أما آن للنخبة السودانية استعادة دورها لإنقاذ الوطن؟
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
أتصور أن غياب النخبة المثقفة عن المشهد السياسي أطلق العنان لفاعلين من خلف الستار لينفذوا أجندتهم. وأعتقد أنه قد آن الأوان للنخب المثقفة السودانية أن تتداعى بمختلف توجهاتها لانقاذ الوطن من كف العفريت.
الخبر السار أنه على الرغم من غياب السياسة مع الحضور الطاغي للبندقية فإن مستوى الوعي الشعبي سيجعل مهمة أصحاب المآرب من الفاعلين من خلف الستار شاقة إن لم تكن مستحيلة.
أعتقد أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق النخبة المثقفة لأداء دور تنويري متقدم لفترة ما بعد الحرب. هناك مطلوبات ضرورية وملحة يجب التوافق حولها على مستوى النخبة المثقفة من مختلف التوجهات الفكرية، أبرزها:
1. إزالة آثار الغوغائية السياسية التي وسمت المرحلة الانتقالية من الاستقطاب السياسي والتنابز بالألقاب والتناحر على لا شيء.
2. إرساء أسس جديدة للممارسة السياسية تقوم على التنافس الحر وتقديم الأفضل المفضي في نهاية المطاف إلى التعاون والتكاتف، لا على التناحر والسعي للقضاء على الآخر.
3. تعزيز ثقافة الديمقراطية القائمة على أساس أن الرأي الآخر مكمل وليس خصماً، وأن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات وليس الانتماء الحزبي أو القبلي أو الجهوي، وأن المواطن في سياق الدولة قيمة مستقلة عن أي انتماء بخلاف الانتماء للوطن، وتزداد هذه القيمة بقدر ما يكتسبه المواطن من قدرات ومهارات ومعارف للمساهمة في تقدم الدولة ورقيها.
4. صياغة مشروع وطني جامع يجد فيه المواطن نفسه بالأصالة، بمعزل عن أي انتماء إلا للوطن. يكون هذا المشروع شاملاً بحيث يجد فيه كل مواطن نفسه بصرف النظر عن مجال تخصصه واهتماماته، مشروع يفجر الطاقات ويستهدف استغلال ثروات البلاد لتحقيق رفاه المواطن مادياً وثقافياً.
5. بناء دولة القانون والمؤسسات التي لا مكان فيها للقرارات الفردية أو النخبوية أو الجهوية، دولة تقيم وزناً معتبراً للمؤسسات ويصبح الفرد فيها قابلاً للمساءلة مهما علا شأنه وارتفعت مكانته، دولة يكون فيها ماكنة خاصة للعلماء والخبراء. بناء دولة المؤسسات يعني وجود شفافية كاملة في إدارة الشأن العام من حيث التوظيف في المؤسسات العامة وشفافية في صناعة القرار في الدولة وإدارة المال العام.
6. إرساء أسس جديدة للتداول السلمي للسلطة وفق الأوزان السياسية للأحزاب وبرامجها التنموية، بعيداً عن أي شكل من أشكال التحايل السياسي أو الانقلابات العسكرية، مع التشديد على إبعاد الممارسة السياسية عن الاستقطاب وشيطنة الخصوم.
7. إعداد سياسة سكانية تضمن إدارة التنوع حتى يشعر المواطن في كل بقعة من الوطن بوجوده في الدولة بصرف النظر عن لون بشرته أو لكنته أو إثنيته، ترسيخاً للشعور بالانتماء. هذا الشعور بالانتماء هو الذي يمنع اندلاع حركات التمرد من وقت لآخر.
هذه النقاط السبع تمثل الدور المنوط بالنخبة المثقفة التي يجب أن تمثل مصلحة المواطن وليس مصلحة القوى السياسية المتصارعة على السلطة.
إن قيام النخبة المثقفة بدورها سيجعل مهمة اللاعبين من خلف الستار صعبة إن لم تكن مستحيلة. وأن الوعي الشعبي الذي ارتفع بفضل وسائل التواصل الاجتماعي سيجعل مهمة النخبة المثقفة سهلة وميسرة.
أرجو أن أؤكد على أهمية دور الطبقة المثقفة في المرحلة القادمة، مرحلة ما بعد الحرب. إن هذه الأهمية مؤكدة إستناداً إلى قناعة ترسخت من خلال المتابعة اللصيقة للخطاب المزدوج الصادر من الدول الغربية ومقارنته بالأفعال على الأرض.
والخلاصة هي أن الدول الغربية بقدر ما أنها تنادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان إلا تمنع قيام الديمقراطية في بلاد المسلمين بصفة خاصة وخارج النطاق الغربي بصورة عامة، لما قد يترتب على ذلك من تحرر كامل واستقلال سياسي يؤدي بالضرورة إلى إحداث تنمية مستدامة قائمة على البحث العلمي والتصنيع مما يؤدي إلى بروز أنظمة سياسية تنافس الغرب وتمنع عنه المادة الخامة.
الديمقراطية الحقيقية تعني أن الشعب سيختار قيادته السياسية بكامل إرادته، ولن تكون هذه القيادة المنتخبة عميلة للغرب كما يحصل في حالة القيادات المنصوبة من قبل أجهزة الاتسخبارات الغربية. لذلك نشاهد أن الخطاب المزدوج للغرب يرتفع صوته منادياً بالديمقراطية وحقوق الإنسان من ناحية ويرعى أنظمة الاستبداد السياسي من ناحية أخرى نظراً للولائها الكامل للمصالح الغربية على حساب المصالح الوطنية.
النخبة السودانية المثقفة بحاجة إلى التأكيد على استقلال البلاد، وإبعاد التدخل الخارجي بأي شكل، ومنع الاستعانة بقوى خارجية ضد الخصوم المحليين. أنا هنا لا أدعو للخطاب المناهض للغرب ولا أدعمه، وهو خطاب شعبوي كثيراً ما اختبأ خلفها الانتهازيون، بقدر ما أدعو إلى تركيز الاهتمام على النقاط السبع التي أشرت إليها مع إمكنية التعاون مع الخارج على أساس مصلحة البلاد.
خلاصة القول أن غياب النخبة السودانية المثقفة عن الساحة السياسية أفسح مجالاً واسعاً للخطاب الشعبوي الغوغائي الاستقطابي الذي انتهى بالحرب الدائرة حالياً. وما لم يكن هناك تدخل من النخبة المثقفة لتغيير الخطاب إلى خطاب يحشد المجتمع في حراك فكري محموم من أجل بث قيم الوحدة الوطنية واستنهاض الهمم وبعث الأمل في مستقبل أفضل لنا جميعاً، فإنه من المرجح أن يبرز خطاب شعبوي جديد معاكس لنفس الخطاب الغوغائي السابق وسنظل نراوح مكاننا وسيكون للاعبين الخارجيين دور كبير في عرقلة أي توجه حقيقي للنهوض بالوطن سياسياً وثقافياً واقتصادياً.
بقلم: رمضان أحمد
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مناوي: قمت بتنوير الخارجية الألمانية بموقف الحكومة السودانية
قال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي:سعدت اليوم بلقاء بالسيدة مسؤولة الشوؤن الأفريقية بالخارجية الألمانية برفقتي البعثة السودانية تناول اللقاء عدداً من القضايا ، قمت بتنوير الخارجية بموقف الحكومة السودانية الذي تتمثل أولوياتنا في حماية المواطنين من وحوش الدعم السريع والتدخلات الأجنبية التي تتسبب في انتهاك السيادة.رصد – ” النيلين” إنضم لقناة النيلين على واتساب
Promotion Content
أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك
2025/12/13 فيسبوك X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة مليشيا الدعم السريع تفرض جبايات مالية ضخمة وعمليات ابتزاز معيشي علي التجار2025/12/13 صديق المهدي .. المشروع المدني الديمقراطي هو الوحيد القادر على إيقاف الحرب2025/12/13 وزير التعليم العالي يخاطب المؤتمر البحثي العلمي الثاني لكلية الطب بجامعة البحر الأحمر2025/12/13 وزير الصحة يشيد بمستوى التعاون والتنسيق القائم بين المستويات الاتحادية والولائية2025/12/13 المقاومة الشعبية بمحلية كوستي تؤكد جاهزيتها للمشاركة في الحشد الجماهيري للاصطفاف خلف القوات المسلحة2025/12/12 إنتشار مروري كثيف لمرور النيل الازرق بجميع التقاطعات2025/12/12شاهد أيضاً إغلاق سياسية ???? توضيح من شيخ الأمين: أنا أصدق بقال وأجد نفسي معه في حيرة من هذا الجو المليء بالدسائس والأكاذيب والزيف 2025/12/12الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن