المسيرة الراسخة للنهضة المُتجددة
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
محمد بن رامس الرواس
استطاع حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- منذ توليه مقاليد الحكم في الحادي عشر من يناير 2020، ترسيخ مبادئ وقيم وثوابت النهضة العُمانية التي انطلقت منذ السبعين حاملة معها النماء والازدهار والاستقرار والتي كانت ولا تزال تضع الإنسان العُماني محورا لمركز التنمية ومنطلق تأسيس البنية الأساسية للدولة من تعليم وصحة واقتصاد وسياسة.
إن ما تشهده اليوم سلطنتنا الحبيبة عُمان ليُعدُّ مفخرة أجيال يدرك الجميع من خلالها نمواً قادماً بوتيرة متأنية تسمو إلى مستقبل أكثر إشراقاً وأكثر تجدداً، وهذا ما نلمسه من خلال ثبات نهج السلطنة في مسيرتها وفلسفتها، فالهدف بلا شك هو تمكين الاستمرار فيما بناه القائد الراحل السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وتثبيت الانطلاقة على بوصلة أسهم القيم والمبادئ والمضامين الخيرة، هذا بجانب الاستفادة من كافة مكتسبات الوطن وثرواته المتعددة التي تستكمل اليوم بكل ثقة واقتدار.
لقد كانت وما تزال السلطنة وجهة حضارية تاريخية من خلال إرثها في بناء الشراكات الاستراتيجية مع دول العالم وحرصها على تقوية علاقاتها الخارجية سواء الإقليمية منها أو الدولية مما أكسبها سمعة دولية وثقة عالمية أهلتها لتكون جسر تواصل وسلام لسياسات حكيمة متتالية ومتوازنة برغم المتغيرات على الساحة الدولية، وهي بذلك تقطف ثمار حضارة عظمى ونصف قرن من الزمن من السياسة الثابتة في بيئة المتغيرات التي لا تهدأ.
لقد أولى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- منذ توليه مقاليد الحكم اهتمامات جمة لكثير من الرؤى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكان منها اهتمامه بالشباب العُماني الذي هو ثروة الوطن وعموده الفقري؛ وذلك من خلال إفساح المجال لهم لإطلاق إبداعاتهم وابتكاراتهم فكانت وزارة الثقافة والرياضة والشباب محور رعاية سامية منه- حفظه الله- ففتحت أمامهم الجامعات وأبواب المعرفة وسبل تطوير مهاراتهم الرياضية والثقافية بكافة أنواعها وأشكالها من أجل أن يواكبوا متغيرات المستقبل وتكون لهم بصمة واضحة في رؤية "عُمان 2040"، ولقد حقق الشباب العُماني من خلال مشاركاته الداخلية والخارجية العديد من الجوائز والأوسمة ورفعوا راية عُمان خفاقة بالمحافل الدولية فكانوا جديرين بهذه الثقة، وأصبحت أدوارهم في جميع المجالات الثقافية والرياضية تتحدث عن نفسها .
لقد تبوأ الشباب العُماني اليوم المراكز القيادية وشاركوا بفعالية في صنع القرارات، وتم تعزيز أدوارهم في مجالس الشورى والبلديات واللجان المحلية وكافة مناحي أدوار المجتمع العُماني؛ لكي تصبح هذه الكوادر أنواراً للمستقبل تضيء طريقه وتتلمس سبل النجاح فيه من خلال ثقة سامية من جلالة السلطان المُفدّى- حفظه الله-، إن الكوادر البشرية المؤهلة من شباب عُمان مدعوة اليوم لمواكبة عصر التكنولوجيا الرقمية التي تنتهجها السلطنة بخطى ثابتة نحو المستقبل، فجميعنا يعلم أن ثروات البلدان واقتصادياتها القادمة مرهونة بمدى ثقة الدول بشبابها في هذا المجال التقني .
ختامًا.. إنَّنا نجدد العهد والولاء لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بمناسبة توليه مقاليد الحكم، وندعو المولى عزَّ وجلَّ أن يسدد خطاه لتحقيق مزيد من التقدم والرخاء لعُماننا الحبيبة معاهدينه على أن نكون نِعْمَ الأوفياء والمخلصين في المسيرة المتجددة؛ لتبقى راية عُمان عالية خفاقة في كافة الميادين والمحافل الدولية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بين عُمان وإسبانيا.. رمزية اللحظة وبذخ التاريخ
لا يزور حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- يوم الثلاثاء مملكة إسبانيا بوصفها دولة أوروبية صديقة فقط، ولكن، أكثر من ذلك، يزورها باعتبارها جزءا من ذاكرة العرب الثقافية، وجسرا حضاريا ربط لثمانية قرون الشرق بالغرب أثمر عن واحدة من أعظم الحضارات في التاريخ البشري: حضارة الأندلس التي هي امتداد للحضارة العربية والإسلامية المتناغمة والمنفتحة على الحضارة الغربية.
