط منطقة غير مستقرة من أجل هيمنتها وحماية إسرائيل الدولة اللقيطة التي صنعها الغرب على حساب الفلسطينيين.