العمل الخيري والتطوعي في رمضان.. نشاط متزايد يرسخ قيم التكافل
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
بخاء - أحمد بن خليفة الشحي
تقوم الفرق الخيرية والتطوعية بدور بارز وملموس في المجتمعات، يلمسه الجميع وخاصة في الأوقات التي يحتاج إليها المجتمع وأفراده لهذا التكافل، وخلال الشهر الفضيل تنشط هذه الفرق والجماعات يتبعهم أفراد المجتمع متطوعين في أعمال الخير وتقديم المعونة من خلال تلمس احتياجات الأفراد والأسر ولتسليط الضوء على مفهوم العمل التطوعي وأعمال الفرق الخيرية استطلعت"عمان" بعض الآراء.
في البداية التقت عمان الدكتور حسن بن علي بن محمد المدحاني باحث ومتخصص في الشؤون الاجتماعية والعمل الإنساني الذي أشاد بالجهود التي يبذلها المتطوعون وأعضاء الفرق الخيرية قائلا: تأتي أهمية الفرق الخيرية والتطوعية في دورها المعطاء وتجسيدها للعمل الإنساني الاجتماعي بما يخدم أكبر شريحة مجتمعية هي بحاجة إلى دعم ومساندة في مختلف مجالات الحياة وتهدف تلك الفرق إلى تحريك دورة الحياة الاجتماعية والإنسانية بين الغني والفقير وبين الداعم الاجتماعي والمتلقي للخدمات الاجتماعية. وكما هو معروف أن الأعمال الخيرية والتطوعية في سلطنة عُمان قد نسجت خيوطها الإنسانية الاجتماعية منذ القدم، وجاءت الفرق الخيرية والتطوعية في وقتنا الحاضر لتنظم تلك الأعمال والممارسات الإنسانية تحت مظلة واحدة تشرف عليها وزارة التنمية الاجتماعية، وهي ذات حوكمة قانونية شاملة وواضحة حتى لا يتم استغلالها في أهداف أخرى غير قانونية.
وخلال الفترة الماضية استطاعت الفرق الخيرية والتطوعية في سلطنة عمان أن تثبت كفاءتها وفاعليتها في تحريك عجلة التكافل الاجتماعي ونشر الوعي التطوعي كما استطاعت أن تكسب ثقة المجتمع وأصحاب الدعم بمختلف أنواعه وذلك من خلال المهنية التخصصية التي تنتهجها في إدارتها الأعمال الخيرية ولنا في ذلك الكثير من التجاوب والممارسات، ومنها الدور الذي قدمته تلك الفرق أثناء تعرض سلطنة عمان للأنواء المناخية المتكررة وأيضًا تخصصها في شؤون كبار السن والأطفال والمرأة وذوي الإعاقة وغيرها من فئات المجتمع، والأمثلة في ذلك كثيرة.
فقد أصبحت الفرق الخيرية والتطوعية في سلطنة عمان رائدة في مجال العمل الخيري التطوعي الإنساني، والذي أكسبها الثقة الدولية من خلال المشاركات العالمية وحصولها على الكثير من الجوائز العالمية في ذات المجال.
ومع ما توصلت إليه الفرق الخيرية والتطوعية في السلطنة من تقدم وإجادة تنظيمية، نرى بأنها ما زالت بحاجة إلى مزيد من التمكين التنظيمي والمؤسسي، وإعطائها الصلاحيات والدعم الشامل لتتمكن من تحقيق أهدافها الإنسانية التي تتطلع من خلالها إلى خدمة المجتمع في مجالاتها المختلفة.
تلاحم المجتمع
ويقول عبدالرحيم بن عبدالله الشيزاوي: الفرق الخيرية لها دور كبير في تلاحم المجتمع وتماسكه ونشر المحبة بين أفراده، ولها دور بارز في تأصيل التكافل الاجتماعي وتحقيق النفع والفائدة في دفع عجلة التنمية، وهي تحقيق لقول النبي ﷺ: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) ولقول النبي ﷺ: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، فما أجمل الوحدة وما أحسن العطاء وما أنفع أن يعطف الأغنياء على الفقراء، ويقدر الفقراء دور الأغنياء، ومن جانب آخر فإن الفرق الخيرية وسيلة للعمل التطوعي القائم على العطاء ونشر التراحم بين الناس، ولا شك أن هذا التطوع يرسي دعائم السعادة في قلب المتطوع فتراه متفائلًا مفعمًا بالحيوية والنشاط، مسرورًا بالعمل من أجل إسعاد الآخرين وهو يرجو الثواب والأجر من رب العباد.
