بتوجيهات أم الإمارات منتدى فاطمة بنت مبارك للأمومة والطفولة حول الصحة النفسية ينطلق أكتوبر المقبل
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
تحت رعاية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات”، رئيسة الإتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية.. أعلن المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، اليوم عن البرنامج التمهيدي لمنتدى فاطمة بنت مبارك للأمومة والطفولة حول الصحة النفسية، استعداداً لانعقاده الرسمي يوم 10 أكتوبر المقبل في أبوظبي.
ويهدف المنتدى الذي يركز بشكل خاص على الأطفال واليافعين والأسر، إلى إرساء حوار شامل حول قضايا الصحة النفسية المرتبطة بالأمومة والطفولة في الإمارات، ويركز على اعتماد النهج المجتمعي لتعزيز الوعي وتوفير الدعم وطرح حلول فعالة لهذه القضايا، ويمثل منصة لتبادل الخبرات ومناقشة السياسات الخاصة وتعزيز التعاون بين الجهات المعنية في هذا المجال.
وتتضمن فعاليات المنتدى حواراً شاملا بين المعنيين والمتخصصين في مجال الصحة النفسية بغرض تعزيز النهج المجتمعي في التعامل مع القضايا المتعلقة بهذا المجال، إلى جانب دعم الوعي والتعلم ومناقشة أنظمة الدعم والسياسات والاستراتيجيات وتعزيز الشراكات لتحقيق الشمولية وتسهيل الوصول إلى الحلول الفاعلة بالاعتماد على الابتكار والبحث والتمكين من خلال الروايات الشخصية والتجارب الناجحة في مجال التعامل مع قضايا الصحة النفسية.
ويتماشى المنتدى مع رؤية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك بأن الأطفال يجسدون ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها، الأمر الذي يحتم على الجهات المعنية توفير الموارد اللازمة لتنشئتهم وتعليمهم بطريقة متكاملة.
وأكد معالي عبدالرحمن العويس، وزير الصحة ووقاية المجتمع، أن إطلاق منتدى فاطمة بنت مبارك للأمومة والطفولة، بتوجيهات من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك يمثل خطوة استراتيجية نحو تحقيق رؤية القيادة الحكيمة في تعزيز جودة الحياة وترسيخ دعائم صحة الأم والطفل والأسرة كأولوية وطنية، وصياغة المبادرات التي تستجيب لاحتياجات المجتمع بكفاءة وفعالية، بما يعكس قيم وطموحات دولة الإمارات في بناء مجتمع صحي يتمتع أفراده بالسعادة والإيجابية والرفاهية.
وقال معاليه " إن وزارة الصحة ووقاية المجتمع حريصة على دعم توصيات المنتدى وتحويلها إلى برامج مبتكرة وفعالة، في إطار تعاون وشراكة مجتمعية ومؤسسية، بما يسهم في تحقيق رؤية مستقبلية مستدامة لصحة الأم والطفل والأسرة في دولة الإمارات".. مشيدا بدور المجلس الأعلى للأمومة والطفولة في ترجمة رؤية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك في بناء مجتمع متماسك ومزدهر ينعم بالصحة النفسية والجسدية، بما ينسجم مع الاستراتيجيات الطموحة للدولة ومكانتها وتنافسيتها في مجال صحة الأسرة والمجتمع.
من جانبها أكدت الريم عبدالله الفلاسي، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة، أن منتدى فاطمة بنت مبارك للأمومة والطفولة، الذي وجهت بتنظيمه سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات”، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، وتحت رعايتها، هو من المبادرات التي يعود الفضل في إطلاقها إلى رؤية سموّها في الارتقاء بالخدمات المقدّمة إلى الأم والطفل سواء على المستوى المحلي أو العالمي، باعتبارهما عنصرين أساسيين في بناء المجتمع ولبنتين لا يمكن له أن يستقر ويتطور من دون مساهمتهما في مسيرته.
