بين زيارة الأميرات وحديث وزير الخارجية.. هل ذاب الجليد بين المغرب وفرنسا؟
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
بعد عامين من البرود الدبلوماسي، يبدو أن الدفء بدأ يعود للعلاقات الفرنسية المغربية مع ترقب زيارة وزير الخارجية الفرنسي غدا إلى الرباط في مساعٍ لطي صفحة العامين الماضيين.
ونقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن ستيفان سيجورنيه سيزور الرباط ويعقد لقاء مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، لمناقشة الشراكة مع الأوروبيين والوضع في منطقة الساحل الأفريقي، لكن قبل كل شيء طرح زيارة محتملة للرئيس، إيمانويل ماكرون إلى المغرب.
وتشير الصحيفة إلى أن المتخصصين في العلاقات الفرنسية المغربية يرون أن التوتر الدبلوماسي الطويل هذا يعد "شاذا" في تاريخ العلاقة البلدين.
وزار ماكرون المغرب في 2017 بعد توليه منصب الرئيس، وفي 2018 قام بزيارة قصيرة للمشاركة في تدشين خط القطار السريع بين الدار البيضاء وطنجة، لكن زيارة الدولة التي سبق أن أعلن عنها منعها تسلسل طويل من الاضطرابات الدبلوماسية من 2021 إلى 2023، ما أغرق العلاقات في أزمة حادة.
ومن فضيحة التجسس المغربية عبر البرمجيات الإسرائيلية، مرورا بقرار البرلمان الأوروبي حول حقوق الإنسان بالمغرب، إلى فرض فرنسا قيودا على التأشيرات للمغاربة، ورهان ماكرون على الجزائر، دخل البلدان في أزمة مفتوحة.
وأثار تصويت البرلمان الأوروبي في يناير 2023 في ظل ترؤس سيجورنيه، الوزير الحالي، كتلة "تجديد أوروبا" على إدانة تدهور حرية الصحافة في المغرب، غضبا عارما في الرباط.
ثم بدت العلاقات كأنها وصلت إلى طريق مسدود قبل أن يقر السفير الفرنسي في المغرب في نوفمبر الماضي بأن قرار تقييد حصول المغاربة على تأشيرات فرنسية كان خطأ، ويتم تعيين سفيرة مغربية في فرنسا بعد أشهر من الشغور.
وفي الفترة الأخيرة بدأت مؤشرات على ذوبان الجليد بين المغرب وفرنسا، إذ استقبل قصر الإليزيه الرئاسي في فرنسا ثلاث أميرات شقيقات للملك محمد السادس لحضور مأدبة غداء، بدعوة من بريجيت ماكرون، في إطار الصداقة بين البلدين.
كما شدد وزير الخارجية الفرنسي مؤخرا على أن العلاقات مع الرباط ستكون أولوية لوزارته.
وقال سيجورنيه الأسبوع الماضي إن العلاقات الثنائية "ضرورية". وأضاف "لقد استأنفت الاتصال مع المغرب. كان هناك سوء تفاهم أدى إلى صعوبات".
La relation de la France avec le Maroc est “essentielle”, a déclaré Stéphane Séjourné, ministre français des Affaires étrangères, lors d'une audition à l'Assemblée nationale mercredi. Le ministre a également souligné sa "volonté" de renouer un lien de confiance. pic.twitter.com/a4NXK2CBCJ
— TelQuel (@TelQuelOfficiel) February 15, 2024يرى المحلل الفرنسي،بيير فيرمين، أن الاختيار بين الجزائر والمغرب يضع فرنسا في موقف محرج، ولا ترغب باريس في الاختيار بين "الإخوة الأعداء".
وفي حوار له مع مجلة "لي إكسبريس" يقول فيرمين إن المغرب وضع الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية المفتاح لأي علاقات دبلوماسية.
ويشير المحلل إلى أن الأزمة بين البلدين بحلول سبتمبر 2023 كانت الأسوأ في تاريخهما منذ قضية المعارض المغربي مهدي بن بركة في 1965، وتراشقت الرباط وباريس إعلاميا، وذهب المغرب بعيدا ضد إيمانويل ماكرون، لكن بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، تغير السياق، وفق فيرمين.
