أبوظبي: عبد الرحمن سعيد

أكد موريس بومرانتز، مدير أول لمعهد «جامعة نيويورك أبوظبي»، وأستاذ الأدب العربي في الجامعة، فيما يتعلق بمخاطر تنامي المعلومات المضللة التي قد تنتشر بسبب الذكاء الاصطناعي، أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يساعد على معالجة بعض أكبر التحديات التي تواجه البشرية، بما في ذلك التنبّؤ بالأمراض وعلاجها وتوفير حلول جديدة لمكافحة التغير المناخي، لكنه بالمقابل قد يتسبب بتسارع تدفق المعلومات الفورية من مجموعة مصادر لم يُتحقق منها، إلى جانب إمكانية نشر محتوى مضلل أو معلومات مغلوطة بشكل مطلق.

وقال في تصريحات خاصة ل «الخليج»: يجب على الجامعات تكثيف جهودها في سبيل تمكين الطلاب من تقييم المعلومات بشكل نقدي، فالعالم الرقمي يفرض علينا اتباع أسلوب تعليمي جديد في الفصول الدراسية، وتطبيق آليات أكثر كفاءة للتواصل مع المجتمع، ما يضيء على أهمية المعارف الصادرة عن الجامعات الأخرى.

وبيّن أن انتشار الروايات المضللة عبر الفضاءات الرقمية يمثل تحدياً تكنولوجياً وتهديداً حقيقياً للتماسك المجتمعي وعملية اتخاذ القرارات المدروسة. ومن عجيب المفارقات أن هذه المشاكل تتشابه مع القضايا ذاتها التي يمكن للذكاء الاصطناعي معالجتها.

وذكر أنه يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي إنتاج محتوى لا حصر له، حيث يستمد خلفيته المعرفية (في وقتنا الحالي) من البيانات الموجودة مسبقاً، ورغم قدرته على البحث في البيانات واستخلاص الأنماط والعمليات التي كانت مخفية سابقاً، فإنه «يفكر» أو يتفاعل مثل الإنسان. ولا يمتلك الذكاء الاصطناعي أي معتقدات أو مشاعر أو إدراكاً للحقائق، ما ينعكس إيجاباً على أدائه ويضع حدوداً لإمكاناته.

وأضاف: كما لا يظهر الذكاء الاصطناعي أي مراعاة للقيم الأخلاقية المتأصلة في عمليات التفكير البشري، ما يبرز دور الجامعات المحوري في تشجيع الطلاب على أن يكونوا مفكرين مطلعين وأصحاب ضمير حي، بطرح الأسئلة الأخلاقية في الفصول الدراسية وقاعات المحاضرات.

وقال: تدفع المناقشات الأفراد للدفاع عن أفكارهم وتطوير إدراكهم للأمور، ما يمهّد الطريق للابتكار ومواصلة الاكتشاف، وهذا الأمر يذكرني بالمهمة الذي أواظب على تنفيذها خلال عملي مدرساً للأدب العربي، حيث يركز بحثي على الحضارة الإسلامية في القرنين العاشر والحادي عشر، اللذين شكّلا بيئة خصبة ومتعددة الأعراق والأديان لروّاد الدراسات الفلسفية والعلمية، وتميزت تلك البيئة بتوفير المساحات للنقاشات الفكرية، ما سمح بتعدد الطروح وتحليل المشكلات من زوايا متعددة.

وأكد أنه ينبغي على الجامعات أن تعزز مشاركتها في القضايا العامة، ما يمكنها من التدخل في تلك القضايا المجتمعية الكبرى. كما عليها زيادة فرص الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور وتعزيز تواصلها مع عالمنا الحديث المعقّد، مع التعمّق في الماضي واستشراف المستقبل. ولا بدّ من الإشارة إلى أهمية وجود مؤسسات تمتلك منظوراً أوسع للأحداث، بدلاً من الالتفات إلى القضايا محدودة الأفق.

