يتمثل التحدي الجيوسياسي الأكبر الذي يواجه دولة الاحتلال حالياً في إعادة ميزانية الجيش إلى إطار يسمح بنمو اقتصادي، وأي شيء آخر يُعد مقامرة محفوفة بالمخاطر على مستقبلها، مما يطرح تساؤلا خطيرا حول ما يشكله الإنفاق العسكري الجديد بين كونه استراتيجية أم فخ.

وذكر عامي روخاكس دومبا المراسل العسكري بمجلة يسرائيل ديفينس، أن "تحذيرات محافظ البنك المركزي الإسرائيلي، البروفيسور أمير يارون، شكلت جرس إنذار استراتيجي بشأن جوهر الأمن القومي لإسرائيل التي افتخرت لعقود بمرونتها المالية التي يُفترض أن تكون رافعةً للمرونة العملياتية، أما الآن، فقد تغيرت المعادلة، لأن الإنفاق العسكري، الذي تضخم لمستويات غير مسبوقة بعد الحرب الطويلة في غزة ولبنان، لم يعد مجرد استجابة لتهديد خارجي، بل أصبح قوة تدميرية داخلية".



وأضاف دومبا في مقال ترجمته "عربي21" أن "الجيش، الذي كان يُعتبر مقدساً في نظر العامة والسياسيين، أصبح فعلياً متغيراً خارجاً عن السيطرة في النظام المالي، وتكشف نظرة نقدية من منظور الجغرافيا السياسية عن عملية مقلقة: فالتوسع الحالي في الميزانية لا يعكس بالضرورة تقييماً معقداً ومبتكراً للتهديدات، بل هو بالأحرى استسلام لمفهوم عفا عليه الزمن عن القوة من خلال المال، مع تجاهل صارخ للأساس الاقتصادي الذي يُعد شرطاً أساسياً لوجود هذه القوة".

وأوضح المراسل العسكري أن "ما يحدث في الآونة الأخيرة يكشف عن فشل استراتيجي في تمويل الجيش، في ضوء التفاوت الخطير بين التهديد الأمني والتكلفة الاقتصادية، مع التركيز على الضرائب غير الرسمية المفروضة على جيش الاحتياط، ويُعدّ الاستخدام المفرط والمستمر للاحتياط فشلا بنيويا تتجاوز تكلفته بكثير التعويض الشهري، لأنه من منظور استراتيجي، تُشير هذه الحركة غير المعتادة للأفراد إلى سوء تخطيط القوات النظامية، وغياب استراتيجية حرب متطورة".

وأكد دومبا أن "الأزمة الاقتصادية تدفع ثمن التخلف عن سداد الميزانية من حيث انخفاض الإنتاجية، والضرر البالغ الذي يلحق بالنشاط التجاري، وهذه طريقة مكلفة وهشة وغير فعالة لتمويل الجيش، مما يُلقي بعبء الدفاع على الجبهة الاقتصادية الداخلية، لأن الخطر الأكبر يكمن في مسار ميزانية الجيش متعددة السنوات، والنقاشات الدائرة حول الحفاظ على مستوى عالٍ من الإنفاق لسنوات قادمة، حتى بعد انحسار القتال، تعني في الواقع خرقا للإطار المالي".

وأشار إلى أنه "عندما يحذر محافظ البنك المركزي من أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من المتوقع أن ترتفع باستمرار، وتقترب من 80% من الناتج المحلي الإجمالي في العقد المقبل، فإنه في الواقع يصف كيف أن إسرائيل، بدافع رغبتها بالحفاظ على قدراتها الدفاعية الفورية، تدفع نفسها إلى زاوية مالية لا تدخلها الدول إلا بعد تمزق جيو-سياسي حاد، وهذه ليست مجرد مسألة "مال"، بل مسألة "سلطة"".



وبين دومبا أنه "رغم تسويق هذا الإجراء على أنه تعزيز للأمن الداخلي، لكنه في الواقع يُحوّل ميزانيات ضخمة إلى آليات أمنية بدلاً من تعزيز المكونات الاجتماعية التي تُقلل الجريمة بشكل منهجي: التعليم، والتوظيف، والحكم المحلي، مما يُظهر بوضوح تفضيل "الأمن الداخلي قصير الأجل" على حساب بناء قدرة داخلية "طويلة الأجل"، لكن الحقيقة المُرّة أنه لا أمن بدون اقتصاد مستقر ومتنامٍ، وأي حديث آخر هو وهم مُكلف لا يُمكن تمويله على المدى الطويل".

وأردف دومبا أن "المشكلة ليست في الجيش أو الحاجة الأمنية، بل في غياب التخطيط، لأننا أمام ميزانية أمنية بدون استراتيجية اقتصادية، صحيح أن التهديد الخارجي حقيقي، لكن الداخلي قائم أيضاً، وتوسيع الميزانية العسكرية غير مُتناسبة مع القدرة الاقتصادية لإسرائيل، بما قد يُدمّر الصناعة التي تعتمد عليها، وهنا عليها أن تتوقف، وتسأل: كم عدد أنظمة الأسلحة، وأيام الاحتياط، وكم عدد الميزانيات التي يُمكن تمويلها، قبل أن يتوقف السوق عن رؤيتها كاقتصاد مرن وسليم، وقبل أن تتلاشى ثقة المستثمرين، وهي رصيد استراتيجي".