ويرى فيرمين أنه بعد اندلاع الحرب في غزة، فقد المغرب يقينه في إسرائيل، لذلك تسعى الرباط إلى طي صفحة الخلاف مع فرنسا.
غير أن المحلل السياسي المغربي، رشيد لزرق، يرى أن فرنسا بدأت تخرج من المنطقة الرمادية بخصوص ملف الصحراء.
ويشير أستاذ العلوم الدستورية بالقنيطرة في حديث لموقع "الحرة" إلى أن التحولات الأخيرة وزيارة وزير الخارجية الفرنسي المرتقبة إلى الرباط تسير في اتجاه اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء.
ويرجع لزرق رغبة فرنسا بإعادة علاقاتها بالمغرب أيضا إلى التحولات في منطقة الساحل وتأتر النفوذ الفرنسي، لذلك تدرك باريس أن "المغرب، الشريك الموثوق، هو الضامن الوحيد لدخولها لإفريقيا، خاصة بأن الاقتصاد الفرنسي له علاقة تاريخية مع اقتصاد دول الساحل والدول الفرنكوفونية".
تخللت العامين الماضيين توترات قوية للغاية بين المغرب وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة التي تعيش فيها جالية مغربية كبيرة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: وزیر الخارجیة الفرنسی
إقرأ أيضاً:
أبعاد أمنية وإستراتيجية وراء زيارة عراقجي إلى باكو
طهران- تسود بين إيران وأذربيجان واحدة من أكثر العلاقات حساسية وتعقيدا؛ فالتاريخ المشترك، والامتدادات السكانية عبر الحدود، والمشاريع الاقتصادية العابرة للقارات، تتداخل جميعها مع صراعات النفوذ الإقليمي وهواجس الأمن وحدود الاصطفاف بين الشرق والغرب.
وفي هذا المشهد المتشابك، جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى العاصمة الأذرية باكو بوصفها محاولة لفتح صفحة أكثر هدوءا، وربما أكثر براغماتية، بين الجانبين.
???? عراقجي: طهران وباکو اختارتا طريق الحوار لحل أي سوء تفاهم
قال وزير الخارجية الإيراني السيد "عباس عراقجي" في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأذربيجاني إن أهم اتفاق توصلنا إليه اليوم هو مواصلة المحادثات والمشاورات وتعزيز التبادلات والزیارات. وأضاف: "لدينا العديد من القواسم المشتركة… pic.twitter.com/JsF6iA8p6s
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) December 8, 2025
رسائل تهدئةقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن زيارة عباس عراقجي خطوة في سياق "تعميق العلاقات الثنائية وتوسيع مساحات التفاهم مع الجيران"، مؤكدة أن طهران "ترى في الحوار الطريق الأضمن لمعالجة سوء الفهم وتجنب التوتر".
وقال المتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي إن "إيران وأذربيجان ترتبطان بروابط تاريخية وثقافية، والزيارة تهدف إلى فتح فصل جديد من التعاون"، مضيفا أن المرحلة الحالية تتطلب "تعزيز قنوات الاتصال المباشر منعا لأي استغلال خارجي للتباينات".
وخلال الاجتماعات في باكو، شدد وزير الخارجية الأذربيجاني جيهون بايراموف على أن "تعزيز الثقة المتبادلة أساس لتطوير العلاقات"، مؤكدا رغبة بلاده في دفع التعاون السياسي والاقتصادي مع طهران.
أما الرئيس إلهام علييف، فقال -وفق وسائل الإعلام الأذربيجانية- إن بلاده "تثمّن العلاقات مع إيران" وإن الزيارة "خطوة مهمة لترسيخ الاستقرار في جنوب القوقاز".
إعلانمن جانبه، أكد عراقجي أن الطرفين "اتفقا على أن يكون الحل السلمي والحوار المباشر مسارا ثابتا لمعالجة أي خلاف"، مضيفا أن إيران "ترحب بأية مبادرة تعزز الأمن الإقليمي وتمنع تدخل القوى غير الإقليمية". وأوضح أن لقاءاته في باكو تناولت ملفات الطاقة والممرات البرية وأمن الحدود، ووصف المحادثات بأنها "صريحة وبنّاءة".
