توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إدارة المعرفة بالمؤسسات التعليمية
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
تسعى المؤسسات الحكومية والخاصة والشركات الكبرى منها والصغيرة إلى زيادة إنتاجيتها، وتتخذ في سبيل ذلك الخطوات المختلفة وتعقد الدورات المتنوعة، ذلك أن تقييم تلك الشركات والمؤسسات مرهون بارتفاع إنتاجيتها في المحيط الموجودة فيه.
إحدى الطرق التي يتبعها المسؤولون هي الاعتماد على نظام لإدارة المعرفة، وهو مفهوم واسع وشامل، يكاد تكون عملية حفظ بيانات الشركة أو المؤسسة ومعلوماتها وخططها في مكان آمن يسهل وصول الموظفين إليه عند الحاجة الجزء الأهم فيه.
وفي ظل التطورات التكنولوجية الهائلة، لجأت كثير من الشركات والمؤسسات إلى الاعتماد على تطبيقات الذكاء الصناعي في إدارة المعرفة، إذ تحاكي هذه البرمجيات أعمال البشر، وتقوم بعمليات تشبه إلى حد كبير ما يقوم به العقل البشري من مسح البيانات ومقارنتها وتحليلها، وبناء على ذلك اتخاذ القرارات، وفائدة هذا الأمر أنه يتيح تخصيص الوقت الأكبر من عملية تحليل البيانات للنتائج المراد تحقيقها، فلا هدر للجهد والوقت، الأمر الذي يدفع الموظفين للعمل على تحقيق تلك النتائج المحددة، وتلقي المساعدة والعون حولها بالضبط، وتطوير مهاراتهم وقدراتهم في التعامل مع العمليات المشابهة، إضافة إلى حفظ هذه العمليات وتخزينها، والتعلّم منها مستقبلًا.
ميزة أخرى أضافتها تطبيقات الذكاء الصناعي أنها ساعدت الشركات والمؤسسات على وضع تصميم مرن وسهل وفعّال للمعرفة، بهدف إدارتها بيسر، إذ لا يكفي وجود المعرفة دون القدرة على إداراتها بالطريقة الصحيحة الفعّالة، فقامت تطبيقات الذكاء الصناعي بوضع تصنيف للمعرفة تحت عناوين يسهل الرجوع إليها عند الحاجة.
- المعرفة الصريحة (المباشرة) وتشمل بيانات الشركة ومعلوماتها، تقارير البحث، دائرة عملياتها والفئة المستهدفة بأعمالها، وخططها ورؤيتها.
- المعرفة الضمنية، وتشمل النتائج التي تظهر بعد التطبيق العملي للأفكار والخطط والمقترحات، مثل المهارات التي يمكن نقلها إلى الزملاء، وتبادلها بين الفرق المختلفة، وأي مهارة أو معرفة تُكتسب في العمل ومن خلال المهمات الروتينية في أثناء يوم العمل، إذ يمكن عقد دورات بين الزملاء لتبادل هذه المهارات.
- المعرفة الكامنة (الذاتية والشخصية) يشمل هذا الجزء في المعرفة النواحي الذاتية، إذ تجد موظفًا حريصًا على تطوير نفسه في مجال عمله، فيقرأ ويشاهد الفيديوهات ويشارك في دورات تدريبية من دافع ذاتي، والجزء الأهم في هذا النوع من أنواع المعرفة هو صعوبة نقلها وتبادلها، فهي غالبًا ناتجة من دافع ذاتي ورغبة شخصية في التغير والتحسّن.
هذه المعارف لها أهمية كبيرة، وتحقق أثرًا واضحًا في المؤسسات عندما تضعها في نظام فعّال يديرها ويوجهها، وقد استجابت سلطنة عُمان لهذه التطورات الهائلة، فخصصت في «رؤية عمان 2040 « مساحة مهمة تضمن جاهزية سلطنة عمان للتحول إلى إنتاج المعرفة والابتكار، عبر تعليم نوعي شامل ومستدام، وبحث علمي يقود إلى مجتمع معرفي وقدرات وطنية منافسة، وهذا الأمر لن يحقق سوى نظام فعّال لإدارة المعرفة في المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى عبر اعتماد تطبيقات الذكاء الصناعي أداة مهمة، وعنصرا فاعلًا يحقق رؤية عُمان في هذا المجال.
توظيف تطبيقات الذكاء الصناعي في إدارة المعرفة في المدارس العُمانية سيوفر جهدا ووقتا في استعادة البيانات وتصنيفها وفرزها، ووضع الروابط بينها، بحيث يكون كل عنصر من عناصر المجتمع المدرسي على دراية بما يحتاجه من بيانات وأين يجدها، إضافة إلى أن تطبيقات الذكاء الصناعي ستساعد العاملين في القطاع التعليمي على معرفة درجة الأهمية في البيانات المحفوظة عن طريق إشارات يضعها الذكاء الصناعي، الأمر الذي يوفّر حماية تلك البيانات وسلامتها، فضلا عن أن تطبيقات الذكاء الصناعي ستحسّن النتائج، وتوفر تجربة استخدام مثيرة للمستخدمين عندما توفّر الجهد والوقت وتعطي نتائج دقيقة ومضمونة.
ربما حان الوقت كي نلتفت بدرجة كافية من الأهمية إلى أهمية تطبيقات الذكاء الصناعي في إدارة معرفتنا التربوية والتعليمية؛ بهدف تحقيق مزيد من الإنتاجية وتحسين المخرجات، والاستثمار أكثر في الذكاء الصناعي وتطبيقاته الآخذة في التوسع والانتشار.
إيمان بنت محمد المعولية مديرة مدرسة مزون للتعليم الأساسي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تطبیقات الذکاء الصناعی إدارة المعرفة فی إدارة
إقرأ أيضاً:
هل روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرّد ضجيج أم أمل حقيقي؟
ترجمة: بدر بن خميـس الظفري
طالما حلم الإنسان بأن تتولّى الآلات عنه الأعمال الشاقّة، وأن تساعده في المهام الذهنية كذلك. وعلى مدى القرون، ازداد اعتماد البشر على الآلات بوتيرة متسارعة، حتى وصلنا اليوم إلى مرحلة باتت فيها الروبوتات تؤدي شتى أنواع المهام اليدوية، وتُظهر مهارات لافتة.
وينطبق الأمر نفسه على الأنشطة الفكرية. فمنذ ظهور برنامج «تشات جي بي تي»، أصبح الجميع يدرك حجم الإمكانات التي يحملها الذكاء الاصطناعي. والمشهد مذهل بالفعل: كيف يمكن لبرامج أن تمتلك هذا القدر من المعرفة، وأن تنتج نصوصا واستنتاجات تبدو منطقية؟ وهل هناك حدّ لما قد تبلغه؟ ولماذا تحتاج هذه الأنظمة إلى موارد هائلة من البيانات والطاقة الحاسوبية؟
لكن لنبدأ من البداية، فمصطلح «الذكاء الاصطناعي» ظهر في خمسينيات القرن الماضي، وصاغه عالم الرياضيات الأمريكي جون مكارثي خلال ورشة عمل كانت مخصّصة للبحث في مستقبل قدرات الحواسيب. وقد قال لاحقا إن المصطلح لم يأت نتيجة تفكير علمي عميق، بل لأنهم أرادوا عنوانا مثيرا يجذب التمويل اللازم للورشة!
ومع ذلك، فإن فكرة الآلة الذكية سبقت ذلك بكثير؛ ففي عام 1939 عرضت شركة «وستنغهاوس» خلال معرض نيويورك العالمي نموذجا بشريّ الشكل يدعى «إلكترو»، قادرا على المشي والكلام والسمع.
وبمعايير اليوم، كان الروبوت بدائيا للغاية، لكنه جسّد مبكرا مفهوم الروبوت الإنساني، وكان يرافقه جهاز آخر على شكل كلب يُسمى «سباركو». وفي عام 1941، قدّم المهندس الألماني كونراد تسوزه أوّل حاسوب حديث، ثم طُوّرت أنظمة التحكم بالحركات الكهربائية عبر الحاسوب في أوائل الخمسينيات ودخلت مرحلة الإنتاج. تلك الخطوات كانت الأساس الذي قامت عليه الأنظمة الحالية، وإن كان أحد في ذلك الوقت لا يتخيّل مدى ما ستصل إليه الحواسيب اليوم.
هذه التطورات تطرح سؤالا أساسيا: هل يمكن للآلات أن تضاهي الذكاء البشري، أو حتى تتجاوزه؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟ أرى أن المسألة تقوم على ثلاثة مستويات.
أولا، درج الذكاء الاصطناعي التقليدي على محاكاة قدرات معرفية بشرية معينة، ولكن ضمن نطاق ضيّق، ومع ذلك، يمكنه إنجاز المهام بسرعة وكفاءة أكبر. من ذلك التفكير الرياضي، ولعب الشطرنج، وقراءة الخرائط للملاحة. اليوم، يُعدّ من المسلّم به أن هذه مهارات بشرية يمكن نقلها إلى الآلات، لكن في عام 1956 كانت أقرب للخيال العلمي.
لقد أصبحت هذه الأحلام واقعا، لكنها لم تعد تُصنّف ضمن «الذكاء الاصطناعي» بالمعنى الشائع. وكما قال مكارثي: «عندما يعمل النظام جيدا، لا يعود أحد يسمّيه ذكاء اصطناعيا». أما الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، وهو الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد دخل الوعي العام بقوة، ويمتاز بقدرته على إنتاج نصوص وصور وأصوات جديدة استجابة لتعليمات تُكتب بلغة طبيعية.
