سميرة موسى.. عالمة الذرة التي هددت إسرائيل بتفوقها النووي
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
كان الموساد متتبعا دائما لأى نابغة مصرية يمكن أن تسهم فى نهضة الأمة، وهو ما يمثل خطرا على الكيان الصهيونى من وجهة نظر قادته، الذى يتعاملون كزعماء عصابة، فكان الهدف دائما هو الإجهاز على أى شخصية يمكن أن يتكئ عليها الوطن فى رفعته وبنائه، فكانت الدكتور سميرة موسى من أوائل أهداف الكيان الصهيونى لتحقيق هذه الغاية.
وشهد الثالث من مارس من عام ١٩١٧ مولد عالمة الذرة الدكتورة سميرة موسى فى قرية سنبو الكبرى بمركز زفتى بمحافظة الغربية بدلتا مصر، وكان لها ثمانى إخوة وأخوات، وبدأت علامات النبوغ تظهر عليها مبكرا.
وأسهم المناخ الذى نشأت فيه فى تكوين شخصيتها المؤثرة المميزة، حيث كان والدها حريصا على تعليم أبنائه ومهتما بالشأن العام فى وقت كان يموج فيه العالم بأحداث جسام أبرزها اشتعال الحرب العالمية الأولى، وكانت مصر لا تزال تقع تحت نير الاحتلال البريطاني.
ومن سنبو إلى حى الحسين فى العاصمة القاهرة، انتقلت "موسى" بصحبة أسرتها بهدف الالتحاق بمدرسة قصر الشوق فى حى العتيق، حيث كان يمتلك والدها فندقا صغيرا وفيما بعد انتقلت إلى مدرسة بنات الأشراف الثانوية التى أسستها نبوية موسى الناشطة النسائية، والتحقت فيما بعد بكلية العلوم فى جامعة القاهرة.
ظهر تميز سميرة موسى خلال سنوات دراستها، فأصبحت هى أول فتاة تحصل على المركز الأول فى الشهادة الثانوية فى عام ١٩٣٥، ولم يتوقف تميزها عند هذا الإنجاز، وإنما واصلت تفوقها لتصبح أول معيدة فى كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة حاليا".
وجاء تعيينها كمعيدة فى كلية العلوم بمساعدة من أستاذها وعميد الكلية آنذاك العالم المصرى الكبير مصطفى مشرفة، الذى دافع عن حقها فى التعيين رغم اعتراض بعض الأساتذة، ثم حصلت على الماجستير فى موضوع التواصل الحرارى للغازات.
تخصصت سميرة موسى فى الأبحاث النووية، وأسهمت فى تأسيس هيئة الطاقة الذرية فى مصر، وذلك بعد ٣ أشهر فقط من إعلان إسرائيل فى شهر مايو من عام ١٩٤٨.
ما ينبغى علينا نحو العلم
كان للعالمة المصرية مقالة هامة بشأن أهمية العلم فى حياتنا العملية وضرورة الاتكاء عليه لتحقيق أى إنجاز، وتقول فى مقال لها تحت عنوان "ما ينبغى علينا نحو العلم" إنه "ليس منا من يجهل للعلم مكانة وأثره أو ينكر عليه دوره وخطره فى حالتى السلم والحرب، لذا فلست بحاجة إلى الإشارة إلى الخدمات التى أداها لنا العلم فى كل مرافق حياتنا فكانت ذاتها آيات كل تقدم لنا وارتقاء، إنما أود هنا أن أعالج ما يتطلبه العلم منا إن أردنا له أن يتم رسالته فى رفاهية الإنسانية وعلو شأنها".
وأضافت "موسى" فى مقالها المنشور فى شهر يوليو من عام ١٩٤٥ حينما كانت مدرسة فى كلية العلوم بجامعة القاهرة: "وما من شك أن نمو المعارف الإنسانية هو أهم بواعث هذا التحول الكبير، فلقد كان تفحص المواد ومحاولة إتقان الصنعة والجهد فى تذليل الصعاب والبحث عن وسائل المواصلات كان كل هذا مادة الدراسة الإنسانية الأولى التى تطورت إلى معرفة قوية، وانتهت إلى بحث علمى دقيق لاتزال أبوابه وستبقى مفتوحة للناس ما بقى لهم على ظهر الأرض من وجود".
جاءت النهاية فى منتصف شهر أغسطس من عام ١٩٥٢ بعد أقل من شهر على الحركة المباركة وثورة يوليو التى أزاحت الحكم الملكى عن مصر.
