الذكاء الاصطناعي.. تكنولوجيا منفلتة تبحث عن ضوابط
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
بدأ الذكاء الاصطناعي خلال الأعوام القليلة الماضية بلعب دورا مهما في تطور عالم التكنولوجيا، غير أنه من المتوقع أن يحتل مراتب أعلى بين ملفات الأمن القومي للدول في السنوات المقبلة، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
ومن الملاحظ أن التطور المتزايد والاستخدام الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي، بدأ بإجبار الدول على اتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد نقاط الضعف الأمنية.
وتؤكد التقارير المهتمة بهذا المجال أن تطور الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى زيادة الهجمات السيبرانية، وستصبح القرصنة الإلكترونية أكثر فعالية.
ووقعت بعض الدول قبيل نهاية 2023، على سلسلة من مشاريع القوانين التي تتحكم وتقيد استخدام الذكاء الاصطناعي، من أجل منع العواقب السلبية المحتملة لهذا المجال، ولضمان الأمن.
مبادرة الولايات المتحدةوذكر التقرير أن الإدارة الأميركية أصدرت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 مرسوما يهدف إلى الوقاية من المخاطر الناشئة عن الذكاء الاصطناعي. وبموجب المرسوم الذي أُعد بأمر من الرئيس الأميركي جو بايدن، أُدخلت معايير جديدة لأمن الذكاء الاصطناعي.
وبينما يهدف المرسوم إلى حماية الأميركيين من المخاطر المحتملة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، فإن الشركات التي تقوم بتطوير هذه الأنظمة مطالبة بمشاركة نتائج الاختبارات الأمنية والمعلومات الهامة الأخرى مع الحكومة.
وبموجب المرسوم، يجب على المؤسسات وضع معايير للاختبارات الأمنية، ومعالجة مخاطر الأمن السيبراني. ومن أجل حماية الأشخاص من الاحتيال، استُحدثت قوانين جديدة للكشف عن المحتوى الذي أُنشئ باستخدام الذكاء الاصطناعي والتحقق منه.
وفي ديسمبر/ كانون الأول عام 2023، توصلت مفوضية الاتحاد الأوروبي والبرلمان والدول الأعضاء، إلى اتفاق على أول قانون للذكاء الاصطناعي في العالم.
وبموجب القانون -الذي أقره الاتحاد الأوروبي ويتوقع أن يدخل حيز التنفيذ العام المقبل- سيُنظم الذكاء الاصطناعي وفق نهج قائم على احتمالات مخاطر الإضرار بالمجتمع. وستُفرض قواعد أكثر صرامة على أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر، كما سيتم تحديد معايير واضحة لتمييز الذكاء الاصطناعي عن الأنظمة البرمجية البسيطة.
كما سيعمل القانون على التأكد من أن الذكاء الاصطناعي لا يؤثر بأي حال من الأحوال على كفاءة الدول الأعضاء أو أي منظمة متخصصة في مجال الأمن القومي.
وبالتوازي مع ذلك، فإن دخول أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر إلى سوق الاتحاد الأوروبي، سيخضع لمجموعة من القواعد والالتزامات.
الذكاء الاصطناعي يزيد المخاطربدوره قال رئيس مجلس إدارة مجموعة "بافو" التركية المهتمة بمجال الذكاء الاصطناعي ألبير أوزبيلن: إن تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي يوفر فرصا ويخلق مخاطر في مجال الأمن. وأضاف أنه من المتوقع ظهور هجمات إلكترونية أكثر تطورا في الفترة المقبلة نتيجة تطور الذكاء الاصطناعي، وستزداد المخاوف بشأن الخصوصية الشخصية.
وتابع أوزبيلن: من المتوقع أن الأخطاء المحتملة للأنظمة الروبوتية المستقلة التي ستحيط بحياتنا أكثر، ستزيد المخاوف بشأن سلامة الأرواح والممتلكات. وشدد على وجوب إجراء المزيد من الاستثمارات في البنى التحتية للأمن السيبراني، وتطوير حلول أمنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لمواجهة هذه المخاطر، وأكد على ضرورة استحداث اللوائح القانونية لحماية البيانات الشخصية أثناء تطوير واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع مراعاة التوازن بين القدرة التنافسية والقيم الأخلاقية.
