التايمز: هذه حكاية أرامل أوكرانيا المنسيات ورحلتهن المؤلمة للبحث عن جثث أزواجهن
تاريخ النشر: 17th, July 2023 GMT
أكدت صحيفة "التايمز" (The Times) البريطانية أن العديد من الأرامل الأوكرانيات عانين كثيرا أثناء البحث في أكياس جثث الجنود القتلى للعثور على أزواجهن الذين لقوا حتفهم أثناء المعارك ضد القوات الروسية.
وقالت الصحيفة إن طبيعة الحرب التي تستخدم فيها مختلف الأسلحة المتطورة من صواريخ ومدافع وقصف جوي تعقد مهمة الأرامل في العثور على جثث أو أشلاء أزواجهن لدفنها.
وأضافت أن معظم الأرامل تحدثن عن خذلان النظام لهن أثناء عملية البحث عن أزواجهن، وتحدثن عن طول المدة التي يستغرقها هذا البحث، والتي قد تصل إلى عام كامل.
حالة أوكسانا
وأوردت الصحيفة حالة السيدة "أوكسانا" التي أخبرتها القيادة العسكرية أن زوجها من المفقودين خلال المعارك، وظلت تشاهد صور جثث القتلى على شاشة الحاسوب بالمشارح لعلها تعثر على جثة زوجها.
كما ظلت تتواصل مع المستشفيات ومخافر الشرطة بحثا عن أي خيط يوضح لها مصير زوجها. ونقلت "التايمز" عن أوكسانا قولها إن آمالها خلال البحث كانت كبيرة، مثلما كانت مخاوفها كبيرة أيضا، وزادتها صور الجثث ألما وخوفا.
وانتقدت ما يجري قائلة "لو كان هناك شخص ما قام بعمله بشكل جيد لما استغرق الأمر مني عاما كاملا للبحث عن جثة زوجي. لم نكن لنحتاج إلى إجراء فحص الحمض النووي لنثبت هوية زوجي، بل فقط لنظام متماسك يضمن تحديد هويته".
ووفق التايمز، دفنت أوكسانا زوجها بعد 13 شهرا من وفاته متأثرا بجروحه، وذلك خلال حمله إلى خاركيف للعلاج.
جنود مجهولون
وحالة أوكسانا ليست الوحيدة، إذ مع ارتفاع عدد القتلى تكثر الجثث مجهولة الهوية، ما يتطلب جهودا من طرف العائلات ومؤسسات الدولة لتحديد هويتها.
ونسبت صحيفة التايمز إلى الجنرال مارك ميلي -رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة- قوله إن أوكرانيا تكبدت خسائر بشرية هائلة في صفوف الجنود، وذكرت أن آلاف الجنود لقوا حتفهم منذ تصريحات القائد العسكري الأميركي.
وكشفت أن مقبرة كراسنوبلسكي تعد واحدة من أكبر المقابر التي يدفن فيها الجنود في البلاد، وقد دفن فيها أكثر من ألفي جندي، وما تزل جاهزة لاستقبال المزيد.
ونقل تقرير الصحيفة البريطانية عن القسيس العسكري فاسيلي كولودي قوله إنه في بعض الأحيان يتم دفن 20 جنديا دفعة واحدة في نفس اليوم.
ووفق الصحيفة فإن دراسة استقصائية نشرت قبل أيام من قبل معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع قالت إن 63% من الأوكرانيين قتل أحد أقاربهم أو أصدقائهم في الحرب.
ونسبت التايمز إلى محققي الطب الشرعي الأوكرانيين قولهم إن أكثر من 10% من الجنود الذين قتلوا لا يتم التعرف على جثثهم بسبب الدمار الكبير الذي تخلفه الأسلحة المتطورة.
وقالت التايمز إن كثرة الجثث، وظروف الحرب، تجعلان من شبه المستحيل الحفاظ على ما يثبت هوية القتلى، خاصة أن بعض الجثث مشوهة بدرجة لا يمكن التعرف عليها.
