البوابة نيوز:
2025-12-07@18:28:53 GMT

حلو الكلام.. مِن ذِكراكِ رَيحاني وَراحي

تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT

إِلَيكِ مِنَ الأَنامِ غَدا ارتِياحي

وَأَنتِ عَلى الزَمانِ مَدى اِقتِراحي

وَما اعتَرَضَت هُمومُ النَفسِ إِلّا

وَمِن ذِكراكِ رَيحاني وَراحي

فَدَيتُكِ إِنَّ صَبري عَنكِ صَبري

لَدى عَطَشي عَلى الماءِ القَراحِ

وَلي أَمَلٌ لَوِ الواشونَ كَفّوا

لَأَطلَعَ غَرسُهُ ثَمَرَ النَجاحِ

وَأَعجَبُ كَيفَ يَغلِبُني عَدُوٌّ

رِضاكِ عَلَيهِ مِن أَمضى سِلاحِ

.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: حلو الكلام راح لكل الكلام

إقرأ أيضاً:

د.محمد عسكر يكتب: العقل العربي بين سطوة الخوارزميات وتآكل الوعي النقدي

لم يعد المشهد الإعلامي والتفاعلى في العالم العربي محكوماً بمعايير المعرفة التقليدية أو بمنطق التلقي المنظم، بل أصبح أسيراً لفضاء رقمي متسارع تفرضه خوارزميات معقدة، لا تُظهر للمستخدم ما يبحث عنه بقدر ما تُظهر ما تريده هي أن يتلقاه. وتحت وطأة هذا الواقع الجديد وجد العقل العربي نفسه في مواجهة تحدٍ غير مسبوق، حيث باتت أدوات تشكيل الوعي ليست في يد المؤسسات التعليمية والثقافية وحدها، وإنما إمتدت إلى شركات التكنولوجيا العملاقة التي تصوغ الذوق العام وتحدد أولويات الإهتمام وتوجّه أنماط التفكير بشكل غير مرئي. وفي ظل هذا التغير العميق في منظومة التواصل المعاصرة، بدأ الوعي النقدي الذي يشكّل أساس التفكير السليم ومقدمة كل قراءة رشيدة للواقع، يتراجع تدريجياً أمام سطوة المحتوى السريع الموجّه، فحل الإنفعال محلّ التأمل، وحلّ التلقي محلّ التساؤل، وحلّ الإنجراف وراء المألوف محلّ البحث عن الحقيقة.
لقد أدت الخوارزميات، التي تعتمد على تحليل السلوك الرقمي لكل مستخدم، إلى خلق عوالم منفصلة يعيش كل فرد داخلها بمعزل عن الآخر، حيث يُقدَّم له محتوى مصمم ليثير إنتباهه لا ليوسّع أفقه، وليرضي رغباته اللحظية لا ليمنحه معرفة موضوعية. وهكذا يتشكل وعي غير متوازن، يعتمد على ما تُسوّقه المنصات من أولويات، لا على ما يقتضيه الواقع من فهم وتحليل. وحين يتحول الإنسان من باحث عن المعلومة إلى مُستقبِل لما يُختار له، يصبح وعيه نفسه عرضة للتوجيه، وتغدو آراؤه إمتداداً لآليات الخوارزميات لا لملكات التفكير لديه. وفي هذا السياق يتعرض العقل العربي لضغط مضاعف، إذ يتفاعل في بيئة إجتماعية وثقافية شديدة الحساسية، تتشابك فيها السياسة بالدين بالهُوية، ما يجعل تأثير المحتوى الرقمي أعمق وأسرع وأكثر قدرة على تشكيل المواقف العامة.
وقد أدى هذا الوضع إلى نشوء حالة من الإستهلاك المعلوماتي الكثيف الذي يفتقر إلى العمق، فبدلاً من بناء المعرفة على أساس من التأمل والتحليل والتدرج، أصبحت المعرفة نتاجاً لسيل متواصل من المقاطع القصيرة والمنشورات السريعة والإنطباعات اللحظية. ومع الوقت يتراجع الوعي النقدي الذي يُفترض أن يُمكّن الفرد من طرح الأسئلة وتقويم المصادر والتمييز بين الحقيقة والإدعاء، ليحلّ محله وعي هشّ سريع التأثر، قادر على الإنفعال لكنه عاجز عن التحقق، ومنفعل بالضجيج لكنه غير قادر على النفاذ إلى جوهر القضايا. وهكذا يصبح العقل، الذي هو أداة إدراك، مجرّد مستقبل لأفكار متفرقة لا رابط بينها، فتتبخر القدرة على بناء رؤية مستقلة أو موقف متماسك.
