سودانايل:
2025-05-10@21:36:00 GMT

إسطنبول المقبرة الفاخرة

تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT

هذه المدينة التي ترقد بهدوء على بحر مرمرة وبإطلالة مغرية على مضيق البسفور بالإضافة إلى الساحل الجذاب على البحر الأسود وبذلك تكون كل عناصر التميز والإبهار قد اكتملت لدى كل زائر لها فتسحره بجمالها الفتاك وطبيعتها الخلابة، ونظامها ونظافتها وهدوئها المريب رغم الزحام المستمر والحركة التي لا تنقطع إلى وقت متأخر جدا من الليل ، دعوني أصفها بمدينة المليون مطعم ومقهى، تلك المحلات التي تجبر كل مار أن يدخلها لتناول وجبة أو إحتساء فنجان شاي أوقهوة، ويبدو أن برودة الأجواء تساعد على ذلك.


هذه المدينة الرائعة والجذابة ترحب وتبتسم للكل رغم التجهم المعروف عن الأتراك بصفة عامة ، لكنها ترحب بالسواح والتجار والذوات والمشاهير، وتفتح لهم أحضانها وتغمرهم بالحنان المزيف والرومانسية الشكلية، ويبهرهم جمال حسناواتها وأماكنها السياحية المُذهلة، وتجدهم يصرفون ملاين الدولارات على (اللاشئ) وهم في غمرة يسكرون وربما يتفاجؤون في نهاية الرحلة بالمبالغ الكبيرة التى بلعتها ماكينات إسطنبول النقدية والتى لاتكتفي أبدًا، إن الحياة في إسطنبول تشبه لعبة (القِمار).
أما من كتبت له الأقدار الإقامة فيها عليه أن يتأقلم مع كل المستحيلات حتى يستطيع تحمل تكشير إنيابها الحادة والسامة، فهى لن تستضيفه كثيرا ولن تطبطب عليه كما كان زائراً أو سائحاً أومستشفياً، بالتالي لابد ان يتقبل واقع أنه غير مرغوب في وجوده وربما تلاحقه بعض النظرات في الطرقات وداخل الأسواق تحديداً ، نظرات تحمل في طياتها تساؤلات مثل :- أيها الأجانب أنتم السبب في هذا الغلاء والمعاناة التي يعاني منها المواطنين بشكل عام وسكان إسطنبول بصورة أخص، وربما يصرح بعضهم بلغتهم المركبة والعصية هذه، قائلاً (الأبنجي) يعني الأجنبي هذا لايهمه الغلاء يتسوق كما يشاء كونه يملك دولارات كثيرة، ومنهم من يقول هؤلاء جاؤوا من بلدانهم واستولوا على معظم الوظائف وأصبح المواطن عاطلاً، ومنهم من يظن أن حكومتهم تصرف على الأجانب لاأدري من أين جاؤوا بهذه الإحتمالات الغريبة أو بالأصح الخزعبلات الغير منطقية ، ربما هنالك جهات خفية تسعى لضرب إقتصاد تركيا بعد نهضتها المشهودة في السياحة والصناعة والتجارة، أجزم أن مايفعله بعض المواطنين بقصد أوبدون قصد سيضر بإقتصاد بلادهم عاجلاً أم آجلا، دعونا من هذا الحديث ولنستأتف مااسلفناه، على الجميع إذًا أن لايستجيب لهذه الهفوات الصغيرة والنظرات المتسائلة وبعض الكلمات المستفزة من بعضهم، حتى تستطيعون العيش في أمان نفسي وتستمتعون بالأجواء الرائعة والأماكن الجميلة التي لايستمتع بعض المتضجرين والعابسين بها، فهؤلاء الأتراك لايعلمون أن بعض الأجانب وضعتهم الأقدار في هذا الخيار الضبابي والمكبل لكل الإمكانيات وهو مغلوب على أمره ويعاني أكثر منهم، ولكن ليس لديه خيار آخر غير الصبر والتغاضي والصمت، هل تصدقون أن معظم الوافدين كانوا كفاءات في بلادهم وبكل أسف شيعوا مقدراتهم ومواهبهم ودفنوها في زوايا هذه المدينة الغامضة ، إنها المقبرة الفاخرة التي تلتهم سعادة وأحلام ومواهب وثروات الكثيرين، والأدهى والأمر من ذلك لاتعطيهم المساحة الكافية لكي يحزنوا ويعبروا عن مابداخلهم كما يشاءون، بل تجبرهم على التعبير والحزن بطريقتها العاجلة في كل شيء، يالها من مدينة جميلة ولكنها قاسية رغم خضرتها وروعة سمائها الغائمة معظم فصول السنة، وكأنها تشبه الفتاة الفائقة الجمال شكلًا لكنها خاوية المفاهيم والمضمون، بالتالي لاتصلح للزواج وتكوين أسرة غالبًا، ولكنها تجيد لعبة الإبهار على المتسكعين في البارات والمقاهي وتعرف كيف تخطف قلوب بعض روادها من الأغنياء الذين يبحثون عن جمال الشكل، ويجيدون لعبة الفوز بالحسناوات للمتعة لوقت محدود، هكذا إسطنبول فهى للسياحة والاستمتاع ولاتصلح للإقامة أو العمل لمعظم الوافدين إلا القليل منهم، وحتى هؤلاء الذين استثمروا فيها مازالوا يخشون من مفاجئاتها الغدارة.
إنها مدينة الفخاخ العظيمة كما وصفها الكاتب عبدالجليل سليمان في روايته أوراق خاسرة، أما اذا قررت أو أجبرتك الأيام للعمل فيها، فإنك لاتسطيع أن تصف عملك بأنه أمر جيد أو العكس، ستعمل بكل جهدك وتستنزف جميع طاقاتك ومهما تبلغ من التطور، ستجد ذاتك تدور في حلقة مفرغة لاتستطيع الخروج منها ولا الإستمرار في الدوران معها ، فماعليك إلا أن تقف منتظرًا ولاتعرف ماذا تنتظر، إسطنبول تغري الكل في بداياتها، وسرعان ماتباغتهم بالعثرات المتتالية، ولاتدع لهم مجالًا لترتيب أوضاهم كما كانوا يخططون ، ذكرت لكم في صدر المقال إنها مقبرة فاخرة إبتلعت في داخلها كثير من الأحلام لبعض الذين قصدوها حاملين طموحاتهم بين ضلوعهم ، ربما معظمهم كانوا يجهلون تفاصيلها الدقيقة واستمدوا معلوماتهم عنها من وسائل الإعلام وسماسرة الغفلة، حتى اصطدموا بواقعها المرير عندما لطمت أمواجها الغادرة سفن أحلامهم، فادركوا ساعتها بأنها سارقة الأعمار والآمال واللهفة، تكبل الأهداف وتعثر الخطاوي، إنها المدينة الساحرة تفسح للكل مساراتها المضيئة لكي يخطو الجميع نحوها لخطوات متسارعة وهم مطمئنين، وفجأة وبذات المسار تدحرجهم إلى الخلف كما شوارعها تماماً، فهي مدينة الغدر والمراوغة والخيانة والمقالب المتسلسلة، والأمر الغريب تبدو وكأن لها ثأر مع الكرماء فأنها تجيد إذلالهم وبأمتياز، وبذات القدر تكرم الأذلاء .