وذكر القسيس العسكري كولودي للصحيفة البريطانية أنه لا توجد عادةً جنازة للجنود المجهولين حيث يدفنون مباشرة، لكن في حالة ثبتت هويته بعد فحص الحمض النووي، يعاد تنظيم الجنازة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
من محاولة هدم الأهرامات إلى إنقاذ معابد النوبة.. حكاية محمد علي وعـبـد الـنـاصــر وآثار مصر
الذين باعوا الماضي والذين أنقذوه.. يسهل على الجهلاء بالتاريخ أن يهاجموا جمال عبد الناصر، الرجل الذي انتشل أعظم آثار مصر من الغرق، بينما يصمتون عن أولئك الذين باعوا مجدها قطعةً قطعة، وأهدوا رموزها الخالدة إلى عواصم الغرب كأنها تذكاراتٌ من سوقٍ سياحيٍّ رخيص.
فالذين قدّموا مسلات قدماء المصريين إلى باريس ولندن ونيويورك، وباعوا تماثيل الفراعنة للقيصر الروسي، هم من شرّعوا أول خيانةٍ للذاكرة «أن يتحوّل تراث مصر من مفخرةٍ حضاريةٍ مصرية إلى سلعةٍ تُقدَّم لاسترضاء العروش الأجنبية».
عبد الناصر بين السد العالي وآثار النوبةواجه عبد الناصر أزمة ضخمة حين قرر بناء السد العالي، إذ كانت مياه النيل ستبتلع منطقة النوبة بأكملها — من معابد أبو سمبل وفيلة إلى كلابشة وجرف حسين، وهي آثار كانت مهددة بالغرق منذ إنشاء خزان أسوان عام 1902، دون أن يتحرك أحد من حكام أسرة محمد علي لإنقاذها.
لكن عبد الناصر رفض أن يترك تاريخ مصر يغرق، ورفض أيضًا عرضًا أمريكيًا بشراء كل آثار النوبة ونقلها إلى الخارج.
لقد اختار أن يُنقذ آثار مصر على أرضها، لا أن يبيعها بثمن بخس في سوق المصالح الدولية.
ثروت عكاشة مهندس حملة إنقاذ آثار النوبةلعب الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة في عهد جمال عبد الناصر، دورًا محوريًا في تبنّي مشروع إنقاذ آثار النوبة والإشراف على تنفيذه. فقد كان هو الذي تبنّى فكرة التعاون مع منظمة اليونسكو عام 1960، ودعا المجتمع الدولي للمشاركة في إنقاذ المعابد المهددة بالغرق نتيجة بناء السد العالي.
تولّى عكاشة تنسيق الجهود بين الهيئات المصرية والبعثات الأجنبية، ووضع إطارًا ثقافيًا وحضاريًا للمشروع باعتباره دفاعًا عن التراث الإنساني كله لا عن آثار مصر وحدها. وبفضل رؤيته وجهوده، أصبحت الحملة مثالًا عالميًا للتعاون الثقافي بين الدول تحت رعاية اليونسكو.
علماء أنقذوا التاريخساهم ثلاثة من أبرز علماء الآثار المصريين بشكل فعال في الجهود التي سبقت وأطلقت حملة إنقاذ آثار النوبة وهم: الدكتور سليم حسن، والدكتور أحمد فخري، والدكتور عبد المنعم أبو بكر.
كان سليم حسن رائد علم المصريات ومؤلف موسوعة مصر القديمة، أول من كُلّف في منتصف الخمسينيات من قِبل مصلحة الآثار بدراسة تأثير تعلية خزان أسوان على آثار النوبة.
وقد وضع من خلال بعثته تقارير وصورًا ميدانية كانت المرجع العلمي الأول لحملة الإنقاذ الدولية، قبل أن يرحل عام 1961.
ثم جاء أحمد فخري، عالم المصريات وأستاذ الآثار بجامعة القاهرة، الذي شارك في اللجنة العليا لإنقاذ آثار النوبة التي شكّلها وزير الثقافة ثروت عكاشة عام 1959، وأسهم بخبرته الميدانية في تحديد المواقع الأثرية المهددة بالغرق وتنظيم التعاون بين مصلحة الآثار واليونسكو.
أما عبد المنعم أبو بكر، أحد أبرز علماء الآثار، فكان المستشار العلمي المصري في المشروع وممثل جامعة القاهرة في اللجنة ذاتها، وشارك في المسح الأثري لمناطق النوبة ووضع التقارير الميدانية الأولى حول المعابد التي نُقلت لاحقًا، وعلى رأسها معبدا أبو سمبل.
شارك أعضاء اللجنة العليا في تحديد الآثار التي طلبت بعض الدول الحصول عليها ثمناً لمشاركتها في حملة إنقاذ آثار النوبة، وذلك تنفيذًا لاتفاقات التعاون الثقافي التي رعتها الدولة بالتنسيق مع منظمة اليونسكو.
وافق عبد الناصر، بناءً على توصية اللجنة، على منح بعض المعابد الصغيرة المتهدّمة للدول المشاركة في الحملة.
حملة الإنقاذ: ملحمة اليونسكو في القرن العشرينوهكذا بدأت الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة تحت رعاية منظمة اليونسكو سنة 1960.
كانت الحملة أضخم مشروع أثري في القرن العشرين، فيها تم تفكيك معابد أبو سمبل قطعةً قطعة، ثم إعادة تركيبها بدقة مذهلة على مرتفع صخري يطل على موقعها الأصلي.
ولم تكن تلك مجرد عملية إنقاذ، بل كانت إعلانًا عالميًا أن مصر الثورة «مصر عبد الناصر» تحمي ماضيها كما تبني مستقبلها.
وقد بلغت تكلفة الحملة نحو ثمانين مليون دولار، وهو مبلغ كبير جدًا آنذاك، دفعت مصر منها الثلث، فيما تكفلت الدول المشاركة برعاية اليونسكو بباقي التمويل، في ملحمة تضامن ثقافي وإنساني نادرة.
المعابد التي نُقلت وأُعيد تركيبها:- معبدا أبو سمبل الكبير والصغير: نُقلا بالكامل إلى موقع مرتفع عن موضعهما الأصلي، في عملية هندسية غير مسبوقة استمرت من عام 1964 إلى 1968.
- معبد فيلة «إيزيس»: أُعيد تركيبه على جزيرة «أجليكيا» بدلًا من موقعه القديم الذي غمرته المياه.
- معبد كلابشة «مندوليس»: نُقل إلى موقعه الجديد بالقرب من السد العالي، ليصبح من أكبر المعابد التي أُعيد تركيبها بعد أبو سمبل.
- معبد بيت الوالي: نُقل من موقعه الأصلي جنوب كلابشة إلى جوار معبد كلابشة الجديد.
- معبد جرف حسين: فُكك جزء منه وأعيد تركيب واجهته الرئيسية بالقرب من معبد كلابشة.
- معابد عمدا والدكة والمحرقة والدر: أُعيد تجميعها في مواقع جديدة آمنة قرب ضفاف بحيرة ناصر.
وبفضل هذا الجهد التاريخي الذي قادته مصر بالتعاون مع منظمة اليونسكو، أُنجزت ملحمة إنقاذ آثار النوبة، التي حفظت تراثًا فريدًا من الغرق، وأكدت قدرة المصريين على الجمع بين التنمية وصون الحضارة.
وهكذا، بينما كانت مصر في عهد عبد الناصر تُنفق الملايين لحماية آثارها من الغرق، كان أسلافه من أسرة محمد علي قد أنفقوا تراثها ذاته في أسواق السياسة والهدايا.
مشروع محمد علي لهدم الأهراماتفي واحدةٍ من أكثر لحظات العبث بالتراث المصري دلالة، أصدر محمد علي باشا أوامره بدراسة إمكانية هدم أهرامات الجيزة لاستخدام أحجارها الضخمة في بناء القناطر الخيرية خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر.
