بحضورٍ باهتٍ ووري جثمان الشاعر الغنائي الكبير، أحمد الجابري، اليوم الأحد، الثرى في العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، الأمر الذي أثار استياءً وصدمة بين أوساط اليمنيين.

 

عدد وحضور لا يرقى لمستوى مكانة وعظمة ما قدمه الجابري لليمن فنا وأرضا وإنسانا، في مسيرة امتدت لثمانية عقود، كانت مليئة بالفن والغربة، ونقاء الكلمة، والتعبير الحي المباشر والصافي عن الحب، والوطن، والغربة، والأشجان.

 

نفر قليل من أصدقاء وجيران، في مراسم دفن جثمان الشاعر الجابري، الذي وحد اليمن بأصوات المطربين من عدن ولحج وحتى صنعاء وصعدة، كتب للأرض والإنسان بقصائد غنائية بديعة، سافر إلى أرواح اليمنيين إلى عدن وصنعاء والعدين.

 

ولد الجابري عام 1936 بمديرية خدير في مدينة تعز، وتلقى دراسته الأولية في عدن ثم سافر إلى القاهرة لدراسة الثانوية، والتحق بجامعة القاهرة في كلية التجارة، وتخرج منها عام ألف وتسعمائة وستة وستين.

 

ويعد الجابري من أبرز الشعراء اليمنيين، وله أكثر من مائتي قصيدة وعمل إبداعي تتنوع بين موشح وغنائي ووطني، وغنى له عدد من الفنانين أبرزهم أيوب طارش ومحمد مرشد ناجي وعبدالباسط عبسي وأحمد بن أحمد قاسم.

 

تلك الحضور أثار الاستياء والحزن في قلوب من يعرفوا قدره، والذي بدى وكأنه ليس بشاعر ولم يكتب يوماً ولم يمجّد بلاداً وشعباً، ولم يكن على علاقة بتلك القصائد والأعمال الإبداعية التي ملأت الأرجاء والأسماع والقلوب في آن.

 

وفي السياق قال الإعلامي خليل القاهري، "ووريَ جثمان الشاعر أحمد الجابري الثرى، تخيلوا هذا مشهد تشييعه، نفر قليل من أصدقاء وجيران".

 

وأضاف "كأنه لم يكتب يوماً ولم يمجّد بلاداً وشعباً ولم يكن على علاقة بتلك القصائد والأعمال الإبداعية التي ملأت الأرجاء والأسماع والقلوب في آن".

 

 

وتابع "يا الله كم هو مؤلم هذا الجحود والنكران، كأن شعباً لم يسمع يوماً ونخبةً لم تقرأ أبداً"، مستدركا "ذهبت إلى ربك أيها الجابري وستبقى خالدة أبياتك التي منها :

 

"أضاعوني وهم أهلي..بلا بيت ولا سندِ

أعيش العمر مغترباً..وحيد الدرب في بلدي

توارى الناس من حولي .. ومات الشعر في خلدي

 

من جانبه عبر الكاتب الصحفي، عامر الدميني، عن صدمته من الحضور الباهت في مراسم تشييع جثمان الجابري قائلا: "عدد وحضور لا يرقى لمستوى مكانة وعظمة ما قدمه الجابري لليمن فنا وأرضا وإنسان، في مسيرة امتدت لثمانية عقود، كانت مليئة بالفن والغربة، ونقاء الكلمة، والتعبير الحي المباشر والصافي عن الحب، والوطن، والغربة، والأشجان".

 

وأضاف "يحصل هذا في صنعاء التي عزى مجلسها السياسي التابع لجماعة صنعاء برحيل الجابري بتعزية نشرها في إعلامه الرسمي، ثم لم يبد أي اهتمام، ولكن فقط لزوم النشر الصحفي، والاستعراض العابر".

 

وتابع الدميني "اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عزى هو الأخر برحيل الجابري في صنعاء، ولو حضر أعضاء الاتحاد القاطنين في صنعاء جنازته لكان العدد أكبر بكثير ممن حضروا، لكن أعضاء الاتحاد وهم زملاء الجابري هم أيضا في حالة شيخوخة قاتلة وخور وعجز مبين".

 

 

وأردف: ثمة شيء مريب وغريب تجاه الأمر، لماذا هذا الحضور الضعيف، ولماذا لم يلق الجابري حقه من التحشيد والتشييع؟ وأين دور الجهات المختصة والمهتمة بهذا الأمر؟

 

وقال "رحل الجابري غريب ووحيد، في زمن هو الاردى في التاريخ اليمني، وفي ظل نخبة حاكمة هي الأكثر رداءة وانحطاط".

 

وزاد "رحل الجابري وهو لايزال يخاطب الطير: طير مالك تشتكي قلي أنا مثلك غريب.. وداعا أحمد الجابري، وداعا شاعر الذات والأشجان والمكان والغربة".

 

وختم الدميني مقاله بالقول "سنصلي عليك في كل القلوب التي خاطبتها في "إيش معك ياقلب"، وسنشيعك في كل الأرواح التي سلبتها وأنت تتحدث "عن هوى الأيام" ، وسنسير معك في "عالم سيري"، وسنعود معك في "والله ما أروح إلا قاهو ليل"، وسنرضى معك بالقسمة والنصيب" وسنشعل القناديل التي أوقدتها لأجل اليمن، وسنذكرك مع "عاشق الليل"، ونداعب سويا :"عناقيدك الملونة".

 

بدوره الكاتب الصحفي عبد الرحمن بجاش كتب "عدت من تشييع جثمان الجابري: هذا الرجل عاش وحيدا ومات وحيدا".

 

 

في حين قال الصحفي محمد سعيد الشرعبي "هؤلاء من حضروا مراسيم تشييع ودفن الشاعر أحمد الجابري في صنعاء، فلو كان شيخاً أو قاتلاً لحضر آلاف المنافقين".

 

وأضاف "مأساة حياة ووفاة الشاعر أحمد الجابري تؤكد المؤكد بأننا شعب منافق نحب ونهاب القتلة والفاسدين والتافهين ونمقت الشرفاء والأدباء والمبدعين". مستدركا بالقول "هذه حقيقتنا بلا استثناء يا أصل العرب".

 

 

رحيل الشاعر الجابري، أثار حزنا واسعا بين أوساط اليمنيين، حيث تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى صالة عزاء، سواء على المستوى الرسمي والشعبي، فيما الغالبية أعادوا نشر قصائده على صفحاتهم كبيانات نعي ورثاء.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن صنعاء الشاعر الجابري مراسم تشييع جثمان الشاعر أحمد الجابری فی صنعاء

إقرأ أيضاً:

معاريف: الأمراض النفسية للجنود وباء صامت يقوّض المجتمع الإسرائيلي

يلفت الكاتب والمحلل الإسرائيلي إفرايم غانور إلى أن الانفجارات وأصوات القصف التي اعتاد عليها الإسرائيليون منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة ليست سوى المقدمة لصدى آخر أشد وطأة، يتمثل في صرخات عشرات الآلاف من المصابين نفسيا من الجنود، والذين سيحملون آثار الحرب في ذاكرتهم وأجسادهم ما بقي لهم من عمر.

ويركز الكاتب، في مقال له بصحيفة معاريف، على ما يسمى بـ"اضطراب ما بعد الصدمة" كمرض نفسي متفاقم ينتشر بين الجنود الإسرائيليين بسبب خدمتهم العسكرية في غزة وارتكابهم للفظائع بحق المدنيين أو بسبب مواجهاتهم الصعبة مع مقاتلي المقاومة الفلسطينيين الذين يفاجئونهم من الأنفاق.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إعلام إسرائيلي: إسرائيل أصبحت دولة جرباء وهي تعيش انحطاطا غير مسبوقlist 2 of 2صحف عالمية: إسرائيل جوّعت سكان غزة عمدا وبموافقة الغربend of list

ويصف غانور هذا المرض بأنه "وباء صامت" يتسلل بهدوء إلى عمق المجتمع، وسيتجلى على نحو أكثر وضوحا وخطورة بعد توقف العمليات القتالية وهدوء أصوات المدافع.

ضغط نفسي غير مسبوق

ويشير الكاتب إلى أن كل حرب تخلف وراءها جنودا يعانون اضطرابات عقلية ونفسية متفاوتة، حتى بين المقاتلين الأكثر صلابة. في بعض الحالات، تلتئم الجروح النفسية بمرور الوقت، لكن في حالات أخرى تبقى ملازمة لصاحبها حتى وفاته. إلا أن ما يميز الحرب الجارية، كما يقول، أنها تشهد قتالا مستمرا منذ ما يقارب العامين في ظروف استثنائية.

ويقول غانور إن الجنود الإسرائيليين يخوضون في معظم الأحيان حرب عصابات ضد ما وصفه بعدو غير مرئي لا يعرفون من أين يخرج لهم ويهاجمهم، مضيفا أنه "في كثير من الحالات، يفعلون ذلك في قلب السكان المدنيين، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن، ويكون هؤلاء المقاتلون أكثر عرضة للصدمات ومشاكل الصحة العقلية من المقاتل الذي يحارب ضد جيش مفتوح ومنظم".

ويرى أن هذا النوع من القتال يختلف جذريا عن الحروب التقليدية التي خاضتها إسرائيل في الماضي ضد جيوش نظامية كالمصرية والسورية والأردنية، إذ  كانت نسبة الإصابات النفسية في تلك الحروب أقل بكثير مما هو عليه الحال اليوم في المواجهات مع حركات المقاومة، كحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة وحزب الله في لبنان.

