مدير «نيويورك أبوظبي»: نتنبّأ بالأمراض وعلاجها بالذكاء الاصطناعي التوليدي
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
أبوظبي: عبد الرحمن سعيد
أكد موريس بومرانتز، مدير أول لمعهد «جامعة نيويورك أبوظبي»، وأستاذ الأدب العربي في الجامعة، فيما يتعلق بمخاطر تنامي المعلومات المضللة التي قد تنتشر بسبب الذكاء الاصطناعي، أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يساعد على معالجة بعض أكبر التحديات التي تواجه البشرية، بما في ذلك التنبّؤ بالأمراض وعلاجها وتوفير حلول جديدة لمكافحة التغير المناخي، لكنه بالمقابل قد يتسبب بتسارع تدفق المعلومات الفورية من مجموعة مصادر لم يُتحقق منها، إلى جانب إمكانية نشر محتوى مضلل أو معلومات مغلوطة بشكل مطلق.
وقال في تصريحات خاصة ل «الخليج»: يجب على الجامعات تكثيف جهودها في سبيل تمكين الطلاب من تقييم المعلومات بشكل نقدي، فالعالم الرقمي يفرض علينا اتباع أسلوب تعليمي جديد في الفصول الدراسية، وتطبيق آليات أكثر كفاءة للتواصل مع المجتمع، ما يضيء على أهمية المعارف الصادرة عن الجامعات الأخرى.
وبيّن أن انتشار الروايات المضللة عبر الفضاءات الرقمية يمثل تحدياً تكنولوجياً وتهديداً حقيقياً للتماسك المجتمعي وعملية اتخاذ القرارات المدروسة. ومن عجيب المفارقات أن هذه المشاكل تتشابه مع القضايا ذاتها التي يمكن للذكاء الاصطناعي معالجتها.
وذكر أنه يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي إنتاج محتوى لا حصر له، حيث يستمد خلفيته المعرفية (في وقتنا الحالي) من البيانات الموجودة مسبقاً، ورغم قدرته على البحث في البيانات واستخلاص الأنماط والعمليات التي كانت مخفية سابقاً، فإنه «يفكر» أو يتفاعل مثل الإنسان. ولا يمتلك الذكاء الاصطناعي أي معتقدات أو مشاعر أو إدراكاً للحقائق، ما ينعكس إيجاباً على أدائه ويضع حدوداً لإمكاناته.
وأضاف: كما لا يظهر الذكاء الاصطناعي أي مراعاة للقيم الأخلاقية المتأصلة في عمليات التفكير البشري، ما يبرز دور الجامعات المحوري في تشجيع الطلاب على أن يكونوا مفكرين مطلعين وأصحاب ضمير حي، بطرح الأسئلة الأخلاقية في الفصول الدراسية وقاعات المحاضرات.
وقال: تدفع المناقشات الأفراد للدفاع عن أفكارهم وتطوير إدراكهم للأمور، ما يمهّد الطريق للابتكار ومواصلة الاكتشاف، وهذا الأمر يذكرني بالمهمة الذي أواظب على تنفيذها خلال عملي مدرساً للأدب العربي، حيث يركز بحثي على الحضارة الإسلامية في القرنين العاشر والحادي عشر، اللذين شكّلا بيئة خصبة ومتعددة الأعراق والأديان لروّاد الدراسات الفلسفية والعلمية، وتميزت تلك البيئة بتوفير المساحات للنقاشات الفكرية، ما سمح بتعدد الطروح وتحليل المشكلات من زوايا متعددة.
وأكد أنه ينبغي على الجامعات أن تعزز مشاركتها في القضايا العامة، ما يمكنها من التدخل في تلك القضايا المجتمعية الكبرى. كما عليها زيادة فرص الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور وتعزيز تواصلها مع عالمنا الحديث المعقّد، مع التعمّق في الماضي واستشراف المستقبل. ولا بدّ من الإشارة إلى أهمية وجود مؤسسات تمتلك منظوراً أوسع للأحداث، بدلاً من الالتفات إلى القضايا محدودة الأفق.
وتابع: فعلى سبيل المثال، نسمع باستمرار أن هذه المرحلة غير مسبوقة، إلا أننا نجد أن قضايانا بشكل عام لا تخلو من أوجه التشابه، وينبغي علينا التساؤل عن الطرائق التي تعاملت بها المجتمعات مع باقي التقنيات التي غيّرت العالم فجأة، وطبيعة تأثيرها في تفكير الإنسان، والعبر المستخلصة منها.
وأوضح أن المعهد يمثل امتداداً لعمل الجامعة، حيث أسس لإجراء مناقشات عامة واستخلاص أفكار جديدة، بالاعتماد على سياسة استقطاب الخبرات من مختلف الأماكن، ويشارك في المناقشات متحدثون من مختلف المرجعيات والآراء، بمن فيهم المفكرون الإنسانيون والمؤرخون والعلماء والخبراء التقنيون والسياسيون وقادة الأعمال.