وإذا كانت زيارة جلالة السلطان لإسبانيا متخمة بالمباحثات السياسية والاقتصادية في لحظة مفصلية من لحظات العالم فإنها لا يمكن أن تتجاوز الرمزية المشحونة التي تفرض حضورها بذاتها عندما يتعلق الأمر بمملكة إسبانيا سليلة أمجاد الأندلس وقيمها وتاريخها الذي يحاصر الزائر في كل زاوية من زواياها، وفي كل حجر من حجارتها العتيقة.
وإسبانيا التي يزورها جلالة السلطان ليست كغيرها من العواصم الغربية، فقد اختارت أن تُبقي بوصلتها الأخلاقية حية؛ فاعترفت بفلسطين، وندّدت بالحرب على غزة، ولم تدفن إنسانيتها خلف مواقف جماعية معطوبة. لهذا، فإن الزيارة إلى مدريد لها بعدها الإنساني الذي يتجاوز الجانب السياسي. تحضر الأندلس في الوعي العربي والغربي أيضا، باعتبارها منطقة التفاعل الأكثر نضجا بين الحضارات المختلفة، بين الإسلام والمسيحية، وبين اللغتين العربية واللاتينية، وبين العقل والنور.. وقد ورثت إسبانيا من تلك المرحلة الزاهرة مجدها المعماري وروحها المتسامحة، فإن عُمان، بما تمثّله من استمرارية حضارية عربية إسلامية، هي الوريث الطبيعي لذلك الإرث الخلاق، القائم على التعددية والتسامح والمعرفة، وبأننا، شرقا وغربا، يمكن أن نلتقي على القيم الأخلاقية التي تؤمن بها الإنسانية قاطبة.
من هذا المنظور، فإن لقاء جلالة السلطان المعظم بجلالة الملك فيليبي السادس يتجاوز في أبعاده اللقاء الدبلوماسي إلى لحظة استدعاء فكري وفلسفي لماضٍ مشترك، وبناء لمساحة جديدة لحوار الحضارات، في لحظة تتقلّص فيها المساحات المشتركة بين الشرق والغرب.
وهي بهذا المعنى فرصة مهمة للتأكيد على استمرارية الشراكة المنطلقة من الاعتراف المتبادل الذي لا يقوم على المصالح فقط وإنما على الأدوار الحضارية التي يمكن لكلّ طرف أن يؤديها في رسم ملامح عالم أكثر توازنا.
وكما حملت الأندلس في زمنها الذهبي تفاعل العلماء والفنانين والتجار من مختلف المذاهب والديانات والأيديولوجيات، تحمل اليوم هذه الزيارة مشاريع في الطاقة المتجددة والتعليم والسياحة، تجسيدا حديثا لذلك التفاعل الذي لا يفصل بين القيم والمصالح، ولا بين الروح والمعرفة.
ولا تقل رمزية هذه الزيارة أهمية عن رسالتها العملية؛ فهي تذكير بأن الدول المتمسكة بثوابتها الأخلاقية لا تكتفي بالنجاة في عالم متقلب، بل تسهم في قيادته نحو المعنى الذي يبدو مفقودا في كثير من العالم، وعُمان وإسبانيا نموذجان قادران على فرض جدارة هذا النوع من النماذج السياسية في العالم. إنّ زيارة صاحب الجلالة إلى إسبانيا تكتب صفحة جديدة في سجل السياسة الخارجية العُمانية التي طالما راهنت على أهمية التحالفات الهادئة والذكية التي تقف على أرضية من التاريخ والمبادئ، لا على الرمال المتحركة للمصالح الوقتية.
ستبقى هذه الزيارة محفورة في الذاكرة ليس فقط لما سيُوقع فيها من اتفاقيات، بل لما ستستدعيه من أصداء التاريخ، ورسائل الحضارة، ودروس الكرامة المشتركة. فثمة ضوء عربي ما زال ينير، وثمة أمم، كعُمان، لم تنس أن الإنسان هو الأصل، وأن القيم هي المعبر الآمن نحو الغد.