عبر متاهة تطبيع إسرائيل والسعودية.. أمريكا تستهدف دولتين
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
تتشبث الولايات المتحدة باحتمال تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية لتحقيق حزمة أهداف أبرزها الحد من نفوذ الصين وإيران، وفقا لهارلي ليبمان، عضو مجلس إدارة صندوق الشراكة من أجل السلام في الشرق الأوسط (MEPPA) التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
ليبمان اعتبر، في تحليل بمجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية (National Interest) ترجمه "الخليج الجديد"، أن "إضفاء الطابع الرسمي على التحالف الإسرائيلي السعودي يمثل متاهة دبلوماسية".
وأردف: "ومع ذلك، فإن إيجابيات الإبحار في هذه المتاهة متعددة، ويمكن أن تضع الأساس لنظام جديد في الشرق الأوسط، وتكون بمثابة حصن ضد التأثيرات الخارجية، مما يتيح للمنطقة الفرصة لتقرير مصيرها".
وقال إن "المعادلة الإسرائيلية السعودية هي بوتقة من الاستياء التاريخي بين إسرائيل وإيران ووكلائهما مثل حركة حماس وجماعة حزب الله، والتنافس بين القوى العظمى. ومع ذلك، فإن التهديدات والفرص الاقتصادية المشتركة على وجه التحديد هي التي قد تقرب إسرائيل والسعودية من بعضهما البعض".
و"حتى في وقت الصراع بين إسرائيل وغزة (حرب مستمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي)، قد تستمر الرياض وتل أبيب في التقارب مع بعضهما البعض. ولدى إدارة بايدن فرصة تاريخية للتوسط في صفقة رائدة تشمل إسرائيل والسعودية والسلطة الفلسطينية، ليس فقط على الرغم من صراع إسرائيل مع حماس ولكن بسببه"، وفقا لليبمان.
ورأى أنه "أيا كانت النتيجة، فإن العواقب المترتبة على القرارات التي اتخذتها إسرائيل والسعودية ستشكل بلا أدنى شك مسار الشرق الأوسط، وبالتالي العالم ككل".
اقرأ أيضاً
التطبيع وفلسطين.. 3 رسائل سعودية للداخل وأمريكا وإسرائيل
لعبة جيوسياسية
و"للوهلة الأولى، تبدو فكرة تعاون الحكومة الإسرائيلية اليمينية مع السعودية وكأنها خيال دبلوماسي. وعلى الرغم من مواقفهما بشأن الضفة الغربية والمستوطنات والصراع بين إسرائيل من جهة وحماس وحزب الله من جهة أخرى، فإن إسرائيل والسعودية تظهران علامات خفية على العلاقات المتنامية"، كما زاد ليبمان.
وأضاف أن "هذا التعاون لا يقتصر على المنافع المتبادلة لإسرائيل والسعودية فحسب، بل هو جزء من لعبة جيوسياسية أكبر بين الولايات المتحدة والقوة الناشئة في الشرق، لاسيما في ظل نفوذ الصين (المنافس الاستراتيجي للولايات المتحدة) المتزايد في المنطقة".
وتابع أن "رحلة حاملات الطائرات والسفن والطائرات (الأمريكية) إلى شرق البحر المتوسط لا تهدف فقط إلى مساعدة إسرائيل (خلال الحرب على غزة)، بل لمنع الصين من استغلال الفراغ الإقليمي للاستفادة من الصراع الإسرائيلي مع حماس وحزب الله".
وشدد على أن "الصين تحقق تقدما كبيرا في المنطقة، حيث تتعاون بشكل وثيق مع السعودية في مشاريع مختلفة.. ومن خلال دمج السعودية في اتفاقيات إبراهيم (للتطبيع)، تهدف واشنطن إلى بناء إطار من المصالح المشتركة والشراكات التجارية والتحالفات الدفاعية للحد من نفوذ الصين المزدهر في المنطقة".
اقرأ أيضاً
تقرير: بايدن يضغط على نتنياهو للقبول بهدنة مطولة مقابل التطبيع السعودي
أمن واقتصاد
ليبمان قال إنه "رغم أن الصين وإيران قد تسعيان إلى الاستفادة من الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، فمن غير المتصور أن تسمح الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل لإيران وحماس وحزب الله بإحباط آفاق النمو الاقتصادي الذي قد تستفيد منه المنطقة بالكامل"، على حد تقديره.
وتابع: "لن تسمح السعودية لإيران ووكلائها حماس وحزب الله بإحباط احتمال استفادة الرياض من معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة (...) كما تدرك السعودية أهمية التزام إسرائيل تجاه البرنامج النووي المدني السعودي، ولن تسمح لإيران وحماس وحزب الله بعرقلة هذا البرنامج".