وتقول مصادر إيرانية إن طهران تعتبر هذه الزيارة جزءا من "جهد دبلوماسي أوسع" لإزالة أسباب الاحتقان، ولا سيما بعد التصعيد الإقليمي الأخير. وتؤكد الدبلوماسية الإيرانية أن العلاقة مع باكو "قابلة للتطوير" وأن الجانبين يمتلكان "إرادة مشتركة لطي صفحة التوتر".
القرب والقلقيرى الباحث السياسي رضا غبيشاوي أن العلاقات بين طهران وباكو لا يمكن قراءتها بمعزل عن البنية السكانية والثقافية للمنطقة؛ فالأذريون يشكلون نسبة معتبرة من المجتمع الإيراني، وروابط القربى تتجاوز الحدود السياسية، كما أن أذربيجان -بعد إيران- تضم أعلى نسبة من الشيعة في العالم، مما يخلق حالة تداخل اجتماعي وديني فريدة.
ويذكّر غبيشاوي في حديثه للجزيرة نت، بأن أذربيجان كانت جزءا من إيران قبل أن تُنتزع منها في مطلع القرن الـ19 بموجب معاهدتي كلستان وتركمانشاي، وهو حدث لا يزال حاضرا في الوعي الإيراني.
ومع ذلك، يقول الباحث، إن إيران كانت من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال باكو عام 1991، وواصلت بعد ذلك تطوير تعاون اقتصادي مهم، أبرزُه مشروع السكك الحديدية الرابط بين روسيا والخليج عبر الأراضي الإيرانية والأذربيجانية.
لكن خلف هذا القرب، يشير الباحث إلى تصاعد الشكوك الإيرانية تجاه الدور الإسرائيلي في أذربيجان، خصوصا بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، حيث تتهم أصوات داخل طهران باكو بالتعاون الأمني مع تل أبيب.
ويرى غبيشاوي أن إيران استخدمت الزيارة للتحقق من "عدم مشاركة" أذربيجان في الهجوم، وللتأكيد على ألا تكون أراضيها منصة لأي تحرك مستقبلي.
كما لا يستبعد احتمال تحوّل أذربيجان إلى "محطة لتمرير رسائل" بين طهران وتل أبيب بحكم علاقاتها القوية مع إسرائيل.
وتزداد الحساسية الإيرانية -وفق الباحث- مع مشروع ممر زنغزور الذي تنفذه شركات أميركية، وترى فيه طهران تهديدا يقلص دورها الجغرافي ويفتح الباب أمام حضور أميركي وإسرائيلي على حدودها.
دبلوماسية التوازن
من زاوية مكمّلة، يوضح الخبير السياسي أشكان ممبيني أن الزيارة تأتي ضمن "سياسة ثابتة لتعزيز العلاقات مع الجيران وتفعيل التعاون الإقليمي البنّاء"، مشددا على أن أذربيجان دولة ذات مكانة خاصة في حسابات طهران بحكم الروابط الثقافية والدينية والموقع الجغرافي.
ويرى ممبيني في حديثه للجزيرة نت، أن الرسائل التي حملها عراقجي إلى الرئيس ووزير الخارجية ورئيس البرلمان في باكو تعكس "إرادة واضحة لفتح مسار بنّاء يقوم على الاحترام والصداقة"، مشيرا إلى أن إيران تعتبر أن استقرار جنوب القوقاز "لا يمكن ضمانه دون مشاركة فعّالة للدول الإقليمية"، وأن إدخال القوى الغربية في معادلاته الأمنية "يخلّ بالتوازن الطبيعي" في المنطقة.
ويبرز الخبير أهمية الحفاظ على "إطار 3+3" كمنصة لتنسيق مصالح دول القوقاز ودول الجوار الكبرى، معتبرا أن هذا الإطار الإقليمي هو السبيل الأمثل لحماية الأمن الجماعي ومنع تحول المنطقة إلى ساحة صراع بين القوى الكبرى.
إعلانوتتشكل الآلية الإقليمية "3+3" من 3 دول في جنوب القوقاز هي أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، و3 دول جارة هي إيران وروسيا وتركيا.
ويرى ممبيني أن إيران تسعى من خلال هذه الزيارة إلى إطلاق "مرحلة جديدة من الأمن المستدام"، قائمة على مشاريع تعاون تمنح العلاقات بين طهران وباكو بُعدا أكثر استقرارا.