ما التداعيات المتوقعة لقرار مالي إنهاء العمل باتفاق المصالحة مع الطوارق؟
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
أعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي إنهاء العمل باتفاق السلم والمصالحة في مالي، الموقع عام 2015 بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية بإشراف من الجزائر، ما ينذر بتصعيد جديد في المنطقة.
وقال بيان صادر عن المتحدث باسم الحكومة المالية العقيد عبد الله مايغا، حصلت "عربي21" على نسخة منه، إن قرار إنهاء الاتفاق يعود إلى "التغير في مواقف بعض الجماعات الموقعة" على الاتفاق، وكذلك "الأعمال العدائية" من جانب الوسيط الرئيسي الجزائر.
وأشار بيان الحكومة المالية، إلى "عدم قدرة الوساطة الدولية على ضمان الوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتق الجماعات المسلحة الموقعة، بالرغم من الشكاوى التي تقدمت بها الحكومة الانتقالية، عبر رسالة وزير المصالحة والسلم والتماسك الوطني، المكلف باتفاق السلم والمصالحة الوطنية بتاريخ 24 فبراير 2023، والموجهة إلى السلطات الجزائرية التي تولت قيادة الوساطة".
ما هو اتفاق المصالحة
اتفاق وقع عام 2015 بين الحكومة المالية المركزية والحركات الأزوادية (الطوارق) برعاية جزائرية ودعم دولي.
وينص الاتفاق على جملة من القضايا بينها دمج المتمردين السابقين في الجيش المالي، فضلا عن توفير قدر أكبر من الحكم الذاتي لمناطق الشمال المالي.
ووضع اتفاق الجزائر حدا لمعارك اشتعلت في 2012، إثر إعلان الحركات الأزوادية الاستقلال والانفصال عن مالي، بعد مشاركتها في معارك ضد الجيش الحكومي.
وسبق أن اتهمت الحركات الأزوادية مرارا الحكومة الانتقالية المالية بالتخلي عن الاتفاق، لكن المجلس العسكري أشار في بيانه إلى "الاستحالة الكاملة للاتفاق"، معلنا "إنهاءه بأثر فوري".
ويأتي قرار إنهاء العمل بهذا الاتفاق من طرف باماكو، عقب اندلاع القتال بين الحركات الأزوادية والجيش المالي، بعد سنوات من الهدوء، حيث سارع الجانبان إلى سد الفراغ الذي خلفه انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
كما يأتي كذلك بعد توتر في العلاقة بين الحكومتين المالية والجزائرية، وصل مستوى تبادل استدعاء السفراء، قبل أن يتم التراجع عن ذلك لاحقا.
رد حركات الطوارق
وفي ردها على قرار باماكو إنهاء العمل باتفاق المصالحة قالت "تنسيقية الحركات الأزوادية" (الطوارق) إن قرار العسكر الممسكين بزمام السلطة في مالي إنهاء العمل بالاتفاق لم يكن مفاجأ لها.
وقالت هذه الحركات في بيان: "كنا نتوقع ذلك منذ أن أحضروا فاغنر، وطردوا بعثة الأمم المتحدة، وبدؤوا أعمالا عدائية بمهاجمة مواقعنا على الأرض".
تداعيات القرار
ويتوقع متابعون أن يتسبب قرار باماكو إنهاء العمل باتفاق المصالحة، بتصاعد التوتر بشكل كبير في المنطقة التي تعاني أصلا هشاشة أمنية وينتشر فيها السلاح على نطاق واسع.
ويرى الخبير المختص في الشؤون الأفريقية محفوظ السالك، أن إنهاء العمل بهذا الاتفاق يؤذن بتصاعد التوتر بين الجيش المالي والحركات الأزوادية.