ومما يفاقم هذه الأزمة أن جزءاً كبيراً من المحتوى الرائج في الفضاء الرقمي يعتمد على إستثارة العواطف والإنفعالات، لأن هذا النوع من المحتوى يحظى بتفاعل أكبر، وبالتالي يُكافأ من الخوارزميات، ما يجعل من التفكير الهادئ والمعرفة الرصينة منافساً ضعيفاً في ساحة تحكمها قواعد الربح والإنتباه. ومع إنتشار هذا النمط من التواصل يصبح من السهل التلاعب بالرأي العام، سواء من خلال الشائعات أو الأخبار المضللة أو الحملات المنظمة، في حين تغيب آليات التحقق التي يمكن أن تحمي المجتمع من الإنجرار خلف موجات متلاحقة من المعلومات غير الدقيقة.
ولم يقتصر أثر هذا الواقع على بنية الوعي الفردي، بل إمتد ليطال الطاقة المجتمعية نفسها، حيث تستهلك السوشيال ميديا جزءاً كبيراً من وقت الشباب وإهتمامهم، فيُستنزف الجهد في متابعة الجدل الإفتراضي بدل توجيهه نحو الإبداع والإنتاج والعمل الحقيقي. وهكذا تتشكل أجيال تمتلك القدرة على التعبير السريع لا على التفكير البطيء، وعلى الحضور الرقمي المكثف لا على المشاركة الواقعية الفاعلة، وعلى الإنخراط في سجالات لا تنتج معرفة ولا تغير واقعاً.
إن إستعادة التوازن في علاقة العقل العربي بهذا الفضاء المفتوح تتطلب مراجعة جادة لطبيعة الإستخدام، وتعزيزاً للتفكير النقدي، وترسيخاً لثقافة التحقق قبل التفاعل، وإعادة الإعتبار للمعرفة العميقة بإعتبارها السياج الأول لمقاومة الضجيج الرقمي. كما تتطلب دوراً أكثر حضوراً للمؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية في بناء وعي قادر على مواجهة سطوة الخوارزميات، ومنظومة قيم تشجع على البحث والسؤال بدل التلقي والتردد. فالعقل الذي يفقد قدرته على النقد يفقد قدرته على التمييز، ومع مجتمع لا يملك وعياً نقدياً قوياً يصبح المستقبل معرضاً لأن يُعاد تشكيله من خارج إرادة أبنائه.
بهذه الرؤية يتضح أن معركة الوعي اليوم ليست معركة ضد التكنولوجيا، بل معركة من أجل الحفاظ على إستقلال العقل في عالم تصنعه الخوارزميات، وضمان ألا يصبح الإنسان مجرد رقم في معادلة ضخمة لا تعترف إلا بمنطق الربحية والإنتباه. إنها معركة من أجل بقاء الوعي ذاته، بكل ما يحمله من قدرة على الفهم والتساؤل والرؤية، وهي مسؤولية جماعية تبدأ من الفرد وتمتد إلى المجتمع والدولة معاً.ولعل البداية تكون بإعادة الإعتبار للتفكير النقدي، وتعزيز ثقافة التثبت قبل الحكم، وتعلم الإبطاء في زمن السرعة، وإعادة تنظيم علاقتنا بالفضاء الرقمي بما يضمن أن نستخدمه دون أن نسمح له بإستخدامنا. كما أن على المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية دوراً محورياً في بناء مناعة مجتمعية تحمي من التلاعب ومن الإستسهال، وتعيد توجيه الطاقات نحو ما يفيد ويثري ويضيف. إن السوشيال ميديا ليست شراً في ذاتها، ولكنها تتحول إلى خطر حين تغيب عنها الضوابط ويتراجع دور الوعي، وحين ننخدع ببريقها فنستبدل التفكير بالإندفاع والمعرفة بالإنطباع. ولذا فإن الحفاظ على سلامة الوعي الجمعي في مجتمعاتنا أصبح مسؤولية مشتركة، تتطلب وعياً فردياً يقظاً، ومؤسسات قوية، وقيماً راسخة تذكر الجميع بأن الحقيقة لا تُصنع من تداول، وأن الوعي لا يُبنى من سرعة، وأن مستقبل الأمم لا يمكن أن يُترك لفضاء بلا بوصلات.

طباعة شارك المشهد الإعلامي العالم العربي المعرفة التقليدية

مقالات مشابهة