بوليتيكو: استهداف منشآت إيران النووية لم يضعف قدراتها.. بل عزّز خيارها النووي
تاريخ النشر: 25th, June 2025 GMT
وكان نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، قد صرّح الأحد بأن الضربات التي شنّتها واشنطن مساء السبت "أعادت البرنامج النووي الإيراني خطوات إلى الوراء بشكل كبير"، على حد تعبيره.
من جانبه، أعلن الرئيس دونالد ترامب أن العملية "دمرت بالكامل" منشآت رئيسية داخل إيران، مستشهدا بصور أقمار صناعية أظهرت مباني مدمّرة ومنحدرات جبلية تعرضت لقصف دقيق.
إلا أن "بوليتيكو"، في تقرير لها، تشير إلى أن هذه التصريحات "قد تكون مفرطة في الثقة والتفاؤل"، إذ تنقل الصحيفة عن مصادر مطّلعة ومحللين استخباراتيين أن "إيران لا تزال تمتلك المقوّمات الرئيسية لإعادة بناء برنامجها النووي بسرعة، بما يشمل كميات من اليورانيوم العالي التخصيب، ومكونات أجهزة الطرد المركزي، فضلا عن الخبرات البشرية المتخصصة".
وأضافت الصحيفة في تقريرها: "أوضح رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان كين، أن المواقع الثلاثة التي استهدفتها الضربات، ومن بينها منشأة فوردو تحت الأرض، تعرضت لأضرار شديدة، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن التقييم النهائي لحجم الدمار سيستغرق بعض الوقت".
وتُطرح تساؤلات حول الكمية الفعلية من اليورانيوم المخصب التي تم تدميرها خلال الضربات. فوفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كانت إيران قد خزّنت نحو 900 رطل من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% بحلول 17 مايو، وهي كمية تكفي لتصنيع عدة قنابل نووية بعد مزيد من التخصيب. وكان المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، قد أشار علنا إلى احتمال قيام إيران بنقل جزء من هذه المواد أو كلها من المنشآت الخاضعة للرقابة الدولية قبل اندلاع الضربات، ما يعني أنها قد تكون لا تزال في حوزتها وهو ما ألمح إليه فانس أيضا.
وقالت المصادر لـ"بوليتيكو" إن "إيران قادرة على إخفاء هذا النوع من المواد بسهولة، نظرا لصغر حجم الحاويات التي تُخزَّن فيها، والتي تشبه أسطوانات الغوص. كما أن مكونات أجهزة الطرد المركزي صغيرة وسهلة النقل، وقد خرجت من دائرة الرقابة الدولية منذ انهيار الاتفاق النووي عام 2018 إثر انسحاب واشنطن منه".
ووفقا لمصادر متابعة، فإن معظم الخبراء والعلماء النوويين الإيرانيين قد أُجلوا من المنشآت المستهدفة قبيل الضربات، ما يعني أن الكوادر البشرية الأساسية لا تزال متوفرة. ومع وجود يورانيوم مخصب بنسبة 60%، وعدد يتراوح بين 100 و200 جهاز طرد مركزي فقط، يمكن لإيران، نظريا، إنتاج كمية كافية من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة في غضون أسابيع.
وبحسب المصادر ذاتها، لا تحتاج إيران إلى منشأة ضخمة كـ"فوردو" أو "نطنز" لتصنيع سلاح نووي، بل يمكنها بناء منشأة صغيرة تحت غطاء مبنى صناعي مدني، أو في موقع جبلي يصعب استهدافه. ومع أن طهران قد تؤجل إنشاء منشأة جديدة في الوقت الراهن، إلا أن قدرتها على تشغيل واحدة في غضون عام تبدو كبيرة.
ونقلت "بوليتيكو" عن مصادرها المطلعة أن "الضربات الأخيرة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ إن استهداف منشأة فوردو الحساسة قد يكون نقطة تحول ويدفع القيادة الإيرانية لاتخاذ القرار السياسي بإنشاء قنبلة نووية، بعد سنوات من الاكتفاء بالقدرة التقنية على القيام بذلك دون السعي المباشر لامتلاك السلاح".
وفي حال اتخاذ القرار، سيكون على إيران "سلحنة" اليورانيوم — أي تحويله إلى رأس نووية قابلة للإطلاق. وتختلف التقديرات بشأن الوقت اللازم لذلك؛ إذ تشير بعض التقييمات الأمريكية إلى إمكانية إتمام هذه المرحلة خلال نحو عام، خاصة وأن العمل على تخصيب اليورانيوم وتصميم القنبلة قد يتم بالتوازي.
