الله يتقبل منك صلاتك.. حكمها وفضل الدعاء للمسلم بالقبول والتهنئة بالنعمة
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
الله يتقبل منك صلاتك كلمة يرددها كثير من المصلين عقب الانتهاء من الصلاة، فهل يجوز قول: “الله يتقبل منك صلاتك”، وما فضل الدعاء بعد الانتهاء من العبادات والأدلة على ذلك.
الله يتقبل منك صلاتكتقول دار الإفتاء في بيانها حكم قول: «الله يتقبل منك صلاتك»، إذا كان الدعاء في الأحوال والأوقات والأمكنة الفاضلة تأكد استحبابه وزادت فضيلتُه، ورُجِيَ قبولُه وإجابتُه، ومن هذه الأوقات: الدعاء عقب الصلوات المكتوبات؛ قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ﴾ [النساء: 103]، وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: «جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» أخرجه الترمذي وحسَّنه، والنسائي في "السنن الكبرى".
وجاءت النصوص الشرعية بمشروعية الدعاء بالقبول في خواتيم الطاعات والعبادات:
فقال تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127].
وقال حكايةً عن السيدة مريم عليها السلام: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [آل عمران: 35].
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "جزء في التهنئة في الأعياد" (ص: 44، ط. دار البشائر الإسلامية): [وقد ورد في خصوص "تقبَّل الله" دليل قوي لمشروعيَّةِ ذلك لمن فعل مأموراته أن يسأل الله تعالى يتقبل الله منه ذلك، وهو ما حكى الله تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام وولده حين بنيا الكعبة؛ حيث قال: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ..﴾ الآية] اهـ.
واستحبت الشريعة للمسلمين أن يُهَنِّئَ بعضُهم بعضًا ويدعو بعضهم لبعض بالقبول في خواتيم العبادات؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو للحاج عند تمام حجه، ولصائم رمضان عند فطره، وللتائب من الذنب عند توبته؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أريد هذه النَّاحية الحج، فمشى معه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «يَا غُلَامُ، زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى، وَوَجَّهَكَ الْخَيْرَ، وَكَفَاكَ الْهَمَّ»، فلما رجع الغلام سلَّم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرفع رأسه إليه وقال: «يَا غُلَامُ، قَبِلَ اللهُ حَجَّكَ، وَكَفَّرَ ذَنْبَكَ، وَأَخْلَفَ نَفَقَتَكَ» أخرجه الإمام الطَّبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والإمام ابن السني في "عمل اليوم الليلة".
وقد صَّنف جماعةٌ من العلماء في استحباب الدعاء بالقبول عند الفراغ من العبادات، واستحباب التهنئة عند حصول النعم؛ كالحافظ ابن حجر العسقلاني في "جزء التهنئة في الأعياد"، والحافظ الجلال السيوطي في "وصول الأماني بأصول التهاني"، والعلامة الزرقاني في "رسالة في التهنئة والتعزية والإصلاح بين الناس"، كما تُستَحَبُّ التهنئةُ أيضًا على حصول النعم الدينية والدنيوية؛ كالدعاء لمن اشترى ثوبًا جديدًا، ولمن وُلِدَ له مولودٌ.
وقد يجتمع استحباب الدعاء بالقبول والتهنئة بالنعمة؛ كما في العيد حيث الدعاء بقبول العبادة السابقة؛ صومًا أو حجًّا أو أعمالًا صالحة في العشر الأول من ذي الحجة، والتهنئة بقدوم العيد، بل إنَّ الدُّعاء بالقبول والتهنئة بالنعمة يجتمعان على مورد واحد؛ لأن القبول من الله أعظم نعمة، والتهنئة على ذلك مقدَّمة على غيره.