ولفت في تصريح لـ"عربي21" إلى الحركات الأزوادية ستقاطع الحوار الداخلي الذي دعا له الرئيس الانتقالي المالي عاصيمي غويتا والذي أعلن أن هدفه هو أن تكون حلول الشؤون المالية نابعة من الداخل، والماليون هم مصدرها "وهذا يتناغم مع شعار السيادة الذي رفعته السلطات الحالية بعد انقلابيها العسكريين، وإن كان ذلك ليس سوى مسعى للبقاء في السلطة".
وأضاف ولد السلك: "لكن الحركات الأزوادية، ترى أن لا قيمة لحوار أو اتفاق، ليست له ضمانات خارجية، وبالتالي سيبقى بون الخلاف شاسعا، وقد يكون ذلك سببا في تجدد الحرب بين الطرفين".
وأشار ولد السالك إلى أن إنهاء العمل بهذا الاتفاق ومضامين بيان الحكومة المالية، هو بمثابة فصل جديد من فصول التوتر الدبلوماسي المتصاعد بين الجزائر والمجلس العسكري الانتقالي الحاكم في باماكو.
وأضاف: "يبدو في الواقع أن المجلس العسكري المالي، لم يتجاوز بعد المشكل السابق الذي كان سببا في استدعاء الطرفين لسفيريهما قبل فترة".
ورجح المتحدث أن يتصاعد التوتر في علاقات الجزائر ومالي "لأن الحكومة الانتقالية الحالية تعتبر أن ما تقوم به الجزائر هو مساس بسيادتها وتدخل في شؤونها الداخلية، واتفاق السلم والمصالحة كان يشكل خيطا ناظما لمستوى كبير من العلاقات بين البلدين الجارين".
مخاطر أمنية ونزوح
من جهته يرى الباحث المهتم بالشأن الأفريقي سيد أحمد محمدو، أن إنهاء العمل باتفاق المصالحة بين مالي والحركات الأزوادية المسلحة بالشمال، ينذر بمخاطر أمنية في المنطقة بشكل عام وفي مالي بشكل خاص.
وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أن إنهاء العمل بالاتفاق يعني أن الحركات الأزوادية ستستأنف مباشرة الأعمال المسلحة ضد الحكومة المالية، فيما سيكثف الجيش المالي من هجماته بمدن الشمال المالي.
وتوقع أن يتسبب ذلك في موجة نزوح جديدة من شمال مالي نحو موريتانيا التي تستضيف حاليا آلاف اللاجئين الماليين.
ومنذ 2012 يتدفق اللاجئون الماليون إلى موريتانيا بسبب الصراع العسكري متعدد الأطراف في مالي، فيما عرفت الأشهر الأخيرة تضاعف أعداد اللاجئين، حيث بلغ عددهم أكثر من 120 ألف لاجئ مالي يعيشون في مخيم "إمبره" بولاية الحوض الشرقي، شرق موريتانيا، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وكانت الحكومة الموريتانية وجهت قبل أسبوع نداء إلى المجموعة الدولية من أجل "تدعيم التضامن والتعاون الدوليين، حتى يظل اللاجئون الماليون في موريتانيا يتمتعون بالحماية، وحتى لا تكون الأعداد الجديدة المتوافدة سببا في تراجع المكاسب المحققة في مجال التنمية المستديمة واللحمة الاجتماعية".
ما هو إقليم أزواد
إقليم أزواد الذي يطالب الطوارق بانفصاله عن مالي هو منطقة في شمال دولة مالي محاذية للحدود مع موريتانيا، ويضم عدة مدن أبرزها مدينة تمبكتو التاريخية، بالإضافة إلى مدينتي كيدال وغاو.
ويتكون سكان الإقليم من عرقيات الطوارق (هم غالبية السكان) والعرب والفلان والسونغاي. وتبلغ مساحة الإقليم 822 ألف كلم مربع أو ما يقارب الـ66% من مساحة مالي الكلية البالغة مليونا و240 ألف كلم مربع.