khaldawdalmdny@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

سـوق مطـرح.. ذاكـرة تُسـرق علـى مـرأى المدينـة

هناك أسواق لا تبيع البضائع فقط، تبيع الحنين... تبيع العطر الذي لا يُقطّر في زجاجة، بل يسكن في الذاكرة.

وسوق مطرح واحد من تلك الأسواق النادرة التي كلما مشيت فيها، شعرت أن الزمن قد توقّف احترامًا لما بقي من ملامح الجمال. رائحة البهارات تفوح كأنها بخور الذاكرة، ولمعان المصوغات الفضية يُناديك من أزمنة بعيدة، خطواتك على بلاط السوق كأنها نقرات على باب التاريخ، تدعوه أن يفتح لك صفحة من ماضي عُمان الخالد.

إنه ليس مجرد سوق، إنه متحف مفتوح، تحفة معمارية تسكنها مطرح، وتحمل في جدرانها لهفة البحارة، وصوت الباعة، وثرثرة العابرين، وسيمفونية الحياة كما كانت تُعزف في أسواق العصور الوسطى.

كم يسرني كثيرًا وأنا أرى انبهار السياح الأجانب بهذا السوق، وهم يتوقفون أمام دكان صغير يحتفظ برائحة القرن التاسع عشر، أو يلتقطون صورًا لقناديل ما زالت تُضاء بروح الماضي، لكن تلك السعادة لا تلبث أن تنقلب إلى غصة في القلب، كلما رأيت ملامح هذا السوق تُسرق، تُطمس، وتُستبدل... لا على يد الزمن، بل بأيدينا نحن!

