السَّراجيّ.. غدت بالهدم «طِشاريّ»!
تاريخ النشر: 19th, July 2023 GMT
شاهد المقال التالي من صحافة الإمارات عن السَّراجيّ غدت بالهدم طِشاريّ !، ليس أسهل مِن الهدم، عدته عضلة وفأس، أمَّا البناء فعدته رَويَّة وتفكير. الهدم ساعة وتتناثر الأنقاض laquo;طشاريّ raquo;، والبناء شهور وسنوات، لا .،بحسب ما نشر جريدة الاتحاد، تستمر تغطيتنا حيث نتابع معكم تفاصيل ومعلومات السَّراجيّ.
ليس أسهل مِن الهدم، عدته عضلة وفأس، أمَّا البناء فعدته رَويَّة وتفكير. الهدم ساعة وتتناثر الأنقاض «طشاريّ»، والبناء شهور وسنوات، لا يحُسنه إلا الكُفاة. أبلغ شعراء العصر قال في محنة ضياع البنائين عند الأزمات: «إذا لم ينلها مصلحون بواسلٌ/ جريئون في ما يدعون كفاةُ»(الجَواهريّ، قصيدة الرَّجعين 1929). حدث ليلة الجمعة(14/7/2023)، أنْ تجرأت الآلات ناهشةً منارة مسجد السَّراجيّ، المشيدة (1727م)، لتوسعة طريق أبو الخصيب، وبُرر الهدم باتفاق مع «الوقف السُّنيّ»، لكنَّ الوقفَ أوضح: ما حصل جرى ضد الاتفاق، فلم تنقل المنارة، بإشراف فنيين بالبناء لا الهدم. أقول: هذا الاتفاق غير جدير بالتقدير. هوت المنارة، وكأن الثلاثمئة عام لم تشفع لها، كي يُحتفظ بها أثراً تاريخياً. لم تهدم بشعور طائفيّ، لكنَّ في الوضع العراقيّ الحالي يُقال: ماذا لو كانت المنارة لضريح مِن الأضرحة، الحديثة لا القديمة، أتجرأت الآلات على نقضها بهذه الفاجعة؟! يسأل الأصدقاء: أين ذهبت آثار بغداد، أسوارها وأبراجها، وكانت عاصمة الدُّنيا لنصف ألف عام؟! الجواب مِن المعمار محمّد مكية(ت: 1915): أنَّ المهندس أرشد العمريّ(ت: 1978) أول أمين عاصمة ببغداد، كان مأخوذاً بالحداثة السّاذجة، فأصدر أمراً للبلديات بهدم كلِّ بناءٍ يعترض الشّوارع، وبهذا القرار ضاعت الآثار(مكية، خواطر السِّنين). قبله أجاب ساطع الحصريّ(ت: 1968)، بمرارة على السُّؤال: توجه أمين العاصمة العمريّ لهدم «جامع مرجان»، لغرض تنظيم شارع الرّشيد، مع ما فيه مِن كتابات أثريَّة (الأجوريّة)، والتي أشار إليها الحصري بـ«أثمن الوثائق التَّاريخيَّة في مدينة بغداد». ثم تجرأت أمانة العاصمة على هدم سور بغداد وبرجه التّاريخيّ، والغرض «إنشاء بهو الأمانة خارج سور القلعة، أخذ(العمريّ) يهدم البرج القائم في نهاية السُّور مِن جهة الشَّط». سمَّى الحصري تلك الأفعال: «نزوات أمين عاصمة»(الحصريّ، مذكراتي في العراق). كان التّفكير بهدم منارة سوق الغزل التّاريخيّة ببغداد جارياً، فالمنارات هي الآثار قبل المساجد، في حالة السّراجيّ، والتي سميت ربما لوجود نهر تاريخيّ بهذا الاسم بالمنطقة(مجلة لغة العرب)، وفي حالة منارة سوق الغزل كان العُذر احتمال سقوطها، إلا أنَّ العقلاء(1961) فكروا أنْ يُشيد مسجدٌ لها، وقد تم ذلك ومازالت شاخصة، فكُلف المعمار مكية بإنجازه(خواطر السنين). عندما هدمت منارة «الحدباء» بالموصل(2017)، التي شيدت في عهد نور الدّين زنكي(ت: 569هج)، خلال المعارك مع «داعش»، هزّتَ العالم واقعتها، فتولت دولة الإمارات العربيَّة المتحدة إعادة إعمارها، بينما بلا وخزة ضميرٍ تُهدم منارة بأهمية الحدباء، وأرى «الدَّواعش» بالهدم جنساً واحداً، هذا، ولكم قياس حجم العبث. تأخر تشييد المنائر على بناء المساجد، فقد ظهرت شاهقة في أركانها(السَّنة 53هج)، أوجدها الوالي مسلمة بن مُخلّد الأنصاريّ(ت: 62هج) بمصر(ابن تغرى بردى، النُّجوم الزَّاهرة)، فلا تُعد مِن المقدسات، بل الآثار النَّفائس. يُنقل أنّ الفرزدق(ت: 110هج) هجا الوالي خالد بن عبد الله