ولكي يتكيف سوق العمل مع التغيرات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، يحتاج الموظفون إلى إعادة تدريب وتأهيل فيما يخص كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، وفق أوزبيلن. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تعتبر من الدول الرائدة على مستوى العالم في مجال الذكاء الاصطناعي بفضل الشركات العملاقة في القطاع الخاص مثل غوغل وأمازون وفيسبوك ومايكروسوفت والجامعات البحثية.
ولفت إلى أن واشنطن تلعب دورا هاما في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير تقنياته، وأشار إلى أن الصين تحقق أيضا نموا سريعا في مجال الذكاء الاصطناعي، وتحاول أن تصبح القوة الثانية التي تنافس الولايات المتحدة عالميا.
وعن إجراءات الحكومة الصينية حيال هذا الملف قال أوزبيلن: إن بكين حددت تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي كأولوية وطنية، وقامت باستثمارات كبيرة في هذا المجال. وأوضح أن الصين حققت تقدما كبيرا في أبحاث الذكاء الاصطناعي وتعليمه وتطبيقه، وذلك كي تصبح دولة مكتفية ذاتيا في هذا المجال. وبفضل قوة نظامها السياسي، وفق أوزبيلن، تمكنت الصين من أن تصبح رائدة في مجال تحليل البيانات الضخمة وتقنيات التعرّف على الوجه.
وفيما يخص اهتمام تركيا بالذكاء الاصطناعي قال أوزبيلن: إن على تركيا متابعة التطورات في هذا المجال عن كثب، ووضع سياسات تتماشى مع مصالحها الوطنية واحتياجاتها الصناعية. وأكد أن أولويات إستراتيجية الذكاء الاصطناعي في تركيا هي التركيز على البحث والتطوير، وتدريب الموارد البشرية الموهوبة، وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال.
وأشار إلى أن تركيا التي تمكنت من تحقيق التوازن بين القيم الأخلاقية والمتطلبات التكنولوجية، تتمتع بالقدرات التي تؤهلها لأن تصبح لاعبا مهما في مجال الذكاء الاصطناعي.
وانتشرت استخدامات الذكاء الاصطناعي في أكثر من مجال وقطاع، وتمكنت شركات التكنولوجيا من استقطاب 50 مليار دولار من الاستثمارات في 2023، بنمو فاق 70% خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
وتوقع تقرير لشركة الاستشارات الإدارية "ماكينزي"، أن يضيف الذكاء الاصطناعي التوليدي ما يتراوح بين 2.6 تريليون دولار و4.4 تريليونات دولار للاقتصاد العالمي كل عام.
واستُخدم الذكاء الاصطناعي في الحروب مؤخرا، حيث حولت إسرائيل قطاع غزة إلى ميدان تجارب لاستخداماته في الحرب، وذلك عندما ضاعفت عدد الأهداف التي ضربتها في القطاع باستخدام الذكاء الاصطناعي، بحسب تقرير الأناضول.
ووفق الباحثة الفلسطينية العاملة في مجال أخلاقيات الذكاء الاصطناعي نور نعيم، فإن إسرائيل ضربت 15 ألف هدف باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي المسماة "غوسبيل" في أول 35 يوما من الهجمات (التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي).
وأشارت نعيم إلى أن هذا الرقم أعلى بكثير من عدد الأهداف التي ضربتها في العمليات السابقة، حيث إن إسرائيل تمكنت من ضرب ما يقرب من 6 آلاف هدف خلال الصراع الذي استمر 51 يوما في 2014.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی مجال الذکاء الاصطناعی الاتحاد الأوروبی فی هذا المجال الاصطناعی فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
ثورة تعيد تشكيل العمران.. مدن المستقبل بهندسة الذكاء الاصطناعي
هل شعرت يوماً وأنت عالق في زحمة مرورية أن هناك طريقة أفضل لتصميم المدينة؟ أو مررت بجانب مبنى ضخم وتساءلت عن حجم استهلاكه للطاقة؟
على مدى عقود، ظل بناء المدن عملية بطيئة ومعقدة، تعتمد غالباً على التخمينات المدروسة والتجارب السابقة. لكن ماذا لو منحنا مخططي المدن «قوى خارقة»؟ ماذا لو استطاعوا التنبؤ بسيناريوهات مستقبلية متعددة قبل أن يبدأ العمل فعلياً على الأرض؟
هذا بالضبط ما يحدث اليوم، والسر يكمن في الذكاء الاصطناعي.