تشير هذه الرؤية النقدية لمستقبل الميزانية العسكرية لإسرائيل أنها تُمثل التحدي الجيوسياسي الأكبر الذي يواجهها حاليًا، لأن ما يُدفع للإنفاق العسكري يتخلى فعلياً عن الاستثمارات طويلة الأجل في التعليم والبنية التحتية والإنتاجية، أي أن سياسات الأمن الحالية اليوم تجلب كارثة على الأمن الاسرائيلي غداً، لأنه يتم إعطاء الأولوية للميزانية العسكرية على حساب الاستراتيجية الاجتماعية، وهو مؤشر آخر على المفهوم الخاطئ للأمن.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة دولية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الاحتلال غزة غزة الموازنة الاحتلال تكاليف الحرب صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذی ی

إقرأ أيضاً:

تقدير إسرائيلي: الجيش يُخطط لعملية عسكرية واسعة النطاق في لبنان

يترقب الإسرائيليون انتهاء الموعد النهائي الذي حددته واشنطن لحزب الله لنزع سلاحه نهاية الشهر الحالي، وسط تلقي لبنان تحذيرات رسمية استعداداً لعملية إسرائيلية وشيكة.

وذكر نيف شايوفيتش الكاتب في صحيفة يديعوت أحرونوت، أنه "بعد رفضه دعوة من إيران لزيارتها، وجّه وزير الخارجية اللبناني يوسف ريجي انتقادات لاذعة لطهران، بزعم أن حزب الله يرفض تسليم أسلحته، ومُدّعياً بأن تحذيرات وصلتهم من مصادر عربية ودولية تُفيد بأن إسرائيل تُحضّر لعملية عسكرية واسعة النطاق ضد لبنان، في ظلّ محاولته النأي بنفسه عن النفوذ الإيراني، رغم إنجاز الدولة لـ80 بالمئة من مهمة نزع سلاح الحزب جنوب الليطاني، وتجري الدولة محادثات معه لإقناعه بتسليم أسلحته، لكنه يرفض".

وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أنه "في ظلّ محاولة الحزب استعادة قدراته بعد الدمار الهائل الذي لحق بلبنان بسبب الحرب الاسرائيلية، وفي ظلّ مخاوف التصعيد مع إسرائيل، تتواصل المحادثات بين الجانبين، حتى أن ممثلاً عن مجلس الأمن القومي وممثلاً عن الحكومة في بيروت التقيا في بلدة الناقورة جنوب لبنان، في إطار الإشراف على وقف إطلاق النار، رغم أن الأسابيع القادمة تبدو حاسمة على الصعيدين الداخلي والدولي، لاسيما مع اقتراب الموعد النهائي الذي حددته واشنطن للحزب لنزع سلاحه بحلول نهاية الشهر".



وأوضح شايوفيتش، أن "الأسابيع المقبلة سوف تشهد سلسلة من الاجتماعات الهامة المتعلقة بلبنان، وسط مخاوف بشأن ما سيحدث العام المقبل في ضوء التقييمات التي تفيد بأن الجيش يخطط لهجوم واسع النطاق، حيث سيقوم رئيس أركان الجيش اللبناني، رودولف هيكل، بزيارة باريس، لمناقشة احتياجات الجيش، وستصل المبعوثة الأمريكية الخاصة إلى لبنان، مورغان أورتاغوس، إلى باريس لتلتقي بالمبعوث الفرنسي إلى لبنان، العائد من بيروت، وبمستشارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأوسط بعد زيارتها لإسرائيل ولبنان".

وأكد أن "الموقف الأمريكي من القضية اللبنانية لا يزال غير واضح، فبينما يُبلغ المبعوثون الأمريكيون المسؤولين اللبنانيين بأن الولايات المتحدة تمنع إسرائيل من تصعيد الموقف، لكن هناك دلائل على وجود خطط من شأنها تحويل جبهة جنوب لبنان إلى بؤرة توتر محتملة في أي لحظة، فيما تتواصل الهجمات الإسرائيلية، وبينما تستمر المناقشات، ويتزايد الخوف في لبنان من التصعيد، يواصل الجيش نشاطه ضد محاولات الحزب لإعادة ترسيخ وجوده، وللمرة الثانية، هاجم الجيش منشأة تدريب عسكرية تابعة لقوات الرضوان".

ونقل عن المتحدث باسم الجيش أنه في إطار التدريب الجاري في المعسكر، خضع عناصر الحزب لتدريبات على الرماية واستخدام أنواع مختلفة من الأسلحة، بهدف التخطيط وتنفيذ عمليات ضد قوات الجيش الإسرائيلي، وفي إطار الهجمات، تم استهداف بنى تحتية عسكرية إضافية تابعة للحرب في عدة مناطق بجنوب لبنان، بزعم أن إجراء تدريبات عسكرية وإنشاء بنى تحتية للقيام بأنشطة ضد الاحتلال يُعدّ انتهاكًا للتفاهمات بين الاحتلال ولبنان، وتهديدًا لدولة الاحتلال.

مقالات مشابهة

  • عاجل | كتائب القسام: ننعى قائد ركن التصنيع العسكري في الكتائب رائد سعد الذي ارتقى إثر عملية اغتيال نفذها العدو
  • تحذير إسرائيلي لحكومة لبنان: أي تنسيق مع حزب الله "غير مقبول"
  • خبير عسكري: هجوم تدمر سيسرع الدعم العسكري الأميركي لسوريا
  • الجيش الإسرائيلي يستهدف قياديا بارزا في جناح حماس العسكري
  • الجيش الروسي يستهدف مواقع للصناعة العسكرية والطاقة في أوكرانيا
  • تقدير إسرائيلي: الجيش يُخطط لعملية عسكرية واسعة النطاق في لبنان
  • عمرو أديب: انزعاج إسرائيلي من القدرات العسكرية المصرية
  • عمرو أديب: انزعاج إسرائيلي من تنامي القدرات العسكرية المصرية
  • عاجل.. مصدر في الرئاسة يكشف المهمة التي جاء من أجلها الفريق السعودي الإماراتي العسكري إلى عدن.. إخراج قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة