موقع النيلين:
2024-06-02@22:26:13 GMT

عذابات الهوية!

تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT


في الأسبوع قبل الماضي، عقد منتدى التنمية الخليجي، وهو تجمع من بنات وأبناء الخليج المهمتين بدراسة قضايا التنمية، وهو أهلي وغير سياسي، عقد لقاؤه الثاني والأربعون في الرياض، وكان العنوان المطروح للنقاش هو (مجتمع المعرفة والثقافة والتنمية)، وقدمت فيه مجموعة من الأوراق البحثية المتميزة، متوافرة لمن يرغب في الشبكة العنكبوتية.

في العادة يدور نقاش بين الحضور في القضايا المطروحة، وسار النقاش في الهوية، هل يمكن الاحتفاظ بكل عناصر الهوية في وضع العالم اليوم المتأثر ببعضه بعضاً، وأيضاً الولوج إلى العصر الحديث في الوقت نفسه؟ لفت النظر أحد الزملاء الذي قال (إن اليابان وكذلك الصين) احتفظت بكل عناصر هويتها، وأيضاً دخلت العصر بكل ما يتطلب من حداثة، هذه الفكرة ليست خاصة بالزميل، وهو مثقف معروف، ولكنها تكاد تكون عامة بين شريحة واسعة من المثقفين والمتعلمين العرب! وتكاد تكون مسلمة لا جدال حولها! أن الهوية (ثابتة لا تتغير)! إلا أنها بعيدة عن الحقيقة، فكل من اليابان والصين وكوريا الجنوبية، وكل الدول والمجتمعات التي حققت التنمية والحداثة، تخلت عن هامش وازن من ثقافتها التقليدية، وفي العموم تبنت ممارسات واسعة جاءت من الخارج فيها الكثير من التفصيلات، وهي بشكل عام فكرة (إقامة الدولة المدنية القانونية بمؤسساتها)، والقانون هنا لا يفرض من فوق، بشري أو إلهي، بل هو قانون أو قوانين صادرة عن الناس، ومحققة لمصالحهم، وبهذه الفكرة العميقة والشاملة دخلت تلك المجتمعات الحداثة.

وفي اليابان، تخلى المجتمع عن عبادة الإمبراطور، وعن السمع والطاعة لتلك المؤسسة القديمة التي اسمها الإمبراطورية اليابانية أو حتى الأسرة المنزهة، كما تخلت عن الطبقية في المجتمع الياباني التقليدي، وتبنت العمل طريقاً إلى التنمية والتصنيع الحديث، واحتفظت بلغتها، ولكن في الوقت نفسه طورتها، كما استفادت من قيم قديمة في المجتمع الياباني مثل الإخلاص في العمل، والولاء للشركة أو المصنع، وتخلت عن قيم كانت تؤمن بها، مثل تفوق الأمة اليابانية على الأمم الأخرى.

وفي الصين القديمة كانت تعتقد بأنها متقدمة، وأن أي فكرة قادمة من الخارج أفضل منها، حتى وقعت نسبة كبيرة من أراضيها للاستعمار الغربي، وبعد ذلك تبنت فكرة مهمة كتب عنها كل من درس الصين الحديثة، وهي أن أي فكرة جديدة نافعة تعارضها ممارسة قديمة، ويسقط الصينيون الممارسة القديمة إلى الفكرة الجديدة، وتكفي الإشارة إلى وضع المرأة الصينية، من (القدم الذهبية) التي توضع في قالب منذ الطفولة، كدليل على الجمال، إلى نظام المحظيات، وكل ذلك تغير جذرياً، فلم يعد جزءاً من الثقافة الصينية اليوم.

لقد أرسلت الصين عدداً كبيراً من أبنائها إلى الغرب مبكراً، كما اعتمدوا (الكفاءة) في تنظيمهم الإداري، فالترقي في الحزب الصيني الحاكم اليوم يخضع لعدد من الاختبارات في مسابقة مع زملائه ومنافسيه، من القرية إلى الناحية إلى المدينة إلى الإقليم ثم إلى الدولة، فلا يصل إلى هرم السلطة شخص أو أشخاص قفزوا إلى السلطة من مكان مجهول، بل أثبتوا قدراتهم في القيادة، ذاك هو نظام الكفاءة، الذي جعل من الصين اليوم أكبر دولة تحوز براءات اختراع في معظم العلوم الحديثة، فالعلم الطريق الصحيح للكفاءة، ولا يوجد في العالم إلا علم واحد، العلم الحديث، ولذلك فإن نتاج الصناعة الصينية يكتسح الأسواق.

وكل من اليابان والصين احتفظتا بلغتيهما، ولكن في الوقت نفسه واءمتهما مع العلم الحديث، كما عظمتا الممارسات التقليدية التي تساعد على التنمية والتطور، وتجاوزتا القيم والسلوكات التقليدية المعطلة للتنمية، ولذلك فإن المقارنة السريعة والسطحية وهي (الاحتفاظ بالتفاحة وأكلها في الوقت نفسه) والتي يفكر فيها بعضنا تحتاج إلى مراجعة، فكرة المساواة أمام القانون بين المواطنين رجال ونساء، والدولة المدنية العادلة ومركزية العلم، هي عناصر لا بديل لها للتقدم في الحضارة، والاحتفاظ بما يناقضها تحت عنوان (الحفاظ على الهوية) هو الامتناع عن ولوج العصر، فلا بد من الاعتراف بأن في ثقافتنا العربية عناصر معطلة للتنمية علينا البحث عنها ومحاولة تغييرها!

محمد الرميحي – جريدة البيان

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی الوقت نفسه

إقرأ أيضاً:

حلمت فكانت: قصة اليازي البادية مع السرطان إلى دراسة الطب

أثير – جميلة العبرية

بدأتُ متابعة قصة اليازي البادية مع ما نشرته الدكتورة ريا المنذرية عبر حسابها في منصة (أكس) حين كانت اليازي في الصف الثامن.

وصفتها المنذرية حينها بأنها بليغة اللسان والأكثر جدارة في تقديم الورشة التي دعت لتنفيذها. كان لديها أملًا كبيرًا وعزيمة للاستمرار وعدم اليأس، وشاركتهم قصتها مع إصابتها بالسرطان.

وبعد خمس سنوات من ذلك المنشور، عادت الدكتورة ريا من جديد ونشرت منشورًا آخر تبشرنا فيه بتفوق اليازي في الدبلوم العام وحصولها على بعثة دراسية خارجية إلى “إيرلندا” لدراسة الطب. حينها تواصلت معها “أثير”، ففرحت اليازي وشكرت على إتاحة الفرصة للتعبير وكتابة قصتها فكتبت الآتي:

ما الذي يجعلنا نستمر؟ ربما نتوقف قليلاً لكننا نعود لنواصل مرة أخرى. تدور بداخلنا أصوات تدفعنا بعضها إلى الأمام، والبعض الآخر يتذمر فيجبرنا على التوقف. ربما لو توقفنا لوهلة عن سماع الأصوات المزعجة وأصغينا إلى داخلنا سنجد أن الطريق أسهل بكثير مما نتوقع. قد يجد البعض قصتي التي أرويها مملة، ولكن إن كنت تود معرفة الإجابة عن السؤال الذي طرحته في المقدمة ستجد ما أكتبه الطريق للإجابة عنه.

في الثانية عشرة من عمري، مندفعة أمام الحياة، لا أتوقف عن طرح الأسئلة، أطارد الأفكار والقصص الخيالية. لم أتوقع يوماً أن يجبرني شيء على التوقف عن كل هذا، ولكنها كانت بداية أصعب تحدٍ بالنسبة لي. كنت أشعر بالتعب طوال الوقت، شعري يتساقط، وأبسط المهام اليومية تكلفني الكثير من الجهد. أخذتني أمي إلى الطبيب وبعد رحلة طويلة من التشخيص، أخبرني الطبيب أنني قد أمكث في المستشفى لوقت أطول من العادة. أخبرني الطبيب في ذلك الوقت ليقرب الصورة إلى ذهني بالطبع أن المشكلة في مصنع الدمى الخاص بي. قال لي تخيلي لو أن هذا المصنع يعمل ولكنه يصنع دمى بأشكال مختلفة: دمية بعين واحدة، وأخرى بثلاثة أرجل. لن يتقبل أي أحد دمية مشوهة، صحيح؟

أدركت في تلك اللحظة أنه يقصد مصنع الدم الخاص بي (النخاع) والذي ينتج بعض الخلايا الغريبة التي يرفضها الجسم ويحاربها فيضعف. ظننت أن قصة الدمى ممتعة إلى أن أدركت أنني مصابة بسرطان الدم والذي يطلق عليه علمياً (لوكيميا الدم). هنا أدركت أن القصة أكثر من مجرد مصنع الدمى. بدأت رحلة العلاج. طلب مني الأطباء أن أتوقف عن الذهاب إلى المدرسة لحين شعوري بالتحسن؛ لكنني رفضت تماماً. كانت المدرسة بالنسبة لي المكان الذي أنسى فيه ضعفي ومرضي. كل ما كنت أوده هو أن يعود كل شيء كما كان في السابق، لكن هذا كان مستحيلاً في تلك الفترة. أمي وأبي وإخوتي كانوا يشعرون بالقلق طوال الوقت؛ ولكنهم كانوا دائماً أول من يساندني وينسيني الألم. شكراً عائلتي.

ظن البعض أن ذهابي للمدرسة قد يضرني، لكن كنت دائماً أريد أن أكون الأفضل. انتهى العام الدراسي بالصف الثامن. في الحقيقة لم أنجح فقط بل كنت من نخبة الطالبات في المدرسة. حصلت على تقدير ممتاز ومركز متقدم رغم أنني قضيت بعض الأسابيع في المستشفى والبعض الآخر في صف المدرسة. لم أنسَ يوماً كيف كانت مدرستي ومعلماتي وزميلاتي في المدرسة أول من يشجعني، فلم أشعر يوماً أنني مختلفة.

وهكذا مرت الأيام والسنوات وأنا أحاول ألا أتوقف. تساقط شعري، فقدت الكثير من الوزن وأصبح وجهي شاحباً، لكن ما تبقى لي ابتسامتي التي كنت أخفي خلفها آلاماً لا تنتهي. كان الأطباء في المستشفى مثالاً يُحتذى به. كنت أتمنى أن أكون في يوم من الأيام طبيبة قدوة مثلهم تماماً، يعتنون بالمرضى ويقدمون لهم الدعم. دائماً يحاولون تخفيف الألم عن الأطفال رغم صعوبة العلاج الذي قد يمتد إلى أربع سنوات وأكثر في بعض الحالات. شكراً لكل من كان له دور في هذه القصة.

قالت لنا: ربما لم تحصلوا على إجابتكم بعد، ما الذي يجعلنا نستمر؟ في الصف الثاني عشر، بدأت أشعر أن الأمر كله يتوقف على حلمي. لأعوض كل ما خسرته وكل ما شعرت به من ألم، أردت أن أكون طبيبة. في الحقيقة، أن أصبح طبيبة لم يكن أمراً اختيارياً بل كنت متعلقة برغبتي وكنت أردد دائماً: إما الطب وإما فلا. لم أتخيل يوماً رغم الضغوطات والتحديات في تلك المرحلة أن يجرني شغفي نحو حلمي. ثم وصلت إلى نقطة النهاية. انتهت الدراسة وبفضل الله الذي سخر لي خيرة، حصلت على معدل ٩٩٪ وتم قبولي في كلية الطب في إيرلندا. شعرت في تلك اللحظة أنني أملك الخير كله بيدي. كل ما كنت أنتظره طوال هذه السنوات الطويلة أصبح حقيقة. في الواقع، إنها النهاية لبداية حياة جديدة، وأحلام وقصص أجمل قد ترمم الماضي المتعب.

وبعد نهاية هذا العام الدراسي أضافت اليازي:

رحلة الابتعاث لم تكن سهله، ولأن السنة الأولى تكون سنة التحديات كما يقولون، نتعلم منها ونسقط ونتعثر، ثم نعود مرة أخرى ونحاول، كنت أصارع الوقت مع المقررات الدراسية والتحديات التي لا تنتهي مع التأقلم مع اللغة الجديدة، ولكن لا شيء مستحيل، واللغه ليست معيار وإنما وسيلة، كنت أدرك أنني أستحق المزيد الوقت لأثبت لنفسي أولا أنني أستطيع والحمد لله، في نهاية العام، حصلت على جائزة أفضل طالب في السنة التأسيسية للطب أكاديمياً واجتماعياً وهذا أول إنجاز أكاديمي في بداية مسيرتي العلمية، وأتمنى ألا يكون الأخير.

أدركت أن الأحلام قد تصبح حقيقة إذا تحولت إلى هدف، ولكنها ستبقى في المخيلة ما زالت في مكانة الحلم.