غير أن تدريب هذا النوع من «الذكاء الاصطناعي غير المجسّد» يعتمد على كميات ضخمة من البيانات المأخوذة من الفضاء الرقمي، ويتطلب قدرة حسابية هائلة. وهذا يعني أنه يرتبط بعالمنا الواقعي بشكل غير مباشر للغاية. ثانيا، يمكن إيجاد بيئة رقمية تحاكي قوانين الفيزياء في العالم الحقيقي بهدف إنتاج بيانات أقرب إلى الواقع لتدريب الأنظمة الذكية. في هذه البيئة، تُحاكي الأشياء الافتراضية خصائص الأشياء المادية بدقة كبيرة. فمثلا، تسقط قطرة الماء وتتحرك كما تتحرك في الطبيعة.
وفي هذا «العالم الافتراضي»، أو ما يُعرف بـ«الميتافرس» (العالم الماورائي الرقمي)، يمكن تدريب أنظمة التعلم الآلي على الاستكشاف والتجربة، وتنمية حسّ الفضول والقدرة على التعامل مع تنوّع المواقف.
غير أن هذا العالم، مهما بلغ تشابهُه مع الواقع، يظل من صنع الإنسان ويُصوّر العالم من منظور الإنسان فقط. وبالتالي، لا يمكن أن نتوقع فيه المفاجآت الحقيقية التي شكّلت مسار حياتنا وأسهمت في تطوّر الذكاء البشري.
في المستوى الثالث، يمكن تجاوز تلك القيود من خلال تمكين الحواسيب من العمل باستقلالية داخل العالم الحقيقي عبر الروبوتات التي تستشعر بيئتها باستخدام المجسّات. وبفضل أدوات الحركة المدمجة فيها ـ مثل الأيدي والأذرع والأرجل ـ تستطيع هذه الروبوتات تغيير بيئتها، ثم ملاحظة النتائج المترتبة على ذلك.
وهكذا تنشأ «حلقة مغلقة» تجمع بين الإدراك، والفهم الذكي، وتنفيذ الأفعال. وبذلك يصبح بإمكان الآلة المزوّدة بنظام ذكاء اصطناعي مدمج أو متصل بها خارجيا أن تخرج إلى العالم «بمفردها»، وأن تتعلم وتطوّر ذكاءها الخاص. ويُطلق على هذا النوع من الذكاء اسم «الذكاء المجسّد»، لأنه مرتبط بجسد، ومصمّم بما يتناسب مع خصائص الروبوت نفسه، من طريقة إدراكه للعالم إلى قدرته على التفاعل معه.
ماذا يمكن أن نتوقع في المستقبل؟ من الواضح أن دمج الذكاء الاصطناعي بالروبوتات ـ وليس بالضرورة الروبوتات الشبيهة بالبشر التي تمتلك سيقانا، بل بمختلف أشكالها ـ هو الطريق الذي سيُسهم في جعل الآلات الذكية قادرة على أداء مهام مفيدة.
فإذا استطاعت هذه الكيانات «المجسّدة» أن تفهم عالمنا الحقيقي مباشرة، وأن تمزج هذا الفهم بما اكتسبته من الفضاء الرقمي، فقد يؤدي ذلك إلى تآزر أو علاقة تكاملية تجعل الإنسان أكثر ذكاء وتفتح أمامه آفاقا أوسع بكثير.
ويتحمل واضعو السياسات والباحثون مسؤولية رئيسية في الاستثمار في هذا النوع من الروبوتات باعتباره جزءا أساسيا من مهمتهم في دعم تطور الإنسان. كما أن الفوائد العملية لاستخدام هذه الآلات في عمليات الإنتاج ستظهر بوضوح في المدى القصير والمتوسط.
إن البلدان التي تمتلك أعلى كثافة من الروبوتات ـ مثل الصين، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وألمانيا، واليابان ـ تتمتع بأفضلية إنتاجية هائلة. ومن المتوقع أن يتّسع هذا الفارق بدرجة كبيرة مع دخول الوكلاء المجسّدين إلى خط الإنتاج.
أما الدول التي تمتلك قاعدة صناعية واسعة وموارد بيانات كبيرة، وتعرف كيف توفّق بين البرمجيات وأنظمة الحوسبة المدمجة والمجسّات والميكاترونكس والذكاء الاصطناعي، فهي الأكثر قدرة على طرح هذه الآلات في الأسواق.
وليس من قبيل المصادفة أن هذه الدول هي بالفعل في طليعة صناعة الروبوتات.
ومع الإنجازات اللافتة التي تحققها الشركات الناشئة الصينية في مجال الروبوتات الشبيهة بالبشر، ومع الهدف المعلن للصين بأن تصبح رائدة في الذكاء الاصطناعي المجسّد ـ كما ورد في توصيات الخطة الخمسية الصينية الخامسة عشرة (2026-2030) ومبادرة «الذكاء الاصطناعي بلس» ـ فإننا نتوقع إنجازات كبيرة إذا ما نُفّذت هذه الخطط بذكاء.
كما أن المنافسة الدولية تتصاعد، ما يجعل السنوات المقبلة حبلى بابتكارات لافتة في هذا المجال. وأنا شخصيا لا أطيق الانتظار لرؤية ما سيظهر.