لقيت سميرة موسى مصرعها فى حادثة سيارة بمدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية. ففى صباح التاسع عشر من شهر أغسطس من عام ١٩٥٢ نشرت صحيفة "المصري" خبرا كان عنوانه "مصرع آنسة مصرية بأمريكا بعد أن أتمت دراستها بالجامعة" وجاء نصه كالتالى "قال المتحدث باسم السفارة المصرية فى واشنطن اليوم أن الآنسة سميرة موسى على الطالبة المصرية التى تتلقى العلم فى الولايات المتحدة قتلت فى حادث سيارة بعد أن أتمت دراستها فى جامعة أوكردج بولاية تنسى الأمريكية". وقال الكاتب الصحفى أحمد زكى عبد الحليم فى كتابه "نساء فوق القمة" تلقت الدكتورة سميرة موسى دعوة للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأتيحت لها فرصة إجراء أبحاث فى معامل جامعة سان لويس بولاية ميسورى الأمريكية، واستطاعت أن تحصل على نتائج أذهلت الأوساط العلمية فى أمريكا وأوروبا".
وأضاف "تلقت الدكتورة سميرة موسى عروضا لتبقى فى أمريكا، ولكنها فضلت أن تعود إلى بلدها وأن تواصل رسالتها العلمية والإنسانية من فوق أرض مصر، بدأت تستعد للعودة حيث دعيت إلى رحلة استجمام قبل العودة فقبلت الدعوة وركبت السيارة وفى منطقة مرتفعة اندفعت السيارة لتسقط فى الهاوية ومعها الدكتورة سميرة موسى بينما قفز قائدها واختفى إلى الأبد"، وعن تورط الموساد فى اغتيال النابغة المصرية يسرد الكاتب الصحفى جميل عارف وقائع هامة فى دراسته "الإرهاب الصهيونى فى مصر" قائلا "كانت موسى فى بعثة دراسية لاستكمال أبحاثها فى إحدى الجامعات الأمريكية وفى يوم ١٥ أغسطس ١٩٥٢ وهو اليوم المشئوم كانت تقود سيارتها فى طريقها لزيارة أحد المفاعلات النووية فى ضواحى سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا".
وأضاف "عارف": "كان بصحبتها مرشد من أصل هندى قيل أن إدارة المفاعل الذرى الذى كان مقررا أن تقوم بزيارته كلفته بإرشادها إلى طريق الوصول إلى مكان المفاعل، وبينما كانت سميرة موسى تمر بسيارتها فى طريق جبلى ظهرت أمامها فجأة سيارة نقل كانت مختفية عند إحدى منحنيات الطريق لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقى بها فى واد عميق من ارتفاع قدر بحوالى ٤٠٠ قدم".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: سميرة موسى عالمة الذرة من عام
إقرأ أيضاً:
خرافة الزئبق الأحمر بالمغرب.. العلم يفكك الأسطورة
بعد فترة طويلة من انقطاع أخبار القبض على عصابات النصب باسم "الزئبق الأحمر"، التي تدّعي وجود تلك المادة التي تفتح لمن يمتلكها الأبواب الموصدة، ظن كثيرون أن التوعية التي مارستها وسائل الإعلام خلال السنوات الماضية قهرت الخرافات.
غير أن الخبر القادم من مدينة مراكش المغربية مؤخرا، والذي يشير إلى إلقاء القبض على شبكة إجرامية استطاعت الإيقاع بكثير من الضحايا تحت وهم بيع تلك المادة، ربما يشير إلى الحاجة لمزيد من الجهد من أجل تفكيك هذه الخرافة بشكل علمي.
وحملت التقارير المنشورة عن إلقاء القبض على الشبكة الإجرامية الإشارة إلى أنهم كانوا يخدعون ضحاياهم من المهووسين بالتنقيب عن الكنوز والمعادن النفيسة بأن تلك المادة السحرية يمكن أن تعمل كمغناطيس يلتصق بالأماكن التي تحتوي على المعادن والكنوز، وهو الأسلوب الذي استخدمته سابقا شبكات إجرامية في مصر نجحت أيضا في خداع الراغبين في الثراء السريع.
