الأمم المتحدة تجدد الدعوة لتشكيل حكومة موحدة في ليبيا
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
حسن الورفلي (بنغازي)
أخبار ذات صلةجدد مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، الدعوة لجميع الأطراف الليبية الرئيسية لاجتماع سياسي يرمي إلى تشكيل حكومة ليبية موحدة.
ونشر باتيلي تغريدة جديدة له عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»، أكد خلالها أن تصريحاته جاءت خلال لقائه سفيرة كندا لدى ليبيا، إيزابيل سافارد، من أجل بحث العملية السياسية في ليبيا والسبل الممكنة للدفع بها إلى الأمام.
وأفاد المبعوث الأممي إلى ليبيا، أن اللقاء تطرق إلى مناقشة تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد، مجدداً والسفيرة الكندية، الدعوة لجميع القادة في البلاد إلى الارتقاء بمستوى مسؤولياتهم، بحسب قولهما.
وأثنى باتيلي على دعم الحكومة الكندية لعمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وكذلك بشأن جهودها المساندة لمبادرته لجمع الأطراف الليبية الخمسة الرئيسية لاجتماع سياسي عاجل يهدف إلى تشكيل حكومة موحدة تقود ليبيا على طريق الانتخابات، التي ستعيد الشرعية إلى المؤسسات الحالية المنتهية الصلاحية.
إلى ذلك، تستضيف العاصمة المصرية القاهرة، اليوم السبت، اجتماعاً يضم رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، لبحث سبل تفعيل الحوار السياسي والدفع نحو إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في ليبيا، بحسب ما أكده مصدر ليبي لـ«الاتحاد».
وأكد المصدر، أن القاهرة تسعى لتقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف الليبية خلال الفترة المقبلة، ودعم إرادة وتطلعات أبناء الشعب الليبي في إجراء العملية الانتخابية خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى تخوف القاهرة من عودة الانقسام السياسي والاستقطاب العسكري بين كافة المكونات الليبية.
وأوضح المصدر، أن القاهرة تسعى إلى تفعيل القرارات الأممية التي تهدف لإرساء الأمن والاستقرار في ليبيا وخاصة القرارين 2570 و2571، لتسهيل عملية سياسية شاملة يقودها الليبيون ويتولون زمامها بدعم من المجتمع الدولي، بما في ذلك إجراء انتخابات وطنية وبرلمانية حرة ونزيهة وشفافة وشاملة في أقرب وقت ممكن، إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من البلاد.
وفي طرابلس، أكد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، على ضرورة إجراء الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية، وتفعيل اللجنة المالية العليا للقيام بمهامها في إدارة الإنفاق الحكومي وفق عدالة التوزيع والاستخدام المناسب للموارد.
وبحث المنفي مع الدبيبة عدداً من الملفات الخدمية المتعلقة بتوفير احتياجات الليبيين، وتوفير السلع الأساسية خلال شهر رمضان، ووضع الضوابط اللازمة من وزارة الاقتصاد وجهاز الحرس البلدي.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الأمم المتحدة الأزمة في ليبيا الأزمة السياسية في ليبيا ليبيا الانتخابات الليبية الأزمة الليبية الحكومة الليبية عبد الله باتيلي الأمم المتحدة فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
رقصة التنين والنسر في الصحراء الليبية
في ركن دبلوماسي هادئ وسط زحام القاهرة، وبين جدران قاعات الاجتماع المكيّفة، جلست الوفود الثلاثة (مصر، الجزائر، وتونس) لتناقش “مصير ليبيا”، البلد الذي ما فتئ يتأرجح بين شظايا الفوضى وفتات الدولة.
لكن خلف الكلمات المنمّقة والبيانات الدبلوماسية، كان المشهد أبعد ما يكون عن البراءة، فالمائدة التي جمعت وزراء الخارجية لم تكن إلا ساحة أخرى من ساحات شطرنج النفوذ والمصالح، حيث تتداخل أوراق اللاعبين الإقليميين والدوليين، ويغدو الشعب الليبي مجرد تفصيل صغير في لوحة نفوذ كبرى.
مصر وفرنسا.. العناق مع برقة
تظهر مصر كأحد أبرز اللاعبين؛ لم تدع القاهرة إلى الاجتماع حبًا في بيانات السلام، بل بدافع المصالح الباردة التي لطالما ميّزت سياستها الإقليمية، فمنذ اللحظة الأولى، تحالفت القاهرة مع رئيس مجلس النواب الليبي ومع خليفة حفتر، ليس فقط لضمان حدودها الغربية، بل لبسط نفوذها على مساحات شاسعة من الشرق الليبي الغني بالنفط.
ولم تكن باريس بعيدة عن المشهد، زيارة ماكرون الأخيرة إلى القاهرة أبريل الماضي، ولقاء وزير الخارجية المصري مع نظيره الفرنسي-عقب الاجتماع التشاوري مباشرة- كلها تكشف مسرحية متقنة الإخراج، حيث تتلاقى المصالح المصرية-الفرنسية، وهو تلاقي جعل فرنسا كأنها حاضرة للاجتماع التشاوري- أو سمه التفاوضي- حتى وإن غاب مندوبها.
فرنسا تريد ليبيا مستقرة على مقاس مصالحها في شرق البلاد، ومصر تريد “تأمين حدودها” وصياغة معادلة السلطة الجديدة بما يتوافق مع أجندتها، وحتى المكالمة الهاتفية بين بدر عبد العاطي ومسعد بولس -مستشار الرئيس الأمريكي ترامب للشرق الأوسط- جاءت بغية حصول مباركة أمريكية لتعطيل مسار البعثة؛ لحساب خطوات إقليمية أخرى تقودها مصر وفرنسا، ويترجمها عقيلة صالح لمحاولة تشكيل حكومة جديدة بشكل آحادي، أو عبر مشاركة صورية مع خالد المشري؛ المطعون في جلوسه على مقعد رئاسة المجلس الأعلى للدولة.
الجزائر.. بين الحلم الأممي وواقعية المصالح
لكن الجزائر لم تأتِ لتصفق؛ بل حملت في جعبتها مشروعًا يتجاوز مقترحات باريس والقاهرة.
الجزائر، بحنكتها الدبلوماسية المعهودة، رفضت مشروع باريس الداعي لتشكيل حكومة جديدة، وقادت مع المجموعة الأفريقية (3+1) معارضة صلبة لهذا الطرح، والتوتر الدبلوماسي الأخير بينها وبين فرنسا زادها حماساً على حماسها.
هنا تتلاقى الجزائر مع الولايات المتحدة وبريطانيا في دعمها للمسار الأممي ومشروع بعثة الأمم المتحدة (UNSMIL)، مؤمنة بأن الحل في ليبيا يجب أن يكون ليبيًا-ليبيًا تحت رعاية أممية، وبعيدًا عن تدخلات القوة.
لكن هل هو موقف مثالي أم مصلحة مغلفة بالشرعية الدولية؟ الجزائر، القريبة من حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي، تعرف أن بقاء الوضع الحالي، مع تعديلات محسوبة، يخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية في جنوب ليبيا وحدودها الطويلة.
تونس.. رقصة على حبل مشدود
أما تونس، فتبدو كمن يسير على حبل مشدود فوق نار المصالح المتقاطعة؛ مشاركتها كانت ضرورية لحفظ التوازن الجغرافي والسياسي، لكنها لم تحمل رؤية حادة كجاريها الكبيرين؛ ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن تونس تجد نفسها أقرب إلى الموقف الجزائري، بحكم التنسيق الإقليمي والرغبة في الحفاظ على أمن حدودها.
ما وراء الكلمات.. معركة بين العواصم
اللقاء التشاوري في القاهرة لم يكن اجتماعًا عابرًا لإحياء “آلية دول الجوار” التي ولدت في 2017 وماتت في 2019 -بعد انقسام مواقف أعضائها تجاه هجوم حفتر المسلح على العاصمة الليبية طرابلس- بل كان حلقة متقدمة في معركة نفوذ تدور بين محورين:
الأول، مصر-فرنسا، يسعى لتشكيل حكومة جديدة موالية لمصالحهما، يعيد ترتيب أوراق ليبيا قبل استئناف العملية الانتخابية.
الثاني، الجزائر -ومن ورائها أمريكا وبريطانيا- يتمسك بالمسار الأممي ويرفض الحلول المفروضة من الخارج.
وفي ظل هذه التوازنات المعقدة، لا يبدو أن ليبيا قريبة من السلام؛ بل هي أقرب إلى رقصة مستمرة بين النسر الأمريكي، التنين الفرنسي، وأسد الجزائر، في صراع على الرمال الحارقة.
الشعب الليبي، كعادته، ينتظر على الهامش؛ في رقعة الشطرنج الليبية، لا أحد يلعب لمصلحة الليبيين وحدهم، كل طرف، سواء أكان عاصمة إقليمية أم قوة دولية، يدفع بأحجاره وفق مصالحه العميقة.
اللقاء التشاوري في القاهرة لم يكن سوى محاولة لإعادة ترتيب الأوراق قبل توزيع الأدوار النهائية، ومثلما تعلمنا من تاريخ السياسة الواقعية، فإن ما يبدو مبادرة دبلوماسية هادئة، يخفي وراءه أجندات قاسية، مفصلة بعناية لتعظيم النفوذ وتقليص الخسائر.
ليبيا، برغم صرخات المجتمع الدولي وبيانات مجلس الأمن، ليست اليوم على أعتاب حل، بل على أعتاب إعادة تدوير الأزمة.
فرنسا ومصر-عبر حليفيهما في برقة – تريدان وضع بصمة واضحة على خريطة ليبيا المستقبلية، حتى وإن جاء ذلك عبر حكومة جديدة تصنعها غرف باريس والقاهرة، بعد أن أيقنا بأن دورهما في المسار الأممي الذي تديره البعثة لن يعدو أن يكون دورا ثانوياً للغاية.
الجزائر، بحنكتها، تراهن على المسار الأممي، وتتماهى مع موقف واشنطن ولندن للحفاظ على حكومة الدبيبة كورقة قوة.
أما الشعب الليبي، فهو العالق بين هذه القوى المتصارعة، ينتظر بصبر مَنْ سيُعيد إليه صوته؟ بعد أن خطف صوته، ومن يزاحم نيابة عنه هؤلاء المتفاوضون على مستقبله، بعد ما غاب من يفاوض على مصالحه على رقعة أرضه، وتاهت مشاريع حكامه اللاهتين وراء البقاء، ومع كل تأجيل، تتعمق الفجوة بين طموحاته والواقع، لتبقى ليبيا رهينة توازنات إقليمية ودولية متغيرة.
في النهاية، وكما كان يقول كيسنجر: “في السياسة، لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، بل توجد مصالح دائمة،” وليبيا اليوم ليست سوى مسرحٌ لهذه المصالح، حتى إشعار آخر، فهل فعلا خرست الوطنية في أبناء ليبيا وذهبت ريحهم، فلا من يغير هذا الواقع الأليم الطويل؟!.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.