سودانايل:
2025-06-03@03:03:17 GMT

على هامش الرؤية: تراث الإمام الراحل الصادق المهدي

تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT

تشرفت بدعوة كريمة من المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي، لحضور ندوة بالتعاون مع اتحاد كتاب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بعنوان "السياسة والدين والثقافة…الأعمال الكاملة للإمام الصادق المهدي” ، بمشاركة نخبة من المثقفين السودانيين والمصريين، وتزامنت الندوة مع ذكرى مولده وبمناسبة صدور المجلد الاول (من عشر اجزاء) من الأعمال الكاملة للإمام.



حسب رايي فقد تميزت السياسة السودانية المعاصرة بغياب الرؤية، حيث انتقلت من رؤية المهدي في التجديد الديني والاقتصادي والاجتماعي(على الاقل نظرياً) إلى رؤية الاستعمار في نهب البلاد لصالحة وتشييد بنية اقتصادية وتسندها بنيات سياسية واجتماعية تصب لصالحه. منذ الاستقلال لم تفلح الطبقة السياسية السودانية في الاتفاق على رؤية وطنية، رغم وجود المفكرين والمثقفين والمدارس الفكرية المؤهلة لذلك.

احد ابرز هؤلاء كان الإمام الراحل، الذي اتيحت له الفرص التاريخية والسياسية والحياتية. تاريخياً فقد ورث تراث المهدية والتي قامت بشكل أساسي على تحرير الوطن من الاحتلال، وتوحد العالم الإسلامي عبر توحد السودان وتطوره في ادبيات كثيرة، ثم حياة جده الإمام عبد الرحمن الذي أعاد بناء كيان الانصار وحزب المهديين مع تميز به من حكمة واستنارة وأضخمها اعادة توحيد دارفور مع السودان سياسيا، واجتماعياً وليس عسكرياً فقط، ووالده الإمام الراحل الصديق كان رؤيوياً وطرح الاعتماد على المباديء الإسلامية والتنمية لمعالجة التهميش.

درس الامام في معقل الفكر الأوربي وانفتح على مدارسه الفكرية وبدا مبكراً في معالجة مشكلات السودان الأساسية: مشكلة الجنوب واصدر كتاباً حولها وطرق حلها، ثم كتاباً عن علاقات الانتاج الزراعي وحل إشكاليتها وطبق حكومياً في اصدار قانون الاصلاح الزراعي في الستينات. وكتب عن تطوير النفوذ الطائفي والقبلي. اتيحت للأمام على مدى عقود ان يساهم في أنشطة محلية ودولية ومشاركات والتعرف على إشكالات جديدة والكتابة حولها. لقد كان الامام في عشية رحيله محيطاً بالسياسة والدين والثقافة والجيوبوليتيكا.

كانت فرصة الامام الضائعة في البدء بتوحيد السودانيين حول رؤية سودانية ، لانه كان يملك مقدرات فكرية وعلاقات اجتماعية باغلب مثقفي جيله ووصل إلى السلطة في الستينات والثمانينات وسط زخم تاييد شعبي كبير. لقد تناولت الفرصة الضائعة في كتاب الرؤية السودانية الكتاب الاول تحت عنوان الصادق المهدي (١٠٧-١٢٢)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. واهتم هنا بالعلم الذي ينتفع به. ترك الإمام الراحل مايمكن ان يعد اكبر تراث فكري لفرد في تاريخ السودان، كتباً مطبوعة، أوراق علمية، مقالات، تسجيلات صوتية ورقمية، لكن بعكس الكثير من الكتاب والعاملين بالفكر قيض الله له ماكان قد استعد له منذ صباه، مكتباً لمتابعة وحفظ وترتيب ونشر تراثه مما لم يتح لاي سوداني. اعتبر هذا جزء من استعادة الوطن تأريخاً وذكريات وامل في المستقبل واتمنى ان يواصل السودانيين في هذا الجهد الضروري والهام.

هذا التراث الثري والذي تناول فيه آلامام كل تفاصيل الحياة من كافة جوانبها، خاصة كتابه ميزان المصير الوطني والتي لخص فيها الإشكالات التي تواجه السودان واتجاهات المستقبل، ووثيقة الخلاص (الجزء الاول وكنت اسمع ان هناك جزء ثاني) والتي اصدرها حزب الامة ومقالات نشرت في سنواته الاخيرة، هي جزء من الذخيرة المعرفية التي ينبغي ان تأسس عليها الرؤية الوطنية السودانية. ان على القائمين على نشر ارث الامام مسئولية استخراج ملامح المشروع الوطني الذي كتب عنه وبحث ودرس كإعمال تحضيرية للجنة او الهيئة المكلفة بالسعي لكتابة رؤية السودان.

الرؤية الوطنية السودانية هو يجب ان يشمل نتاج ومساهمات كل المثقفين والمفكرين ومجمل المنتجين الفكريين وتخضع لنقاش مجتمعي كبير (ارجع لكتاب الروية السودانية، نحو اطار عام للرؤية لتفاصيل انشاء الرؤية الهندية)، وفي هذا فان فكر الامام رافد كبير في المجاري التي ستصب في هذا النهر الذي من المأمول سوف يقودنا إلى المستقبل.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الصادق المهدی الإمام الراحل

إقرأ أيضاً:

نغوغي وا ثيونغو وكرازيات الحرب السودانية

معرفة أولية بالتاريخ توضح أن الغزاة في كل زمان ومكان وجدوا جماعات محلية عاونتهم علي أوطانهم. بما في ذلك تجار العبيد الأوروبيين الذين عاونهم أفارقة صادوا أخوتهم وسلموهم لتجار الرقيق البيض بثمن بخس.

لذلك لا يفاجئنا وقوف جماعات تسترزق من السياسة مع الغزو الأجنبي للسودان – إما عن إحتياج، والزمان مسغبة، أو عن طمع البحر ما بيابا الزيادة.

ولم يكن ملفتا المحاولات اليائسة لابواق هذه الجماعة إسقاط البعد الأجنبي في هذه الحرب بمختلف الأكروبات البائسة. لان التعريف الصحيح للحرب يضع هذه الأبواق في حرج يكشف أنها تقف في صف الغزاة وتخدم هم كبيادق إعلامية أشد خطرا من الجنجويدي المقاتل بسلاحه.
ولا أحد يحب أن ينظر في مرآة الحقيقة التي تكشف له أنه يقف موقف الأسود الذي صاد أخوته وباعهم لتاجر الرقيق الأوروبي. وحل هذه المعضلة يتم بكسر مرآة الحقيقة بقصفها بسيل من حجارة الأكاذيب المتكوبة والمنطوقة.

ويتم هذا الإسقاط إما بالسكوت عن الدور الخارجي الذي يمول ويسلح بمليارات أو بتقليل شأنه أو بالرجوع لان هذه الحرب بدات بين أطراف سودانية ثم القول أن تدخل جهات أجنبية في الحروب الأهلية تطورا طبيعيا ومتوقعا ويحدث في كل الحروب – وفي هذا تبرير كسيح. إذ تذهل هذه الأبواق عن الفرق الشاسع بين تدخل أجنبي محدود – مثل دعم أثيوبيا لحركة قرنق – يدعم هذا الطرف أو ذاك وبين توفير أحدث الأسلحة والتمويل الملياري وتجنيد المرتزقة للانخراط في الحرب من أمريكا الجنوبية ودول أفريقيا باحدث تكنولجيات الدمار.

أضف إلي ذلك أنه حتي لو قبلنا حجة أن الحرب بدات بين أطراف سودانية فإن التدخل الأجنبي الكثيف لاحقا يعني إنها في نسختها الحالية عبارة عن غزو أجنبي كامل الدسم لتركيع الدولة السودانية وتقحيب المواطن السوداني علي نفس درجة تدنيس المتعاونين مع الغزاة.
ولا أحد يدري ماذا يدفع جهات أجنبية للتدخل بكل هذا الثقل المالي والسياسي والدبلوماسي في حرب بدات بين أطراف محلية. الإحتمال الأرجح أن هذه الجهات الأجنبية كانت دائما محرك الدمي من خلف الكواليس. ولكن حتي لو حضرت هذه الجهات لاحقا فان طبيعة الحرب في بدايتها لا تنفي أنها لان لا تقل عن غزو أجنبي بائن بينونة كبري في تقارير المنظمات الدولية وفي الصحافة العالمية حتي تلك المعادية للكيزان والجيش والدولة السودانية.

إن الكلمة أهم ساحات هذه الحرب ومن ذلك تاتي أهمية تعريف طبيعهتها. وكما قلنا، لا يدهشنا تعاون الكادر المحلى مع الغزاة ولكن تصدمنا جرأته علي الحق ومحاولاته اليائسة لإسقاط العامل الخارجي في معادلة الحرب – تصدمنا ولكن لا تفاجئنا. وهذا الكادر لا ينقصه علم ولا ذكاء وهو يعرف حقيقة هذه الحرب أكثر منا. وحتي لو فاجأه تحور حرب أهلية إلي غزو، يظل بإمكانه مراجعة موقفه وإتخاذ موقع جديد بناء علي الحقيقة الراهنة للحرب. ولكن دبيب في خشمو جرادة أو في محه زردية لا يستطيع ذلك. وهكذا يضطر كادر المخبر المحلى للكذب المفضوح بإنكار البعد الخارجي بأكروبات لا تسلي حتي لو تمزقت أرديته وتنوراته وهو قالب هوبة لغوية.

تساءل الكاتب الكيني المجيد الذي رحل قبل أيام – نغوغي وا ثيونغو: “لماذا سمحت أفريقيا لأوروبا بنقل ملايين الأرواح الأفريقية من القارة إلى أقاصي الأرض؟ كيف لأوروبا أن تتحكم بقارةٍ تبلغ مساحتها عشرة أضعاف مساحتها؟ لماذا تستمر أفريقيا المحتاجة في ترك ثرواتها تُلبي احتياجات من هم خارج حدودها، ثم تتبعها بأيدٍ ممدودةٍ للحصول على قرضٍ من الثروة التي تخلت عنها؟ كيف وصلنا إلى هذا، أن أفضل قائد هو من يعرف كيف يتسول للحصول على نصيبٍ مما تبرع به بالفعل بثمنٍ باهظ؟ أين مستقبل أفريقيا؟” .

لا شك أن في وجود طبقة محلية دائما علي إستعداد لمعاونة الغزاة جزءا من الإجابة علي سؤال نغوغي وا ثيونغو، وهذه الطبقة وجدت منذ، أو قبل، أيام صيد العبيد إلي أيام دك البنية التحتية السودانية بالمسيرات الأجنبية إلي مسرح الكرزايات في كابول إلي أيام الغزو الأمريكي للعراق واحمد جلبي وكنعان مكية الذي أطربه صوت القنابل المتساقطة علي بغداد مثل موسيقي حالمة في أذنيه. ولم يكن في نواح الأمهات وبكاء الأيتام بأمر القنابل أي نشاز يفسد طرب المخبرين المحليين بموسيقي القصف الأجنبي لاهلهم وسبل معاشهم. وهكذا.

معتصم أقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • «العدل والمساواة» تعترض على قرار حل الحكومة السودانية
  • لقاء نقابي سوري- تركي على هامش مؤتمر العمل في جنيف يؤكد ‏ضرورة تعزيز الحماية الاجتماعية للعمال
  • مباحثات أمنية بين مديري المخابرات السودانية والإثيوبية في بورتسودان
  • رئيس جامعة القاهرة يوجه بضرورة متابعة الحالة الإنشائية للأبنية التعليمية
  • وكالة الأنباء السودانية: رئيس الوزراء الجديد يحل حكومة تصريف الأعمال
  • كامل إدريس يعلن حل الحكومة السودانية الحالية
  • إنبي يكرم أسرة أحمد رفعت على هامش احتفالية تكريم أبطال النادي
  • الصادق يدعو إلى محاسبة هؤلاء!
  • بعد توليه رئاسة الحكومة السودانية.. من هو كامل إدريس؟
  • نغوغي وا ثيونغو وكرازيات الحرب السودانية