القَسريّ(قُتل: 126هج)، لأنّه هدم المنائر، كي لا يطل المؤذنون على سطوح البيوت: «أَلَا قَطَعَ الرَّحْمَنُ ظَهْرَ مَطِيَّةٍ/ أَتَتْنَا تَهَادَى مِنْ دِمَشْقَ بِخَالِدِ/ فَكَيْفَ يَؤُمُّ النَّاسَ مَنْ كَانَتِ أمُّهُ/ تَدِينُ بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِوَاحِدِ/ بَنَى بِيعَةً فِيهَا النَّصَارَى لِأُمِّهِ/ وَيَهْدِمُ مِنْ كُفْرٍ مَنَارَ الْمَسَاجِدِ»(ابن الأثير، الكامل في التَّاريخ). أقول: لو قيظ لمس بل(ت: 1936)، المسؤولة الشّهيرة، مؤسسة مديرية الآثار العراقيَّة(1920) العيش اليوم، لعملت الآتي بالمنارة المنكوبة: اشترت البيوت وعوضت أهلها بدلاً مِن هدمها، أو شقت نفقاً تحتها ولا جرحت التَّاريخ جرحاً بليغاً. هذا، والعراقيون وحدهم نحتوا مِن «طشر» اسم «مطشر»، وأراه ماركة عراقيّة. الفضل في العنوان للأديبة أنعام كه ججي وروايتها «طِشاريّ»، عندما صارت أسرة بطلتها شذراً مذراً، شرقاً وغرباً. *كاتب عراقي
المصدر: صحافة العرب
كلمات دلالية: موعد عاجل الدولار الامريكي اليوم اسعار الذهب اسعار النفط مباريات اليوم جدول ترتيب حالة الطقس
إقرأ أيضاً:
وزير جنوب أفريقي: السرقة تبقى سرقة ويجب إعادة الآثار فورا
جددت جنوب أفريقيا دعوتها لإعادة القطع الأثرية والثقافية التي نُهبت من القارة خلال الحقبة الاستعمارية، مطالبة الدول الغربية باتخاذ خطوات عملية و"غير مشروطة" لإرجاع ما تم الاستيلاء عليه بالقوة.
وجاءت هذه الدعوة في كلمة ألقاها وزير الرياضة والفنون والثقافة الجنوب أفريقي، غايتون ماكنزي، خلال اجتماع مجموعة العمل الثقافية التابعة لمجموعة الـ20، الذي عُقد يوم الاثنين في جوهانسبرغ. وقال ماكنزي في كلمته: "إذا ثبت أن هذه القطع سُرقت، فيجب أن تُعاد فورا، من دون تفاوض. السرقة تبقى سرقة، سواء مضى عليها يومان أو 200 عام".
وأكد الوزير أن استعادة هذه القطع ليست موجهة ضد أوروبا، بل هي مطلب يستند إلى العدالة التاريخية واحترام ثقافات الشعوب الأفريقية. ولفت إلى أن القوى الاستعمارية لم تكتفِ بنهب الأعمال الفنية والتحف، بل امتد الأمر إلى الاستيلاء على رفات بشرية، بما في ذلك جماجم وأسنان لأفارقة، استُخدمت لاحقا في التجارب العلمية وعُرضت في متاحف غربية.
ورغم أن بعض الدول الأوروبية بدأت بخطوات محدودة لإعادة أجزاء من هذه الممتلكات، فإن الوتيرة لا تزال بطيئة. فقد أعادت المملكة المتحدة عددا من القطع الأثرية إلى نيجيريا وغانا وبنين، في حين سلّمت بلجيكا عام 2022 سنا تعود لباتريس لومومبا، أول رئيس وزراء منتخب في الكونغو الديمقراطية.
وتأتي هذه المطالبات في وقت تتصاعد فيه أصوات داخل القارة الأفريقية، خصوصا من جيل الشباب، تدعو إلى محاسبة القوى الاستعمارية على ماضيها، والمضي نحو تعويضات حقيقية واستعادة ما سُلب من ذاكرة الشعوب. وفي قمة الاتحاد الأفريقي التي عُقدت في فبراير/شباط الماضي، اتفق القادة الأفارقة على توحيد موقفهم تجاه المطالبة بتعويضات عن حقبة العبودية والاستعمار، بما يشمل إعادة الممتلكات الثقافية.
إعلانوفي المقابل، تواجه متاحف غربية انتقادات متزايدة، بسبب استمرارها في "إعارة" قطع أثرية منهوبة إلى معارض دولية، في ما اعتُبر محاولة للالتفاف على المطالب المتزايدة بالإعادة الكاملة.
ويبدو أن قضية استرداد التراث الأفريقي باتت تشكل نقطة إجماع نادرة في القارة، تجمع بين السياسيين والمثقفين والمجتمع المدني، في مسعى جماعي لاستعادة جزء من الكرامة والهوية الثقافية التي حاول الاستعمار طمسها.