يشرح شاه محمد، قائد ابتكار الذكاء الاصطناعي في شركة «سويكو»، أن الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في تصميم المدن وتخطيط البنية التحتية عبر تحسين العمليات، وتعزيز اتخاذ القرار، وتحقيق نتائج أكثر استدامة. يتيح الذكاء الاصطناعي لفريقه تحليل كميات ضخمة من البيانات، ومحاكاة سيناريوهات متعددة، وخلق بيئات حضرية أكثر كفاءة ومرونة، وفقاً لموقع «آي أي نيوز» المتخصص في دراسات الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد شاه أن الذكاء الاصطناعي يمنح فريقه القدرة على طرح الأسئلة الحاسمة التي تؤثر على حياة السكان: «كيف نبني هذا الحي بأذكى طريقة لتقليل الازدحام والتلوث؟ وكيف نصمم مبنى يحافظ على برودته خلال موجات الحر دون أن ترتفع فواتير الكهرباء؟» حيث يمكن للذكاء الاصطناعي حساب آلاف الاحتمالات لاختيار الحل الأمثل.
لكن الواقع معقد، ويصعب محاكاته بدقة. فالطقس غير المتوقع، والتأخيرات، والفوضى البشرية تمثل تحديات كبيرة.
ويقول شاه: «التحدي الأكبر في تطبيق نماذج البيانات على الواقع يكمن في تعقيد وتغير الظروف البيئية. من الضروري أن تمثل النماذج هذه الظروف بدقة وأن تكون قادرة على التكيف معها».
ولتجاوز هذه العقبات، يبدأ الفريق بتنظيم بياناته وضمان جودتها، موضحاً: «نطبق ممارسات صارمة لإدارة البيانات، نوحد تنسيقاتها، ونستخدم أدوات برمجية قابلة للتشغيل البيني لضمان توافق البيانات عبر المشاريع.»
يضمن هذا التنظيم أن يعمل جميع أعضاء الفريق من مصدر موثوق وموحد، مما يمكّن الذكاء الاصطناعي من أداء مهامه بكفاءة ويعزز التعاون بين الفرق المختلفة.
ومن أبرز الجوانب الواعدة في استخدام الذكاء الاصطناعي دوره البيئي والإنساني. يشير شاه إلى مشروع استخدم فيه الذكاء الاصطناعي للحفاظ على التنوع البيولوجي، عبر تحديد الأنواع المهددة بالانقراض وتزويد الباحثين بالمعلومات اللازمة، ليمنح الطبيعة صوتاً في عمليات التخطيط.
ويقول شاه: «يشبه الأمر وكأن الذكاء الاصطناعي يرفع يده قائلاً: "احذروا، هناك عائلة من الطيور النادرة هنا"، ما يساعدنا على البناء باحترام البيئة المحيطة».
اقرأ أيضا.. الذكاء الاصطناعي يحدث ثورة في مجال الهندسة المعماري
أما المرحلة القادمة، فيرى شاه، فهي تحويل هذه الرؤية المستقبلية إلى دليل حي وواقعي.
ويشرح: «أكبر فرصة للذكاء الاصطناعي في قطاع العمارة والهندسة والبناء تكمن في التحليلات التنبؤية والأتمتة. من خلال توقع الاتجاهات المستقبلية، والكشف المبكر عن المشكلات، وأتمتة المهام الروتينية، يمكن للذكاء الاصطناعي رفع الكفاءة، خفض التكاليف، وتحسين جودة المشاريع.»
هذا يعني جسوراً أكثر أماناً، طرقاً تحتاج إلى صيانة أقل، واضطرابات أقل في حياة الناس. كما يحرر المواهب البشرية من الأعمال الروتينية لتتركز على بناء مدن المستقبل التي تلبي حاجات سكانها.
أسامة عثمان (أبوظبي)