وأردف أن "الاتفاق المحتمل بين الولايات المتحدة وإسرائيل على حصول السعودية على برنامج نووي مدني يوضح التزامهما بالسلام، مع إدراكهما للتداعيات الجيوسياسية لأي تعاون نووي بين الصين والسعودية".
و"يتوقف التقدم نحو اتفاق السلام السعودي الإسرائيلي على هذه الخطوات الإضافية نحو الأمن المتبادل والتعاون الاقتصادي. ويدفع التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين إدارة بايدن إلى تعزيز التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وإعادة تشكيل مستقبل الخليج على الرغم من الصراع بين إسرائيل وحماس وحزب الله"، كما أضاف ليبمان.
وزاد بأن "السلطة الفلسطينية، التي تراقب الديناميكيات الإقليمية المتغيرة، كانت تهدف إلى عدم التخلف عن الركب، ولذلك سعت إلى الاستفادة من هذا الوضع عبر المطالبة بدعم مالي للسلطة ووقف التوسع الاستيطاني الإسرائيلي".
اقرأ أيضاً
تقدير أمريكي: منطق التطبيع لايزال قائما بالخليج.. لكن "ثمنه" الإسرائيلي ارتفع
المصدر | هارلي ليبمان/ ناشونال إنترست- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السعودية إسرائيل تطبيع أمريكا الصين إيران إسرائیل والسعودیة الولایات المتحدة وحماس وحزب الله حماس وحزب الله بین إسرائیل
إقرأ أيضاً:
نجحت الصين وفشلت أمريكا
حاتم الطائي
◄ الصين تحقق لأول مرة فائضًا تجاريًا يتخطى تريليون دولار
◄ تحويل الأزمات إلى فرص يعكس نهجًا صينيًا اقتصاديًا متوازنًا
◄ العولمة والانفتاح والمصالح المتبادلة.. مثلث التفوق الاقتصادي في عالم اليوم
الصعود الصيني الكبير خلال العقدين الماضيين لم يتحقق صدفةً أو نتيجة لظروف دولية مُتداخلة، وإنما كُتب بجُهد وعبقرية الإرادة الصينية، التي تستمد طاقتها الكامنة من جذورها الضاربة في أعماق الحضارة الإنسانية؛ فالصينيون انطلقوا في مسيرة تطورهم على ما يملكونه من موارد غنية وعقول لامعة، وانتهجوا فلسفةً تتسم بالحكمة والهدوء والانفتاح على الآخر، مع الاحتفاظ بهويتهم الأصيلة كأحد أقدم الشعوب في الأرض.
أقولُ ذلك، وقد تابعت باهتمام شديد ما كشفت عنه الأرقام الرسمية؛ حيث تجاوز الفائض التجاري للصين تريليون دولار لأول مرة، وهو الأمر الذي عزاه المحللون والخبراء إلى اتجاه المُصنِّعين الساعين لتفادي الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى شحن مزيد من صادراتهم إلى أسواق غير أمريكية، ما أسهم في تسجيل قفزة كبيرة في الصادرات الصينية إلى أوروبا وأستراليا وجنوب شرق آسيا.
هنا نستطيع أن نكتشف ملمحًا رئيسًا من ملامح النمو الصيني، والمُتمثِّل في تحويل التحديات إلى فرصٍ، فعندما عاد ترامب إلى البيت الأبيض مجددًا في 2024، سارع بشن حرب تجارية على الصين، تحت مزاعم "التدابير الحمائية"، وتمثَّلت في فرض رسوم جمركية وصلت في بعض محطاتها إلى أكثر من 155%، ما يعني استحالة التصدير تقريبًا. في المُقابل، تعاطت الصين مع الأزمة برؤية نِديّة، وفي كل مرة اتخذ فيها ترامب قرارًا برفع الرسوم الجمركية، أعلنت بكين عن قرار مُماثل، ردًا على القرار الأمريكي. لكن على عكس التفكير الأمريكي العقيم والمحدود، سعت الصين إلى البدائل فورًا، وبدأت في تغيير بوصلة صادراتها، واتجهت بقوة إلى الأسواق الأوروبية والأسترالية، وكذلك الآسيوية والعربية.