وقالت الفلاسي بمناسبة اعلان المجلس عن إطلاق البرنامج التمهيدي للمنتدى الذي سيعقد رسمياً في 10 أكتوبر المقبل.. إن الحدث سيركز على بحث السبل الكفيلة بمواجهة التحديات كافة التي تعوق توفير أفضل مستويات الصحة النفسية للأطفال واليافعين والأسر، انطلاقا من قناعة تقوم على أن هذه الفئات الثلاث تمثل حاضر الأمة ومستقبلها، وهم من يقع على عاتقهم حمل الراية ومتابعة المسيرة الظافرة لدولة الإمارات.
وأضافت أن المنتدى سيعمل على معالجة الجوانب المتعددة الأوجه للصحة النفسية في الأمومة والطفولة، بما يتماشى مع التزام دولة الإمارات نحو تعزيز بيئة مجتمعية صحية وداعمة للأمهات والأطفال واليافعين، وبما يسهم في تحقيق رؤية القيادة الرشيدة في توفير أفضل مستويات الرفاهية والعيش الرغيد لكل من يعيش على أرض الإمارات الطيبة.
وأشارت سعادتها إلى أن النتائج المتوقعة للمنتدى تتضمن تعزيز فهم تحديات الصحة النفسية لدى الأمهات والأطفال وكبار السن، وتعزيز أنظمة وسياسات الدعم المجتمعي لتحسين الرعاية في هذا المجال، بما في ذلك تحسين التمويل والوصول إلى الخدمات، وزيادة التعاون بين قطاعات الرعاية الصحية والتعلم والخدمات الاجتماعية والقطاع الخاص في تنظيم وإطلاق مبادرات الصحة النفسية المتكاملة.، إلى جانب تطوير إستراتيجيات وأطر الصحة النفسية المناسبة ثقافيا لتعزيز الوقاية والتدخل.
وأكدت أن المجلس الأعلى للأمومة والطفولة لن يدخر جهدا في سبيل الإسهام بشكل فاعل في تحقيق أهداف التنمية المجتمعية في الإمارات والوصول إلى مجتمع يتمتع أفراده جميعا بأفضل مستويات الصحة النفسية والاستقرار الاجتماعي، وينعم أطفاله ويافعيه بالبيئة التي تضمن تنشئتهم وبناء شخصياتهم على الوجه الأمثل، وبما يجعل منهم قادة قادرين على تحقيق تطلعات وطنهم وقيادتهم.
أخبار ذات صلةوأعربت عن سعادتها برؤية هذه الجهود الاستثنائية التي نجم عنها تأسيس "منتدى فاطمة بنت مبارك للأمومة والطفولة" مؤكدة أن هذه المبادرة الرائدة التي تحظى برعاية كريمة من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، تعكس الإلتزام الكبير تجاه الرعاية الصحية النفسية التي يتم توفيرها لأهم ركائز مجتمعنا التي تشمل الأمهات والأطفال والعوائل. وقالت " لا شك بأن ما يبذله المجلس الأعلى للأمومة والطفولة من جهود حثيثة لتسليط الضوء على الصحة النفسية وأثرها على المجتمعات، هو أمر بغاية الأهمية ومحل تقدير كبير، وهو ما يمثل نهجاً واضحاً قائماً على أفضل أساليب الرعاية الصحية العامة، الأمر الذي يتوافق تماماً مع رؤية وأهداف "بيورهيلث". إن الصحة النفسية هي حجر الأساس لبناء مجتمع قوي ومزدهر، والاعتراف بأهميتها سيمهد الطريق لمجتمع أكثر صحة وسعادة".
ويركز المنتدى على استكشاف العلاقة الوثيقة بين الصحة النفسية والرفاه النفسي وتوضيح اختلاط المفاهيم وتأكيد الترابط والتكامل بين الصحة النفسية والجسدية، وكذلك على تنمية وتطوير الذات الإيجابية وإدارة العواطف وبناء العلاقات وتطوير قدرات التعلم لدى الأطفال واليافعين، وتدعيم دور الأسر والمجتمعات في خلق بيئة تدعم التطور النفسي والاجتماعي لأبناء المجتمع.