كأن ما مضى بالنسبة لي حلم، وطبيبة المستقبل اليازي ستعود مرة أخرى لتبني حلماً جديداً ومبهراً. عاهدت نفسي أن أعود لأرد المعروف لكل من مر في طريقي ووضع شمعته لينيره. لأمي وأبي، لأخوتي، لعائلتي، لأصدقائي، وللأطباء وحتى المرضى.

ويبقى السؤال دائماً، ما الذي يجعلنا نستمر؟ فكرة عابرة؟ مقولة مؤثرة؟ لوحة فنان؟ أو ربما صوت بداخلنا لا يتوقف يدفعنا لنستمر ونحقق المزيد. كل شخص في هذه الحياة لديه قصة وموقف لا يُنسى، يجعله يستمر في السعي ليعوض نفسه بالأفضل، ولا يتوقف أبداً عن السعي حتى لو تأكد أنه في المسار الصحيح. يستمر ليصنع المستحيل ومن لب المشكلة يصنع الفرق والتغيير، ليحقق حياة أفضل وحلماً عظيماً يجعله ينسى ما مر به من شدة. تماماً كقصة مصنع الدمى الذي لا يعمل جيداً.

هكذا نحن، هكذا الإنسان، شغوف بطبعه يسعى دائماً ليكون الأفضل. ولكن قد يتوقف بعضنا ليستريح قليلاً ثم يكمل ليشق طريقه فيبهرنا في النهاية.

أحلامنا قد تتحقق ونجد لأفكارنا مكاناً ليتقبلها. والمستحيل بنظرك سيحدث، ما علينا سوى أن نستمر ونستمر…

اقرأ أيضا ShareTweetSend الأكثر مشاهدةاكتشاف ظاهرة جيولوجية فريدة في ضلكوتمن 700 إلى 200 ريال: نشر التفاصيل المالية للتوجيهات السامية حول خفض رسوم توصيل المياهدفعة ثانية تُكمل برنامج "أصحاب السعادة الولاة" في الأكاديمية السلطانية للإدارةرئيس هيئة البيئة: قرار حظر استخدام الأكياس البلاستيكية لم يحقق هدفه الأسمى حتى الآنقريبًا: منظومة رقمية مبتكرة تدير الأفلاج العمانيةمقترح من "بايدن" لوقف الحرب في غزة عبر 3 مراحل، تعرّف على تفاصيلهكيف استطاعت الحكومة توفير أكثر من 7 ملايين ريال من الإيجارات؟الأرشيف يونيو 2024 د ن ث أرب خ ج س
 1
2345678
9101112131415
16171819202122
23242526272829
30  
« مايو    

تواصل مع أثير

رقم المكتب: 0096824595588
الفاكس:  0096824595545
رمز البريد: 111
صندوق البريد: 2167
البريد الالكتروني
info@atheer.om


موسى الفرعي – الرئيس التنفيذي – رئيس التحرير

كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC

No Result View All Result الرئيسة أخبار أخبار محلية أخبار عالمية رياضة رياضة محلية رياضة عالمية أثيريات فضاءات تاريخ عمان من عمان فيديو أثير بودكاست أثير مجلس الشورى الفترة التاسعة الفترة العاشرة

كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC

  تحميل التعليقات...   اكتب تعليقاً... البريد الإلكتروني (مطلوب) الاسم (مطلوب) الموقع

مقالات مشابهة

  • 370 مليون ناخب يختارون نواب البرلمان الأوروبي
  • اليابان وكوريا الجنوبية.. سر نجاح الابتكار
  • رؤساء الدول الأجنبية يتحدثون العربية: مغازلة أم دعم حقيقي؟
  • هآرتس: مشكلة إسرائيل هي مجتمعها المتعفن وليس غانتس
  • حلمت فكانت: قصة اليازي البادية مع السرطان إلى دراسة الطب
  • ختام بطولة منطقة القاهره للخماسي الحديث بنادي الرحاب
  • وكالة أمريكية: الكويت تتحرك نحو الصين لملاحقة طموح العراق بطريق التنمية
  • سفير المملكة: آفاق جديدة للعلاقات السعودية اليابانية خلال 70 سنة مقبلة
  • كيم كارداشيان تستلهم فكرة مسلسلها الجديد من طلاقها هي وكانييه ويست
  • سلطة مقيدة