نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للباحث والأكاديمي حسين آغا، الزميل الأول في كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد، والمحاضر في كلية جاكسون للشؤون العالمية في جامعة ييل روبرت مالي، قالا فيه إنه بالنسبة للكثيرين خارج الشرق الأوسط، تبدو الحرب الأمريكية والإسرائيلية مع إيران وكأنها سردية خطية: جيوش الحليفين الهائلة وأجهزة استخباراتهما مصطفة في مواجهة خصمهما، على أهبة الاستعداد، على أعتاب نصر حاسم لا جدال فيه.



يقول الكاتبان: يُنظر إلى المعركة ونتيجتها المتوقعة من منظور السوابق المألوفة: ألمانيا هتلر مُهزومة، مُستسلمة، مستعدة للرضوخ لمطالب المنتصر، واليابان تحذو حذوها. عندما يتحدث مؤيدو هذه الحرب عن استسلام أحد الجانبين وعن كون الآخر على الجانب الصحيح من التاريخ، فإنهم يعتمدون على مفاهيم واضحة للتقدم والنهاية. فالتاريخ، بالنسبة لهم، يتقدم في خط مستقيم، متجها بسرعة نحو بر الأمان، ومن الأفضل للمرء أن يختار الجانب الصحيح أو أن يُترك على غير هدى.


لمن يعرف الشرق الأوسط، هذه الأفكار لا معنى لها، إنها مجرد هراء، كما يرى الكاتبان. للمنطقة سوابقها المفضلة، ففي وقت مبكر من سبعينيات القرن الماضي، أدى سحق الأردن للمقاتلين الفلسطينيين إلى ظهور منظمة أيلول الأسود ومذبحة ميونيخ الأولمبية للرياضيين الإسرائيليين. غزت إسرائيل جنوب لبنان عام 1982 وأجبرت منظمة التحرير الفلسطينية على النفي إلى تونس، وكانت النتيجة: صعود حزب الله النشط، ومع مرور الوقت، حركة الفلسطينيين المنفيين أقرب إلى إسرائيل، في غزة والضفة الغربية. في ثمانينيات القرن الماضي، ساعد دعم واشنطن للمجاهدين الأفغان في طرد القوات السوفييتية، كما أدى ذلك إلى صعود حركة طالبان وجيل من الجماعات الجهادية، بما في ذلك تنظيم القاعدة، والذي كان الأمريكيون هم الأشرار الرئيسين بالنسبة له. بعد انتصار واشنطن في حرب الخليج 1990-1991، جعل أسامة بن لادن وأتباعه الولايات المتحدة هدفهم الرئيس، وبعد أن نفذوا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، غزت إدارة جورج بوش الابن أفغانستان، وهزمت طالبان، وأطاحت لاحقا بنظام صدام حسين في العراق. بعد عشرين عاما، عادت طالبان إلى السلطة، وفي العراق، نهض تنظيم الدولة من بين الأنقاض، ولعبت المليشيات الموالية لإيران دورا مهيمنا في البلاد.

عندما اندلعت الثورات في جميع أنحاء الشرق الأوسط في عامي 2010 و2011، احتضن الغربيون "الربيع العربي"، واحتفوا بالنشطاء الليبراليين، وأشادوا بانتشار الديمقراطية. لكن سرعان ما حلّ الظلام؛ وأصبحت المظاهرات السلمية والقيم النبيلة التي ألهمتها ذكريات بعيدة. وفي نهاية المطاف، أفسح نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك المجال أمام مستبد أكثر وحشية، وأدى إسقاط الحكومة اليمنية إلى هيمنة الحوثيين، وأدى سقوط معمر القذافي في ليبيا إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار والعنف. لقد رحل بشار الأسد، لكن مصير سوريا لم يُحسم بعد. التاريخ لا يتحرك للأمام، إنه ينزلق جانبا ويهبط في أكثر الأماكن غير المتوقعة.

ويوضح المقال أنه قد تبرز إسرائيل منتصرة كقوة إقليمية مهيمنة بلا منازع، ستبدو إيران نمرا من ورق، وشركاؤها من غير الدول مهزومين أو مُنكمشين، وبرنامجها النووي في حالة من الفوضى، وجيشها ظل لما كان عليه سابقا، وقد لا تتحقق أحلام إسرائيل بتغيير النظام، لكن الفوضى قد تسود.

ويضيف: من المغري قراءة التحول الفوري للأحداث على أنه الأكثر صلة، هذا صحيح فقط حتى الحدث التالي. القصة لا تنتهي، القوة تستدعي قوة مضادة، النجاح يولّد ردود فعل تُنتج نقيضه. كلما اقتربت إسرائيل من النصر الكامل، اقتربت من حالة من عدم اليقين التام، من مخاطر ناجمة عن الإذلال المكبوت والغضب والنقمة، هذا النوع من النصر ليس مكانا آمنا.

بالنسبة للإسرائيليين، كان إغراء التحرك لا يُقاوم، لقد انتظروا عقودا من أجل فرصة القضاء على أعدائهم، سواء كانوا قريبين أو بعيدين، حقيقيين أو متخيلين. مع زوال جميع القيود، يعتقدون أنهم مقيّدون فقط بما يمكنهم فعله، وهم قادرون على فعل الكثير. لكن على الولايات المتحدة والدول الأوروبية أن تكون أكثر وعيا. لم ينس اليهود تعلقهم بالأرض المقدسة بعد ألفي عام من النفي. الفلسطينيون واللبنانيون والإيرانيون -أولئك الذين ما زالوا يتذكرون معركة كربلاء في القرن السابع، والتي أدت إلى استشهاد الحسين، حفيد النبي محمد- لن يغيب عنهم أبدا أهوال غزة، وقصف مدنهم، والمجازر، والعار، وقتل قادتهم، وازدواجية الغرب، ونفاقه، وانحطاطه الأخلاقي. مع هذه الذكريات العميقة والآفاق البعيدة المدى، فإن الكثير مما يُنظر إليه على أنه حاسم اليوم لن يكون ذا أهمية تُذكر للمستقبل.

قد لا تكون المخاطر التي تنتظرنا من النوع المألوف، قد تستلزم إعادة هيكلة "محور المقاومة" الإيراني، بشكل لا يقل شمولية عن المحور الذي فرضته إسرائيل بالقوة. على مر السنين، وفي ظل شعورها بالقوة، بنت إيران ترسانتها التقليدية، معتقدة أنها قادرة على ردع إسرائيل وتحديها في ساحة طالما تمتعت الدولة اليهودية بالسيطرة عليها. أقام حزب الله، وعلى خطاه حماس، شبه دولتين في لبنان وغزة، بمسؤوليات مدنية مُرهِقة وجيوش شبه نظامية. اعتبرت هذه الدول الثلاث هذه الإنجازات مؤشرات على قوتها، وتغاضت عن مدى انكشافها بسبب هذه المآثر، وكيف أن الضعف ينبع من قوة ظاهرة.


هناك سبب يدفعها (هذه الأطراف) في البداية إلى تبني أساليب حرب العصابات الأكثر مرونة ومراوغة. لقد ارتكزت قوتها على عدم التكافؤ، وعندما انحرفت إلى محاولة مجاراة عدوها، ضلّت الطريق وخسرت خطتها، انكشف أمرها. في الأيام والسنوات القادمة، قد تشعر بأنها مضطرة للعودة إلى تكتيكات قديمة. قد لا يطول الأمر قبل أن يلجأ المزيد من الفلسطينيين واللبنانيين والإيرانيين وغيرهم ممن تحركهم قضيتهم -يائسين، بعد أن قضي على أصدقائهم أو أقاربهم، يتوقون للانتقام، والظلام أفقهم الوحيد- إلى أشكال غير تقليدية من الحرب، أحيانا مخططة جيدا، وأحيانا أخرى مرتجلة، وهي نسخ اليوم الأكثر فتكا وتطورا من طائرات وحافلات الأمس المختطفة، واحتجاز الرهائن، والهجمات الانتحارية. شيء جديد مختلف، أكثر تدميرا، وفي الوقت نفسه عودة إلى الماضي. قد تشير الإنجازات الإسرائيلية في الاستخبارات التقنية، والهجمات الإلكترونية، وتفجيرات أجهزة النداء، والقتل الدقيق، والمذابح الجماعية للمدنيين، وغيرها، إلى أساليب سيستخدمها الجميع دون استثناء. المؤشرات واضحة من الآن.

ويختم المقال: يستغرق التاريخ وقتا ليصل إلى وجهته، وليس قبل أن يسلك العديد من المسارات الخاطئة. لن تعكس السنوات القادمة خططا مرتبة ووصفات سياسية صارمة. سيُشكّلهم الحدس والعاطفة، مُستلهمين من توق عميق وعميق للإنصاف والانتقام التاريخي. هذا ليس عالما بناه الأمريكيون أو من أجلهم، سيكونون في عرض البحر.

https://www.foreignaffairs.com/israel/perils-middle-east-triumphalism

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية الشرق الأوسط الحرب إيران الإسرائيليين إيران إسرائيل الشرق الأوسط امريكا حرب صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

2.4 مليار دولار عائدات 14 اكتتاباً عاماً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الربع الثاني من عام 2025



دبي (الاتحاد)

سجلت أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 14 اكتتاباً عاماً خلال الربع الثاني من 2025 بإجمالي عائدات بلغ 2.5 مليار دولار، بزيادة قدرها 4% في العائدات التي جمعتها مقارنة بالربع السابق من هذا العام، وفقاً لتقرير إرنست ويونج (EY) حول نشاط الاكتتابات العامة المنطقة، والذي أظهر استمرار رغبة المستثمرين ومرونة أسواق رأس المال الإقليمية.