وذكر أن أفكار المتحدثين تمثل إضافة رائعة تذكرني بمقولة أرسطو «العجب هي بداية المعرفة»، التي ألهمتنا لصياغة عنوان موسمنا الجديد «سلسلة من العجائب والتأملات». وتبدأ سلسلة المحادثات والمؤتمرات خلال الأشهر المقبلة، حيث من المقرر أن يشارك فيها أبرز القادة في مجالات عدة، مثل السياسة والاقتصاد والقانون، للإضاءة على الجهود الإقليمية والعالمية فيما يخص توفير حلول مستدامة للتغيرات السريعة والملحة في البيئة، فضلاً عن الاستفادة من التجارب السابقة بوصفها مصدر إلهام للمستقبل. كما نسعى بتلك النقاشات إلى تشجيع المجتمع على التفكير، والوقوف على الخطوات التي يمكن اتخاذها لمعالجة أكبر التحديات الراهنة.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات جامعة نيويورك أبوظبي الذكاء الاصطناعي الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟
منذ آلاف السنين، لم يكن النمو الاقتصادي العالمي سوى زحف بطيء يُلاحظ بالكاد. فحتى عام 1700، لم يتجاوز متوسط نمو الناتج العالمي نسبة 0.1% سنويًا، أي ما يعني أن الاقتصاد كان يحتاج نحو ألف عام ليتضاعف، لكن الثورة الصناعية غيّرت ذلك المسار، وتوالت القفزات في معدلات النمو حتى بلغ متوسطه 2.8% في القرن العشرين.
واليوم، يقف العالم أمام وعود جديدة -وربما مخيفة- بانفجار اقتصادي يفوق كل ما عرفه التاريخ، مدفوعًا بما يُعرف بالذكاء الاصطناعي العام، وفقًا لتقرير موسّع نشرته مجلة إيكونوميست.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إسبانيا تعلّق شراء صواريخ إسرائيلية بـ327 مليون دولارlist 2 of 2الذكاء الاصطناعي لتحديد قيمة للعقارات في تركياend of list نمو سنوي يصل إلى 30%؟وفقًا لمتفائلين من أمثال سام ألتمان، المدير التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، فإن الذكاء الاصطناعي قادر في المستقبل القريب على أداء معظم المهام المكتبية بكفاءة أعلى من البشر.
هؤلاء يرون أن النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي العالمي قد يقفز إلى ما بين 20% و30%، وهي نسب غير مسبوقة تاريخيًا، لكنها من وجهة نظرهم ليست أكثر جنونًا من فكرة "النمو الاقتصادي" التي كانت نفسها مرفوضة في معظم تاريخ البشرية.
ومع تسارع تطور نماذج الذكاء الاصطناعي، لم يعد التهديد الأكبر يكمن فقط في إحلالها مكان العاملين، بل في احتمال أن تقود انفجارًا إنتاجيًا شاملًا، يبدّل ليس فقط سوق العمل، بل أسواق السلع والخدمات والأصول المالية أيضًا.
من نمو السكان إلى نمو الأفكار.. والآن نمو الآلاتويعتمد جوهر نظرية النمو الكلاسيكية على زيادة السكان، التي كانت تسمح بإنتاج أكبر، لكن دون تحسن جوهري في مستوى المعيشة. ومع الثورة الصناعية، تغير هذا النمط، حيث أظهرت الأفكار -لا الأجساد- أنها قادرة على توليد الثروة، وفق ما أوضحه الاقتصادي مالتوس ثم دحضه الواقع لاحقًا.
وبحسب ما نقله التقرير عن "أنسون هو" من مركز "إيبوخ إيه آي"، فإن الذكاء الاصطناعي العام قد يحقق قفزة شبيهة، حيث لا تعود الإنتاجية مرتبطة بزيادة السكان، بل بسرعة تحسين التقنية ذاتها. فحين تصبح الآلات قادرة على تطوير نفسها ومضاعفة قدراتها، فإن النمو يصبح نظريًا غير محدود.
لكن بعض الباحثين -مثل فيليب تراميل وأنتون كورينيك -يشيرون إلى أن أتمتة الإنتاج وحدها لا تكفي لإحداث نمو متسارع ما لم تُستخدم لتسريع الابتكار ذاته، وهو ما قد يُحقق عبر مختبرات ذكاء اصطناعي مؤتمتة بالكامل بحلول 2027، وفقًا لتوقعات "إيه آي فيوتشرز بروجكت".
إعلان الانفجار الاستثماري ومفارقة الفائدة المرتفعةوإذا صدقت هذه النماذج، فإن العالم سيشهد طلبًا هائلًا على رأس المال للاستثمار في الطاقة، ومراكز البيانات، والبنية التحتية. فمشروع "ستارغيت" من أوبن إيه آي الذي يُقدّر بـ500 مليار دولار، قد يُعتبر مجرد بداية.