ويخلص التقرير إلى أن السيناريو الأسوأ هو امتلاك إيران بالفعل منشأة سرية تعمل على التخصيب، إلى جانب تصميم نووي شبه مكتمل، ما قد يُمكّنها من امتلاك قنبلة خلال أشهر.
أما السيناريو الأفضل، وهو الأقل احتمالا وفقا لـ"بوليتيكو"، فيتمثل في نجاح الضربات في تدمير كامل مخزون طهران من اليورانيوم العالي التخصيب والمكونات التقنية، لكن حتى في هذه الحالة، يبقى لدى إيران القدرة والخبرة اللازمة لإعادة بناء برنامجها خلال سنوات قليلة.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: من الیورانیوم
إقرأ أيضاً:
حل معضلة النووي الإيراني ضروري لنجاح خطة ترامب للسلام في غزة
لندن "د.ب.أ": يشكل تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المكونة من عشرين نقطة، خطوة أولى مهمة لإنهاء حرب غزة. وقد كان لتركيز جهوده السياسية على هذه الأزمة دور حاسم، لا سيما في تأمين اتفاق بشأن إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، وفي دفع الطرفين إلى اتخاذ الخطوات الأولى نحو وقف إطلاق النار.
لكن الدكتورة سانام فاكيل مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) قالت في تحليل نشره موقع المعهد إن هذه الخطوة ليست سوى البداية، حيث لا تزال هناك قضايا حرجة عالقة، مثل إدارة قطاع غزة، ومسألة نزع سلاح حماس، ثم الطريق إلى إقامة الدولة الفلسطينية. وهذه القضايا ستحدد مدى إمكانية استدامة التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على المدى الطويل.
وترى فاكيل أنه لتحقيق نجاح أكثر استدامة في قطاع غزة، يتعين على إدارة ترامب توسيع نطاق تحركها الدبلوماسي، ولا تقصر جهودها على المسار الإسرائيلي الفلسطيني فقط. فالمواجهة مع إيران، التي تراجعت قليلا منذ الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي استمرت 12 يوما في يونيو الماضي، تلقي بظلالها الكثيفة الآن على أي جهد لتحقيق سلام إقليمي أوسع.
وقد أدى قرار فرنسا وألمانيا وبريطانيا إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران في نهاية سبتمبر إلى تعميق عزلة طهران. وإذا استمرت واشنطن في تجاهل هذه القضية، ستتضاءل فرص ترسيخ سلام دائم.
وقد أقر الرئيس ترامب بهذا الواقع، حيث قال في الأسبوع الماضي: "كانت (إيران) ستمتلك سلاحا نوويا في غضون شهر. والآن يمكنها بدء العملية من جديد، لكنني آمل ألا تفعل لأننا سنضطر إلى التعامل مع ذلك أيضا إذا فعلت ذلك". إذن فالرسالة واضحة: إن طموحات إيران النووية غير المؤكدة ومواجهتها مع الولايات المتحدة تظل تخيم على الاستقرار الإقليمي الأوسع نطاقا.
من ناحيتها تجد إيران نفسها محاصرة استراتيجيا، مع هامش محدود للغاية للمناورة. وقد ألحقت الولايات المتحدة وإسرائيل أضرارا جسيمة ببرنامجها النووي خلال حرب يونيو. وأعادت أوروبا فرض العقوبات عليها، مما أدى إلى تجميد أصولها، وحظر تصدير الأسلحة إليها، وحظر شراء منتجاتها من الطاقة.
والاقتصاد الإيراني يعاني بالفعل من ضغوط شديدة جراء العقوبات الأمريكية التي أعيد فرضها في عام 2019 بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني. ولا تزال العملة الإيرانية ضعيفة، والتضخم في ارتفاع حاد، وصادرات النفط مقيدة، والاستثمار الأجنبي غائب.
وترى سانام فاكيل المتخصصة في شؤون إيران ومنطقة الخليج أن النظام الإيراني لا يملك سوى خيارات قليلة قابلة للتطبيق لوقف تدهور الوضع على المدى القصير.