انتشار الحديث عن الزئبق الأحمر في المغرب والعديد من الدول يرتبط غالبا بـ3 دوائر متقاطعة، يغذي كل منها الآخر:
وهم الدفائن والكنوز والشفاء: يُباع الزئبق الأحمر كأنه مادة قادرة على كشف الكنوز، كما أن هناك استخدامات مزعومة أخرى مثل إشاعة قدرة تلك المادة على الشفاء من جميع الأمراض، أو "تجديد الخلايا"، أو علاج العقم وإطالة العمر أو قدرتها على تحويل المعادن العادية إلى ذهب أو استخدامها في إنتاج أسلحة نووية وكيميائية. سرديات مواقع التواصل: مع دخولنا إلى عالم وسائل التواصل، بات حضور الزئبق الأحمر واضحا، وعلى سبيل المثال في يوليو/تموز الماضي اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي المغربية بعد إعلان أحد "مؤثري اليوتيوب" عثوره على كنز بسبب الزئبق الأحمر، وباتت المقاطع التي تحتوي على كلمات مفتاحية مثل "كنز" تخلق موجات اهتمام وتعليقات وسوقا وهمية. القانون الصارم يحوّل الأمر إلى نشاط سري: فالتنقيب غير المرخّص عن الآثار في المغرب مُجرَّم وتحيط به إجراءات وترخيصات وعقوبات، بما يدفع بعض الباحثين عن الكنز السريع إلى العمل في الظل بدل اللجوء لقنوات رسمية، وهنا يصبحون هدفا سهلا للمحتالين، حيث لا يوجد استشارات أو فواتير أو تحقق.وتعود جذور تلك المادة المزعومة إلى السبعينيات والثمانينيات، حين التقطت صحف غربية في الولايات المتحدة وبريطانيا الطعم الذي ألقته المخابرات السوفياتية، والذي كان عبارة عن تقارير غامضة عن مادة سوفياتية سرية تستخدم في تصنيع أسلحة نووية وأجهزة تفجير متقدمة.
إعلانوالحقيقة أنه لم تكن هناك مادة في الأساس، فمع انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينيات وانكشاف العديد من أسراره، ظهر تقرير استخباراتي أوضح أن "الزئبق الأحمر" كان جزءا من عملية تضليل استخبارية متعمدة، والهدف كان استدراج تجار السلاح والمجموعات الإرهابية الذين يبحثون عن طرق سريعة لصنع أسلحة متقدمة، وكانت الفكرة أن يلهث المشترون خلف مادة لا وجود لها، فيسهل تتبعهم والإيقاع بهم.
والمفارقة أن مصطلح "الزئبق الأحمر" بمجرد ظهوره في الإعلام الغربي خرج عن السيطرة، حيث التقطته وسائل الإعلام في الشرق الأوسط خلال التسعينيات ومطلع الألفية، لينتقل من سياق الاستخبارات إلى هالة من الغموض الشعبي، وتحول إلى أسطورة غذتها الشائعات والأساطير والمبالغات، حتى بات يربط بالسحر، والجن، وتجارة الآثار، وصناعة الأسلحة، رغم عدم وجود دليل علمي على وجوده أصلا.
ومن بين أبرز تلك الأساطير أن المومياوات الملكية المصرية القديمة تحتوي على الزئبق الأحمر المسؤول عن لعنات الفراعنة، وأن استخراجه منها يعطي من يمتلكه قوة خارقة، وهو ما نفاه علماء الآثار مرارا وتكرارا.
ورغم الجهد المبذول في التوعية، جاءت الحادثة المغربية الأخيرة لتثير تعجب المختصين من علماء الآثار والمصريات من بقاء تلك الأسطورة حية إلى الآن.
ويعزو بسام الشماع، المؤرخ وكاتب علم المصريات، بقاءها إلى الرغبة في الثراء السريع، وهي رغبة بشرية لا تتغير بتغير الزمن، وتجعل من الإنسان إن لم يحسن ضبطها صيدا سهلا للمحتالين.
ويقول للجزيرة نت: "ماذا علينا نحن المؤرخين أن نفعل للتوعية أكثر من التأكيد من حين لآخر أننا لم نعثر في أي مقبرة أو ورشة تحنيط على مادة يمكن تسميتها بالزئبق الأحمر، ولم يرد ذكرها في أي نص فرعوني أو بردية طبية".
ويجد المحتالون والنصابون، رغم نفي الشماع وغيره من المؤرخين والأثريين، طريقا سهلا لخداع الضحايا، بمساعدة بعض وسائل الإعلام التي تساعد من حين لآخر على إحياء تلك الأسطورة، كما حدث قبل 7 أعوام عندما عثر في محافظة الإسكندرية المصرية على تابوت أثري أثناء هدم أحد المنازل، ليفاجأ الحاضرون في مشهد فتح هذا التابوت، ومنهم صحفي أجنبي، بسائل أحمر، ليروج هذا الصحفي أنه "زئبق أحمر".