ووفقًا لنموذج "إيبوك إيه آي"، فإن الاستثمار الأمثل في الذكاء الاصطناعي لعام 2025 وحده يجب أن يبلغ 25 تريليون دولار.
لكن هذه الوتيرة ستؤدي أيضًا إلى ارتفاع كبير في أسعار الفائدة الحقيقية. فمع توقع ارتفاع الدخول المستقبلية، قد يفضّل الأفراد الإنفاق بدل الادخار، مما يتطلب رفع العوائد على الادخار لجذب الأموال مجددًا. وهذا ما أشار إليه الاقتصادي فرانك رامزي منذ أوائل القرن العشرين، وأكدته النماذج الحديثة التي حللها التقرير.
وفي ظل هذه الديناميكيات، تبقى الآثار على أسعار الأصول غير محسومة. فرغم النمو السريع في أرباح الشركات، فإن ارتفاع أسعار الفائدة قد يقلل من القيمة الحالية للتدفقات النقدية المستقبلية، مما يخلق صراعًا بين عاملَي النمو والعائد.
أين يقف العامل البشري في كل ذلك؟لكن ماذا عن العمال؟ وهنا، يبرز التحدي الحقيقي، فالذكاء الاصطناعي قد يجعل من التوظيف البشري خيارًا ثانويًا، إذ تضعف الحاجة للعمالة إذا باتت الآلة أرخص وأكثر كفاءة. ومع تقدم التقنية، تنخفض كلفة تشغيل الذكاء الاصطناعي، مما يُضعف الحد الأعلى للأجور التي يمكن دفعها للبشر.
وبحسب دراسة ويليام نوردهاوس الحائز جائزة نوبل، فإن جميع العوائد ستتجه في النهاية إلى مالكي رأس المال، وليس إلى العمال. لذا، فإن من لا يمتلك أصولًا رأسمالية -شركات، أرضا، بيانات، بنية تحتية- سيكون في وضع هش، اقتصاديًا.
رغم ذلك، لا يعني هذا أن الجميع سيخسر. إذ من الممكن أن تنشأ "أمراض باومول المعكوسة" -وهي ظاهرة اقتصادية تشير إلى ارتفاع أجور الأعمال التي يصعب أتمتتها، رغم بطء نمو إنتاجيتها-، حيث ترتفع أجور الأعمال التي يصعب أتمتتها، مثل التعليم، الطهي، ورعاية الأطفال، فقط لأنها تتطلب تفاعلًا بشريًا لا يمكن تعويضه بالكامل.
لكن بالمقابل، فإن أي شخص ينتقل من وظيفة مكتبية تقليدية إلى قطاع يدوي مكثف بالعمل قد يجد أن قوته الشرائية تنخفض، رغم ارتفاع أجره، لأن كلفة هذه الخدمات سترتفع أكثر من أسعار السلع المؤتمتة بالكامل.
هل يتحرك العالم فعلًا نحو "التفرّد الاقتصادي"؟"التفرّد" -أو لحظة التحول حين تصبح المعلومات تُنتج المعلومات بلا قيود مادية- يبقى مفهومًا جدليًا، لكنه، بحسب نوردهاوس، يمثل الحد النظري النهائي لمسار الذكاء الاصطناعي.
وبعض الاقتصاديين يرون هذا المفهوم دليلا على أن النماذج نفسها ستثبت خطأها، لأن اللانهاية في النمو مستحيلة نظريًا. لكن الوصول إلى مجرد نمو بنسبة 20% سنويًا، وفقًا لإيبوك إيه آي، سيكون حدثًا مفصليًا غير مسبوق في تاريخ البشرية.
مع ذلك، تشير المجلة إلى أن الأسواق لم تُسعّر بعد هذا السيناريو بالكامل. فعلى الرغم من تقييمات التكنولوجيا المرتفعة، فإن عوائد السندات تنخفض غالبًا عقب الإعلان عن نماذج ذكاء اصطناعي جديدة، كما وجدت دراسة لباحثين من معهد ماساتشوستس. بكلمات أوضح: وادي السيليكون لم يُقنع العالم بعد.
إعلان ماذا على الأفراد فعله إذا وقع الانفجار؟التوصية التي تتكرر في جميع النماذج بسيطة، امتلك رأس المال. ومع ذلك، يبقى من الصعب تحديد أي نوع من الأصول هو الأفضل. الأسهم؟ الأراضي؟ النقد؟ كلها تواجه مفارقات في ظل مزيج من الفائدة المرتفعة، والتضخم المحتمل، والانفجار الاستثماري.
وفي ختام التقرير، تستحضر إيكونوميست قول روبرت لوكاس، أحد أبرز منظّري النمو: "بمجرد أن تبدأ في التفكير في آثار النمو على الرفاه البشري، يصعب التفكير في أي شيء آخر". ومع الذكاء الاصطناعي العام، تضاعف هذا الشعور، وازداد إلحاحه.