وخلال حلقة نقاشية في معهد تشاتام هاوس يوم 14 أكتوبر استعرض البروفيسور فالي نصر كيفية تقييم إيران لنهجها الإقليمي في أعقاب حرب يونيو، حيث تعرضت حماس لضربات قوية في حرب غزة، وتكبد حزب الله في لبنان خسائر فادحة في قيادته، ويواجه ضغوطا محلية ودولية متزايدة لنزع سلاحه.
كما تمت الإطاحة بنظام حكم الرئيس السوري السابق الموالي لإيران بشار الأسد لتحل محله حكومة أحمد الشرع الجديدة.
ومن المفترض أن تتيح هذه التحولات الإقليمية للولايات المتحدة فرصة سانحة للتعامل الإيجابي مع الملف الإيراني، لكن إدارة ترامب تركز حتى الآن على العمل العسكري الذي شنته مع إسرائيل ضد البرنامج النووي الإيراني في يونيو، والخيار الافتراضي المتمثل في استمرار فرض عقوبات الضغط الأقصى.
ولم تحدد إدارة ترامب حتى الآن مسارا دبلوماسيا واضحا للتعامل مع وضع إيران في النظام الإقليمي. في المقابل تؤكد دروس التاريخ أنه دون مبادرة دبلوماسية واضحة للتعامل مع هذه القضية، ستعود طهران في أغلب الأحيان إلى إعادة التموضع. وقد تسعى إلى إعادة بناء برنامجها النووي، وتكوين جماعات حليفة جديدة، وإعادة تعزيز تحالفاتها طويلة الأمد. كما تسعى طهران بالفعل إلى إعادة بناء قدرتها على الردع وتعزيز دفاعاتها الجوية استعدادا لأي مواجهة جديدة مع إسرائيل.
في الوقت نفسه زاد النهج الأوروبي من إرباك المشهد الدبلوماسي. ففي حين كان قرار الدول الأوروبية الثلاث إعادة فرض العقوبات على إيران يستهدف الضغط عليها، جاءت النتائج عكسية، إذ عمق انعدام الثقة بين طهران والعواصم الأوروبية، وترك الدول الأوروبية الثلاث دون استراتيجية واضحة بشأن إيران.
ومع تطبيق آلية "إعادة فرض العقوبات" ظهر أنها تفتقر إلى أي خطة متماسكة لإعادة إشراك إيران في الحوار النووي أو التوسط بين واشنطن وطهران. كما أن الانقسامات الداخلية تضعف مواقف أوروبا أكثر فأكثر. وبدون قيادة الولايات المتحدة، تخاطر سياسة العقوبات الأوروبية بالانجراف إلى عدم الجدوى.
لكن النقاش الأمريكي حول إيران مازال رهينة للانقسام والتسييس. ولا تزال إدارة ترامب منقسمة بشأن النتيجة التي تسعى إليها بالفعل وهل هي تغيير نظام الحكم الإيراني أو احتواء طموحه النووي، أو إعادة دمج إيران في النظام الإقليمي. وكل نتيجة من هذه النتائج تتطلب أدوات مختلفة تماما، وبدون توافق في الآراء، تخاطر واشنطن بإرسال إشارات متضاربة تؤدي إلى استمرار الأزمة.
وستحتاج واشنطن إلى ربط ردعها العسكري بإطار دبلوماسي موثوق يضع قيودا على البرنامج النووي الإيراني، ويتيح المجال لتخفيف الضغط الاقتصادي بشكل كبير في حال امتثال طهران. كما ستحتاج إلى التنسيق الوثيق مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، حيث تمتلك هذه الأطراف القدرة على الجمع بين ضغط العقوبات وحوافز التعاون.
أخيرا ترى فاكيل ضرورة أن يكون منع نشوب حرب مباشرة جديدة بين إيران وإسرائيل هدفا محوريا أيضا. فمن شأن تجدد الصراع أن يشعل فتيل عدم الاستقرار الإقليمي ويعرقل التقدم في غزة. لذلك، ينبغي لأي عملية دبلوماسية أوسع نطاقا أن تستكشف تفاهما على عدم الاعتداء وعدم التدخل، حيث تتجنب الجهات الفاعلة الإقليمية الأعمال العدائية المباشرة وتمتنع عن استخدام وكلاء يزعزعون للاستقرار. ويمكن أن تشكل هذه الآليات تدابير لبناء الثقة وأساسا لنظام أمني إقليمي طويل الأمد.