«صوم يونان».. مدته 3 أيام ويرمز لقصة السيد المسيح
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
يستعد الأقباط الأرثوذكس يوم 6 فبراير الجاري لبدء "صوم يونان" أو كما يطلق عليه "صوم نينوى"، ونينوي كانت عاصمة الأشوريين قديماً.
وترجع قصة الصوم إلى سفر يونان النبي وهو خامس أسفار الأنبياء الصغار في العهد القديم وعدد إصحاحاته ٤ فقط، ومن المعتاد أن يأتي هذا الصوم قبل الصوم الكبير بـ 15 يوم، وتعتمد الكنائس على تحديد كلا العيدين على دورة القمر التي حددت في مجمع نيقية ولكنه يحدد بطريقة حسابية ليست فلكية كما في الأعياد الإسلامية.
وتعتبر الكنيسة القبطية عيد يونان عيد سيدي كبير، أي في حكم أصوام المرتبة الأولى، فيصام انقطاعيًا علي مدار 3 أيام إلى ساعات الغروب، ولا يأكلون فيه السمك والمأكولات الحيوانية، يكتفون فقط بالبقوليات والمأكولات النباتية، وبالتزامن مع ذلك تدق الكنائس أجراسها وتنطلق بصلواتها وتسابيحها، وفي السطور القادمة تأخذكم "البوابة" في رحلة حول قصة ورمزية ودلالات صوم يونان الروحية.
وكان صوم يونان قديماً يُصام لمدة 6 أيام متواصلة ولكن غالبية الكنائس الشرقية أبقت الصوم على 3 أيام، عدا كنيسة الروم الإرثوذكس حيث تصوم ٦ أيام متتالية، وبالنسبة للكنائس الأرثوذكسية البيزنطية مازالت لا تعترف به حتى الآن.
قصة يونان
ترجع قصة يونان إلى القرن التاسع قبل الميلاد وذكرت في سفر «يونان» الوارد في التوراة، وبشكل وجيز فكان النبي يونان من مواليد إسرائيل وقد دعاه الله ليحمل رسالة التوبة إلى مملكة أشور التي كانت عاصمتها نينوى " مكانها في العراق حالياً"، وهي المملكة التي قامت بتدمير مملكة إسرائيل في سنة 722 ق.م، وكانت هذه الأمة وثنية حيث كانوا يعبدون آلهة كثيرة ومنها "عشتروث" وكثرت شرورهم جداً؛ مما دعي الله لأن يكلف يونان النبي ويرسله إليهم؛ ليخبرهم عن شرورهم ويبشرهم بالله والدعوة للسير في سبله.
ولكن كانت المفاجأة بأن يونان النبي هو من تهرب من دعوه الله؛ فحاول الهرب من الله على ظهر سفينة بمدينة "يافا"؛ اعتقاداً منه أنه بذلك قد هرب من قبضة الله، ، فأحدث الله ريحا شديدة وهاج البحر على من في السفينة، وقالوا يوجد أحدنا صاحب مصيبة وضربوا قرعة لمن صاحب هذه البلية فجاءت القرعة على يونان النبي، وأُلقي يونان إلى أعماق البحر من قبل ركاب السفينة؛ وأعد الله له حوتاً كان في انتظاره ليبتلعه وأبتلعه بالفعل،
مكث في بطنه ثلاثة أيام ،وفي الأخير لفظه الحوت ورماه على ساحل البحر .
فاقتنع يونان بأن ذلك كان عقاباً له لعصيانه أمر الرب، فانطلق إلى نينوى وأنذر سكانها بخراب مدينتهم العظيمة وغادرها إلى ظاهرها وهو ينتظر خرابها . فكان أن صامت المدينة بأسرها وتابت، حتى الصغار والحيوانات صاموا، فغفر الرب لهم وعفا عن سيئاتهم، إلا أن يونان اغتم لذلك متوهما بأن مصداقيته لدى أهل المدينة اهتزت . فظل في مكانه مغتماً وهو يراقب المدينة وكان الجو حاراً عندما غفا ، فأنبت الرب يقطينة نمت بسرعة وظللته فارتاح ، إلا أنه وهو نائم أيبس الرب اليقطينة فضربت الشمس رأس يونان فاستيقظ مزعوجاً ، فخاطبه الرب قائلاً : «إذا كنتَ قد حزنت على يقطينة إشفاقاً عليها ، أفلا أشفق أنا على مدينة عظيمة كنينوى يقطنها هذا العدد الكبير من الناس؟».