إعلان

وبحسب المعطيات التي أوردها غانور، والتي سبق أن كشفت عنها وسائل إعلام إسرائيلية، فإن أكثر من 10 آلاف جندي لا يزالون يعالجون من ردود الفعل العقلية واضطراب ما بعد الصدمة، فيما تم الاعتراف فقط بـ3769 جنديا على أنهم يتأقلمون مع اضطراب ما بعد الصدمة، ويتلقون علاجا متخصصا.

كما أشار في تقريره إلى أن عدد الجنود الجرحى والمعاقين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى الآن وصل إلى 18500 جندي من الجيش وقوات الأمن، منهم آلاف يعانون من أضرار نفسية حادة معظمهم من فئة الشباب، لا سيما من صفوف الاحتياط.

ويشير الكاتب إلى أن الأخطر أن 45 جنديا أقدموا على الانتحار منذ بدء الحرب، وهو رقم يثير قلقا بالغا داخل المؤسسة العسكرية والمجتمع الإسرائيلي على حد سواء.

ضعف الاستعداد المؤسسي

ويتساءل غانور بجدية: "هل أن الجيش الإسرائيلي، ودائرة إعادة التأهيل، مستعدون للتعامل مع هذه الأزمة الآخذة في التوسع؟"، فالتعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة يتطلب ميزانيات ضخمة، وأطباء ومعالجين متخصصين قادرين على الاستجابة السريعة والفعالة، لكنه يشكك في أن الدولة ستتعامل مع الظاهرة بالجدية المطلوبة، خاصة في ظل تاريخ من الإهمال أو التقليل من شأنها.

ويضرب مثالاً على ذلك بقضية 4 جنود من لواء ناحال أعلنوا مؤخرا رفضهم العودة إلى القتال في قطاع غزة، نتيجة التجارب النفسية القاسية التي مروا بها خلال خوضهم المعارك لفترات طويلة. هنا يطرح سؤالا حرجا: هل يتم التعامل مع هؤلاء الجنود كمصابين بحاجة إلى علاج ودعم، أم كفارين من القتال يستحقون العقوبة والسجن؟

ويروي الكاتب من تجربته الشخصية في الماضي كمجند، يتعامل القادة العسكريون مع الجنود الذين يبدون علامات الانهيار النفسي بأسلوب قاسٍ وساخر، ويقللون من شأن معاناتهم ويدفعونهم إلى العودة إلى المعركة فورا، لكن في الحروب الحديثة.

وحسب الكاتب، فإن هذه المعضلة تصبح أكثر إلحاحا في ظل حقيقة أن تجاهل أو إساءة التعامل مع الجنود المصابين بصدمة نفسية قد يؤدي إلى نهايات مأساوية، كما حدث بالفعل في حالات انتحار لجنود لم يجدوا من يفهم معاناتهم أو يقدم لهم المساعدة المناسبة.

وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي طوّر قدرات كبيرة في مجال إخلاء الجرحى من ساحات القتال وعلاج الإصابات الجسدية بسرعة وفاعلية، فإن الكاتب يرى أن الوضع مختلف تماما على صعيد الإصابات النفسية. فلا توجد آليات فعالة لتشخيص اضطراب ما بعد الصدمة مبكرا أو للتعامل معه بشكل شامل، ما يجعل الأزمة مفتوحة على احتمالات أكثر سوءا مع مرور الوقت.

ويخلص غانور إلى أن "الوباء الصامت" لاضطراب ما بعد الصدمة ليس مجرد قضية فردية تخص الجنود المصابين، بل هو تحدٍّ وطني يمس المجتمع الإسرائيلي بأسره، وسيترك بصماته العميقة على النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لإسرائيل في السنوات المقبلة، إذا لم يتم التعامل معه كأولوية وطنية عاجلة.

مقالات مشابهة

  • معاريف: الأمراض النفسية للجنود وباء صامت يقوّض المجتمع الإسرائيلي
  • ما هي الصدمة الثلاثية التي تعيق عودة السوريين إلى وطنهم؟
  • أعراس اليمنيين في أمريكا.. سلوكيات متهورة تثير جدلاً واسعاً
  • قرعة «أبطال الخليج» 11 أغسطس
  • مفيد عاشور.. حضور لافت بندوة محيي إسماعيل وتألق مستمر في «حرب الجبالي» |شاهد
  • بالصور: ليلى أحمد، طفلة غزة التي تقاوم الجوع وتكتب حكاية صمود
  • مكان وموعد تشييع جنازة لطفي لبيب.. خاص
  • تشييع جثمانى طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما فى حادث على الدائرى.. صور
  • 54 جندياً إسرائيلياً انتحروا منذ بدء الحرب على غزة.. ارتفاع في اضطرابات ما بعد الصدمة
  • هيئة شباب اليمن تستقبل وفد اتحاد الطلاب اليمنيين في الأزهر وتبحث أفق التعاون المشترك