وينظم المجلس الأعلى للأمومة والطفولة في إطار التحضير للمنتدى وضمن فعالياته، سلسة من الورش والجلسات النقاشية التي تتناول موضوعات متنوعة تشمل الصحة النفسية للأمهات وديناميكيات الأسرة والاستخدام العلاجي للفنون التعبيرية ودور النشاط البدني في تعزيز الرفاه النفسي وأهمية مبادرات الصحة النفسية في البيئات التعليمية والغذاء.
وتركز الورش والجلسات النقاشية للمنتدى على تطوير حملات التغيير الاجتماعي والسلوكي لنشر المعلومات بكفاءة، والحد من تأثير الوصمة وتعزيز الوعي بالصحة النفسية على المستوى الوطني، لتزويد المشاركين بمهارات عملية وتقديم مقاربة استباقية وشاملة للصحة النفسية في مختلف شرائح المجتمع.
ويناقش المنتدى في إطار فعالياته جملة من المواضيع التي تركز على رعاية الطفل وتنشئته، من بينها دور الأسرة باعتبارها الملاذ الآمن الأول له، والمؤسسة الاجتماعية الأساسية لتربيته ورعايته صحيا واجتماعيا خصوصا في السنوات الأولى من حياته، التي تعد أهم مراحل نموّه والعامل الأساسي في نجاحه صحيا واجتماعيا وتشكيل مستقبله وتكوين شخصيته في المراحل الحياتية الأخرى، وكذلك دور المدرسة في تعزيز الصحة والسلامة النفسية والاجتماعية للأطفال، والذي يشمل مهام الأخصائي النفسي والاجتماعي في المؤسسات التعليمية فيما يتعلق بقدراتها وفعاليتها في تقديم الخدمة عند التعامل معهم، وطبيعة الأنشطة اللاصفية التي تنظم في المدارس ودورها في إشباع احتياجات الأطفال وخاصة الترفيهية والفنية والإبداعية والاجتماعية والنفسية والجسدية، والمدى التوعوي في البيئة المدرسية ونوع العلاقات المؤسسية بين الأسرة والأنظمة المدرسية ومدى نجاح أنظمة الدعم في توجيه سلوك الأطفال وتحسين تحصيلهم العلمي.
كما يناقش الحدث دور المؤسسات المجتمعية والصحية في توفير الرعاية النفسية للأطفال، بما في ذلك المؤسسات العلاجية ووسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الاتصال الجماهيري، والأندية، والمراكز الترفيهية، والمؤسسات الثقافية والدينية.
ويتضمن المنتدى الذي سيتم تنفيذه بالتعاون مع شركاء المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، برنامجا توعويا تثقيفيا حول الصحة النفسية يستهدف جميع فئات المجتمع في إمارات الدولة كافة، وتتم خلاله الاستعانة بالمتخصصين وأصحاب الخبرة في هذا المجال على مدى الأشهر التي تسبق انعقاد المنتدى.
وسيتم تنفيذ البرنامج في مدن أبوظبي، والعين، والظفرة، ودبي، والشارقة، وعجمان، والفجيرة، وأم القيوين، ورأس الخيمة، وسيتضمن ورش عمل حول الصحة النفسية للأمهات وديناميكيات الأسرة والصحة النفسية والعلاج بالفنون التعبيرية والرياضة والرفاهية ومبادرات الصحة النفسية على مستوى المدرسة وسد فجوة التواصل والقيادة المجتمعية في الصحة النفسية، والصحة النفسية ورعاية المسنين، والأصوات الرقمية وصناع التغيير.
كما يشمل البرنامج ورشا توعوية لأمهات أصحاب الهمم تتضمن ورشة "قهوة همة” التي ستعقد في كل من أبوظبي، ودبي، والشارقة، ورأس الخيمة، وتتناول عدة عناوين من أبرزها الذكاء العاطفي يحسن الصحة النفسية، وكيف يكون عقلي صحياً، والحفاظ على الصحة النفسية من الانهيار، والاكتئاب وطرق علاجه.
ويخصص البرنامج التوعوي الذي ينظمه "المجلس" ضمن الفعاليات التحضيرية للمنتدى، فعالية لموظفي الشركاء تركز على الصحة النفسية والراحة والسعادة ونشر الإيجابية بين الموظفين، عبر إلقاء الضوء على "مهارات حياتية لتعزيز الصحة النفسية"، وأهمية العمل الجماعي في هذا الجانب، وآثار اللياقة البدنية والفنون على الصحة النفسية.
وفي الجانب التدريبي تتضمن فعاليات البرنامج تدريبات على الإسعافات الأولية مخصصة للأخصائيين الاجتماعيين والبالغين في المدارس الذين يتعاملون مع الأطفال مباشرة، وكذلك الإسعافات الأولية النفسية للأطفال واليافعين وهو برنامج متخصص مصمم لتوفير الدعم النفسي الفوري للأطفال واليافعين في حالات الطوارئ أو الأحداث المؤلمة الأخرى أو أعقاب الكوارث، وكذلك برنامج "أنا أدعم أصدقائي"، لتمكين اليافعين من التعرف على علامات الضيق لدى أقرانهم والاستجابة بطريقة داعمة ومفيدة بهدف الحد من وصمة العار المحيطة بقضايا الصحة العقلية وتعزيز ثقافة التعاطف والتفاهم ودعم الأقران، فضلا عن تدريب اليافعين على مهارات العواطف بغرض توفير المهارات العملية والدعم لكل من اليافعين ومقدمي الرعاية لهم للتعامل مع الاضطرابات العاطفية بشكل فعال.
المصدر: وام
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الأمومة والطفولة أم الإمارات المجلس الأعلى للأمومة والطفولة سمو الشیخة فاطمة بنت مبارک حول الصحة النفسیة على الصحة النفسیة هذا المجال فی هذا
إقرأ أيضاً:
تجليات الطبيعة والطفولة في «وعود اليمامة لجسد معطوب»
يقدم الشاعر أحمد الرمضاني تجربته الأولى، ويمزج في هذه التجربة ما هو شعري بما هو سردي، دون أن يُصنّف هذا الإصدار، فهي نصوص تقترب من تخوم السرد وتشتبك مع اللحظة الشعرية وتفجرها، محاولة الإمساك بالصورة الشعرية بإتقان السارد وخيال الشاعر، من خلال لغة نابضة بالحياة والتحولات، تجربة ينحاز فيها الرمضاني إلى ما هو بسيط وعادي وعميق في الآن ذاته، ينحاز إلى اليومي والطفولي والجمالي والحنيني فينا، من العتبة الأولى نجد الانحياز التام إلى تجليات الطبيعة ومظاهرها، فهذه اليمامة الواقفة على غصن العنوان لها حضورها ووعودها وحنينها وخطاباتها في نصوص المجموعة، والجسد المعطوب بالفقد واليتم والألم يُشفى بالحنين والطفولة، فهذا الجسد المنكسر بالوجع يبحث عن صوت يشفيه، عن صوت طائر أو ظلال شجرة أو صوت الماء في السواقي ليشرق، فكل ندوب اليتم والفقد الطافحة في الجسد المعطوب لهما ما يشفيهما داخل ظلال النصوص، فعلى المتلقي والمنصت لهذه النصوص أن ينصت إلى هذه الوعود الخفيّة التي تتلوها يمامة الشاعر، فصوت اليمامة ووعودها يندسان في تناقضات وتشظيات المعنى داخل النصوص، فيأتي هذا الصوت الجمالي الشفاف والمرادف للسلام مع نعيق الغراب الذي يحمل كل صيحات الشؤم والخراب، «حلّقت نوارس وضحكات أطفال، وبلا مبالاة لطيفة رفرفت حولي، وباللامبالاة ذاتها تجاهلت نعيق غراب يراقب المشهد عن كثب ... في تلك اللحظة المحتدمة بالتناقضات... تذكرتُ وعود اليمامة» ص26، فهذا المشهد الشاعري السينمائي يختتم بوعود اليمامة رغم نعيق الغراب، فيمامة الشاعر تنثر وعودها وأحلامها داخل النصوص، وتكشف لنا رغبة الشاعر في القبض على لحظة سلام طفوليّ، فروح الشاعر القلقة من الرحيل والفقد والغياب الجمالي لكل ما هو طفولي، دفعت -هذه الروح- للانغماس الكليّ في جوهر الطبيعة بكل تفاصيلها وأزمنتها وفصولها.
«البيوت التي ترحل عنها الأم يطوّقها الصمت إلى الأبد، العيون تسرح في الزوايا كي لا تلتقي عينًا أخرى، فيتحطّم زجاج في القلب والذاكرة، والآذان تبحث عن ضجيج عابث كي لا يستدرجها الصمت فتسمع وقع خطوات الموت وهو يقرع أجراس البيوت... ويهرب بعيدًا ... بعيدًا...» ص25.
كل هذا الفقد واليتم والغياب الجارف الذي يُطارد روح الشاعر نجد تجلياته ومظاهره في الطفولة والطبيعة والراحلين والموتى، فالغياب يسبر معنى الحنين في روح الشاعر، والألم الذي يحاصر قلق الشاعر، يغتسل بظلال الطبيعة، فالحضور الطاغي للطبيعة في نصوص المجموعة هو تعويض جماليّ حالم عن غياب الطفولة وفقد الأم، فحلّت هذه الطبيعة مكان هذا الغياب الشاعري والمجازي، لتمنح الشاعر أمومة أبديّة، يذهب الشاعر إلى الطبيعة ليرمم فقده، ويلتحم مع الطفولة ليؤسس له نظرته الخاصة للعالم والأشياء.
«تلك النسمة الباردة التي لا تكاد تلمس رأسي
كفيلة بأن توقد الحنايا والضلوع
كفيلة بأن أمسك بزمام اللحظة وأشاغب الأبد». ص17
فالنسمة الباردة تكفي الشاعر لتتفجر بداخله هذه العوالم المختلفة، عوالم يهرب إليها، يتمسك بها، ليشكل لحظته الأبديّة.
حتى في النوم تظلُّ حواس الشاعر ومشاعره متيقّظة ومتأهبة إلى صوت يمامة في الفجر، ويخشى أن تتلو هذه اليمامة وعودها وهو غارق في نومه وغيابه،
«وأنا نائم تبقى حواسي متأهبة، أذناي توّاقتان إلى صوت يمامة في الفجر». ص31
هذا الحضور الطاغي للطبيعة ومظاهرها على عوالم نصوص المجموعة وثيماتها يدفعنا إلى السؤال عن دوافع الهرب التي يتشبث بها الشاعر؟ ولماذا وجد جنته وكينونته في هذه الطبيعة التي لا تفارق الطفولة؟ هنا نلحظ بأن طفولة الأرضِ تُمثّلها هذه الطبيعة الحُلميّة التي يُحاول الشاعر الإمساك بها، كما يحاول بكل صوره ولغته الإمساك بطفولته.
«فقاقيع تهرب من فم شاعر يؤنس بها عزلة مكتظة بوجوه الراحلين أو سهام تثقب القلب وتكشف حُجبا وسماوات
من أنتِ؟
من نحن؟». ص15
فنحن هنا أمام غاية لهذا الهروب والارتماء في الطبيعة، وهو البحث عن عزلة؛ لكنها ليست عزلة خالصة، بل عزلة مكتظة بوجوه وأرواح الراحلين أو سهام تكسر قلب الشاعر، فالراحلون يشكّلون هاجسًا شعريًّا ووجوديًّا للشاعر، فنجد ذلك مُتمثلًا في نصين داخل المجموعة، نص: الفراشة التي أغراها النور، ونص معنون: إلى روح العم عبد الله الحسيني، يتسلل هذا الغياب إلى روح النصوص لينثر الألم الوجوديّ للموت، لكن الشاعر يصرُّ على استحضار الطبيعة ليكسر جبروت الموت المرعب، ليجعل من الطبيعة مساحة لكسر الغياب والفقد الذي يكسر روحه:
«القلوب مُعِشبة بالغياب
مورقة بالفقد». ص52
وحين نتتبع الحضور الشاعري الحلمي لهذه الطبيعة في الديوان نجد -هذا الحضور- مقترنا بثيمتين أساسيتين في النصوص، وهما: الطفولة والقرية. فالطفولة بكل تجلياتها امتزجت بتفاصيل الطبيعة، وهذا الامتزاج والالتحام بينهما لا يأتي إلا في ساحة القرية وتفاصيلها وعوالمها، وتمثل القرية حالة حُلمية مفقودة، فالشاعر يبحث عن قرية الطفولة البعيدة عن تشوهات الحداثة والمدينة، ويقترن هذا الحضور الثنائيّ بين الطبيعة والقرية ويتجلّى في الفجر، أول الفجر تحديدا «القمر فجرا لا يزال مرابطًا، أيها الصخريّ الذي يسحرنا بالنور، نحن أيضًا من طين يمكننا أن نشعَّ لولا عطبٍ قديمٍ في الروح». ص38 ، تنحاز النصوص بشكل كليّ إلى هذا المُثلث من الثيمات: الطفولة والقرية والطبيعة، تحضر أحيانا متلازمة ومتتالية، وأحيانًا أخرى منفردة، تحضر بدلالاتها المباشرة، أو تلميحًا لها، ويتشبث الشاعر بمعجمها، وبهذا التلازم تتشكل لنا الصورة الشعريّة في النصوص، «رأيت الفجر بأم عيني يكتحل زرقة البحر، ورأيته مرةً يترجل من شجرة الغاف الكبيرة، رأيت أحد الفلاحين يحمل الفجر على كتفه كفأس رشيقة ويفلق صخرة الليل ... رأيت الفجر». ص39، فتشكلت الصورة الشعرية في المقطع السابق من خلال مفردات الطبيعة: البحر والغاف، والفلاح الذي يلتحم بالطبيعة، كلُّ ذلك مع الضديّة التي تحملها الدلالات الزمنيّة بين الليل والفجر، فمن خلال بوابة الطبيعة وضديةّ الزمن شكّل الشاعر صوره وخطابه الشعريّ.
وهذا ما نجده كذلك في المقطع التالي، حيث تفجرت الصورة الشعرية من خلال مجموعة من تمظهرات الطبيعة، بدءًا من الجبال ومرورًا بالبحر والغيم، وليس انتهاءً بشتلات الزعتر، ولا يمكننا أن نغفل دور الرعاة المرتبط بفاعليته مع روح الطبيعة والطفولة.
«مرحى يا جبال الحجر الأزليّة أكُلّما شممتُ رائحة البحر في غيمة زاجلة، جُنّت في خواصرك شتلات الزعتر، وارتجل الفرح الجارف أغانيه في عيون الأطفال والرعاة الهائمين؟!». ص20
يحفر أحمد الرمضاني الذاكرة، يستحضر صورها وشخوصها، أشجارها وحيواناتها، يصطاد من لغة الأطفال وأحلامهم شذراته، ويحوّل ألمه الشخصي إلى تجربة إنسانيّة عميقة، ففي نصه «التفاحة الحمراء»، حيث يتتبع الشاعر مكانا واحدا، هو المستشفى، الذي شهد رحيل الأم، وولادة الطفلة، وإصابته بالمرض، تتداخل الأزمنة والمشاعر ويتعمق الشعور بالألم، «أخبرني الطبيب في إحدى زياراته أن هذا النوع من (الساركوما) عادةً ما يصيب الأطفال، قلتُ إذن هي حالة من الاثنتين؛ إما أن المرض يراني طفلًا وهذا نبلُ منه، أو أن جسدي تصدّى لأحد سهام القدر كانت في طريقها إلى جسد طفل ضعيف فالتقفها عنه، وهذا يرضيني كثيرًا». ص61، حتى في أصعب اللحظات وأقساها لا يتخلّى الشاعر عن استحضار روح الطفولة ليخفف من سهام المرض، فهو في كلتا الحالتين يرضى بما أصاب جسده وروحه.
تحضر الطبيعة بكل تجلياتها في نصوص أحمد الرمضاني بوصفها مرتكزًا جماليًّا أساسيًّا، فلا يخلو مقطع من نصوص المجموعة دون أن نجد ظلالا لهذه الطبيعة، طبيعة يذهب إليها بحنينه الطفوليّ، وبأحلامه الشاعرية، بوصفها الفقد والحضور، ينحت الرمضاني جوهر هذه الطبيعة، يبحث عن روحه في ظلالها، «أجمل استشفاء روحيّ ممكن أن تتجول بين قوافل النخل المُقمِر في قريتك المنعزلة، منسيًّا وناسيًا ومتناسيًا». ص13. فقوافل النخيل الممتدة هي من تشفي روح الشاعر من جروح الحياة والفقد، ومع هذا التشافي الذي يرغب فيه، فهو يبحث عن عشبة العزلة، فيريد أن يكون منسيًّا من البشر، وناسيًا كل ما يشغله عن هذا التماهي الروحيّ، أو أنه يذهب إلى لعبة النسيان بكل وعيه وإصراره، فهو ليس سائحًا بل عاشق لهذه الطبيعة، «من الفلج أسرق شروده، ولامبالاته كأن أكون نخلة تعانق مئذنة وتصغي معي إلى الصمت في تدفقه الدائم، سريانه في عروق القرية». ص18، لا يكتفي بما تمنحه إياه الطبيعة، بل يريد أن يسرق بشكل جمالي شرود الفلج، وأن يصبح نخلة تعانق المئذنة، كل هذا التوغل في روح الطبيعة ليس لمعرفة مكنوناتها، بقدر ما هي رغبة شاعرية للكشف عن جوهر الطبيعة وتجلياتها المفقودة، وهذه التجليات مرتبطة بطفولة الشاعر.
ورغم الحضور الكثيف لمظاهر الطبيعة وما تحمله من دلالات على الحياة والوجود، إلا أن الموت وصوره يحضران بكثافة في النصوص، وكأن هذه الحياة التي تنبثق من روح الطبيعة لا تتشكل إلا من خلال نقيضها؛ وهو الموت.
«ولأني أمشي حافي القلب منذ دفنت أمي
لم ألتفت ولم أتلفت
أصبح القلق كلبي الذي لا ينبح
والزمن
ديكًا يصيح في الظهيرة
فلتعوِ الريح
ولتقمِ الحروب». ص42.
فالموت الذي يسبر الشاعر مجاهيله ودروبه لا يقتصر على الموت الواقعي المباشر، بل مرتبط كذلك بالغياب والفقد، فغياب الطفولة، وروح القرية ونمط معيشتها، وصوت الطيور، والأشجار التي تحضر في ذاكرة الشاعر بوصفها رفيقة للطفولة، كل ذلك هو موت بشكل مجازيّ يسبره الشاعر بمخيلته وحنينه.
«النخلة الوحيدة في طرف القرية تفرد شعرها للريح منعتقة وحرّة لا تفكر وربما لا تحلم، الماء القليل الراشح في النسغ القادم من أقاصي الفلج يدسُّ فيها معنى خفيًّا للحياة..
النخلة الوحيدة مثل شاعر غريب». ص8
تذهب نصوص أحمد الرمضاني إلى عوالم الطفولة والموت والطبيعة، ويسبر معنى الأمومة المفقودة، ويُشيّدُ عالمًا طفوليًّا حالمًا، لكنّه في الوقت ذاته غائب، يحاول استرجاعه، وبين هذه العوالم تحضر الأشجار والطيور لتأثث عالم الشاعر الذي لم يغادر طفولته، أو الطفل الذي كان يتلمس الشعر بكل حواسه ومخيلته وخيالاته.