يونان كفصح المسيح
وتطلق الكنائس الكاثوليكية الشرقية والكنائس الإرثوذكسية الشرقية بما فيهم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، على عيد يونان "فصح يونان"، والفصح هنا كلمة عبرانية تعني العبور، وتشير في اليهودية إلى عبور اليهود البحر الأحمر بقيادة موسى النبي، وفق سفر الخروج في التوراة وخلد اليهود هذه الواقعة باحتفالهم "بعيد الفصح"، ومن ثم أطلقت الكنائس الشرقية على عيد يونان بعيد الفصح كرمزاً لقصة المسيح، حيث شبهة بشارة ودعوة يونان لأهل نينوى التي ترتب عليها هدى أهل المدينة، بقصة السيد المسيح المذكور في الأناجيل الأربعة التي تتمحور حول تقديم المسيح نفسه كأضحية من أجل البشرية، حيث نقلهم من الموت والجحيم الحتمي إلى الملكوت والسعادة الأبدية، كما يرمز أيضاً بواقعة بقاء يونان في بطن الحوت لمدة ثلاثة أيام ومن ثم خروجة، بموت المسيح وبقائه في القبر لمدة ثلاثة أيام ومن ثم قيامته وفق المعتقد المسيحي.
وقبل أن ترمز الكنائس بقصة يونان بقصة المسيح؛ فقد أرمز السيد المسيح نفسه بقصة يونان بقوله: لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان لهذا الجيل) (لوقا11:30), وقال: (لأنه كما مكث يونان ثلاثة أيام وثلاث ليال في جوف الحوت، كذلك يمكث ابن الإنسان ثلاثة أيام وثلاث ليال في جوف الأرض) (متى12:40).
وبذلك يكون عيد يونان هو العيد الوحيد بين أعياد الكنيسة القبطية الذي يطلق عليه" فصح".
أخذته الكنيسة القبطية من السريانية
يذكر لنا المطران إسحق ساكا النائب البطريركي العام في كتابه "السريان إيمان وحضارة" أن ذلك الصوم جاء بعد أن أصاب الناس في بلاد فارس والعراق وخاصة منطقة نينوى مرض يُسمّى (الشرعوط)، وهو لفظ سرياني يعني (الطاعون أو الوباء)؛ فخلت مدن وقرى كثيرة من الناس، حتى اضطر الملك كسرى أنوشروان أن يستأجر رجالاً لدفن الموتى من كثرتهم؛ فقرّر رعاة الكنائس المشرقية في تلك البلدان أن يصوم المؤمنون لمدة 3 أيام ونادوا باعتكاف، وتوبة قوية نسجًا على منوال أهل نينوى وسُمِّي "صوم نينوى" لأن المؤمنين الذين صاموه أولاً كانوا يقطنون في أطراف نينوى، حسب البحث المنشور للقس باسيليوس صبحي في مجلة "الكرازة".
وبالنسبة لبداية صوم الكنيسة القبطية بصوم يونان فجاء ذلك بعدما أتفق البابا إبرآم بن زرعة "البابا 62 من بابوات الكرازة المرقسية" الذي كان سريانياً الأصل مع الكنيسة السريانية على هذا الصوم بدافع المحبة والوحدة؛ ليكون هناك تقارب في الأعياد كما يوجد بينهما الائتلاف في العقيدة الأرثوذكسية، وذلك حسب كتاب "قطمارس الصون الكبير، ويرجع البعض توقيت الصوم الواقع في فترة ما بعد عيد الغطاس وقبل الصوم الكبير، إلى أنها تعد تنبيها للنفس بالتوبة وضبط الشهوات تمهيدًا لاستقبال الصوم الكبير.
وعندما جاء البابا غبريال الثامن، البطريرك الـ97 من بطاركة الكنيسة، والذي جلس على الكرسي البابوي في الفترة من (1587- 1603م)، أمر بألا يُصام؛ "صوم يونان" ، ولكن لم يسمع له الأقباط، ومازال الصوم يُصام حتى الآن.
