خطيب الجامع الأزهر : الدستور الإلهي نظام هداية وعمل وبناء في الدنيا
تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور حسن الصغير، رئيس أكاديمية الأزهر العالمية للتدريب، والتى دار موضوعها حول "عام جديد.. أمل وعمل".
الله تعالى أعطى للعبد الفرصة في الحياة ليراجع نفسه
وقال د. حسن الصغير، إن الأيام والأعوام من تقدير الله فعام يدبر وعام يقبل، والبشر في إقبال الأعوام وإدبارها فريق يحسبها بسير القمر وآخر بدوران الشمس، وجعل الله سبحانه وتعالى دوران الفلك وتعاقب الأيام وتوالي الليل والنهار آية بها يدرك الإنسان ما له وما عليه، مبينا أن في القرآن بيان لهذا المنهج الإلهي الرباني الذي يعلم الناس ويذكرهم بأن إدبار الأعوام وإقبال ما بعدها، وتوالي الأيام وتعاقبها، سبيل للتذكير ولأن يتولي الإنسان بنفسه حساب عمله قبل أن يحاسبه ربه.
وأضاف خطيب الجامع الأزهر ، أن الله عزّ وجلَّ لم يخلقنا عبثاً، بل لغاية ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وفى عبادة الله إيمان وعلم، وعمل وإصلاح، وإعمار للكون لتجديد معنى الخلافة في الأرض؛ بينه المولي تبارك وتعالي في سورة الإسراء قال تعالي: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾. القانون الإلهي قانون هداية ونظام واجب تمهيداً لقانون الآخرة.
وأشار د الصغير، إلى أن الدنيا عمل وتكليف وسعي وكد وفي الآخرة الحساب، شاء المولي تبارك وتعالي أن يجعل لنا في الحياة مجالاً للحساب قبل حساب الآخرة، وللإستدراك قبل ألا يكون هناك مكان للإستدراك، فالإيمان والعمل يذكران العبد بعلاقته بربه، وبنفسه وبالناس أجمعين، وبعد تحقيق الإيمان وإحسان العمل، دع التدبير للمولي عزَّ وجلَّ، ولا تتعجل، فقد يأتيك الخير من حيث لا تدري؛ عليك فقط بأن تصبر وتسلم أمرك لله.
وبيّن خطيب الجامع الأزهر، أن المولي جل وعلا يذكرنا بأن نهج الإيمان والعمل وما يترتب عليهما في الدنيا من خير أو شر، يجب أن يخضع للحساب، وألا يغفل نغفل عن ذلك حتي تأتينا الساعة فنقول: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾، قال تعالي: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾. خلقنا ربنا، وعلمنا الحساب، وعلمنا القرآن والبيان.
وأوضح أنه من رحمة الله أن جعل الإنسان في دنياه بتراكم الأيام والأعوام يقوم بعمل كشف حساب لما مَرَّ في حياته، ليذكره بأن كل ما عمله الإنسان في هذه الحياة الدنيا، سيلقاه يوم القيامة، في كتابه الذى يوضح ما له وما عليه. قال تعالي: ﴿وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمنَٰهُ طَٰٓئِرَهُ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلقَىٰهُ مَنشُورًا (13) ٱقرَأ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفسِكَ ٱليَومَ عَلَيكَ حَسِيبٗا (14) مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَة وِزرَ أُخرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبعَثَ رَسُولٗا﴾، ففي الأخرة تكون المحاسبة، يقرأ كل عبد كتابه بنفسه، كتاب لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وسجلها منذ أن جري عليه التكليف.
وتابع: ومع ذلك فالله سبحانه وتعالى أعطي للعبد الفرصة في الحياة ليراجع نفسه ويتدارك الأخطاء وأن يرجع ويتوب إلى الله الذي يقبل توبة عبده الصادقة، قال تعالي: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. مَرَّ عام، قم باستعراض ما كان في ذلك العام مع الله، مع نفسك، ومع الناس، راجع وحاسب نفسك ولا تيأس من رحمة الله وارجع إليه سبحانه، فبابه مفتوح لا يُسد. قال تعالي: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾. وابدأ عامك الجديد بالجد في العمل والطاعة، حاسب نفسك وزن أعمالك قبل أن توزن عليك، وتزود من التقوي والعمل الصالح. قال تعالي: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ﴾.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الأزهر خطبة الجمعة اليوم خطيب الجامع الأزهر
إقرأ أيضاً:
مشرف الرواق الأزهري: الاجتهاد فريضة إسلامية والحرية الفكرية منهج علماء هذه الأمة
عقد الجامع الأزهر اليوم الثلاثاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، تحت عنوان: “مكانة العقل وبناء المجتمع”.
وجاء ذلك بحضور كل من د. عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية بالرواق الأزهري، ود. مجدي عبد الغفار، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية السابق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة، تقديم الإعلامي دكتور محمد مصطفى.
ملتقى الجامع الأزهر للقضايا المعاصرةقال الدكتور عبد المنعم فؤاد في بداية الملتقى على أن الادعاء بجمود الإسلام وغياب الحراك الفكري والاجتهاد فيه هو جهل بحقيقته، فالعلاقة بين العقل والدين في الإسلام متجذرة، حيث يمثل القرآن الكريم إعجازًا عقليًا يدفع المؤمن نحو التفكر والتدبر، ويتجلى هذا التكامل في نهج النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان يضع كل كلمة في محلها، فتحمل كلامه معاني ومغازي عميقة؛ ولذا يوصف بأنه "سيد العقلاء"، فالإسلام، الذي جاء به النبي، هو الذي علمنا منهج التفكر والتدبر، والقرآن الكريم هو أساس الفهم والتدبر لا مجرد الاستسلام السلبي للأوامر.
وأضاف الدكتور عبد المنعم فؤاد، أن علماء الأمة الإسلامية هم أول من أسسوا لمنهج الحرية الفكرية، ويتجلى ذلك في التنوع الفقهي والمنهجي بين رخص ابن عباس، وعزائم ابن عمر، وعقلية أبي حنيفة، وواقعية الإمام الشافعي، ومنطقية الغزالي، وموسوعية ابن تيمية، ورقائق الجيلاني، وفلسفة ابن رشد، ومنهجية الرازي، ووسطية الأزهر؛ لأن الاجتهاد فريضة إسلامية، وتتأكد هذه الحقيقة بالنظر إلى منهج الإمام أبي حنيفة القائم على اجتهاده واجتهاد تلاميذه أبي يوسف ومحمد الذين كان يأخذ بآرائهم رغم اختلافهم، وكذا بتعدد فتاوى الإمام الشافعي للمسألة الواحدة بين العراق ومصر، ووجود أكثر من فتوى لبعض المسائل عند الإمام أحمد بن حنبل.
هل يجب على المرأة خدمة زوجها؟ عالم أزهري يجيب
أعضاء لجنة تحكيم جائزة زايد للأخوة الإنسانية يشيدون بمسيرة الأزهر في بناء الجسور بين الثقافات
ملتقى المرأة بالجامع الأزهر يستعرض التشخيص النفسي والعلاج الديني لمواجهة التفكك الأسري
وكيل الأزهر يهنئ وزير الرياضة برئاسة لجنة التربية البدنية باليونسكو
وأكد المشرف العام على الأنشطة العلمية بالرواق الأزهري، على المنزلة المحورية للعقل في الإسلام، ولو نظرنا في القرآن الكريم نجد أن كلمة "العقل" ومشتقاتها وردت فيه ما يزيد عن 300 مرة، وتتجلى هذه الأهمية القصوى في أن التكليف الشرعي يسقط عن غير العاقل؛ فالعقل هو مناط التكليف، وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة بلسان أهل النار أنفسهم، حيث قالوا: "قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير"، مما يبرهن على أن قضية العقل بالغة الأهمية؛ إذ هو الأداة الأساسية التي تمكن الإنسان من معرفة المولى سبحانه وتعالى واستيعاب رسالته، مؤكدًا بذلك أن الإسلام دين يقوم على الاقتناع الفكري والبحث عن الحقيقة، لا على التسليم الأعمى.
الدكتور مجدي عبد الغفار: العقل هو الميزان الذي يحدد مكانة الفرد في مجتمعه، وهو الأداة لإعمار الأرضمن جانبه أكد الدكتور مجدي عبد الغفار أن نعمة العقل هي من أجل النعم على الإطلاق، فهي الميزان الذي يحدد مكانة الفرد في مجتمعه، والأداة الأساسية التي يتحقق بها إعمار الإنسان للأرض، وبناءً على ذلك، وأن أي مسعى لـ "عمار" بلادنا وأوطاننا وأمتنا يقوم على ثلاثة أركان جوهرية: الإنسان، حيث يكون (الإنسان قبل البنيان)، ثم يليه ركن الوعي، والركن الثالث هو العبادة (الساجد قبل المساجد).
وأوضح الدكتور مجدي عبد الغفار أن التدبر في آيات الكون هو المنهج الإلهي الذي سلكه المولى – سبحانه وتعالى- مع سيدنا إبراهيم عليه السلام للوصول إلى اليقين، حيث قال تعالى: " وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ" وهذا التوجيه الرباني بالنظر والتفكر يجب أن يلتزم به الدعاة والعلماء اليوم، لأنه هو الحديث الأكثر نفعًا وفائدة، وهو المنهج الذي سار عليه السلف من علماء هذه الأمة، فنجد قول أحد علمائها الإمام الجويني: "لولا العقل ما فهمنا حقيقة النقل"، لأن العقل هو أساس التكليف، والنقل (الشرع) هو أساس الهداية، ولا يوجد أي تعارض أو خلاف بينهما؛ فكلاهما مصدر للعلم والمعرفة، ويعملان بتناغم للوصول إلى الحقائق الإيمانية والكونية.