ورغم تأكيد وزارة الآثار المصرية، في بيان صحفي، أن التحليلات الكيميائية كشفت أن هذا السائل ما هو إلا صرف صحي تسلل إلى داخل التابوت من فتحة توجد بداخله، فإن المشهد كان مادة خصبة لمحاولة إحياء تلك الأسطورة لفترة من الزمن، قبل أن تأتي الحادثة المغربية الأخيرة لتؤكد أنها لم تمت.
وربما يجد المحتالون طريقا للنفاذ إلى عقول ضحاياهم، بالإشارة إلى دراسات كيميائية أثرية تستخدم اسم "الزئبق الأحمر" كوصف للمادة التي تعرف باسم "الزنجفر".
ويقول الدكتور ماهر القاضي الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا للجزيرة نت: "أعتقد أن إطلاق المخابرات السوفياتية اسم الزئبق الأحمر على المادة الوهمية كان ضربة تضليل ذكية اعتمدت على نصف الحقيقة، فهناك فعلا مادة أثرية معروفة بهذا الوصف في الكيمياء القديمة، لكن لا علاقة لها بالقدرات السحرية أو النووية التي نُسجت حولها الأسطورة، وهكذا استخدم جزء صحيح لإلباس الوهم ثوب العلم".
إعلانوالزئبق الأحمر التاريخي صبغة فنية قديمة تستخدم لوصف ما يعرف علميا بكبريتيد الزئبق، واستخدمها الفنانون منذ العصور القديمة وفي أوروبا القرون الوسطى لتلوين المخطوطات واللوحات، وهو مادة حقيقية وآمنة نسبيا عند التعامل معها بحذر، ولا تمتلك أي خصائص خارقة.
وكان باحثون برتغاليون قد نجحوا في تصنيعها باستخدام مواد وأدوات تشبه ما كان متاحا للفنانين في العصور الوسطى، وذلك بالاعتماد على وصفة تاريخية مدونة في مخطوط يهودي برتغالي قديم بعنوان "كتاب كيفية صناعة الألوان"، وأعلنوا عن ذلك قبل 11 عاما في دورية "دايز آند بيجمنتس".
وقام الباحثون خلال الدراسة بمزج الزئبق مع الكبريت، ثم تسخين الخليط تدريجيا في ظروف مشابهة للأفران القديمة، وخلال التسخين تحولت المادة من السوداء إلى الأحمر عند حوالي 235 درجة مئوية.
بعد ذلك، طحنت الصبغة ومزجت مع غراء طبيعي لتصبح جاهزة للتلوين، تماما كما كان الفنانون والرهبان يفعلون في المخطوطات واللوحات الأوروبية القديمة.
وقارن الباحثون الصبغة المصنعة حديثا بالصبغات الأصلية في المخطوطات، وتبين أن الأعمال الفنية البرتغالية القديمة اعتمدت غالبا على المصدر الطبيعي للصبغة، وهو حجر "السينابار" وليس على النسخة الصناعية.
تجربة طريفة من زغربوفي تجربة عملية طريفة لبيان خداع المحتالين باسم "الزئبق الأحمر"، تحولت أسطوانة معدنية صغيرة صادرتها شرطة زغرب بكرواتيا من أحدهم إلى مادة علمية لباحثين من معهد "رودر بوسكوفيتش".
وخلال الدراسة المنشورة قبل 18عاما، قام الباحثون بتحليل العينة باستخدام تحليل التنشيط بالنيوترونات بطاقة 14.1 ميغا إلكترون فولتا، الذي كشف العناصر الكيميائية في العينة، وتحليل الأشعة السينية المعزز بالطاقة، لتحديد أي العناصر موجودة داخل المادة وأيها في الحاوية المعدنية نفسها.
وأظهرت النتائج أن الأسطوانة تحتوي على 4 عناصر، وهي: الزئبق، والحديد، والكروم، والنيكل. وأثبت تحليل الأشعة السينية أن الحديد والكروم والنيكل موجودون فقط في جدار الحاوية المعدنية، بينما كانت المادة الداخلية عبارة عن زئبق نقي.
ويبدي القاضي إعجابه بتعاون السلطات في زغرب مع الباحثين قائلا "ما أحوجنا في العالم العربي لتجارب عملية من هذا النوع، فربما تنجح مثل هذا التجارب عند تنفيذها والإعلان عن نتائجها في القضاء على أسطورة الزئبق الأحمر".