وشكل الأزواديون سنة 1988 أول جبهة سياسية ذات نشاط عسكري عُرفت باسم "الحركة الشعبية لتحرير أزواد" إذ قادت تمردا عسكريا ضد باماكو سنة 1990، لكنها عانت بعد فترة قصيرة من أزمة داخلية انتهت بتفككها، وتحولها إلى عدة تشكيلات كان من أبرزها "الجبهة الشعبية لتحرير أزواد" و"الجيش الثوري لتحرير أزواد".
ومنذ استقلال مالي عن فرنسا 1960 يطالب سكان هذا الإقليم بالانفصال عن الجنوب المالي.
وفي سبيل ذلك دخل الانفصاليون الطوارق منذ تسعينيات القرن الماضي في مواجهة دامية مع الجيش المالي، واستطاعوا في كثير من الأحيان السيطرة على بعض المناطق.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مالي الطوارق الحركات الأزوادية السلام السلام مالي الطوارق الحركات الأزوادية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرکات الأزوادیة الحکومة المالیة الجیش المالی فی مالی
إقرأ أيضاً:
تحطيم المقاومة من خلال الإدارة: الهدف الخفي لقرار مجلس الأمن 2803
في السابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2803. وبرغم أن الوثيقة تعد -نظريا- بالاستقرار وإعادة الإعمار لقطاع غزة المنكوب، وتؤسس لما يُسمى "مجلس السلام" وتفوض نشر "قوة استقرار دولية" (ISF) لتأمين القطاع، إلا أن قراءة فاحصة للنص تكشف واقعا أشد قتامة. هذا القرار ليس خارطة طريق نحو السيادة الفلسطينية، بل هو الهندسة الدبلوماسية للتقسيم الدائم لغزة والتفكيك الممنهج للإرادة السياسية الفلسطينية.
وهم الاستقرار
يكمن جوهر القرار 2803 في مصادقته على "الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزة" المدعومة أمريكيا. وفي حين يتحدث النص عن السلام، فإن التطبيق الميداني يشير بوضوح إلى احتلال دائم بالوكالة. فالقرار يفوّض نشر قوة الاستقرار الدولية، وهي قوة متعددة الجنسيات ستعمل "بالتشاور الوثيق" مع إسرائيل.
يمنح هذا الترتيب إسرائيل، فعليا، حق النقض (الفيتو) على العمليات الأمنية داخل غزة دون الحاجة لتسيير دوريات لجنودها في كل شارع، إذ توفر قوة الاستقرار الدولية غطاء من الشرعية الدولية لما هو في جوهره طوق أمني إسرائيلي. ومن خلال تفويض السيطرة الداخلية لهيئة غير فلسطينية، يجرد القرار الفلسطينيين من أبسط حقوق أي شعب: الحق في حفظ أمنهم وإدارة مجتمعاتهم بأنفسهم.
استراتيجية التقسيم: "المناطق الخضراء" و"المناطق الحمراء"
يتجلى الجانب الأخطر في هذا المخطط في التقسيم المادي لقطاع غزة. تحت غطاء "إعادة الإعمار الآمن"، تقسم الخطة القطاع إلى فئتين متميزتين: "مناطق خضراء" و"مناطق حمراء"، يفصل بينهما حد عسكري يُعرف بـ"الخط الأصفر".
تُخصص المناطق الخضراء لإعادة الإعمار وتوزيع المساعدات، وستخضع لرقابة أمنية مشددة من قبل قوة الاستقرار الدولية. ولدخول هذه المناطق والحصول على الغذاء أو الماء أو السكن، يتعين على الفلسطينيين الخضوع لعمليات "تدقيق" صارمة يديرها "مجلس السلام".
في المقابل، صُنفت المناطق الحمراء -التي تغطي مساحات شاسعة من القطاع، بما في ذلك العديد من مخيمات اللاجئين التاريخية- على أنها "مخاطر أمنية". لا توجد خطط لإعادة إعمار هذه المناطق، بل سُتترك كأنقاض غير صالحة للسكن. هذا يخلق جغرافيا قسرية، حيث يُجبر الفلسطينيون على الاختيار بين الموت جوعا في المناطق الحمراء، أو الخضوع للمراقبة والسيطرة المكثفة في المناطق الخضراء. إنها ليست إعادة إعمار، بل هندسة ديموغرافية تهدف لإفراغ مناطق محددة وتكديس الفلسطينيين في جيوب يسهل التحكم بها.
مؤامرة الصمت والتواطؤ الدولي
لقد أصبح هذا التفكيك المعماري لغزة ممكنا بفضل التقارب بين التقاعس العالمي والتواطؤ الإقليمي. فقد آثرت روسيا والصين، رغم خطابهما المناهض للهيمنة، الامتناع عن التصويت بدلا من استخدام الفيتو، في مقايضة محتملة للمصالح الفلسطينية مقابل تنازلات في ملفات جيوسياسية أخرى. ووفرت القوى الأوروبية الغطاء الإنساني لإضفاء الشرعية على هذه الخطة، في حين وافقت الدول العربية الرئيسة، التي تعطي الأولوية للاستقرار الإقليمي على التضامن، ضمنا على تمويل "المناطق الخضراء" دون المطالبة بأفق سياسي. ونتيجة لذلك، تحولت السلطة الفلسطينية إلى متفرج ينتظر الفتات الإداري، بينما تحاصَر حماس وفصائل المقاومة في "المناطق الحمراء" غير القابلة للحياة، مما ترك الشعب الفلسطيني وحيدا بلا حليف دولي فاعل أو قيادة محلية موحدة.
"مجلس السلام": أداة لسلب الحقوق السياسية
ينشئ القرار ما يسمى بـ"مجلس السلام" لإدارة الشؤون المدنية. هذه الهيئة غير المنتخبة مكلفة بكل شيء، من توزيع المساعدات إلى إدارة الخدمات العامة، والأهم من ذلك، أنها تتجاوز بالكامل الفصائل الفلسطينية القائمة.
من خلال خلق إدارة تكنوقراطية مسؤولة أمام المانحين الدوليين بدلا من الناخبين المحليين، يقطع القرار 2803 الرابط بين الشعب الفلسطيني وقيادته. يعمل المجلس كحاجز يمنع إعادة تشكيل أي كيان سياسي فلسطيني موحد في غزة، ويُقزّم القضية الفلسطينية من نضال للتحرر الوطني إلى مجرد "ملف إنساني" يديره بيروقراطيون أجانب.
كسر الإرادة عبر التبعية
الهدف النهائي لهذا المخطط الأمريكي-الإسرائيلي هو هدف سيكولوجي بحت. توظف الخطة "البقاء على قيد الحياة" كسلاح؛ فمن خلال ربط الغذاء والمأوى والدواء بقبول الترتيبات الأمنية الجديدة، يهدف مهندسو القرار 2803 إلى كسر روح المقاومة.
المنطق بسيط ووحشي؛ إذا أردت إعادة بناء منزلك، عليك قبول قواعد المنطقة الخضراء، وإذا أردت أن يأكل أطفالك، عليك الخضوع لسلطة القوة الدولية. هذا يخلق مجتمعا يعتمد كليا على المصادقة الخارجية من أجل بقائه، ويحول الحقوق إلى امتيازات يمكن سحبها في أي لحظة.
باختصار، يتم الاحتفاء بقرار مجلس الأمن 2803 في العواصم الغربية باعتباره اختراقا دبلوماسيا، لكنه في الواقع يمثل إضفاء الطابع الرسمي على هيكلة "سجن كبير". إنه يقسم غزة إلى مناطق للحياة ومناطق للموت، ويعهد بالاحتلال إلى قوة دولية، ويستخدم المساعدات الإنسانية كأداة للسيطرة.
هذا القرار لا ينهي الصراع، بل يغير شكله فقط. إنه ينقل الحرب من ساحة المعركة إلى إدارة الحياة اليومية. و"السلام" الذي يعرضه هو سلام السكان المُدجّنين، المجردين من أرضهم وصوتهم ومستقبلهم السياسي.