وتابع: فعلى سبيل المثال، نسمع باستمرار أن هذه المرحلة غير مسبوقة، إلا أننا نجد أن قضايانا بشكل عام لا تخلو من أوجه التشابه، وينبغي علينا التساؤل عن الطرائق التي تعاملت بها المجتمعات مع باقي التقنيات التي غيّرت العالم فجأة، وطبيعة تأثيرها في تفكير الإنسان، والعبر المستخلصة منها.

وأوضح أن المعهد يمثل امتداداً لعمل الجامعة، حيث أسس لإجراء مناقشات عامة واستخلاص أفكار جديدة، بالاعتماد على سياسة استقطاب الخبرات من مختلف الأماكن، ويشارك في المناقشات متحدثون من مختلف المرجعيات والآراء، بمن فيهم المفكرون الإنسانيون والمؤرخون والعلماء والخبراء التقنيون والسياسيون وقادة الأعمال.

وذكر أن أفكار المتحدثين تمثل إضافة رائعة تذكرني بمقولة أرسطو «العجب هي بداية المعرفة»، التي ألهمتنا لصياغة عنوان موسمنا الجديد «سلسلة من العجائب والتأملات». وتبدأ سلسلة المحادثات والمؤتمرات خلال الأشهر المقبلة، حيث من المقرر أن يشارك فيها أبرز القادة في مجالات عدة، مثل السياسة والاقتصاد والقانون، للإضاءة على الجهود الإقليمية والعالمية فيما يخص توفير حلول مستدامة للتغيرات السريعة والملحة في البيئة، فضلاً عن الاستفادة من التجارب السابقة بوصفها مصدر إلهام للمستقبل. كما نسعى بتلك النقاشات إلى تشجيع المجتمع على التفكير، والوقوف على الخطوات التي يمكن اتخاذها لمعالجة أكبر التحديات الراهنة.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات جامعة نيويورك أبوظبي الذكاء الاصطناعي الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

ممالك النمل الطريق لفهم الذكاء عند الإنسان!

 

 

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

في مقالنا السابق تحدثنا عن مملكة النمل، ذلك العالم الصغير الذي يحمل في طياته أسرارًا عظيمة عن التنظيم والدقة، وكيف أن نظامه الفريد ينبع من تبادل المعلومات مع المحيط؛ فالنملة، رغم صغر حجمها، تعتمد في نشاطها اليومي على ما تلاحظه في محيطها الضيق، وليس لديها أي فكرة عن الصورة الأكبر التي نراها نحن كمراقبين؛ فالتنسيق الرائع الذي يبدو كلوحة مُتقنة لا يُدركه أي فرد من أفراد مملكة النمل بمفرده؛ بل هو نتاج تفاعل بسيط ومستمر بين آلاف النمل الذين يعملون كخلية واحدة متكاملة.

هذا النظام اللامركزي، الذي يُميِّز ممالك النمل، يكشف لنا سرًا مُهمًا حول المرونة والتكيُّف، فبدلًا من انتظار الأوامر من قيادة مركزية، يتصرف كل فرد بناءً على المعلومات التي يحصل عليها من محيطه المباشر، وهذا الأسلوب في التنظيم يسمح لهذه الممالك بالتأقلم مع بيئات مختلفة ومُتغيِّرة بسرعة، دون الحاجة إلى إدارة عُليا معقدة أو مركزية، ففي مواجهة تغيرات البيئة أو ظهور خطر مفاجئ، لا يتعين على النمل الانتظار حتى تصدر القيادة قرارًا؛ بل كل نملة تتصرف تلقائيًا بناءً على ما تلاحظه، إن هذا النظام اللامركزي يُشبه إلى حد بعيد طريقة انتشار الأخبار أو المعلومات في شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة؛ حيث ينتشر الخبر بسرعة ويؤثر على سلوك الأفراد دون الحاجة إلى سلطة مركزية.

علماء الطبيعة والمهندسون بدورهم، استلهموا من هذه الظاهرة دروسًا قيمة، فقد أدركوا أن النُظُم المُعقدة قد تنبني على قواعد بسيطة جدًا: مراقبة المحيط، والتفاعل معه، والتكيف بناءً على ما يُلاحظ.

وهذه العملية البسيطة في جوهرها، قادرة على حل مشكلات مُعقَّدة، حتى في غياب أي قيادة مركزية، وبناءً على هذه الأفكار، ابتكر باحثو جامعة هارفارد فريقًا من الروبوتات البسيطة نسبيًا، التي يمكنها التعاون والعمل الجماعي لأداء مهام معقدة باستخدام 3 قواعد بسيطة، معتمدين على الضوء بدلًا من المواد الكيميائية التقليدية، وقد أظهر هذا النظام مرونة فائقة؛ حيث استمر العمل بكفاءة حتى عندما توقف أحد الروبوتات عن العمل.

لكن، الإبداع الحقيقي لهؤلاء العلماء يكمن في ربط هذه الأفكار بآلية عمل الدماغ البشري، ذلك العضو العجيب الذي ما زال يحتفظ بأسرار لا تُحصى؛ فرغم الفوارق الظاهرة بين مملكة النمل والدماغ، رأى هؤلاء العلماء أن هناك رابطًا مُشتركًا بينهما، فكلاهما يملك نظامًا معقدًا يتكون من وحدات بسيطة تتفاعل مع بعضها لتنتج سلوكًا جماعيًا ذكيًا؛ ففي الدماغ، تتشابك الخلايا العصبية في شبكة مُعقَّدة من الاتصالات السريعة، ولا توجد جهة مركزية تأمر هذه الخلايا كيف تتصرف، وبدلًا من ذلك، تعتمد كل خلية على المعلومات التي تصلها من محيطها، لتقرر بدورها كيف تستجيب.

فعندما يسقط الضوء على شبكية العين، تُرسل الخلايا البصرية المعلومات التي وصلتها من المحيط عبر إشارات كهروكيميائية إلى الخلايا العصبية في الدماغ، والتي تقوم بدورها بإرسال رسائل إلى خلايا أخرى مجاورة؛ مما يخلق تكاملًا مذهلًا للمعلومات ويسمح باتخاذ قرارات فورية ومعقدة، فكل خلية عصبية تتبادل المعلومات مع خلايا أخرى عبر إشارات كهروكيميائية، وعندما تستقبل إشارة من خلية مجاورة، ترد بإرسال إشارات إلى خلايا أخرى مترابطة، وبهذا الشكل، تبدو العملية على المستوى الخلوي بسيطة للغاية، لكن على مستوى الدماغ ككل تتولد أعمال معقدة تفوق الوصف.

إنَّ هذا التشابه بين ممالك النمل والدماغ البشري يفتح أمامنا نافذة لفهم عميق، فقد يكون سر ذكاء الإنسان لا يكمن في تعقيد كل شبكة عصبية على حدة؛ بل في شبكة العلاقات المعقدة بين هذه الخلايا العصبية، التي تخلق ذكاءً جماعيًا يتفوق على مجموع أجزائه.

فهل دراسة الذكاء الجمعي في مُستعمرات النمل وفَهم آلياته هو الذي سيقودنا لفهم الذكاء عند الإنسان؟ وهل سر ذكاء الإنسان يكمُن في مُستعمرات النمل وممالكها؟!

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي.. خبير: التكنولوجيا دائما تعيد تشكيل عالمنا طوال الوقت
  • منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي من “يانغو تك” تمكّن الشركات من تعزيز عروضها عبر روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي
  • أبل ستتيح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها للمطورين
  • ممالك النمل الطريق لفهم الذكاء عند الإنسان!
  • جوجل تطلق أداة جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يتيح للأطباء الدردشة مع السجلات الطبية
  • باحثون في نيويورك أبوظبي يطورون أداة لتشخيص الأمراض بسرعة وبتكلفة منخفضة
  • جيميني يتيح ملخصات الرسائل بالذكاء الاصطناعي في جي ميل
  • تأجيل إطلاق تطبيقين مدعومين بالذكاء الاصطناعي من آبل حتى إصدار iOS 27
  • انطلاق مهرجان أفلام الذكاء الاصطناعي السنوي في نيويورك