وكما أخذ الأقباط الصوم أخذه أيضاً الأرمن عن الكنيسة السريانية ولكن قبل الأقباط بزمن بعيد ولم يزالوا يصومونه ستة أيام على ما كان جارياً في كنيسة الرها وبلاد شميشاط وملطية ويسمى عندهم صوم القديس سركيس لوقوع عيده في نهايته .
القديس سركيس هذا قائد استشهد في النصف الأخير من الجيل الرابع وهو غير سركيس رفيق باخوس الذي استشهد بالرصافة سنة (303م) وحكاية القديس هذا المسمى صوم نينوى باسمه عند الأرمن وصلت إليهم عن مصدر سرياني على هذا الوجه، في الجيل الثاني عشر كان راهب في دير اختمار يدعى جورجي , هذا كتب رسالة إلى نرسيس الجاثاليق الذي كان في كيليكية لكي يبعث إليه بقصة مار سركيس ولما لم يجد الجاثاليق هذه القصة بين كتبه، كتب إلى دير مار برصوما للسريان الواقع بجوار ملطية يطلب هذه القصة فنقلها له أحد رهبان الدير المذكور إلى الأرمنية وربما أن لغته كانت ركيكة اضطر الجاثاليق أن ينقحها بقلمه ومن ثم أرسلها إلى الراهب جورجي المذكور بدير اختمار.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الارثوذكس الصوم الكبير الكنائس الشرقية صوم يونان صوم يونان النبي عيد الكنيسة القبطية المسيح فصح عيد الفصح الکنیسة القبطیة ثلاثة أیام صوم یونان ومن ثم
إقرأ أيضاً:
البابا لاون من تركيا يُوجّه نداءً إلى بناء جسور الوحدة داخل الكنيسة ومع سائر المسيحيين
وجّه قداسة البابا لاون الرابع عشر من إسطنبول، نداءً قويًّا، إلى بناء جسور الوحدة، داخل الكنيسة، ومع سائر المسيحيين، وأتباع الديانات الأخرى.
القداس الإلهيوجاءت دعوة الحبر الأعظم خلال صلاة القداس الإلهي، الذي ترأسها قداسته، بفولكسفاغن أرينا، في إطار زيارته الرسولية إلى تركيا، ولبنان، وحجّه إلى إزنيق في ذكرى مرور 1700 سنة على انعقاد مجمع نيقية.
وربط الأب الأقدس بين بدء زمن المجيء، وذكرى القديس أندراوس الرسول، مشيرًا إلى أن هذا الزمن هو دعوة لاختبار سرّ المسيح من جديد.
وانطلق قداسة البابا من نبوءة إشعياء ليقدّم صورتين محوريتين: جبل الرب الذي يشعّ نورًا ويجذب جميع الشعوب، والعالم الذي يسكنه السلام والذي تتحوّل فيه الأسلحة أدوات للحياة.
ودعا بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى تجديد شهادتهم بالإيمان عبر الصلاة، والأسرار، ومحبة القريب، مستشهدًا بقديسين جعلت حياتهم نورًا للآخرين.
وتوقّف قداسة البابا عند شعار الزيارة الذي يتضمّن صورة الجسر، معتبرًا إيّاه رمزًا للعمل المشترك المطلوب على ثلاث جبهات: تعزيز الوحدة داخل الكنيسة ذات التقاليد الليتورجية المتعدّدة في تركيا، وتوطيد العلاقات المسكونية مع الكنائس الأخرى، بالإضافة إلى ترسيخ الحوار الأخوي مع أتباع الديانات غير المسيحية، في عالم كثيرًا ما يُساء فيه استخدام الدين.
الوحدة عطية إلهيةوشدّد عظيم الأحبار على أن الوحدة عطية إلهية، لكنها أيضًا مسؤولية تتطلّب صيانة دائمة، تمامًا كالجسور التي تربط ضفّتي البوسفور، كما ذكّر قداسته بتراث القديس يوحنا الثالث والعشرين في دعم المسكونية، وضرورة السير مع الجميع، لبناء الثقة، وكسر الأحكام المسبقة.
واختتم قداسة البابا لاون الرابع عشر بدعوة المؤمنين إلى جعل قيم الوحدة، والسلام برنامج حياة خلال زمن المجيء، قائلًا: إننا نسير على جسر يربط الأرض بالسماء، داعيًا إلى إبقاء النظر ثابتًا نحو الله، وإخواتنا، ليظهر وجه المحبة في العالم.