الموقف الصيني الشُجاع الذي واجه الأزمة بحلول غير تقليدية، انعكس على الأداء الاقتصادي؛ إذ لم تتأثر المصانع الصينية جرّاء الحرب التجارية الأمريكية؛ بل على العكس سجّلت نموًا في الإنتاج والصادرات، فقد كشفت بيانات جمركية أنَّ الصادرات الصينية نمت بمقدار 5.9% على أساس سنوي في نوفمبر، متجاوزة التوقعات التي كانت تشير إلى نموها بمقدار 3.8% فقط! هذا التحول اللافت يؤكد أن القرارات الأمريكية لم تكن أبدًا قائمة على أُسس اقتصادية، وإنما استندت إلى رغبات وأهواء رئيس نرجسي ينظر إلى القضايا بنظرة شخصية، تعتمد على رؤيته الذاتية للأمر، وليس على رأي مؤسسات الدولة، وهو ما تجّلى بوضوح في عديد القضايا الأخرى، سواء في العلاقات مع أوروبا أو قضايا الشرق الأوسط، أو حتى في الأزمة التي تتفاقم حاليًا مع فنزويلا، والتي لا أساس منطقيًا لها سوى شخصنة القضية بسبب مواقف الزعيم الفنزويلي نيكولاس مادورو، المناهضة للاستعمار والإمبريالية في صورتها الأمريكية المُعاصرة.
القرار الصيني بالتوسع في الأسواق الأخرى خارج أمريكا؛ حيث كثفت جهودها لتنويع أسواق صادراتها، وسعت إلى توطيد العلاقات التجارية مع جنوب شرق آسيا والاتحاد الأوروبي، كما استفادت من الانتشار العالمي لشركاتها لإقامة مراكز إنتاج جديدة تُتيح لها وصولًا برسوم جمركية منخفضة إلى الأسواق. وتؤكد الإحصاءات الرسمية ذلك؛ إذ انخفضت الشحنات الصينية إلى الولايات المتحدة بواقع 29% على أساس سنوي في نوفمبر الماضي، في حين نمت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بمقدار 14.8%، وارتفعت الشحنات إلى أستراليا 35.8%، واستقبلت اقتصادات جنوب شرق آسيا سلعًا صينية بزيادة 8.2%.
هذه الأرقام تُؤكد أنَّ إيمان الصين بمفاهيم وتطبيقات العولمة يتحقق على أرض الواقع؛ فالصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تؤمن أنَّ النمو العالمي لا يتحقق إلّا بتكاتف الجهود والتعاون الدولي القائم على المصالح المتبادلة، لا على الحروب التجارية والرسوم الجمركية المُبالغ فيها.
الصينيون يقرأون التاريخ جيدًا ويُدركون الأبعاد الحضارية في مختلف المراحل، باعتبارهم شعب صاحب حضارة، وليس طارئًا على الإنسانية كما هو الحال بالنسبة للأمريكيين الذين لم يؤسسوا أبدًا حضارة بمفهومها الصحيح، وإنما استطاعوا- بفضل الإمكانيات المالية وتوافد المهاجرين من كل أنحاء العالم- بناء منظومات متطورة في مختلف المجالات. في المُقابل، ما يزال ترامب وإداراته يؤمنون بالأفكار الاستعمارية القائمة على فرض الإرادات وإجبار الخصوم على الخضوع تحت عصا الابتزاز والترهيب تارة، والتهديد بأعمال عسكرية ومخابراتية تارةً أخرى. وما يؤكد على عنجهية وحماقة هذا التوجه، أنهم لم يُدركوا أنَّ مثل هذه السياسات القذرة لا تصلح مع حضارة كبيرة مثل الحضارة الصينية، التي نجحت قبل آلاف السنين في عبور البحار والمحيطات والوصول إلى أبعد نقطة، في لحظة تواصل حضاري ربطت العالم بأسره شرقًا وغربًا، جنوبًا وشمالًا، وهو ما يُعرف باسم "طريق الحرير"، الذي لم يكن مجرد طريق للقوافل التجارية وحسب، وإنما سبيلًا نحو البناء الحضاري القائم على الرؤية الإنسانية السامية للعالم، باعتباره كيانًا واحدًا، أو بلغة اليوم "قرية عالمية صغيرة".
ويبقى القول.. اليوم وبعد قرابة عامين من حرب تجارية شنَّها الرئيس الأمريكي منذ عودته إلى البيت الأبيض، فإنَّ الصين انتصرت في هذه الحرب العبثية، فيما تكبدت أمريكا الخسائر واحدة تلو الأخرى. انتصرت الصين لأنها رفضت سياسة العصا والجزرة، ورفضت أن تخضع وتنكسر في حرب إرادات سياسية واقتصادية لا حرب إيرادات جمركية، وعلى الدول الساعية لبلوغ مكانتها بين الأمم أن تُحافظ على الندية في التعامل مع القوى العالمية، لا سيما تلك القوى التي ترتكز على أفكار استعمارية واستعلائية، وأن السبيل الوحيد للنجاح هو العمل والإنتاج، وليس التكاسل والتخاذل، وأنه إذا ما قررت أمة من الأمم أن تتفوق مع الأخذ بأسباب هذا التفوق؛ فالنجاح حليفها والانتصار رفيق دربها.
رابط مختصر