كُلّف المهندس الفرنسي ليـبـريه «Lebas» بالإشراف على تنفيذ الفكرة، وبدأت بالفعل محاولة تفكيك جزئية للهرم الأكبر لاختبار صلاحية الحجارة للنقل والبناء.
لكن التجربة أثبتت سريعًا أن تكلفة الهدم والنقل تفوق كثيرًا تكلفة جلب الحجارة من المحاجر الجديدة، فتدخل المهندس الفرنسي لينان دي بلفون «Linant de Bellefonds» كبير مهندسي الري في مصر وأقنع محمد علي بوقف المشروع فورًا، محذرًا من الكارثة التي سيسجلها التاريخ لو استُكمل العمل.
توقفت المحاولة، لكن الواقعة كشفت بوضوح أن محمد علي لم يرَ في الأهرامات مجدًا حضاريًا، بل مخزونًا من الحجارة الصالحة للبناء.
وهكذا، حين فشل في هدم الأهرامات، بدأ في هدم معنى التاريخ نفسه بالهدايا والصفقات، فانتقلت مصر من مشروع تحطيم أهراماتها إلى مرحلة تصدير رموزها، لتبدأ فصول التفريط في المسلات والتماثيل التي زيّنت معابدها لآلاف السنين.
منذ أن تولّي محمد علي باشا حكم مصر سنة 1805، دخلت البلاد مرحلة جديدة من العلاقات الخارجية النشطة، التي اتخذت طابعًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.
ومن أبرز مظاهر تلك السياسة كانت إهداءات الآثار المصرية القديمة إلى العواصم الأوروبية الكبرى، وهو ما ترك بصمة دائمة على خريطة التراث المصري حول العالم، إذ تعامل الحكام مع آثار مصر كما يتعامل التجار مع بضائعهم، في تبادل المصالح والمجاملات السياسية.
المسلات: رموز الفراعنة في ميادين أوروبا
مسلة الأقصر في باريستُعد مسلة الأقصر إحدى أعظم آثار مصر القديمة، شُيّدت في عهد الملك رمسيس الثاني «القرن الثالث عشر قبل الميلاد» من الجرانيت الوردي الأسواني، وكانت تزيّن مدخل معبد الأقصر إلى جانب أختها التي ما تزال في مكانها حتى اليوم.
وفي عام 1829م، قرّر محمد علي باشا أن يُهدي هذه المسلة، فانتُزعت من موقعها ونُقلت إلى باريس حيث نُصبت في ساحة الكونكورد عام 1836.
يبلغ ارتفاع المسلة نحو 23 متراً، ويُقدّر وزنها بأكثر من 200 طن، وتُعتبر من أقدم المعالم القائمة في باريس.
وقد وصفها مؤرخو الآثار بأنها لا تُقدّر بثمن من الناحية الحضارية، إذ تمثل قطعة فريدة من تاريخ مصر الملكي، ونُقشت على جوانبها مشاهد تمجّد رمسيس الثاني وتُخلّد عبادته للإله آمون.
كانت تلك «الهدية» بالنسبة لمحمد علي وسيلة للتقرب من فرنسا، لكنها في نظر التاريخ صفقة خاسرة خسر فيها المصريون رمزًا من رموزهم الأبدية.
مسلة لندن «مسلة كليوباترا»على ضفاف نهر التايمز، تقف اليوم مسلة مصرية شامخة تُعرف باسم «مسلة كليوباترا» في لندن، لكنها في الحقيقة أقدم من عهد كليوباترا بألف عام.
فقد أقامها الفرعون تحتمس الثالث نحو عام 1450 قبل الميلاد في مدينة هليوبوليس «عين شمس حاليًا»، ثم أضاف إليها الملك رمسيس الثاني نقوشًا تمجّد انتصاراته العسكرية.