وشهدت دولة الإمارات العربية المتحدة، إدراج صندوق مساكن دبي ريت، في سوق دبي المالي في اكتتاب جمع 584 مليون دولار، ويمثل هذا الإدراج إنجازاً هاماً، كونه أكبر صندوق استثمار عقاري من حيث القيمة السوقية في دول مجلس التعاون الخليجي، وأول صندوق استثمار عقاري متخصّص في التأجير السكني في المنطقة.

وتوقعت إرنست ويونج استمرار زخم الاكتتابات العامة الأولية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تعتزم 14 شركة إدراج أسهمها خلال النصف الثاني من عام 2025، منها 10 شركات من المملكة العربية السعودية، إلى جانب عروض من أسواق خارج دول مجلس التعاون الخليجي.و كان أكبر اكتتاب عام في الربع الثاني من هذا العام من نصيب المملكة العربية السعودية، مع اكتتاب شركة طيران ناس التي طرحت أسهمها لأول مرة في السوق الرئيسية تداول، في اكتتاب استحوذ على 44% من إجمالي عائدات الاكتتابات في الربع الثاني. تلاه اكتتاب الشركة الطبيّة التخصصية، الذي جمع 500 مليون دولار أميركي، ثم اكتتاب الشركة المتحدة لصناعات الكرتون الذي جمع 160 مليون دولار أميركي.

وقال براد واتسون، رئيس EY-Parthenon في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «عزز الربع الثاني من هذا العام مكانة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كسوق اكتتابات عامة مرنة وديناميكية. ورغم حذر المستثمرين، فإننا شهدنا نمواً قوياً. ويسلط تنوع القطاعات التي تمثلها الشركات التي طرحت أسهمها للاكتتاب، إلى جانب إدراجات بارزة مثل صندوق مساكن دبي ريت، الضوء على عمق الفرص المتاحة في المنطقة. ونحن نتوقع استمرار هذا الزخم، في ضوء وجود خطط صحية للاكتتابات لما تبقى من عام 2025».

أخبار ذات صلة الدولار يتراجع قبيل صدور بيانات أميركية للتضخم‭ تعاونية الاتحاد تطلق حملات «العودة للمدارس»

وفي حين تفاوت أداء ما بعد السوق، حيث أغلقت 10 من أصل 14 اكتتاباً عاماً بأقل من سعر الطرح عند أول تداول، إلا أن خمس شركات مدرجة حديثاً سجلت مكاسب، ما يعكس حذراً في توجهات المستثمرين. وتعتمد الشركات بشكل متزايد على استراتيجية توقيت السوق، حيث أنها تُقيّم بعناية توجهات المستثمرين والظروف الاقتصادية الكلية قبل طرح أسهمها للاكتتاب

. وعلى صعيد أداء سوق الأسهم، قاد مؤشر السوق الأول لبورصة الكويت المكاسب الإقليمية في الربع الثاني من عام 2025، مرتفعاً بنسبة 17.2%، في حين سجلت الأسواق الأخرى نتائج متباينة. تحول نحو الإدراجات الثانوية تعكس طبيعة عائدات الاكتتابات العامة في الربع الثاني من عام 2025 تحولاً ملحوظاً، حيث شكلت الإدراجات الثانوية 64.3% من إجمالي الاكتتابات العامة، مرتفعة من 35.7% في الربع الأول من عام 2025.

ويشير هذا إلى تفضيل الجهات المُصدرة لخروج المساهمين على جمع رأسمال جديد، ما يُظهر نهجاً أكثر حذراً في ظل حالة عدم اليقين المستمرة في السوق.

من جانبه، قال غريغوري هيوز، رئيس خدمات الاكتتابات والصفقات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى EY-Parthenon: «تُظهر الصفقات البارزة في الإمارات العربية المتحدة كيفية تتطور البورصات الإقليمية لتلبية احتياجات قاعدة مستثمرين متنامية. ويُعدّ هذا التنوع، إلى جانب التحسينات المستمرة في حوكمة السوق، عاملاً أساسياً لاستدامة نمو طويل الأجل».

مقالات مشابهة

  • أكثر الفترات دموية بالنسبة للإعلاميين.. هذا عدد الضحايا الصحفيين في حرب غزة
  • القبة الحرارية تسبب موجة حر قياسية في الشرق الأوسط
  • 2.4 مليار دولار عائدات 14 اكتتاباً عاماً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الربع الثاني من عام 2025
  • تقرير عبري يتحدث عن تهديد أردوغان لـحلم تل أبيب في الشرق الأوسط
  • من سايكس-بيكو إلى ترامب-نتنياهو: تقسيم المقسّم في مشروع الشرق الأوسط الجديد
  • تروكولر تتجاوز 100 مليون مستخدم نشط شهريا في الشرق الأوسط وأفريقيا
  • مسار الرياض -جدة يتصدر أزحم المسارات الجوية في الشرق الأوسط..فيديو
  • قبة حرارية تحاصر الشرق الأوسط وتهدد سكانه
  • فورين بوليسي: الغرب ينقلب ضد إسرائيل
  • مقال في فورين أفيرز: دمار غزة وصل مرحلة الجريمة المطلقة