تكاتف وتكامل
وأكد الدكتور يوسف بن عبدالله الشحي على الفائدة المرجوة من هذه الفرق والمتطوعين خاصة في الجانب التربوي وتربية الناشئة على حب العطاء، مضيفًا: "تقوم الفرق الخيرية بأعمال تطوعية كبيرة حيث تحقق التكافل الاجتماعي والتعاون والتكاتف والتكامل بين أفراد المجتمع وتقوي الروابط وتزيد الألفة والمحبة بين الناس وتشعر المتطوعين بالسعادة والثقة بالنفس وزيادة الخبرات واستثمار الطاقات والأوقات والنفقات في طاعة الرحمن وخدمة المجتمع وأفراده والفرق التطوعية تساهم في التخفيف من ضغوطات الحياة فترعى الفقراء والمساكين والمحتاجين وتقدم لهم ما يحتاجون، والفرق الخيرية همزة وصل بين المساهمين والمقتدرين وبين المستحقين للمساعدات حيث كفالة اليتيم وطالب العلم ورعاية الأرامل والمحتاجين وهي تقوم بتنظيم إيصال المساعدات بصفة رسمية معتمدة للفئات الأكثر حاجة بعد دراسة حالتهم ولا يقتصر دور الفرق التطوعية على جمع المال وتوزيعه على مستحقيه وإنما تقوم بأعمال تطوعية عديدة كالنظافة والتشجير والبناء والتعمير وإنشاء الأوقاف وإدارة الأموال وتثميرها. لذا ينبغي التعاون مع الفرق الخيرية والمساهمة معها في جهودها وتحقيق أهدافها في تلبية احتياجات المجتمع وإسعاده من خلال المساهمات المالية أو المشاركة في فعالياتها وأعمالها التطوعية".
دور إنساني
ويقول راشد بن محمد حروب الشحي أحد الناشطين الاجتماعيين بمحافظة مسندم: "بحكم معايشتي لواقع العمل التطوعي أرى أن العمل التطوعي بصفة العموم يسعى لإيجاد روح إنسانية تعاونية بين أفراد المجتمع الواحد والمجتمعات المختلفة عمومًا منوها أن الحديث عن هذا المجال متسع ومتعدد الجوانب ولكن بشيء من الإيجاز يمكن القول إن الفرق الخيرية التطوعية في محافظة مسندم وفي سلطنة عمان عموما لها دورها الإنساني الاجتماعي الفاعل لدى المجتمع الموجدة فيه، فهذه الفرق تقوم بأعمالها ومهامها الاجتماعية والإنسانية بصفة تطوعية من قبل مجموعة من الأشخاص مضحين بالوقت والجهد والمال دون انتظارهم ربحًا أو كسبًا ماديًا أو تحقيق مصلحة شخصية ذاتية لهم وإنما هو تكريس للجهود المخلصة من خلال وضع برامج هادفة تحقق أغراضًا اجتماعية وتنموية وإغاثية ورعائية وتكافلية عن طريق جمع التبرعات والمساهمات المادية والعينية وغيرها والعمل على إعادة توزيعها وفق آليات منظمة وأولويات حاجة الفئات المجتمعية المستحقة، وذلك على نطاق الاختصاص في الولاية أو المحافظة حسب الأحوال والظروف التي يفرضها الواقع العملي للفرق الخيرية".
تكافل جماعي
ويضيف الدكتور راشد الشحي أن الله تعالى يأمر عباده بالتعاون على "البر" (وَتَعَاوَنُوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وهو اسم جامع لكل أعمال الخير الظاهرة والباطنة التي يحبها الله ويرضاها والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "خير الناس أنفعهم للناس". فالإسلام حريص على التكافل والتراحم وأن يعيش الفرد في ظل كفالة الجماعة، وتعيش الجماعة مؤازرة للفرد يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى، والسهر" وأنه يكفي المتطوع شرفًا أن الله تعالى شاكر لفعل تطوعه عالم بما قام به خير وبهذا أنه يتوجب علينا أن نتيقن أن كل إنسان عمل خيرًا أن الله تعالى يعلمه ويشكره على عمله لقوله تعالى: (وَمَنْ تَطوع خَيْرًا فَإِنَّ الله شاكر عليمٌ)، فالتطوع في شتى المجالات والقربات والصدقات خير للإنسان وللأمة قاطبة وفي الختام وجه الدكتور راشد بن محمد الشحي كلمة مناشدًا ومذكرًا فيها أفراد المجتمع بضرورة المبادرة إلى التطوع في فرق الأعمال الخيرية خدمة للمجتمع وابتغاء الأجر والمثوبة من الله تعالى رافعًا شعارًا له "أنا متطوع ليكون وجودي في هذه الحياة أجمل وأكمل"، وكذلك الجهات المعنية العامة والخاصة العمل على تحقيق مزيد من التعاون والتكاتف من أجل العمل على رفع مستوى الأعمال الخيرية التطوعية وتنميتها وتوجيه جيل الشباب للتطوع والمشاركة المجتمعية الفاعلة ورفع الروح المعنوية للمتطوعين وإحساسهم بما يحققونه من نجاحات في مجتمعهم لدفعهم لمزيد من البذل والعطاء.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأعمال الخیریة أفراد المجتمع التطوعیة فی سلطنة عمان الله تعالى فی سلطنة من خلال
إقرأ أيضاً:
ريادة الأعمال المجتمعية والفرص الممكنة في سلطنة عُمان
دعيت الأسبوع الفائت للحديث في جلسة نظمتها مديرية الثقافة والرياضة والشباب بشمال الباطنة حول (ريادة الأعمال الاجتماعية)، وذلك على هامش احتفائها بيوم الشباب الخليجي، حيث ركز الحوار على تأصيل المفهوم، وتتبع جذوره في التاريخ والممارسات، إضافة إلى النماذج البارزة عالميًا التي تمثله، وصولًا إلى سياقاته المحلية من مبادرات، ومأسسة وتنظيم، عوضًا عن التحديات التي تحول دون تبلوره وتطوره. في الواقع يمكن توضيح مفهوم ريادة الأعمال المجتمعية كونها شكلًا من أشكال الأعمال الريادية والتي تهدف في مغزاها الأساس إلى التمكين والتنمية الاجتماعية جنبًا إلى جنب مع تحقيق العوائد والأرباح المالية - وإن كانت بهوامش محدودة - ، والتمكين والتنمية قد تتضمن تعزيز الفرص لبعض الفئات الاجتماعية، أو حل مشكلة اجتماعية قائمة، أو التعامل مع فرص اجتماعية منظورة، أو تنمية ودعم بعض الخصائص الاجتماعية للمجتمع؛ وعلى سبيل التدليل ظهرت في السنوات الأخيرة في المنطقة بعض المشروعات التجارية التي تخصص لتشغيل بعض الأشخاص ذوي الإعاقة في المهن التي تتناسب معهم، وهي تشكل تطبيقًا من تطبيقات المفهوم؛ حيث إنها إلى جانب سعيها لتحقيق الربح واستدامته، إلا أنها على الجانب الآخر تسعى لتحقيق (أثر اجتماعي) يتمثل في تمكين إحدى الفئات ذات الاحتياج الأقصى، ودمجها في المجتمع والاقتصاد، وإطلاق طاقاتها الإنتاجية، وقس على ذلك في أنشطة بعض المؤسسات التي تتوجه إلى تعليم بعض المهارات المهنية للشباب المقبلين على سوق العمل برسوم رمزية، أو الكيانات التي تسعى لتمكين المشروعات المجتمعية أو الذاتية محدودة التكاليف كدعم المزارعين والصيادين وما شابهها.
تاريخيًا تطور مفهوم ريادة الأعمال المجتمعية انطلاقًا من محرك مهم وهو «عدم المساواة في المجتمع الحديث». وأخذ يترسخ مؤسسيًا بفعل مرور المجتمعات عمومًا بتحولات في بنيتها الديموغرافية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، تلك التحولات بدورها أنتجت احتياجات ورغبات متفاوتة لا تستطيع الدولة بمؤسساتها وخدماتها بالضرورة تلبيتها، كما أنها قد لا تنتج من قبل السوق التقليدية (القطاع الخاص)، أو قد يتطلب الوصول إليها تكاليف كبيرة على المستفيد منها أو طالب الخدمة. واجتهدت الكثير من الأدبيات في محاولة وضع خصائص وسمات لرواد الأعمال المجتمعيين، ولمؤسسات ريادة الأعمال الاجتماعية، ومن بينها محاولة موشيه شارير وميري ليرنر لـ«قياس نجاح المشاريع الاجتماعية التي بدأها رواد الأعمال الاجتماعيون الأفراد»، حيث تم تحديد ثمانية عوامل نجاح رئيسية للمشاريع الاجتماعية وهي: «الشبكة الاجتماعية لرجال الأعمال (قوة العلاقات الاجتماعية وتوسعها) - التفاني الكامل لنجاح المشروع - قاعدة رأس المال المتاحة في مرحلة التأسيس - قبول فكرة المشروع في الخطاب العام (المجتمع) - تكوين فريق المغامرة، بما في ذلك نسبة المتطوعين إلى الموظفين ذوي الرواتب - تشكيل تعاونات طويلة الأمد في القطاعين العام وغير الربحي - قدرة المشروع على الصمود في وجه اختبار السوق - الخبرة الإدارية السابقة لرجال الأعمال (رائد العمل المجتمعي).
