حمارة خالتى والعدل الدولية
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
هذه حادثة حقيقية حدثت فى لبنان أوائل الستينيات الميلادية من القرن الماضى، وبطلتها (حمارة خالتي)–وهى باختصار: أن تلك الحمارة، انطلقت من بلدة (كفر كلا) وعبرت الحدود ودخلت إلى إسرائيل، وعجزت خالتى وزوجها عن اللحاق بها، ورجعا خوفًا من الرصاص الإسرائيلىý.ý
بعد عامٍ على اختفاء الحمارة، تفاجأت خالتى بعودة حمارتها إلى البيت، وهى تجر وراءها عربة محملة بالدراق والإجاص، وكان يتبعها عدد من أطفال القرية مهللين فرحينý.
ولم تكتمل الفرحة، حيث جاء الدرك اللبنانى مع قوات الطوارئ الدولية، مطالبين بتسليم الحمارة إلى (إسرائيل)، فالحمارة حبلى بجحش، أبوه حمار إسرائيلى، وبعد اعتراض ورفض، ارتفع منسوب الغضب عند أهل القرية، وراحوا يصرخون بصوت جماعى، الحمارة حمارتنا، وبعد ساعات من المفاوضات مع جيش الاحتلال الإسرائيلى، وبوساطة دولية، اتفق الجميع على أن تعود الحمارة لتلد هناك، شرط أن تعيد الأمم المتحدة الحمارة بمفردها بعد الميلادý.ý
بعد ثلاثة أشهر، هربت الحمارة من (إسرائيل) مرة ثانية إلى القرية وهى تجر خلفها العربة المحملة بالفواكه، ويركض بجوارها هذه المرة مولودها الجحش الصغير، ولم تمضِ ساعة، حتى حضرت إلى منزل خالتى قوات الدرك والأمم المتحدة، وطالبوا خالتى بتطبيق بنود الاتفاقية الموقعة، وتسليم الجحش، وكانت المفاجأة أن رفض الجحش أن يترك أمهý.ý
وفى ضوء تهرب الجحش، تم استدعاء قوات درك إضافية، وتم تطويق المكان، وإلقاء القبض على الجحش، وربطه، وتحميله فى شاحنة عسكرية إلى مركز المراقبة فى الناقورة، ومن هناك، عاد الجحش الصغير مأسورًا، مكسور القلبý.ý
حمارة خالتى تكشف حقيقة المفاوض الإسرائيلى، أنه صلبٌ وعنيدٌ وطويل البال إلى الحد الذى رفض أن يفرط حتى بجحش أبوه حمار إسرائيلى، وأمه حمارة لبنانية، فكيف سيتنازل هذا المفاوض الإسرائيلى للمفاوض الفلسطينى عن القدس وعن الضفة الغربية وعن سماء فلسطين وعن المسجد الأقصى، الذى يزعم أنه مكان الهيكل وعن كنيسة القيامة؟
كيف سيتخلى هذا المفاوض الإسرائيلى الذى لم يفرط بجحشٍ صغيرٍ، عن 60 فى المائة من أرض الضفة الغربية؟
ملحوظة مهمة: هذه القصة حقيقية، وهى موثقة فى سجلات الأمم المتحدة العاملة فى جنوب لبنان سنة 1962. عمومًا لو كان لى من الأمر شيء، لمنحت حمارة الخالة وسام الاستحقاق على وطنتيها، ذكرت تلك القصة بمناسبة حكم محكمة العدل الدولية الذى جاء مطاطا مخيبا للآمال لأنه لم يتضمن وقفا لإطلاق النار، بل طالبت إسرائيل بعدم ارتكاب جيشها للإبادة الجماعية مع دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وفعلًا كما قالت خالتى « إللى اختشوا ماتوا واللى ميشوفش من الغربال أعمى»، على مدار 76 عاما يقوم الجيش الإسرائيلى بقتل الحجر والبشر والآن تصدر محكمة العدل الدولية قرارها بنصيحة إسرائيل ألا يرتكب جيشها إبادة جماعية وكأن الذى حدث من قبل ويحدث الآن هو توزيع ورد وشوكولاته على الأطفال والنساء فى غزة والأراضى الفلسطينية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الطوارئ الدولية أهل القرية
إقرأ أيضاً:
«ترامب» بني سياسة السالم اخلارجية.. وتفجير األزمات الداخلية
خلال ساعتين فقط يوم الخميس، حقق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب انتصارين متباينين يعكسان طبيعة رئاسته المنقسمة. الأول كان دبلوماسيًا ضخمًا بعدما احتفلت إدارته بتوصل إسرائيل وحماس إلى المرحلة الأولى من خطته لإنهاء الحرب المدمرة فى غزة. أما الثانى فكان داخليًا مثيرًا للجدل حين وُجهت لائحة اتهام إلى المدعية العامة فى نيويورك ليتيتيا جيمس، بعد أيام من مطالب ترامب العلنية بمحاكمتها، فى خطوة وُصفت بأنها آخر فصول انتقامه من خصومه السياسيين.
وبينما سعى ترامب لتسويق نفسه كـ«صانع سلام» على المسرح الدولى، كان يغذى فى الداخل سلسلة من الصراعات المحتدمة مع الديمقراطيين والهيئات القضائية والإعلامية. هذه الازدواجية، كما وصفتها الصحف الأمريكية، باتت العلامة الأبرز فى رئاسته الثانية، وأداة فى الوقت ذاته يستخدمها خصومه وحلفاؤه لتغذية معاركهم السياسية.
الصور التى اجتاحت الإعلام هذا الأسبوع عكست بوضوح هذا الانقسام. ففى شوارع غزة وتل أبيب، رقص الإسرائيليون والفلسطينيون ابتهاجًا بوقف إطلاق النار الذى أنهى حربًا استمرت لعامين كاملين، بينما اندلعت فى الوقت ذاته اشتباكات عنيفة بين متظاهرين وقوات الأمن الفيدرالية فى مدن أمريكية معارضة لسياسات ترامب، بعد نشره الجيش فى مناطق يقودها ديمقراطيون رفضوا تدخله.
البيت الأبيض سعى إلى تفسير هذه التناقضات باعتبارها مظهرًا لوحدة الهدف. إذ قال مسئول رفيع لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن تدخل ترامب فى غزة لإرساء السلام جاء من الدافع نفسه الذى دفعه إلى إرسال قوات إلى شيكاغو، وهو «وقف العنف وتعزيز الاستقرار». وأكد المسئول أن الديمقراطيين يتحملون المسئولية الكاملة عن تداعيات الإغلاق الحكومى الراهن.
المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلى وصفت ما نشرته «نيويورك تايمز» حول تناقضات ترامب بأنه «مغالطة جديدة من الصحيفة الفاشلة»، وقالت فى بيان: «ترامب يعمل على إنهاء الصراعات حول العالم كما يقمع العنف فى مدن البلاد. لقد نجح فى الداخل والخارج. نهاية الحرب بين إسرائيل وحماس جارية، ومدن أمريكية مثل واشنطن العاصمة تشكره على موارده التى حققت مزيدًا من العدالة للضحايا ومحاسبة المجرمين».
وبينما وصف أنصاره اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة بأنه «تحويلى»، واعتبروا لائحة الاتهام ضد ليتيتيا جيمس «محكمة»، فإن منتقديه أكدوا أن ترامب يستثمر الفوضى ويراها تصب فى مصلحته. زيليزر شدد على أن «ترامب لم يكن بحاجة إلى الدفع نحو هذه التهمة فى هذا التوقيت، لكنه فعل ذلك لأنه يرى الفوضى وسيلة لكسب أوراق سياسية إضافية».
ودافع مايك ديفيس، رئيس مجموعة «المادة الثالثة» المحافظة عن خطوة توجيه الاتهام قائلًا: «لقد شنت حربها القانونية على الرئيس وحاولت إفلاسه، وبعد سنوات من قولها إن لا أحد فوق القانون، جاء اليوم الذى تخضع فيه للقانون ذاته». أما جاستن لوجان، من معهد كاتو، فأشار إلى أن تصرفات ترامب تكشف نظرته إلى السياسة، قائلًا: «ترامب يرى أن المؤسسات الفيدرالية والإعلام والجامعات جميعها أدوات فى صراع سياسى مستمر، ويعتقد أن الجمهوريين تخلوا عن دورهم لعقود».
الضغط النفسى الذى عاشه ترامب ظهر بوضوح فى نهاية الأسبوع. ففى فعالية داخل المكتب البيضاوى أعلن خلالها عن صفقة لخفض أسعار الأدوية الموصوفة، لم يتردد فى الانتقال مباشرة للحديث عن اتفاقه فى الشرق الأوسط، واصفًا الاحتفالات باقتراب نهاية الحرب بأنها «شىء جميل لم يره من قبل». وأضاف: «لم أرَ قط شعوبًا أسعد من تلك التى فى إسرائيل ومناطق أخرى، الجميع يرقصون فى الشوارع». لكنه سرعان ما عاد ليهاجم قادة إلينوى وشيكاغو، واصفًا الحاكم الديمقراطى جيه بى بريتزكر بأنه «حاكم أخرق» والعمدة بأنه «رجل غير كفء»، مؤكدًا: «نحن ذاهبون إلى شيكاغو لإنقاذ شيكاغو».
الدكتور محمد أوز، الذى يشغل منصب مدير مراكز الرعاية الطبية، سعى إلى وضع أفعال ترامب فى سياق أشمل قائلًا: «العالم يراقب ترامب وهو يحاول إحلال السلام فى كل مكان، لكنه فى الوقت نفسه يجلب راحة البال للأمريكيين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف أدويتهم».