ودعاءُ المسلمِ لأخيه بقبول العبادة عقب الفراغ منها وارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة العيد، ومأثور عن الصحابة والتابعين والسلف الصالحين؛ فعن خالد بن معدان قال: لقيت واثلة بن الأسقع رضي الله عنه في يوم عيد، فقلت: تقبل الله منا ومنك، فقال: نعم، تقبل الله منا ومنك، قال واثلة: لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عيدٍ، فقلت: تقبل الله منا ومنك، قال: «نَعَمْ، تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" و"الدعاء"، والبيهقي في "السنن الكبرى".
وعلى هذا درج السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم سلفًا وخلفًا؛ فعن جُبَير بن نفير قال: "كان أصحاب النبي صلى اللهُ عليه وآله وسلَّم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبَّل الله منا ومنك" أخرجه المحاملي في "المحامليات"، وإسناده حسن كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 446، ط. دار المعرفة)، وحسّنه السيوطي، والقسطلاني.
وعن عبد الله بن يوسف قال: "سألتُ اللّيث بن سعدٍ عما يقول الناس بعضهم لبعضٍ في أعيادهم: تقبل الله منا ومنكم وَغفر لنا وَلكم؟ فَقَالَ اللَّيْث: أدْركْتُ النَّاس وهم يَقُولُونَ ذَلِك بَعضهم لبَعض، وَفِيهِمْ إِذْ ذَاك بَقِيَّة. قَالَ: وَكَانَ ابْن سِيرِين لَا يزِيد أَن يَقُول للرجل إِذا قدم من حج أَو غَزْوَة أَو فِي عيد: قَبِلَ اللهُ منا ومنكم، وَغفر لنا وَلكم" أخرجه ابن الأبار في "التكملة لكتاب الصلة" (2/ 171، ط. دار الفكر).
وعن محمد بن حرب الحمصي قال: "صلّى إلى جانبي محمد بن زياد يوم عيد، فلما سلم الإمام قال: تقبل الله منا ومنكم، وزكّى أعمالنا وأعمالكم، وجعلها في موازيننا، فقلت له: يا أبا سفيان، كان السلف يفعل هذا؟ قال: نعم، إذا صلى الإمام فعل ذلك، فقال: تقبل الله منا ومنكم، فقلت: أبو أمامة كان يفعل ذلك؟ قال: نعم" أخرجه ابن الشجري في "الأمالي" (2/ 70، ط. دار الكتب العلمية).
وعن صفوان بن عمرو السكسكي قال: "سمعت عبد الله بن بسر، وعبد الرحمن بن عائذ، وجبير بن نفير، وخالد بن معدان، يقال لهم في أيام الأعياد: تقبل الله منا ومنكم، ويقولون ذلك لغيرهم" أخرجه قوام السنة في "الترغيب والترهيب" (1/ 251، ط. دار الحديث).
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 295-296، ط. مكتبة القاهرة): [قال أحمد رحمه الله: ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: "تقبل الله منا ومنك"، وقال حرب: سئل أحمد عن قول الناس في العيدين: تقبل الله ومنكم؟ قال: "لا بأس به؛ يرويه أهل الشام عن أبي أمامة رضي الله عنه"، قيل: وواثلة بن الأسقع رضي الله عنه؟ قال: "نعم"، قيل: فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد؟ قال: "لا". وذكر ابن عقيل في تهنئة العيد أحاديث؛ منها: أن محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم رضي الله عنهم، فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: "تقبل الله منا ومنك"، وقال أحمد: إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد، وقال علي بن ثابت: سألت مالك بن أنس رحمه الله منذ خمس وثلاثين سنة، وقال: "لم يزل يُعرَف هذا بالمدينة"] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الصلاة الانتهاء من الصلاة دار الإفتاء النبی صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه ل الله م
إقرأ أيضاً:
خطبتي الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
المناطق_واس
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ياسر الدوسري، المسلمين بتقوى الله عز وجل، فهي الزيادة المأمولة، ومفتاح القبول، وطريق الوصول، وبها تعمّ البركات، وتدفع الآفات، وتستجيب الدعوات.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: “إن الدعاء سلوة المناجين، وأمان الخائفين، وملاذ المضطرين، فهو حبل ممدود بين الأرض والسماء، وهو المغنم بلا عناء، وأعجز الناس من عَجز عن الدعاء، كما أخبر بذلك خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام”.