تم نحت المسلة من الجرانيت الوردي الأسواني، ويبلغ ارتفاعها نحو 21 مترًا ويُقدّر وزنها بنحو 224 طنًا، مما يجعلها من أثقل وأضخم المسلات المصرية التي خرجت من موطنها الأصلي.
في سنة 1819م، قدّم محمد علي باشا هذه المسلة هدية إلى المملكة المتحدة.
لكن المسلة لم تُنقل من الإسكندرية إلا بعد ستين عامًا، في عهد الخديوي إسماعيل، حيث شُحنت في عام 1878م داخل أسطوانة حديدية عملاقة عبر البحر المتوسط، في رحلة محفوفة بالمخاطر كادت تودي بحياة البحّارة.
وفي 12 سبتمبر 1878م، نُصبت المسلة رسميًا في العاصمة الإنجليزية لندن، لتتحوّل من أثر مصري عظيم إلى قطعة ديكور إمبراطوري في عاصمةٍ كانت تستعمر نصف العالم.
مسلة نيويوركتُعرف أيضًا باسم «مسلة كليوباترا» في نيويورك، وهي توأم مسلة لندن، إذ نُحتت في عهد تحتمس الثالث في هليوبوليس، ثم نقلها الرومان إلى الإسكندرية لتزيين معبدهم هناك.
وفي عام 1879م، قدّم الخديوي إسماعيل هذه المسلة هدية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
تبلغ المسلة ارتفاعًا يقارب 21 مترًا، ويصل وزنها إلى نحو 220 طنًا.
تولّى المهندس الأمريكي هنري هانيتشر جورينج مهمة نقلها من الإسكندرية إلى نيويورك على متن السفينة «ديسوغ» «SS Dessoug»، حيث وصلت في يوليو 1880م، ثم نُصبت رسميًا في 22 يناير 1881م في قلب سنترال بارك، بين المتحف المتروبوليتان وحديقة النصب الكبرى.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت أقدم أثر قائم في مدينة نيويورك، شاهدًا على مرحلةٍ كان فيها حكّام مصر يهِبون تراثها كأنهم يملكونه، بينما كانت الدول الكبرى تتلقّف تلك الكنوز لتجعلها رموزًا لحضارتها.
مسلات أخرىتشير وثائق المتاحف الأوروبية إلى أن محمد علي عرض مسلات أخرى كهدايا إلى النمسا وإيطاليا، غير أن النقل لم يتم في أغلبها بسبب التكلفة.
وتؤكد سجلات متحف فيينا «Kunsthistorisches Museum» وصول تماثيل صغيرة وأوانٍ فرعونية أُهديت إلى ولي عهد النمسا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر.
التماثيل والهدايا الأثريةلم تتوقف الإهداءات عند المسلات، بل شملت أيضًا تماثيل وأواني حجرية وبرونزية أُرسلت إلى البلاطات الأوروبية، تشير المراسلات إلى أن عباس باشا وسعيد باشا أرسلا مجموعات أثرية إلى النمسا وبروسيا، كما أهدى الخديوي إسماعيل لاحقًا قطعًا أثرية إلى السلطان العثماني عبد العزيز، وإلى المتاحف الأوروبية.
بيع التماثيل الكبرىفي واحدة من أكثر صفحات التفريط المهين في تاريخ التراث المصري، أقدم محمد علي باشا على بيع تمثالين عظيمين من الجرانيت الوردي، كانا يزينان معبد سيرابيوم في الإسكندرية ويعودان إلى عهد الفرعون أمنحتب الثالث من الأسرة الثامنة عشرة «القرن الرابع عشر قبل الميلاد».
يبلغ ارتفاع كل تمثال نحو خمسة أمتار، ويزن الواحد منهما قرابة 23 طنًا، وقد نُحتا بدقة مدهشة تُظهر وجه الملك متوجًا بغطاء الرأس الملكي «النمس» وتعلوه الكوبرا المقدسة، رمز السيادة على مصر العليا والسفلى، فيما تبدو ملامحهما مفعمة بالعظمة والسكينة في آنٍ واحد، تجسيدًا للفكر الديني والفني في أوج الدولة الحديثة.