ما يعنينا هو ماهية الفرص المتاحة لتبلور مفهوم ريادة الأعمال المجتمعية (بشكل مؤسسي) في سلطنة عُمان، والأصل أن المفهوم كممارسات وقيم متجذر في المجتمع وله أبعاد عديدة، غير أن الانتقال إلى أن تكون ريادة الأعمال المجتمعية اقتصادًا قائمًا من ناحية، وتكون كياناتها المؤسسية أكثر وضوحًا واتساقًا مع المفهوم من ناحية أخرى، وتوجه بشكل فاعل لأغراض الاستدامة كونها عناصر تتطلب تحولًا في الممارسات الحالية. وما يُلح على هذا التحول هو ثلاثة محركات مهمة: أولًا توسع حاجيات ورغبات المجتمع نتيجة التحولات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية فيه، وثانيًا محدودية دور الدولة والسوق التقليدي في تلبية الرغبات المتزايدة، والحاجات النوعية الناشئة لدى بعض فئات المجتمع، عوضًا عن القضايا والظواهر المجتمعية الطارئة، وثالثًا هو تبلور الفكر الريادي واكتمال دعائم تلك المنظومة وخاصة لدى فئة الشباب. وبقدر ما تنشأ اليوم من احتياجات اجتماعية صاعدة، بقدر ما يفرز التغير الاجتماعي في المجتمع العُماني فرصًا لبروز أشكال ريادية جديدة في العمل المجتمعي، فملفات مثل الاستثمار في الشيخوخة النشطة، وتعزيز مبادئ الثقافة المالية لأفراد المجتمع، وتسويق أنشطة الأسر المنتجة، وتعميم ثقافة الحصانة السيبرانية والوعي بأمن المعلومات والخصوصية، وتمكين الشباب من المهارات المتقدمة للانخراط في سوق العمل، والاستثمار النوعي في الطفولة المبكرة والخدمات المتصلة بها، وتمكين العمل الحر والاستثمار في المواهب الشبابية، والإدماج الاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة، وصناعة المحتوى الرقمي الموجه للأغراض الاجتماعية، ودمج المجتمعات في عمليات التنمية المحلية ومشروعاتها كلها نماذج لفرص يتيحها التحول الراهن في الدولة والمجتمع لصالح نشوء أفكار ريادية تخدم العمل المجتمعي، وتبقى أسلحة رائد العمل المجتمعي ثلاثة حسب تصورنا: العين الاجتماعية الحاذقة، والإيمان بالقضية التي ينشط فيها ويبادر لأجلها، واليقين بأهمية التغيير الاجتماعي وصناعة الأثر المنشود.
على الجانب الآخر تتطلب المرحلة المقبلة إعادة التفكير في اللوائح والنظم والتشريعات التي يمكن أن تتعامل مع هذا الشكل من أشكال الأنشطة، وذلك لتعزيز دورها ومساهمتها الاقتصادية أيضًا جنبًا إلى جنب مع إحداث الأثر الاجتماعي، فالدول التي التي ركزت اهتمامها في السنوات الأخيرة لتعزيز وترسيخ ودعم المؤسسات القائمة على هذا المفهوم استفادت بشكل مباشر من تطور مساهمته في الاقتصاد العالمي التي وصلت في 2024 إلى نحو 1.9% في الاقتصاد العالمي، وقدرته على تخليق الوظائف والتي تقدر بنحو 210 ملايين وظيفة حول العالم، ومساهمته في تأسيس كيانات مستدامة تحرك الدورة الاقتصادية. كما أن نشر الوعي بالمفهوم وممارساته وأفضل نظم الحوكمة التي توجهه وتوسيع نطاق التدريب للفئات الشابة على أساسياته كلها تعد عناصر مهمة للحصول على ثمار هذا النوع من الريادة المجتمعية.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان