صفقة جنوبية – رئاسية تلوح في الأفق
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
ما كشفته اتصالات الساعات الأخيرة أكد المؤكد، وأعاد كرة أزمة الجنوب إلى مربعها الأول، أي بربطها حكمًا بالحرب الدائرة في قطاع غزة. فالتراشق بين مواقع "المقاومة الإسلامية" على طول خطوط التماس الجنوبية ومواقع جيش الاحتلال الإسرائيلي قائم ومستمر ما دامت الحرب في القطاع قائمة ومستمرة. وهذا ما حسمه الأمين العام لـ "الحزب" السيد حسن نصرالله في خطابيه الأخيرين.
فمع تراجع الرهانات على أمكان التوصل إلى هدنة ظرفية في غزة في ظل التعقيدات والشروط التي حالت دون إبرام التفاهم حول تبادل الأسرى والسجناء، يُلاحظ انكفاء الوساطات والمبادرات الخارجية المتصلة بالجبهة الجنوبية الى حدود كبيرة، الأمر الذي بات يعكس واقعاً شديد السلبية يتمثل بربط أي تحرك محتمل لتبريد الجبهة الجنوبية بالهدنة التي قد يطول انتظارها في غزة.
لكن انكفاء المبادرات قابله تواصل الدعوات الاميركية والغربية والدولية الى تجنب توسيع الحرب على جبهة لبنان. وقد جاء كلام هوكشتاين بعد لقائه الرئيس نجيب ميقاتي في ميونيخ في إطار المساعي المبذولة لترجمة ما وُضع ورقيًا على أرض الواقع، في محاولة "لإبقاء الصراع في جنوب لبنان عند أدنى مستوى ممكن".
فما وضعه الموفد الرئاسي الأميركي من تصّور مبدئي لحلّ مستدام لأزمة الحدود البرّية، بما فيها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وربطها تلقائيًا بالأزمة الرئاسية، قد تمّ إبلاغه إلى جميع المعنيين في بيروت وتل أبيب، وبالأخصّ إلى القيادة السياسية في "حزب الله"، التي لا تزال ترفض البحث في أي مسألة ما دامت الحرب لا تزال مستعرة في قطاع غزة.
فإذا لم تتوقّف "الحرب الغزاوية" فإن الوضع الجنوبي باقٍ على توتره، الذي يتراوح بين التصعيد المضبوط نسبيًا وبين التصعيد الخارج عن المألوف، وأن أي بحث عن أي حلّ خارج التسوية الشاملة الممتدة من غزة إلى الجنوب وصولًا إلى حيث لإيران نفوذ سياسي وعسكري في المنطقة العربية هو بحث في غير محله وفي غير توقيته الصحيح.
فما يُحكى عن تصوّر أولي قد وضعه هوكشتاين على الورق غير قابل للتنفيذ من كلا طرفي النزاع. فتل أبيب غير مستعدة للبحث في أي صيغة حلّ في ظل سياسة التعنّت التي تتبعها حكومة نتنياهو حيال الوضع الميداني في غزة، وهي باتت على وشك اتخاذ قرار حاسم في شأن ما تسمّيها بـ "المعركة الأخيرة" في رفح، والتي تتوقع أن تقدم عليها سريعًا ومحاولة طي صفحتها قبل العاشر من آذار المقبل، أي مع بداية شهر رمضان، حيث تخشى هذه الحكومة تصعيدًا شعبيًا في مختلف الدول الإسلامية والعربية ضد المجازر التي ترتكبها ضد المدنيين الفلسطينيين.
أمّا "حزب الله" المعني مباشرة بالحّل فهو يرفض بدوره البحث في أي صيغة لحل مستدام أو مؤقت ما لم يضمن عدم تعريض سكّان قطاع غزة لتهجير ممنهج قد يتبعه تهجير آخر وفي مراحل لاحقة لفلسطينيي الضفة الغربية في اتجاه الأردن، وتهجير فلسطينيي الـ 48 في اتجاه لبنان، مع أن ما هو معروض عليه من حلول قد ترضيه ميدانيًا، خصوصًا إذا ما انسحبت إسرائيل من المواقع التي تحتلها في الجنوب، وبالأخص من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا مقابل ضمان سلامة مستوطناتها الشمالية المترافقة مع سحب "المقاومة الإسلامية" سلاحها الثقيل إلى شمال الليطاني، مع إعطاء "حارة حريك" حرية الحركة الرئاسية، أي إعطائها الضوء الأخضر لتسمية مرشح رئاسي غير الوزير السابق سليمان فرنجية وضمان تأمين الأصوات النيابية المطلوبة لاكتمال حلقات الصفقة الرئاسية، في مقابل إعطاء المعارضة حصرية تسمية رئيس الحكومة، على أن تبقى الورقة الفرنسية مدار درس من قِبل جميع المعنيين. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
آخرها عيدان ألكسندر.. صفقات غير مصير الحرب في قطاع غزة
في تطور لافت قد يعيد رسم خريطة الصراع في قطاع غزة، أعلنت حركة "حماس" عن إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي-الأمريكي عيدان ألكسندر بعد مفاوضات مباشرة مع الإدارة الأمريكية، دون إشراك إسرائيل في تفاصيل الصفقة.
خطوة وُصفت بأنها تحمل أبعادًا سياسية تتجاوز الإطار الإنساني، وترسم مسارًا جديدًا في التعامل مع الحرب الدائرة في القطاع منذ أكتوبر 2023.
عيدان ألكسندر: الجندي المزدوج الجنسية
عيدان ألكسندر، جندي في الجيش الإسرائيلي ويحمل الجنسية الأمريكية، أُسر خلال العمليات العسكرية في غزة. وفي أبريل 2025، بثّت كتائب القسام تسجيلًا مصورًا له، تحدث فيه عن شعوره بالتخلي من جانب الحكومة الإسرائيلية، متهمًا تل أبيب بعرقلة جهود تبادل الأسرى ومعبّرًا عن يأسه من العودة حيًّا.
تفاصيل الصفقة ومسار التفاوض
حسب بيان "حماس"، فإن الإفراج عن ألكسندر تم كـ "بادرة حسن نية" تجاه الولايات المتحدة، في أعقاب مفاوضات مباشرة مع واشنطن بعيدًا عن القنوات الإسرائيلية التقليدية.
وقد تم تسليمه إلى الصليب الأحمر الدولي في نقطة لم يُعلن عنها، في إطار صفقة شملت وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار لمدة 70 يومًا، إلى جانب إدخال مساعدات إنسانية عاجلة إلى القطاع، وبدء مفاوضات لتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل.
ردود فعل متباينة في تل أبيب وواشنطن
الصفقة أثارت موجة من الجدل في الأوساط السياسية الإسرائيلية، حيث شن زعيم المعارضة يائير لابيد هجومًا عنيفًا على حكومة بنيامين نتنياهو، واعتبر أن نجاح حماس في فتح قنوات مباشرة مع واشنطن دون علم إسرائيل يمثل "فشلًا سياسيًا وأمنيًا ذريعًا".
في المقابل، رحّب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإفراج عن ألكسندر، واصفًا الخطوة بأنها "إيجابية وتمهّد لمفاوضات أكثر عمقًا قد تُفضي إلى تهدئة مستدامة في غزة"، ما يعكس تغيرًا ملحوظًا في طريقة التعاطي الأمريكي مع أطراف الصراع.
دلالات الصفقة وتحول موازين النفوذ
يرى مراقبون أن صفقة ألكسندر تكشف تحولًا جوهريًا في مسار الصراع، حيث نجحت حماس في تجاوز الوساطة الإسرائيلية وأثبتت قدرتها على التفاوض المباشر مع قوة عظمى كواشنطن، مما يمنحها دفعة معنوية ودبلوماسية كبيرة.
كما يُنظر إلى الاتفاق كخطوة أولى نحو صفقة شاملة قد تتضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار وتخفيفًا جزئيًا للحصار المفروض على غزة، رغم مساعي إسرائيل المستمرة لوضع شروط مسبقة قد تعرقل هذا المسار.
صفقات غيرت مصير الحرب
شهدت السنوات الماضية عدة صفقات تبادل أسرى بارزة بين "حماس" وإسرائيل، أبرزها:
صفقة شاليط (2011):
أُفرج خلالها عن الجندي جلعاد شاليط مقابل إطلاق سراح 1027 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم 280 محكومًا بالمؤبد، في صفقة تاريخية بوساطة مصرية.
صفقة نوفمبر 2023:
عقب عملية "طوفان الأقصى"، أُفرج عن 50 امرأة وقاصرًا من أسرى حماس مقابل 150 فلسطينيًا من السجون الإسرائيلية، ضمن هدنة مدتها 6 أيام.
صفقة الدوحة (يناير 2025):
تم الاتفاق في العاصمة القطرية على إطلاق سراح 33 أسيرًا إسرائيليًا مقابل 50 فلسطينيًا، إلى جانب ترتيبات مستقبلية لتبادل الجثامين وعودة النازحين الفلسطينيين.
الوساطة المصرية: دور محوري مستمر
لطالما لعبت مصر دورًا محوريًا في صفقات التبادل، مستفيدة من خبرتها الطويلة في الوساطة بين الطرفين.
واحتضنت القاهرة جولات متكررة من التفاوض، ونسّقت الجهود بين الفصائل الفلسطينية، إسرائيل، والجهات الدولية المعنية.
مرحلة جديدة أم هدنة عابرة؟
تثير صفقة عيدان ألكسندر تساؤلات حول مستقبل الصراع: هل تكون مقدمة لتحولات استراتيجية في العلاقة بين أطراف النزاع؟ أم أنها مجرد "استراحة مؤقتة" في صراع طويل ومعقد؟
رغم غموض المشهد، فإن المؤكد أن قدرة حماس على التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة تضع إسرائيل أمام تحديات جديدة، وتفتح الباب أمام خيارات لم تكن مطروحة سابقًا على طاولة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.