عرض محمد علي التمثالين على ملك فرنسا شارل العاشر ضمن صفقة لبيعهما، إلا أن سقوط الملك في ثورة يوليو 1830 أجهض الصفقة.
ولم يتردد محمد علي في تحويل وجهتهما إلى روسيا، حيث اشتراهما القيصر نيقولا الأول.
باع محمد علي باشا التمثالين العظميين للقيصر الروسي مقابل 64 ألف روبل.
وفي عام 1832، نُقلا إلى مدينة سانت بطرسبرغ على متن سفينة خصصها الأسطول الروسي، بعد رحلة طويلة عبر البحر المتوسط والبلطيق، ليُقاما في موضعهما الحالي على ضفاف نهر نيفا أمام أكاديمية الفنون الروسية.
وهكذا خرجت من الإسكندرية تحفتان تمثلان ذروة الإبداع المصري القديم كمتاع يُباع لمن يدفع، في صفقة تختصر نظرة محمد علي وأسلافه للآثار المصرية: سلعة لها ثمن، لا تراثًا مصريًّا يُصان.
لقد باع محمد علي رموزًا من المجد الحضاري لقدماء المصريين بعقلية التاجر الذي لا يرى في تاريخ مصر سوى فرصة للربح، بينما كانت أوروبا تبني مجد متاحفها على ما أهدره هو وسلالته من كنوز مصر.
خاتمةمنذ 1805 حتى 1952، كانت آثار مصر تُبدّد على أيدي من اعتبروها وسيلة للتفاخر وجني الأموال.
فمنذ محمد علي الذي لم يكتفِ بتقديم مسلات مصر هدايا للأجانب، بل فكّر يومًا في هدم أهرامات الجيزة للاستفادة من أحجارها، مرورًا بأبنائه الذين تاجروا بتماثيلها وكنوزها، ظلّت الآثار تُعامل كغنيمة حتى قامت ثورة 23 يوليو، فأعاد عبد الناصر تعريفها: ليست سلعةً تُهدى ولا تُباع، بل تراثٌ تملكه الأمة المصرية.
كان عبد الناصر هو أول من واجه الغرق والتفريط معًا، فأنقذ معابد النوبة من مصيرٍ محتوم، ورفع صوت مصر في وجه من أرادوا شراء تاريخها، قائلًا للعالم:
«الآثار المصرية لا تُباع، بل تُنقَذ».
فأيّ مهزلة أن يُهاجَم من أنقذ ذاكرة الوطن،
بينما يُمَجَّد من باعها حجرًا حجرًا، ونهب ثروات مصر ومصّ دماء شعبها.
ثروت عكاشة. مذكراتي في السياسة والثقافة، الجزء الثاني.
ثروت عكاشة. إنسان العصر يتوّج رمسيس.
سليم حسن. موسوعة مصر القديمة.
محسن محمد.سرقة ملك مصر.
منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومصلحة الآثار المصرية. حملة إنقاذ آثار النوبة: التعاون الدولي في صون التراث الإنساني. القاهرة، 1968.
مؤسسة الأهرام. حملة إنقاذ آثار النوبة - ملف خاص بمناسبة نقل معبدي أبو سمبل. القاهرة: مؤسسة الأهرام.
UNESCO. Nubian Monuments from Abu Simbel to Philae. Paris: UNESCO World Heritage Centre، 1979.
UNESCO. The International Campaign to Save the Monuments of Nubia (1960- 1980). Paris: UNESCO Archives، 1980.
UNESCO. The Rescue of Nubian Monuments and Sites. Paris: UNESCO، 1982.
اقرأ أيضاًيحظى باهتمام عالمي.. التفاصيل الكاملة للدورة الأولى من مهرجان صدى الأهراماتمحافظ الجيزة: تطوير 14 محورًا حول الأهرامات والمتحف المصري الكبير
من ناجويا إلى الأهرامات.. مصر تُروج لمقاصدها في أكبر معرض للسياحة باليابان