أخبار قد تهمك المياه الوطنية تعلن جاهزيتها لاستقبال زوار المدينة المنورة بتوزيع 615 ألف م3 يوميًا 13 مايو 2025 - 5:16 مساءً وكالة الشؤون الدينية بالمسجد النبوي تطلق خطتها التشغيلية لموسم حج 1446هـ 12 مايو 2025 - 6:54 مساءًوأكد الدكتور ياسر، أن الدعاء من أعظم أسباب التوفيق والنجاح، فيه تنزل الرحمات، وتهب الخيرات، وبه ترفع المصائب والعقوبات، وتدفع النوايب والكُربات، فكم من نعمة به مُنحت، وكم من نعمة به رُفعت، وكم من خطيئة به غُفرت، فما جلبت النعم ولا استدفعت النقم بمثل الدعاء، فنوح عليه السلام دعا من أعرضوا عن دعوته، وأصروا واستكبروا استكبارًا.
وبيّن فضيلته أن للدعاء آدابًا مرعية يحسن التزامها، وله موانع شرعية ينبغي اجتنابها، تأدبًا من العبد مع ربه، وتقربًا لإجابة دعائه وطلبه، أولها: إخلاص الدعاء لله تعالى، فالدعاء هو العبادة، والعبادة لا تُصرف إلا لله وحده، وثانيها: متابعة سنة النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، فَمِنْ هديه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الدعاء؛ أَنَّهُ كان يبدأ بالثناء على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، امتثالًا لقوله تعالى: (وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، ثمَّ يشفع ذلك بالصلاة على رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، ويدعو بجوامع الكَلِمِ.
ونوه فضيلته إلى أن موانع إجابة الدعاء: أكل الحرام، وأن يدعو العبد وقلبه غافل، وليحذر المرء من الاعتداء في الدعاء كأن يدعو بإثم أو قطيعة رحم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمِ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ» رواه مسلم.
وحث الشيخ الدوسري على الدعاء لمن تكالبت عليه الهموم والغموم، وضاقت عليه الأرضُ بما رحبت، وأرهقته الأمراض وأغرقته الديون، وأثقلته المعاصي والذنوب فعند الله الفرج، ولا يهلك مع الدعاء أحد، ولا يخيب مَنْ الله رجا وقصد.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام: إلى أن أيام الحج من أعظم مواسم الطاعات، وأرجى أوقات إجابة الدعوات، فاغتنموها برفع الأكف وسكب العبرات، رجاء القبول وقضاء الحاجات، وغفران الذنوب وتكفير السيئات، ومن نوى الحج وقصد البيت الحرام، فليأتِ البيوت من أبوابها، وليؤد الفريضة على وجهها، وليتأدب بآداب الشريعة، وليلتزم بأنظمة هذه الدولة الرشيدة، ومن ذلك ما أكدت عليه الجهات المعنية من اشتراط الحصول على تصريح الحج مراعاة للمصالح الشرعية ، فالحج عبادة جليلة، مبناها على التيسير ورفع الحرج، وقد جاءَتِ الشريعة بجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، ولا يتم ذلك بالفوضى، ولا بمخالفة ولاة الأمر ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي».
كما أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة، فضيلة الشيخ الدكتور خالد المهنا، المسلمين في خطبته بتقوى الله ومراقبته، فهي منبع الفضائل، ومجمع الشمائل، وأمنع المعاقل، ومن تمسك بأسبابها نجا.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي: “إن العبد الموفق المنوَّر الطريق، لمن سار إلى ربه سيرًا مستقيمًا غير ذي عوج، مقتربًا من مولاه الجليل، لا ناكبًا عن الصراط، ولا ضالًا عن سواء السبيل، يدنو من ربه بأعماله الصالحة الخالصة، على نور من ربه، محبًا له كمال الحب، معظِّمًا غاية التعظيم والإجلال، متذلِّلًا لمولاه تمام الذل، مفتقرًا إليه الافتقار كله، راجيًا ثوابه، خائفًا من عقابه، متحققًا بصفات من أمر الله بالاقتداء بهم من النبيين والمرسلين، وخيار عباد الله الصالحين الذين قال فيهم سبحانه: (أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا)”.
وأشار فضيلته إلى أن أعظم ما يُدني العبد من ربه، ويُقرِّبه إلى مولاه، أداءُ فرائضه التي افترضها عليه، كما دل على ذلك قوله جل جلاله في الحديث الإلهي: (وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضتُه عليه)، ولا شيء أحب إليه سبحانه من توحيده في عبادته، وإخلاص الدين له، وهو أعظم فرائض الله على عباده، ولا شيء أبغض إليه من الشرك به، وهو أعظم ما نهى سبحانه عنه.
وبيَّن أن أجَلَّ فرائض الإسلام، وأولاها بالاهتمام، مؤكدًا أن ما يقرب إلى الملك القدوس السلام، فريضة الصلاة، قال الله تعالى لنبيه: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب)، وقال عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء).
وإنما كان ذلك لأن سجود العبد في صلاته نهاية العبودية والذل، ولله غاية العزة، وله العزة التي لا مقدار لها، فكلما بعدت من صفته، قربت من جنته، ودنوت من جواره في داره.
ومضى فضيلته قائلًا: لا يزال العبد المحب لربه يتقرب إليه بعد فرائض الدين بالنوافل، ويتبع الواجبات بالمستحبات والفضائل، حتى يحبه ربه، ومن أحبه الله كان له وليًّا ونصيرًا، فعصم سمعه وبصره عن المحرمات، ووقى يده عن العدوان، ورجله عن المشي إلى مساخط الله، فلم يمشِ بها إلا إلى مراضي ربه ومولاه، فتزكت بذلك نفسه، وطهر قلبه، فكان قريبًا من رب الأرض والسماوات، مجاب الدعوات، كما دل على ذلك قوله سبحانه في الحديث الرباني: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه).
وأشار إمام وخطيب المسجد النبوي إلى أنه تقرّب إلى الله خيارُ عبادهِ، وتوسلوا إليه بأعمالهم الصالحة، وأوفوا بعهدهم الذي عاهدوا، فقربهم سبحانه غاية القرب، حتى بلغ أعلى منازل القرب منهم عبداه محمدًا وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، فاتخذ كلًا منهما خليلًا، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لو كنتُ متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر، ولكن صاحبكم خليل الله)، وجعل منزلة روحيهما في البرزخ في أعلى المنازل، ودرجتهما في الجنة أعلى الدرجات، ثم بعدهما في القرب موسى الكليم عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم، ثم عيسى، ثم نوح، ثم سائر الرسل والأنبياء عليهم السلام، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وعلي، ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، بحسب سبقهم إلى الإيمان، وهجرتهم، وجهادهم مع رسول الله، ثم أصحاب الأنبياء عليهم السلام، ثم خيار هذه الأمة من التابعين وتابعيهم، وأئمة الهدى من هذه الأمة من العلماء والأولياء.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي خطبته مبينًا أنه من فضل الله على عباده وتيسيره عليهم وإكرامه لهم، أنه لم يشرع لعباده أن يجعلوا بينهم وبينه وسائط من الخلق يرفعون إليه حوائجهم، ويتوسلون بهم إلى ربهم، ويسألونهم أن يُدنوهم من مولاهم، وإنما فتح للعبيد أبواب فضله ورحمته، ليتقربوا إليه بأعمالهم الصالحة، وليدنوا منه بمناجاتهم إياه، لا يُناجون أحدًا سواه، ولا يدعون غيره، ولا يطلبون من غيره القرب إليه سبحانه، بل إياه يدعون فيعطيهم، وإليه يزدلفون فيُدنيهم.