المحلات التي تبيع الملابس الجاهزة والكماليات المستوردة تغزو السوق من كل زاوية، وتطغى على محلات العطارين والفضة واللبان والبخور. باعة من جنسيات مختلفة، يعرضون سلعًا لا تمت للهوية العُمانية بصلة، حتى لكأنك تسير في ممرات سوق آسيوي عشوائي، لا في قلب مطرح التاريخ!.

أين تلك الزوايا التي كانت تحكي قصص الجدّات؟ أين الأبواب الخشبية التي عانقت أكفّ البحّارة والتجّار؟ أين روائح القهوة، وهمسات العطارين، وعبق اللبان؟ لقد بدأ السوق يفقد ملامحه... قطعةً قطعة، وروحًا روحًا.

إن مطالب تطوير السوق ليست ضربًا من الخيال أو المستحيل، بل نطمح بما تفرضه علينا واجباتنا تجاه تراثنا وهويتنا، نطمح بخطة متكاملة لتأهيل السوق، تعيده إلى ماضيه البهي، وتجعله وجهة تراثية عالمية تليق بميناء السلطان قابوس، وتُدهش السائح الذي يهبط من السفينة ليجد نفسه في رحلة عبر الزمن. نُطالب بأن يُعاد تصميم السوق بحيث تُشبه ممراته تلك التي في الحصون والقلاع القديمة. أن تُنظّم كل سكة في السوق لتعبر عن حرفة عُمانية أصيلة: العطارة، وصناعة الفضيات، والنسيج، والسعفيات، والخناجر، والنقوش، والحناء، والفخار... وأن يُمنع بيع كل ما هو مستورد دخيل، لا يحمل بصمة عمانية. بل أكثر من ذلك: يجب أن يُلزم أن يكون الباعة عمانيين بلباسهم العُماني التقليدي؛ ليعيش الزائر تجربة متكاملة، كأنّه دخل إلى موسوعة بصرية عن عُمان، لا مجرد سوق.

ومن الجانب العملي، لا بد من معالجة مسألة تصريف مياه الأمطار، فكل موسم مطير يُغرق السوق، وتنساب السيول من الشعاب المجاورة بلا تنظيم، فتُشوّه المشهد وتُربك الزوّار. وقد يكون الحل في إنشاء أنفاق أو مصارف ذكية تُوجّه المياه مباشرة إلى البحر، دون أن تمرّ بالسوق.

إن السوق هو نبض مطرح، ومطرح هي ذاكرة الوطن. وحين تُسرق الذاكرة... لا يبقى من الإنسان إلا اسمه!

سلطنة عُمان تملك كل مقومات السياحة التاريخية الأصيلة، لا تحتاج إلى مجمعات تجارية ضخمة، ولا إلى ملاهٍ صناعية، بل تحتاج إلى عين تُبصر الجمال الموجود، وعقل يُخطط، وقلب يُحب.

كما رأينا في حارة العقر بنزوى، كيف يمكن لفكرة بسيطة أن تُحوّل الحيّ العادي إلى تحفة سياحية يقصدها الجميع، فإن سوق مطرح جدير بخطة طموحة تُعيد له الحياة.

فليكن سوق مطرح ليس فقط مجرد سوق، بل قصيدة تُتلى، وعنوانًا لعُمان كما نُحب أن يراها العالم.

مقالات مشابهة

  • سرايا القدس تعلن قصف تجمعا لجنود العدو الصهيوني قرب جنين
  • وفيات يوم السبت الموافق 10 مايو 2025
  • ابنة ترامب تكشف تجهيزاتها لاستقبال مولودها الأول
  • عمسيب: الدم يتكلم.. سقوط الوجدان المصنوع
  • سـوق مطـرح.. ذاكـرة تُسـرق علـى مـرأى المدينـة
  • إيقاف 21 طالبا عن الدراسة في جامعة واشنطن بعد احتجاجات داعمة لفلسطين
  • وفيات يوم الخميس الموافق 8 مايو 2025
  • ّإنها سنة.. فالطغاة يعتم عليهم
  • الأمم المتحدة تنفي اعتزام وكالاتها مغادرة السودان .. المنظمة الدولية قالت إنها باقية لأداء مهامها الإنسانية حسب وكالة الأنباء السودانية..
  • العالم يدعو إلى ضبط النفس ونزع فتيل الأزمة بين الهند وباكستان